تونس – الصباح
مرة ثانية يتم ترحيل الأمير المغربي هشام العلوي ومنعه من دخول التراب التونسي، مساء أول أمس الخميس.. وكانت المرة الأولى في 2017 عندما تم منعه دون أن تقدّم السلطات أسبابا واضحة لهذا المنع .
وكان الأمير هشام العلوي، مدعوا لحضور ندوة يعقدها اليوم السبت، فريق الطبعة العربية لجريدة "لومند الديبلوماسية" حول موضوع "المغرب العربي في زمن السياسات الشعبوية" في العاصمة.. وكان من المفترض أن هذه الندوة ستشهد مداخلة للدكتور في جامعة هارفارد هشام علوي وتتلي ذلك مداخلات أخرى لسيرج حليمي وأكرم بلقايد وحاتم النفطي وقد ورد في بلاغ الندوة أنه "على ضوء الاضطرابات التي شهدها العالم العربي وخاصة المغرب العربي على الرغم من العدد الصغير من فضاءات المقاومة فان ذلك لم يمنع من صعود أنظمة الشعبويات وسياسات استبدادية متزايدة".
ولن يكون هشام العلوي حاضرا في هذه الندوة بعد أن قامات السلطات بمنعه من دخول الأراضي التونسية للمشاركة في هذه الندوة وهي المرة الثانية التي يتم فيها ترحيل الأمير من تونس في حادث مشابه سنة 2017. وفي تصريح حصري لجريدة "القدس العربي" قال هشام علوي انه تم منعه وزوجته دون تقديم تبريرات، وأنه بعد نزوله من الطائرة تمت مرافقته الى قاعة خاصة في انتظار ترحيله على نفس الطائرة. وفي تصريحه قال هشام العلوي أن معاملة شرطة الحدود كانت لائقة وتمت في كنف الاحترام .
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها منع ابن عم ملك المغرب هشام علوي من دخول تونس إلا أن القرار هذه المرة بدا لافتا واستدعى الكثير من الاهتمام لأنه في سياق توتّر شديد في العلاقة بين تونس والمغرب بعد قمة "تيكاد" بسبب دعوة رئيس جبهة البوليزاريو لحضور هذه القمة اليابانية – الإفريقية التي نُظّمت بتونس رغم أن الأمير المغربي لا يمكن اعتباره جزءا من النظام المغربي ويُعرف عنها انتقاده لسياسات محمد السادس وأنه من دعاة الديمقراطية والمدافعين عن حقوق الإنسان.
هشام علوي هو ابن عم ملك المغرب وهو أستاذ مشارك في مركز ويذرهيد للشؤون الدولية بجامعة هارفارد. وقد أصدر في سنة 2014 كتابا مثيرا للجدل باللغة الفرنسية سمّاه "الأمير المنبوذ" يحكي فيه عن والده الأمير مولاي عبد الله ووالدته الأميرة لمياء ابنة رياض الصلح أول رئيس وزراء لبناني بعد الاستقلال، وعلاقاته مع عمه الملك الحسن الثاني وابن عمه محمد السادس.
وتضمن الكتاب انتقادات شديدة للسلطة المغربية وإلى الأحزاب المغربية التي لم يتردد في وسمها بالانخراط في اللعبة السياسية للسلطة. وبعد هذا الكتاب بعامين أعلن الأمير المغربي عن تخليه من لقبه الأميري دون أن يكف على الاهتمام بالشأن السياسي كما رفض أن يكون تصنيفه ضمن ورشة عرش المغرب في المركز الرابع.. وقال انه يفضّل أن يعود مواطنا مغربيا عاديا. في شبابه، حصل الأمير على لقب "الأمير الأحمر" بسبب آرائه السياسية التقدمية. وفي الآونة الأخيرة أصبح من أشد المؤيدين للمزيد من الديمقراطية في المغرب ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمجمل مما جعله يقع في خلاف مع عائلته. وقد اختار هشام علوي منذ 2002 العيش في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن ذلك لم يمنعه من التنقل في أماكن عديدة في العالم ليحاضر حول الديمقراطية في العالم العربي. وحسب ما نقلته موزاييك فانه وبعد منع الأمير يوم الخميس من دخول تونس نفت مصالح وزارة الخارجية أن يكون لها أي علم بمنعه من دخول تونس .
وفي 2017 كان مدعوا أيضا الى تونس لإلقاء محاضرة ولكن السلطات التونسية آنذاك قامت بمنعه في مطار تونس قرطاج فور وصوله إلى المطار وقد صرحت الناطقة باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش آنذاك، أن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مستاء لما حصل للأمير وأشارت الى أن عملية الترحيل تمت وفق إجراءات إدارية آلية لم يتم الرجوع فيها للمسؤولين. وأوضح الأمير وقتها أنه تم اقتياده للمطار ورفضت السلطات إعطاءه وثيقة تبرر ترحيله من البلاد وأضاف الأمير أن الشرطة اكتفت بإبلاغه شفويا أن قرار طرده هو "قرار سيادي" قائلا أنه جاء إلى تونس للحديث عن تحدي ترسيخ الانتقال الديمقراطي التونسي، كما دعا وقتها أيضا إلى ضرورة "احترام الحرية الأكاديمية" وأن قرار ترحيله من الأراضي التونسيين لا يرقى لنبل الثورة التونسية على حد تعبيره .
أسباب الترحيل
وإذا كان سبب ترحيل الأمير المغربي في زمن الباجي قايد السبسي يجد مبرراته في علاقة جيدة مع النظام المغربي الذي يبدو غير راض عن تصرفات الأمير هشام علوي الذي يطالب بالديمقراطية في بلاده وينتقد نظام حكم محمد السادس بشكل صريح.. فان طرده اليوم يبدو غريبا نوعا ما خاصة وان علاقة تونس مع المغرب تعيش أزمة غير مسبوقة بعد استدعاء السفير المغربي بتونس احتجاجا على مشاركة الوفد الصحراوي بقمة "تيكاد" بتونس والتي نجحت تونس في تنظيمها بشكل كبير ولعل ذاك النجاح هو ما زاد في تأجيج ردود الفعل لدى الأشقاء في المغرب.. فليست أول مرة تشارك جبهة البوليساريو التي تسعى لتحرير الصحراء الغربية مما تراه استعمارا مغربيا، حيث شارك قائد الجبهة إبراهيم غالي في الدورة السادسة لـ"تيكاد" المنعقدة بكينيا في 2016 والدورة السابعة المنعقدة باليابان سنة 2019 ، كما شارك أيضا في اجتماعات إقليمية أخرى على غرار القمة الإفريقية-الأوروبية المنعقدة في فيفري 2022 ببروكسيل وذلك بمشاركة المملكة المغربية في جميع هذه القمم.. بل اجتمع ملك المغرب وقائد الجبهة في نفس الصورة دون ان يصدر أي احتجاج عن المغرب ولم تتشكل جبهة للهجوم والتطاول على الدول المنظمة لهذه اللقاءات الدولية.. ولكن عندما حضر الوفد الصحراوي بقمة تونس اعتبرت المغرب أن ذلك فيه تهديد لسيادتها على الأراضي الصحراوية.
ورغم تشنّج العلاقات الثنائية إلا أن موقف تونس الأخير وترحيل الأمير يُفهم منه انه سعي لتثبيت الأعراف القائمة وأنها لم تسمح بدخول الأمير حتى لا تمعن في استفزاز الدولة الجارة خاصة وان النظام المغربي يعتبر الأمير هشام علوي من معارضيه الكبار بالنظر الى مكانته العلمية وكذلك مكانته في العائلة المالكة رغم تنازله عن تصنيفه في ورثة العرش .
منية العرفاوي
