رحم الله الشاعر القيرواني الأندلسي ابن شرف الذي عايش فترة الانحطاط الحضاري الذي عرفته الأندلس نتيجة تقاتل حكامها من أجل كراس زالت وزال معها الحضور العربي في أرض الأندلس، فقد أجاد توصيف الوضع بالقول :
ومما يزهدني في أرض أندلس قول معتصم فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكى انتفاخاً صولة الأسد.
تربع ابن شرف في كرسي ذاكرتي وتخيلت معاناته وهو يرى الأمور تسوء يوما بعد يوم والوضع يزداد تعفنا في جنان الأندلس الغنّاء، كلما طُرح موضوع الانتقال الرقمي في البلاد العربية سواء في قطاع الإعلام أو غيره من المجالات .
ورغم إقرارنا بتفاوت الوضع في البلدان العربية من ناحية الاندماج في الفضاء الرقمي لكن الجامع بين كل البلدان أننا ما نزال في مرحلة الاستهلاك دون إنتاج يُذكر سواء على المستوى التقني أو في مستوى إنتاج المضامين. ففي المستوى التقني يعلم كل العالم أن وادي السيلكون Silicon vally في جنوب خليج سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية هو مقياس الحرارة العالمي في التغيرات التي تحصل في هذا المجال، فوادي السيلكون أين تتربع كبرى الشركات العالمية في إنتاج التقنيات الرقمية يرسم خريطة العالم الرقمية تقنيا رغم محاولات بعض البلدان مثل الصين والهند اللحاق بركب التطور التقني في مجال المعلوماتية، كما لا يفوتنا أن أربع شركات دولية كبرى تتحكم في العالم الرقمي المعروفة اختصارا بـ GAFA أي غوغل وآمازون وفيسبوك وآبل .
في مستوى إنتاج المضامين باللغة العربية على الواب بما فيها منصات التواصل الاجتماعي ما يزال ضعيفا جدا مقارنة باللغات الأخرى، ولعل من أسباب ذلك الأمية الرقمية التي يعاني منها قسم كبير من الشعب العربي وضعف الإمكانيات التقنية وكذلك غياب حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير في عدد كبير من الدول العربية، فالانترنت كمنتج تقني يساعد على إنتاج المضامين وترويجها يتطلب لتحققه الحرية باعتبارها المحرك الأساسي لهذه الانتاجات، وفى غيابها تتعطل حركة الإنتاج وتصبح محدودة جدا. وأذكر هنا ما عشته شخصيا أثناء مشاركتي من سنة 2007 إلى سنة 2010 في اللجنة الدائمة للإعلام في جامعة الدول العربية برئاسة الإعلامي المصري الراحل أمين بسيوني حيث كنا نعقد الاجتماعات في القاهرة والرياض وجدة باعتبارنا خبراء من دول عربية لدراسة الإعلام الإلكتروني، وكان الهدف محاولة البحث عن طرق عملية لتقنين الإعلام الإلكتروني هذا الغول الداهم المنفلت من كل ضوابط، وبعد عشرات الاجتماعات توصلت اللجنة إلى أن الإعلام الإلكتروني غير قابل للضبط والتقنيين لسبب بسيط جدا يتمثل في أن المنتجات التقنية الرقمية تسير بسرعة 300 كيلومتر في الساعة بينما القوانين تسير بسرعة 80 كيلومترا في الساعة وهو ما يجعل الالتقاء بين التطور التقني وعملية تقنينه وضبطه أمرا مستحيلا ليترك الأمر للدول العربية للتعامل مع واقعها وفقا لرؤيتها الخاصة، وبالطبع كانت رؤية أغلب الأنظمة العربية هي التضييق ومحاولة كبح جماح هذا الفرس من خلال دوائر ومسارات ضغط على الفاعلين فيه دون نصوص قانونية واضحة بل بترحيل الأمر إلى مجالات قانونية أخرى .
الأمر لم يتغير كثيرا اليوم رغم الندوات والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك وظل الهاجس السلطوي العربي في التعامل مع الثورة الرقمية خاصة في مجال إنتاج المضامين هو العمل على الضبط وإصدار نصوص قانونية قادرة على احتواء الانحرافات الممكنة أو تكبيل الأصابع الناقرة على لوحة مفاتيح الحواسيب أو الهواتف الذكية حتى ترتعش وتكتب ما لا يجلب لها القطع .
كل هذا يجعلنا نتساءل أين نحن من التحولات الرقمية في ظل غياب الانتاجات التقنية وضعف المضامين والأمية الرقمية والأهم في ظل غياب حرية الرأي والتعبير العنوان الأساسي لكل تحول رقمي خاصة في المجال الإعلامي.
يكتبها: محمد معمري
رحم الله الشاعر القيرواني الأندلسي ابن شرف الذي عايش فترة الانحطاط الحضاري الذي عرفته الأندلس نتيجة تقاتل حكامها من أجل كراس زالت وزال معها الحضور العربي في أرض الأندلس، فقد أجاد توصيف الوضع بالقول :
ومما يزهدني في أرض أندلس قول معتصم فيها ومعتضد ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكى انتفاخاً صولة الأسد.
تربع ابن شرف في كرسي ذاكرتي وتخيلت معاناته وهو يرى الأمور تسوء يوما بعد يوم والوضع يزداد تعفنا في جنان الأندلس الغنّاء، كلما طُرح موضوع الانتقال الرقمي في البلاد العربية سواء في قطاع الإعلام أو غيره من المجالات .
ورغم إقرارنا بتفاوت الوضع في البلدان العربية من ناحية الاندماج في الفضاء الرقمي لكن الجامع بين كل البلدان أننا ما نزال في مرحلة الاستهلاك دون إنتاج يُذكر سواء على المستوى التقني أو في مستوى إنتاج المضامين. ففي المستوى التقني يعلم كل العالم أن وادي السيلكون Silicon vally في جنوب خليج سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية هو مقياس الحرارة العالمي في التغيرات التي تحصل في هذا المجال، فوادي السيلكون أين تتربع كبرى الشركات العالمية في إنتاج التقنيات الرقمية يرسم خريطة العالم الرقمية تقنيا رغم محاولات بعض البلدان مثل الصين والهند اللحاق بركب التطور التقني في مجال المعلوماتية، كما لا يفوتنا أن أربع شركات دولية كبرى تتحكم في العالم الرقمي المعروفة اختصارا بـ GAFA أي غوغل وآمازون وفيسبوك وآبل .
في مستوى إنتاج المضامين باللغة العربية على الواب بما فيها منصات التواصل الاجتماعي ما يزال ضعيفا جدا مقارنة باللغات الأخرى، ولعل من أسباب ذلك الأمية الرقمية التي يعاني منها قسم كبير من الشعب العربي وضعف الإمكانيات التقنية وكذلك غياب حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير في عدد كبير من الدول العربية، فالانترنت كمنتج تقني يساعد على إنتاج المضامين وترويجها يتطلب لتحققه الحرية باعتبارها المحرك الأساسي لهذه الانتاجات، وفى غيابها تتعطل حركة الإنتاج وتصبح محدودة جدا. وأذكر هنا ما عشته شخصيا أثناء مشاركتي من سنة 2007 إلى سنة 2010 في اللجنة الدائمة للإعلام في جامعة الدول العربية برئاسة الإعلامي المصري الراحل أمين بسيوني حيث كنا نعقد الاجتماعات في القاهرة والرياض وجدة باعتبارنا خبراء من دول عربية لدراسة الإعلام الإلكتروني، وكان الهدف محاولة البحث عن طرق عملية لتقنين الإعلام الإلكتروني هذا الغول الداهم المنفلت من كل ضوابط، وبعد عشرات الاجتماعات توصلت اللجنة إلى أن الإعلام الإلكتروني غير قابل للضبط والتقنيين لسبب بسيط جدا يتمثل في أن المنتجات التقنية الرقمية تسير بسرعة 300 كيلومتر في الساعة بينما القوانين تسير بسرعة 80 كيلومترا في الساعة وهو ما يجعل الالتقاء بين التطور التقني وعملية تقنينه وضبطه أمرا مستحيلا ليترك الأمر للدول العربية للتعامل مع واقعها وفقا لرؤيتها الخاصة، وبالطبع كانت رؤية أغلب الأنظمة العربية هي التضييق ومحاولة كبح جماح هذا الفرس من خلال دوائر ومسارات ضغط على الفاعلين فيه دون نصوص قانونية واضحة بل بترحيل الأمر إلى مجالات قانونية أخرى .
الأمر لم يتغير كثيرا اليوم رغم الندوات والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك وظل الهاجس السلطوي العربي في التعامل مع الثورة الرقمية خاصة في مجال إنتاج المضامين هو العمل على الضبط وإصدار نصوص قانونية قادرة على احتواء الانحرافات الممكنة أو تكبيل الأصابع الناقرة على لوحة مفاتيح الحواسيب أو الهواتف الذكية حتى ترتعش وتكتب ما لا يجلب لها القطع .
كل هذا يجعلنا نتساءل أين نحن من التحولات الرقمية في ظل غياب الانتاجات التقنية وضعف المضامين والأمية الرقمية والأهم في ظل غياب حرية الرأي والتعبير العنوان الأساسي لكل تحول رقمي خاصة في المجال الإعلامي.