إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي .. عن "تيتانيك" الثورة التونسية المهدد بالغرق

رشيد خشانة

حاول السيد نزار عياد، في الحوار الذي بثته القناة الوطنية، الاثنين الماضي، عرض سيناريو "المؤامرة" الذي فسر به انتفاضة 17 ديسمبر 2010، التي تحولت إلى ثورة شعبية، اعترف بها العالم بأسره يوم 14 جانفي 2011. واعتمد عياد على ما قال إنه فقدان أي أرشيف يتعلق بعملية احتراق المرحوم محمد البوعزيزي، ليُشكك في العملية نفسها وفي مجموعة الشباب الغاضب التي كانت حوله.

صناعة كوندوليزا رايس؟

وسنستعرض هنا أهم الوقائع التي تُفند هذه القراءة التآمرية، والتي تجعل من البوعزيزي بيدقا عند وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، وترى في الثورة التونسية مؤامرة كبرى على البلد والشعب. وردا على ادعاء عياد بأنه لا توجد صورٌ ولا تسجيلات فيديو للانتفاضة في سيدي بوزيد، من المؤكد أن عشرات الصور الثابتة ولقطات الفيديو موجودة عند من وثق تلك الأحداث عن قرب، وهو علي البوعزيزي ابن عم محمد البوعزيزي، وكان عضوا في حزب يساري وناشطا في المجتمع المدني.

وقد دأب عليٌ على إرسال مقاطع تُصور ما كان يجري أمامه من أحداث متسارعة في سيدي بوزيد، فتبثها القنوات الدولية، وفي مقدمتها قناة "الجزيرة"، التي كانت الأكثر مشاهدة من التونسيين في تلك الفترة. كما شكل شباب بوزيد لجنة تضامن مع محمد البوعزيزي، كان لها الفضل في طرح شعارات الانتفاضة، في الشارع السياسي، انطلاقا من حادثة الاحتراق، وكانت كلها شعارات سياسية تتعلق بالحريات والتشغيل والتنمية المحلية ومكافحة التفاوت الجهوي والفساد، وهي وثائق متوافرة ومُتاحة اليوم. ومن المهم التذكير هنا بأن أعضاء تلك اللجنة عقدوا ندوة صحفية في مقر جريدة "الموقف" بالعاصمة، حيث شرح منسق اللجنة عطية العثموني وباقي الأعضاء، لممثلي الصحافة العالمية ملابسات الموقف الذي أدى بالبوعزيزي إلى الانتحار.

كسرُ الحصار الإعلامي

كان ذلك اللقاء أول كسر للحصار الإعلامي الذي ضُرب على مدينة سيدي بوزيد، إذ حذر عبد الوهاب عبد الله، وزير إعلام بن علي، كافة المراسلين والصحفيين والمصورين من التوجُه إلى المدينة ونقل وقائع ما يجري هناك إلى الرأي العام الوطني والدولي.

وقبل أن يستيقظ الأمريكيون، على حقيقة ما كان يجري في تونس، كانت الشرارة قد انتقلت إلى بؤر أخرى، في مقدمتها صفاقس وإضرابها الشهير، وشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، مما يدحض مزاعم نزار عياد عن القناصة الأجانب، الذين ادعى أنهم كانوا يسعون لإسقاط أكبر عدد من الشهداء، كي يصل الوضع إلى نقطة اللاعودة.

واعتبر عياد بجرة قلم أن الأمريكيين تخلوا عن فكرة تثوير الوضع  في الجزائر والمغرب، وقصروا خطتهم لنشر الديمقراطية على تونس (!). وهذا يُنافي ما عاشه المغرب الأقصى، من حراك شبيه بالثورة التونسية اعتبارا من 20 فبراير (فيفري) 2011، تحت شعار "دمقرطة الدولة والمجتمع"، وقد أسس المنخرطون في الحراك، لاحقا، تنسيقيات في المدن والجهات المغربية.

سفينة بلا رُبان

أكثر من ذلك، بدا المبعوثون الأمريكيون الذين حلوا بتونس، في الفترة التي سبقت 17 ديسمبر 2010 غافلين عن حقيقة الأوضاع، وذلك لأنهم غير مؤمنين بدنُو تغيير يُطيح بدولة بن علي. ويمكن العودة إلى التصريحات والمواقف الرسمية الأمريكية في تلك الفترة، التي تتفق على تصنيف تونس باعتبارها أنموذجا في الاستقرار بالإقليم، وأنها حققت نموا اقتصاديا لا يُستهان به، لكنها تحتاج في المقابل إلى التوسيع من هامش الحريات.

أما فرنسا فاتخذت موقفا متطرفا في الدفاع عن نظام بن علي، ووقفت بقوة ضد الثورة، بناء على اعتقادها أن بن علي مازال يتمتع بشعبية حقيقية. وما حصل في النهاية هو ما كانت المعارضة الديمقراطية تُحذر منه، أي اندلاع ثورة بلا رُبان أو تأطير سياسي وميداني، يُقللان من الخسائر البشرية والمادية. لكننا مانزال، في غياب تلك القيادة المُتبصرة، نتصارع  على جلد الثورة، غير عابئين بأن المركب سيغرق بمن فيه، مثلما غرقت الباخرة "تيتانيك" في اليوم الأول من إبحارها، في أعقاب سنوات من البناء المُضني.

رأي .. عن "تيتانيك" الثورة التونسية المهدد بالغرق

رشيد خشانة

حاول السيد نزار عياد، في الحوار الذي بثته القناة الوطنية، الاثنين الماضي، عرض سيناريو "المؤامرة" الذي فسر به انتفاضة 17 ديسمبر 2010، التي تحولت إلى ثورة شعبية، اعترف بها العالم بأسره يوم 14 جانفي 2011. واعتمد عياد على ما قال إنه فقدان أي أرشيف يتعلق بعملية احتراق المرحوم محمد البوعزيزي، ليُشكك في العملية نفسها وفي مجموعة الشباب الغاضب التي كانت حوله.

صناعة كوندوليزا رايس؟

وسنستعرض هنا أهم الوقائع التي تُفند هذه القراءة التآمرية، والتي تجعل من البوعزيزي بيدقا عند وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، وترى في الثورة التونسية مؤامرة كبرى على البلد والشعب. وردا على ادعاء عياد بأنه لا توجد صورٌ ولا تسجيلات فيديو للانتفاضة في سيدي بوزيد، من المؤكد أن عشرات الصور الثابتة ولقطات الفيديو موجودة عند من وثق تلك الأحداث عن قرب، وهو علي البوعزيزي ابن عم محمد البوعزيزي، وكان عضوا في حزب يساري وناشطا في المجتمع المدني.

وقد دأب عليٌ على إرسال مقاطع تُصور ما كان يجري أمامه من أحداث متسارعة في سيدي بوزيد، فتبثها القنوات الدولية، وفي مقدمتها قناة "الجزيرة"، التي كانت الأكثر مشاهدة من التونسيين في تلك الفترة. كما شكل شباب بوزيد لجنة تضامن مع محمد البوعزيزي، كان لها الفضل في طرح شعارات الانتفاضة، في الشارع السياسي، انطلاقا من حادثة الاحتراق، وكانت كلها شعارات سياسية تتعلق بالحريات والتشغيل والتنمية المحلية ومكافحة التفاوت الجهوي والفساد، وهي وثائق متوافرة ومُتاحة اليوم. ومن المهم التذكير هنا بأن أعضاء تلك اللجنة عقدوا ندوة صحفية في مقر جريدة "الموقف" بالعاصمة، حيث شرح منسق اللجنة عطية العثموني وباقي الأعضاء، لممثلي الصحافة العالمية ملابسات الموقف الذي أدى بالبوعزيزي إلى الانتحار.

كسرُ الحصار الإعلامي

كان ذلك اللقاء أول كسر للحصار الإعلامي الذي ضُرب على مدينة سيدي بوزيد، إذ حذر عبد الوهاب عبد الله، وزير إعلام بن علي، كافة المراسلين والصحفيين والمصورين من التوجُه إلى المدينة ونقل وقائع ما يجري هناك إلى الرأي العام الوطني والدولي.

وقبل أن يستيقظ الأمريكيون، على حقيقة ما كان يجري في تونس، كانت الشرارة قد انتقلت إلى بؤر أخرى، في مقدمتها صفاقس وإضرابها الشهير، وشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، مما يدحض مزاعم نزار عياد عن القناصة الأجانب، الذين ادعى أنهم كانوا يسعون لإسقاط أكبر عدد من الشهداء، كي يصل الوضع إلى نقطة اللاعودة.

واعتبر عياد بجرة قلم أن الأمريكيين تخلوا عن فكرة تثوير الوضع  في الجزائر والمغرب، وقصروا خطتهم لنشر الديمقراطية على تونس (!). وهذا يُنافي ما عاشه المغرب الأقصى، من حراك شبيه بالثورة التونسية اعتبارا من 20 فبراير (فيفري) 2011، تحت شعار "دمقرطة الدولة والمجتمع"، وقد أسس المنخرطون في الحراك، لاحقا، تنسيقيات في المدن والجهات المغربية.

سفينة بلا رُبان

أكثر من ذلك، بدا المبعوثون الأمريكيون الذين حلوا بتونس، في الفترة التي سبقت 17 ديسمبر 2010 غافلين عن حقيقة الأوضاع، وذلك لأنهم غير مؤمنين بدنُو تغيير يُطيح بدولة بن علي. ويمكن العودة إلى التصريحات والمواقف الرسمية الأمريكية في تلك الفترة، التي تتفق على تصنيف تونس باعتبارها أنموذجا في الاستقرار بالإقليم، وأنها حققت نموا اقتصاديا لا يُستهان به، لكنها تحتاج في المقابل إلى التوسيع من هامش الحريات.

أما فرنسا فاتخذت موقفا متطرفا في الدفاع عن نظام بن علي، ووقفت بقوة ضد الثورة، بناء على اعتقادها أن بن علي مازال يتمتع بشعبية حقيقية. وما حصل في النهاية هو ما كانت المعارضة الديمقراطية تُحذر منه، أي اندلاع ثورة بلا رُبان أو تأطير سياسي وميداني، يُقللان من الخسائر البشرية والمادية. لكننا مانزال، في غياب تلك القيادة المُتبصرة، نتصارع  على جلد الثورة، غير عابئين بأن المركب سيغرق بمن فيه، مثلما غرقت الباخرة "تيتانيك" في اليوم الأول من إبحارها، في أعقاب سنوات من البناء المُضني.