*إخضاع الكيان الصهيوني لمنطق الشرعية الدولية سيؤدي إلى إلغاء منطق الكيل بمكيالين الطاغي على إدارة العلاقات الدولية
غالبا ما يسود الاعتقاد أنه من الصعب إقامة صلة بين ما تنشره وسائل الإعلام المرئية ووسائط التواصل الاجتماعي في كل لحظة وبشكل يومي من صور وأشرطة توثق لأحداث تبدو متناثرة خاصة وأنها تعبر في الغالب عن مواقف ومشاعر فردية. وراء نشر هذا الاعتقاد رغبة في مواصلة ما تقوم به مخابر الدعاية والتضليل الإعلامي في المجتمعات الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأمريكية من عمل ممنهج للتحكم في ردود فعل مواطنيها بالدرجة الأولى وكل شعوب العالم من أجل صرف نظرها عن القضايا الحقيقية ومن أجل أن يبقى وعيها انفعاليا وفرديا ولا يتحول إلى أداة للدفع نحو تغيير الأوضاع. هذه بعض آليات قولبة الوعي الإنساني التي تعتمدها العولمة الأحادية القطبية والتي تدرك أن مهمتها صعبة وهو ما جعلها تناقض نفسها دون خجل أو حياء ويكفي للتأكد من ذلك الإشارة إلى ما يمارسه موقع " الفايسبوك" شديد الارتباط بالدولة العميقة في بلاد العم سام من رقابة شديدة على ما ينشر في صفحات التواصل الاجتماعي وتجنده لحماية الكيان الصهيوني وفرض حظر فوري على كل إشارة إيجابية للمقاومة. ولكن غالبا ما تجد كل آليات الرقابة نفسها عاجزة عن تطويق وخنق المسائل العادلة وغالبا ما يجد الإنسان طرق الالتفاف على الرقابة والمنع مهما بلغت من القوة. هذا أحد أهم دروس مونديال قطر الذي يتعين عدم النظر إليه كحدث عابر بل بوصفه منعرجا هاما على مختلف الأصعدة وهو ما يفرض العمل على التقاط اشاراته الإيجابية وتطويرها.
ومن ايجابيات مونديال قطر 2022 أنه وفر إطارا للتعبير الحر عن مسائل جوهرية تقض الضمير الإنساني في ظل ما أتاحه المنظمون القطريون من مجال لذلك. وليس من قبيل الصدفة أن تسجل الراية الفلسطينية حضورا لافتا وقياسيا رغم أن منتخب " فدائي " لم يكن ضمن المنتخبات المشاركة في المونديال. تحول حضور الراية الفلسطينية الطاغي إلى حدث لا يخلو من دلالات خاصة وأن رفعها و التلويح بها لم يقتصر على العرب و المسلمين فقط بل كان نقطة التقاء بين كل الجماهير الحاضرة في مونديال قطر. و لأن الإنسان يكون في غاية الجدية حين يلعب فإن حضور العلم الفلسطيني هو في عمقه رسالة واضحة من أكبر تجمع إنساني لا تحكمه اعتبارات اللغة والدين والانتماء الوطني أو القبلي.
لا يمكن فصل الاحتفاء بفلسطين ورايتها عن رفض ممثلي الكيان الصهيوني من إعلاميين ومتابعين. في الأمر " صفعة شعبية" غير متوقعة في الوقت الذي كان فيه الكيان يتوهم أن مونديال قطر سيوفر له فرصة غير مسبوقة للتطبيع الشعبي مع الخليجيين والعرب. ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما يتأكد من أمرين متلازمين حتى وان تفاوتت درجة التعبير عنهما. الأمر الأول يتمثل في العزلة المتزايدة للكيان الصهيوني في العالم. لم تعد سردية التأسيس، التي قامت على الأكاذيب والمغالطات، تقنع الرأي العام العالمي. تحول الكيان الصهيوني إلى عبء على الضمير الإنساني الذي لم يعد قادرا على أن يغمض عينيه عن الانتهاكات الاسرائيلية اليومية لحقوق الإنسان الفلسطيني علاوة على أن استمراره أصبح يكلف المواطن الأوروبي والأمريكي الكثير. في المقابل يتأكد أن العقيدة التي يقوم عليها الكيان الصهيوني تجعله لا يؤمن بالتعاون الحقيقي بين الدول والشعوب ولا يفكر الا في نهب الجميع وابتزازهم. هذا المنحى يجعل من إسرائيل الدولة المارقة عن الأعراف والقوانين والشرائع وهو ما يمثل في العمق حائلا دون إقامة علاقات تعاون وسلام حقيقية بين الشعوب والأمم خاصة وأن انتشار أسلحة الدمار الشامل يجعل هذه العلاقات الضامن الوحيد لاستمرار الحياة الإنسانية. أغلب حلول الإنسانية تمر عبر فلسطين وعبر تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة. فمن خلال ذلك ستقع تصفية الاستعمار لأن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الرازح تحت استعمار احلالي وعنصري ومن هنا يتم الانتقال إلى مرحلة جديدة في العلاقات الدولية. إخضاع الكيان الصهيوني لمنطق الشرعية الدولية سيؤدي إلى إلغاء منطق الكيل بمكيالين الطاغي على إدارة العلاقات الدولية والذي يمثل أحد أهم أسباب ارتباكها وفقدانها المصداقية والشرعية الحقيقية. تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة يمثل مدخلا مهما لإعلاء مبادئ حقوق الإنسان التي لا تقبل الانتقاء ولا التجزئة ويوفر، خاصة، للضمير الأورو- أمريكي فرصة لأن يتصالح مع ذاته والعودة إلى قيم الأنوار التي شوهها الفعل الاستعماري والتي يواصل التحالف الصهيو- مسيحي التعمية عليها وأيضا تجاوز لاوعي مرحلة المسألة اليهودية التي ترتبط بمسار الغرب بالدرجة الأولى. فلسطين تمثل اليوم مجال صراع بين إرادة الحياة الكريمة التي تتطلع لها كل شعوب العالم التي ارهقتها كل أشكال الحيف والتمييز من جهة والتي يعبر عنها الشعب الفلسطيني ونزعات الهيمنة والعنف والتوحش التي بجسدها الكيان الصهيوني الذي أخذ يتحول في الفترة الأخيرة إلى كيان داعشي لا يتعامل مع العالم الا بمنطق النفي والازدراء والقوة متسترا بعقيدة الخلاص الصهيو- مسيحية التي لا تختلف في جوهرها عن الأيديولوجيا التي تحرك تنظيم داعش ومشتقاته لأن المخبر الذي أنتج التمظهرين واحد ولأن الإاستعمار هو نفي للحياة للجميع بما في ذلك الذين يدعي أنه جاء لخدمتهم .
*اعلامي وبرلماني سابق
بقلم:هشام الحاجي(*)
*إخضاع الكيان الصهيوني لمنطق الشرعية الدولية سيؤدي إلى إلغاء منطق الكيل بمكيالين الطاغي على إدارة العلاقات الدولية
غالبا ما يسود الاعتقاد أنه من الصعب إقامة صلة بين ما تنشره وسائل الإعلام المرئية ووسائط التواصل الاجتماعي في كل لحظة وبشكل يومي من صور وأشرطة توثق لأحداث تبدو متناثرة خاصة وأنها تعبر في الغالب عن مواقف ومشاعر فردية. وراء نشر هذا الاعتقاد رغبة في مواصلة ما تقوم به مخابر الدعاية والتضليل الإعلامي في المجتمعات الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأمريكية من عمل ممنهج للتحكم في ردود فعل مواطنيها بالدرجة الأولى وكل شعوب العالم من أجل صرف نظرها عن القضايا الحقيقية ومن أجل أن يبقى وعيها انفعاليا وفرديا ولا يتحول إلى أداة للدفع نحو تغيير الأوضاع. هذه بعض آليات قولبة الوعي الإنساني التي تعتمدها العولمة الأحادية القطبية والتي تدرك أن مهمتها صعبة وهو ما جعلها تناقض نفسها دون خجل أو حياء ويكفي للتأكد من ذلك الإشارة إلى ما يمارسه موقع " الفايسبوك" شديد الارتباط بالدولة العميقة في بلاد العم سام من رقابة شديدة على ما ينشر في صفحات التواصل الاجتماعي وتجنده لحماية الكيان الصهيوني وفرض حظر فوري على كل إشارة إيجابية للمقاومة. ولكن غالبا ما تجد كل آليات الرقابة نفسها عاجزة عن تطويق وخنق المسائل العادلة وغالبا ما يجد الإنسان طرق الالتفاف على الرقابة والمنع مهما بلغت من القوة. هذا أحد أهم دروس مونديال قطر الذي يتعين عدم النظر إليه كحدث عابر بل بوصفه منعرجا هاما على مختلف الأصعدة وهو ما يفرض العمل على التقاط اشاراته الإيجابية وتطويرها.
ومن ايجابيات مونديال قطر 2022 أنه وفر إطارا للتعبير الحر عن مسائل جوهرية تقض الضمير الإنساني في ظل ما أتاحه المنظمون القطريون من مجال لذلك. وليس من قبيل الصدفة أن تسجل الراية الفلسطينية حضورا لافتا وقياسيا رغم أن منتخب " فدائي " لم يكن ضمن المنتخبات المشاركة في المونديال. تحول حضور الراية الفلسطينية الطاغي إلى حدث لا يخلو من دلالات خاصة وأن رفعها و التلويح بها لم يقتصر على العرب و المسلمين فقط بل كان نقطة التقاء بين كل الجماهير الحاضرة في مونديال قطر. و لأن الإنسان يكون في غاية الجدية حين يلعب فإن حضور العلم الفلسطيني هو في عمقه رسالة واضحة من أكبر تجمع إنساني لا تحكمه اعتبارات اللغة والدين والانتماء الوطني أو القبلي.
لا يمكن فصل الاحتفاء بفلسطين ورايتها عن رفض ممثلي الكيان الصهيوني من إعلاميين ومتابعين. في الأمر " صفعة شعبية" غير متوقعة في الوقت الذي كان فيه الكيان يتوهم أن مونديال قطر سيوفر له فرصة غير مسبوقة للتطبيع الشعبي مع الخليجيين والعرب. ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما يتأكد من أمرين متلازمين حتى وان تفاوتت درجة التعبير عنهما. الأمر الأول يتمثل في العزلة المتزايدة للكيان الصهيوني في العالم. لم تعد سردية التأسيس، التي قامت على الأكاذيب والمغالطات، تقنع الرأي العام العالمي. تحول الكيان الصهيوني إلى عبء على الضمير الإنساني الذي لم يعد قادرا على أن يغمض عينيه عن الانتهاكات الاسرائيلية اليومية لحقوق الإنسان الفلسطيني علاوة على أن استمراره أصبح يكلف المواطن الأوروبي والأمريكي الكثير. في المقابل يتأكد أن العقيدة التي يقوم عليها الكيان الصهيوني تجعله لا يؤمن بالتعاون الحقيقي بين الدول والشعوب ولا يفكر الا في نهب الجميع وابتزازهم. هذا المنحى يجعل من إسرائيل الدولة المارقة عن الأعراف والقوانين والشرائع وهو ما يمثل في العمق حائلا دون إقامة علاقات تعاون وسلام حقيقية بين الشعوب والأمم خاصة وأن انتشار أسلحة الدمار الشامل يجعل هذه العلاقات الضامن الوحيد لاستمرار الحياة الإنسانية. أغلب حلول الإنسانية تمر عبر فلسطين وعبر تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة. فمن خلال ذلك ستقع تصفية الاستعمار لأن الشعب الفلسطيني هو الشعب الوحيد في العالم الرازح تحت استعمار احلالي وعنصري ومن هنا يتم الانتقال إلى مرحلة جديدة في العلاقات الدولية. إخضاع الكيان الصهيوني لمنطق الشرعية الدولية سيؤدي إلى إلغاء منطق الكيل بمكيالين الطاغي على إدارة العلاقات الدولية والذي يمثل أحد أهم أسباب ارتباكها وفقدانها المصداقية والشرعية الحقيقية. تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة يمثل مدخلا مهما لإعلاء مبادئ حقوق الإنسان التي لا تقبل الانتقاء ولا التجزئة ويوفر، خاصة، للضمير الأورو- أمريكي فرصة لأن يتصالح مع ذاته والعودة إلى قيم الأنوار التي شوهها الفعل الاستعماري والتي يواصل التحالف الصهيو- مسيحي التعمية عليها وأيضا تجاوز لاوعي مرحلة المسألة اليهودية التي ترتبط بمسار الغرب بالدرجة الأولى. فلسطين تمثل اليوم مجال صراع بين إرادة الحياة الكريمة التي تتطلع لها كل شعوب العالم التي ارهقتها كل أشكال الحيف والتمييز من جهة والتي يعبر عنها الشعب الفلسطيني ونزعات الهيمنة والعنف والتوحش التي بجسدها الكيان الصهيوني الذي أخذ يتحول في الفترة الأخيرة إلى كيان داعشي لا يتعامل مع العالم الا بمنطق النفي والازدراء والقوة متسترا بعقيدة الخلاص الصهيو- مسيحية التي لا تختلف في جوهرها عن الأيديولوجيا التي تحرك تنظيم داعش ومشتقاته لأن المخبر الذي أنتج التمظهرين واحد ولأن الإاستعمار هو نفي للحياة للجميع بما في ذلك الذين يدعي أنه جاء لخدمتهم .