إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لابد من منوال جبائي جديد ..وفق هذه الشروط

بقلم :د.ريم بالخذيري(*)

 
*تعتمد جل الدول في العالم على الجباية لتمويل ميزانياتها وهي مرتبطة أولا وأخيرا بسلوك مواطني سليم يجرّم التهرب الضريبي
 
لاشك أن الحدث في تونس وفي نقاشات المنابر الاعلامية وبين الخبراء خلال الأسبوع المنقضي هو اقتصادي ومالي بالأساس وتدور رحاه حول قانون المالية لسنة 2023 والذي يحدد سبل الصرف والتوجهات العامة للاقتصاد.
ولأن الجميع يتحدث عن قانون المالية دون دراية أحيانا بمفهومه العلمي فان التحاليل تصبح مغلوطة ومبتورة وانطباعية.
فما هو قانون المالية بداية وكيف يتم أعداده وإدخاله حيز التنفيذ؟
يُعرف عند بعض الدول أيضاً باسم "الموازنة الماليّة العامة"، وهو مجموعة القواعد التشريعيّة، والقانونية، التي ترتبط مع المالية العامة الخاصة بالدولة، ويُعدّ من الأعمال الإداريّة التي تهتم الحكومات بتطبيقها في جدول دراستها المالية في كل فترة زمنية (تقدر عادة بـ12 شهرا(
والهدف منه حساب الإيرادات، والمصاريف المنتظرة ، وبالتالي يجمع القانون المالي بين العمل الإداري، والقانوني من أجل المساهمة في تطبيق أحكامه، وأيضاً يُعرف قانون المالية، بأنّه مجموعة الوسائل والمخططات التي تساهم في تحقيق التوازن المالي في النظام الاقتصاديّ، عن طريق وضع تقديرات حسابيّة، للنتائج التي يتم التوصل إليها خلال السنة الماليّة الواحدة.
بعد التصويت بالموافقة على قانون الماليّة،(في حالة تونس لم يمرر للنقاش لغياب مجلس نواب الشعب) يُطرح للتداول، والعمل داخل الدولة، وتظل بنوده سارية المفعول خلال سنة واحدة فقط، ومن ثم ينتهي العمل به، ويتم إعداد قانون جديد ليطبق في السنة التي تليها.وأحيانا يتم الالتجاء الى قانون مالية تكميلي حينما لا تتطابق المعطيات و الأرقام في القانون الأصلي مع الواقع لغلاء بعض السلع أو ارتفاع أسعار النفط أو ظهور جائحة مفاجئة.
الميزانية ومواردها
الميزانية هي التنزيل النظري لقانون المالية في الواقع وتتكون من النفقات والمصاريف والفارق بينهما يسمّى فائضا أو رصيدا اذا فاقت المداخيل المصاريف في حين يسمى عجزا اذا ما كانت مصاريف الدولة أكثر من مداخيلها كحالة تونس على مر تاريخها تقريبا حيث من المنتظر أن  يبلغ عجز الميزانية للعام المقبل5.5 بالمائة من الناتج المحلي لتنحصر، في حدود 8.89 مليار دينار (2.84 مليار دولار)، مقابل 7.7 للعام الحالي.
وتتأتّى موارد الميزانية  أساسا من الإيرادات الضريبية، ثم الإيرادات غير الضريبية بنوعيها العادية والاستثنائية.
– الإيرادات الضريبية: وتتألف من الضرائب المباشرة (الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات على سبيل المثال) وغير المباشرة (الضريبة على القيمة المضافة نموذجا) وباقي الرسوم التي تفرضها الدولة مثل الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات والصادرات ورسوم تسجيل العقود والغرامات.
– الإيرادات غير الضريبية: وتتمثل في الأرباح التي تحققها الشركات الحكومية و الخاصة، وعائدات الأسهم التي تملكها الدولة في شركات القطاع الخاص. هذا بالإضافة إلى الواجبات التي يؤديها أصحاب الامتيازات والرخص إلى الحكومة بصفة دورية (رخص الصيد، حقوق استغلال المناجم، حقوق زراعة أراضٍ مملوكة للدولة) والإتاوات التي تؤدى مقابل استغلال الملك العمومي.
وتكتسي جميع هذه الموارد صبغة عادية بالنظر إلى كونها تدر المال على الدولة بشكل منتظم. كما يمكن أن تحصل الدولة على إيرادات بشكل استثنائي من خلال عائدات الخصخصة وصفقات تفويت الأصول العمومية (أراضٍ أو مبانٍ أو تجهيزات) للخواص. وقد التجأت تونس في السنوات الفارطة الى التفريط بالبيع في شركات عمومية (اتصالات تونس على سبيل المثال أو بعض الشركات المصادرة من رموز النظام السابق).كما من الوارد أن تجبر الدولة على بيع عدد اخر من المؤسسات العمومية لسدّ العجز في الميزانية خاصة اذا لم يتم الاتفاق على قرض مع صندوق النقد الدولي .
وتدخل في هذا الإطار كذلك الهبات والمساعدات التي تتلقاها الدولة من باقي الدول الصديقة، أو من وكالات التعاون الدولي وبنوك الاستثمار أو إحدى المؤسسات الدولية العاملة في مجال التنمية (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نموذجا).
أمّا النفقات فتتوزع  إلى قسمين رئيسيين هما نفقات التسيير ونفقات الاستثمار أو التجهيز .والملاحظ في الميزانيات السابقة في العشرية الأخيرة أن النفقات انحصرت على التسيير وتسديد الأقساط المستوجبة من القروض الخارجية والداخلية.
ونفقات التسيير وهي المدفوعات الضرورية لاستمرار أجهزة الدولة في أداء مهامها الإدارية وأدوارها الاجتماعية. وتتعلق بأداء أجور الموظفين)كانت في حدود 21573 مليون دينارسنة 2022 بنسبة 40 بالمائة من الميزانية) ومساهمات الدولة في صناديق التقاعد والتأمين الصحي الخاصة بموظفي الدولة، واقتناء لوازم السير العادي لمختلف الإدارات من مؤنٍ ومعدات. بالإضافة إلى نفقات دعم الأسعار(خلال سنة 2022 خصصت 12 مليار دينار لدعم المحروقات والكهرباء والنقل والغذاء، بينما سيتم تخصيص 8.8 مليارات دينار في سنة 2023). والمساعدات ذات الصبغة الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للفقراء، ونفقات خدمة الدين العمومي .
– نفقات الاستثمار والتجهيز: وهي النفقات المتعلقة بتشييد البنيات التحتية (طرق، سدود، موانئ، مطارات…) أو ببناء المرافق العمومية (مؤسسات تعليمية، مستشفيات، إدارات) أو بتأسيس شركات حكومية. وتُدرج ضمن هذه النفقات أيضا المساعدات المقدمة للمستثمرين بغرض تحفيز الاستثمار والتشغيل.
– نفقات الدين العمومي: ويتعلق الأمر تحديدا بتسديدات أصل الديون، بخلاف خدمة الدين (الفوائد) التي يتم إدراجها مع نفقات التسيير.
الجباية هي الحل
تعتمد جل الدول في العالم على الجباية لتمويل ميزانياتها وهي مرتبطة أولا وأخيرا بسلوك مواطني سليم يجرّم التهرب الضريبي. وتعدّ بلجيكا أكبر دولة تعتمد على الجباية بنسبة 43 بالمائة تليها ألمانيا بنسبة 39.7%.وعلى الرغم من ذلك يعدّ هذا الشعبان الأكثر امتثالا للضرائب والتهرّب من دفعها يكاد يكون مستحيلا لفضل الاجراءات الصارمة المصاحبة لها.
وما يستنتج من ذلك أن الجباية ليست شرّا كلها كما يروّج في تونس وانّما هي ممارسة المواطنة وواجب لابد من دفعه قبل المطالبة بالحقوق فالمتهرب من الضرائب من المفروض أن يحرم من كل حقوقه مثلما يقع في بعض الدول.
ولئن كانت تونس الأكثر حاجة للجباية بالنظر لشح الموارد الأخرى فانّه بات من الضروري أن يتحلى الجميع بثقافة دفع الضرائب لا التحايل عن القانون وممارسة التهرّب الضريبي. حيث يعد التونسيون مع الأسف رائدون في هذا المجال والمحاسب الناجح في تونس هو الأكثر قدرة على تجنيب صاحب العمل  والشركة دفع ضرائبه بكل شفافية . فقلة قليلة من الشركات تقوم بتصاريحها الصحيحة وتدفع جبايتها المستوجبة. والغريب أنّ بعض الشركات العمومية تمارس التهرب الضريبي ولا تدفع مستحقاتها للصناديق الاجتماعية .
وكل هذا من شأنه أن يؤثر على الميزانية العامة للدولة ويفاقم عجزها .
وفي هذا الاطار نفهم توسيع القاعدة الجبائية بالزام 26 نشاطاً مهنياً بتقديم ما يثبت الدخل لمحاسبتها ضريبياً، بعدما كانت تتعامل بنظام جبائي تقديري مع هذه الأنشطة. وسيُجبر أصحاب هذه المهن بداية من شهر جانفي الحالي على التصريح بحقيقة مداخيلهم.
وشملت  القائمة مثلما هو معلوم كلاً من أنشطة صنع الإسمنت الجاهز للاستعمال، وقصّ الرخام، صناعة المواد الحديدية، صناعة وتحويل البلاستيك، صناعة عجين الورق والورق المقوى، تعليب الخضر والغلال، معاصر وتعليب زيت الزيتون، تجارة الألمنيوم، تجارة وسائل النقل المستعملة، تجارة الحشايا (تجهيزات الأثاث)، بيع الفواكه الجافة، بيع الخردة والقطع المستعملة، بيع اللحوم الحمراء ومشتقاتها.
كما شملت القائمة أيضاً أنشطة مكاتب الصرافة، ونقل العملة، محلات توزيع المحروقات، الإقامات العائلية، الاستضافات العائلية، وكالات الإشهار، تنظيم الصالونات والمعارض، المقاهي بمختلف أصنافها، ورش إصلاح محركات السيارات، ورش طلاء السيارات، كهرباء السيارات، تأجير العقارات المؤثثة.
لكن هذه القوانين على أهميتها لن تكون ذات جدوى اذا لم تكثّف المراقبة الاقتصادية وتسنّ قوانين مصاحبة للتهرّب الضريبي والتحايل في التصريح بالمداخيل. ومن المهمّ أيضا "اجبار" هذه الحرف على التسجيل في السجل الوطني للمؤسسات وادماج الناشطين في السوق الموازي في الدورة الاقتصادية المقنّنة عبر هذا السجل.
وعلى عكس ما يصوره الخبراء من أن الجباية في تونس مرهقة للمواطن ويجب تخفيفها فنحن نقول أنه كلما توسعت دائرة الجباية كلمّا خفّت على الأفراد والموظفين أساسا.
اذ لا يعقل أن يتحمل الجباية الموظفون والعمال دون سواهم وقلة قليلة من الشركات. فلابدّ من منوال جبائي جديد قائم على العدالة .
 
*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار والجريمة الاقتصادية
 
 
 
 لابد من منوال جبائي جديد ..وفق هذه الشروط

بقلم :د.ريم بالخذيري(*)

 
*تعتمد جل الدول في العالم على الجباية لتمويل ميزانياتها وهي مرتبطة أولا وأخيرا بسلوك مواطني سليم يجرّم التهرب الضريبي
 
لاشك أن الحدث في تونس وفي نقاشات المنابر الاعلامية وبين الخبراء خلال الأسبوع المنقضي هو اقتصادي ومالي بالأساس وتدور رحاه حول قانون المالية لسنة 2023 والذي يحدد سبل الصرف والتوجهات العامة للاقتصاد.
ولأن الجميع يتحدث عن قانون المالية دون دراية أحيانا بمفهومه العلمي فان التحاليل تصبح مغلوطة ومبتورة وانطباعية.
فما هو قانون المالية بداية وكيف يتم أعداده وإدخاله حيز التنفيذ؟
يُعرف عند بعض الدول أيضاً باسم "الموازنة الماليّة العامة"، وهو مجموعة القواعد التشريعيّة، والقانونية، التي ترتبط مع المالية العامة الخاصة بالدولة، ويُعدّ من الأعمال الإداريّة التي تهتم الحكومات بتطبيقها في جدول دراستها المالية في كل فترة زمنية (تقدر عادة بـ12 شهرا(
والهدف منه حساب الإيرادات، والمصاريف المنتظرة ، وبالتالي يجمع القانون المالي بين العمل الإداري، والقانوني من أجل المساهمة في تطبيق أحكامه، وأيضاً يُعرف قانون المالية، بأنّه مجموعة الوسائل والمخططات التي تساهم في تحقيق التوازن المالي في النظام الاقتصاديّ، عن طريق وضع تقديرات حسابيّة، للنتائج التي يتم التوصل إليها خلال السنة الماليّة الواحدة.
بعد التصويت بالموافقة على قانون الماليّة،(في حالة تونس لم يمرر للنقاش لغياب مجلس نواب الشعب) يُطرح للتداول، والعمل داخل الدولة، وتظل بنوده سارية المفعول خلال سنة واحدة فقط، ومن ثم ينتهي العمل به، ويتم إعداد قانون جديد ليطبق في السنة التي تليها.وأحيانا يتم الالتجاء الى قانون مالية تكميلي حينما لا تتطابق المعطيات و الأرقام في القانون الأصلي مع الواقع لغلاء بعض السلع أو ارتفاع أسعار النفط أو ظهور جائحة مفاجئة.
الميزانية ومواردها
الميزانية هي التنزيل النظري لقانون المالية في الواقع وتتكون من النفقات والمصاريف والفارق بينهما يسمّى فائضا أو رصيدا اذا فاقت المداخيل المصاريف في حين يسمى عجزا اذا ما كانت مصاريف الدولة أكثر من مداخيلها كحالة تونس على مر تاريخها تقريبا حيث من المنتظر أن  يبلغ عجز الميزانية للعام المقبل5.5 بالمائة من الناتج المحلي لتنحصر، في حدود 8.89 مليار دينار (2.84 مليار دولار)، مقابل 7.7 للعام الحالي.
وتتأتّى موارد الميزانية  أساسا من الإيرادات الضريبية، ثم الإيرادات غير الضريبية بنوعيها العادية والاستثنائية.
– الإيرادات الضريبية: وتتألف من الضرائب المباشرة (الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات على سبيل المثال) وغير المباشرة (الضريبة على القيمة المضافة نموذجا) وباقي الرسوم التي تفرضها الدولة مثل الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات والصادرات ورسوم تسجيل العقود والغرامات.
– الإيرادات غير الضريبية: وتتمثل في الأرباح التي تحققها الشركات الحكومية و الخاصة، وعائدات الأسهم التي تملكها الدولة في شركات القطاع الخاص. هذا بالإضافة إلى الواجبات التي يؤديها أصحاب الامتيازات والرخص إلى الحكومة بصفة دورية (رخص الصيد، حقوق استغلال المناجم، حقوق زراعة أراضٍ مملوكة للدولة) والإتاوات التي تؤدى مقابل استغلال الملك العمومي.
وتكتسي جميع هذه الموارد صبغة عادية بالنظر إلى كونها تدر المال على الدولة بشكل منتظم. كما يمكن أن تحصل الدولة على إيرادات بشكل استثنائي من خلال عائدات الخصخصة وصفقات تفويت الأصول العمومية (أراضٍ أو مبانٍ أو تجهيزات) للخواص. وقد التجأت تونس في السنوات الفارطة الى التفريط بالبيع في شركات عمومية (اتصالات تونس على سبيل المثال أو بعض الشركات المصادرة من رموز النظام السابق).كما من الوارد أن تجبر الدولة على بيع عدد اخر من المؤسسات العمومية لسدّ العجز في الميزانية خاصة اذا لم يتم الاتفاق على قرض مع صندوق النقد الدولي .
وتدخل في هذا الإطار كذلك الهبات والمساعدات التي تتلقاها الدولة من باقي الدول الصديقة، أو من وكالات التعاون الدولي وبنوك الاستثمار أو إحدى المؤسسات الدولية العاملة في مجال التنمية (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي نموذجا).
أمّا النفقات فتتوزع  إلى قسمين رئيسيين هما نفقات التسيير ونفقات الاستثمار أو التجهيز .والملاحظ في الميزانيات السابقة في العشرية الأخيرة أن النفقات انحصرت على التسيير وتسديد الأقساط المستوجبة من القروض الخارجية والداخلية.
ونفقات التسيير وهي المدفوعات الضرورية لاستمرار أجهزة الدولة في أداء مهامها الإدارية وأدوارها الاجتماعية. وتتعلق بأداء أجور الموظفين)كانت في حدود 21573 مليون دينارسنة 2022 بنسبة 40 بالمائة من الميزانية) ومساهمات الدولة في صناديق التقاعد والتأمين الصحي الخاصة بموظفي الدولة، واقتناء لوازم السير العادي لمختلف الإدارات من مؤنٍ ومعدات. بالإضافة إلى نفقات دعم الأسعار(خلال سنة 2022 خصصت 12 مليار دينار لدعم المحروقات والكهرباء والنقل والغذاء، بينما سيتم تخصيص 8.8 مليارات دينار في سنة 2023). والمساعدات ذات الصبغة الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للفقراء، ونفقات خدمة الدين العمومي .
– نفقات الاستثمار والتجهيز: وهي النفقات المتعلقة بتشييد البنيات التحتية (طرق، سدود، موانئ، مطارات…) أو ببناء المرافق العمومية (مؤسسات تعليمية، مستشفيات، إدارات) أو بتأسيس شركات حكومية. وتُدرج ضمن هذه النفقات أيضا المساعدات المقدمة للمستثمرين بغرض تحفيز الاستثمار والتشغيل.
– نفقات الدين العمومي: ويتعلق الأمر تحديدا بتسديدات أصل الديون، بخلاف خدمة الدين (الفوائد) التي يتم إدراجها مع نفقات التسيير.
الجباية هي الحل
تعتمد جل الدول في العالم على الجباية لتمويل ميزانياتها وهي مرتبطة أولا وأخيرا بسلوك مواطني سليم يجرّم التهرب الضريبي. وتعدّ بلجيكا أكبر دولة تعتمد على الجباية بنسبة 43 بالمائة تليها ألمانيا بنسبة 39.7%.وعلى الرغم من ذلك يعدّ هذا الشعبان الأكثر امتثالا للضرائب والتهرّب من دفعها يكاد يكون مستحيلا لفضل الاجراءات الصارمة المصاحبة لها.
وما يستنتج من ذلك أن الجباية ليست شرّا كلها كما يروّج في تونس وانّما هي ممارسة المواطنة وواجب لابد من دفعه قبل المطالبة بالحقوق فالمتهرب من الضرائب من المفروض أن يحرم من كل حقوقه مثلما يقع في بعض الدول.
ولئن كانت تونس الأكثر حاجة للجباية بالنظر لشح الموارد الأخرى فانّه بات من الضروري أن يتحلى الجميع بثقافة دفع الضرائب لا التحايل عن القانون وممارسة التهرّب الضريبي. حيث يعد التونسيون مع الأسف رائدون في هذا المجال والمحاسب الناجح في تونس هو الأكثر قدرة على تجنيب صاحب العمل  والشركة دفع ضرائبه بكل شفافية . فقلة قليلة من الشركات تقوم بتصاريحها الصحيحة وتدفع جبايتها المستوجبة. والغريب أنّ بعض الشركات العمومية تمارس التهرب الضريبي ولا تدفع مستحقاتها للصناديق الاجتماعية .
وكل هذا من شأنه أن يؤثر على الميزانية العامة للدولة ويفاقم عجزها .
وفي هذا الاطار نفهم توسيع القاعدة الجبائية بالزام 26 نشاطاً مهنياً بتقديم ما يثبت الدخل لمحاسبتها ضريبياً، بعدما كانت تتعامل بنظام جبائي تقديري مع هذه الأنشطة. وسيُجبر أصحاب هذه المهن بداية من شهر جانفي الحالي على التصريح بحقيقة مداخيلهم.
وشملت  القائمة مثلما هو معلوم كلاً من أنشطة صنع الإسمنت الجاهز للاستعمال، وقصّ الرخام، صناعة المواد الحديدية، صناعة وتحويل البلاستيك، صناعة عجين الورق والورق المقوى، تعليب الخضر والغلال، معاصر وتعليب زيت الزيتون، تجارة الألمنيوم، تجارة وسائل النقل المستعملة، تجارة الحشايا (تجهيزات الأثاث)، بيع الفواكه الجافة، بيع الخردة والقطع المستعملة، بيع اللحوم الحمراء ومشتقاتها.
كما شملت القائمة أيضاً أنشطة مكاتب الصرافة، ونقل العملة، محلات توزيع المحروقات، الإقامات العائلية، الاستضافات العائلية، وكالات الإشهار، تنظيم الصالونات والمعارض، المقاهي بمختلف أصنافها، ورش إصلاح محركات السيارات، ورش طلاء السيارات، كهرباء السيارات، تأجير العقارات المؤثثة.
لكن هذه القوانين على أهميتها لن تكون ذات جدوى اذا لم تكثّف المراقبة الاقتصادية وتسنّ قوانين مصاحبة للتهرّب الضريبي والتحايل في التصريح بالمداخيل. ومن المهمّ أيضا "اجبار" هذه الحرف على التسجيل في السجل الوطني للمؤسسات وادماج الناشطين في السوق الموازي في الدورة الاقتصادية المقنّنة عبر هذا السجل.
وعلى عكس ما يصوره الخبراء من أن الجباية في تونس مرهقة للمواطن ويجب تخفيفها فنحن نقول أنه كلما توسعت دائرة الجباية كلمّا خفّت على الأفراد والموظفين أساسا.
اذ لا يعقل أن يتحمل الجباية الموظفون والعمال دون سواهم وقلة قليلة من الشركات. فلابدّ من منوال جبائي جديد قائم على العدالة .
 
*رئيسة المنتدى التونسي للاستشعار والجريمة الاقتصادية