عودة الانشطة الثقافية بعد جائحة الكورونا لا تخفي المشاكل الهيكلية والتنظيمية
تغييب معرض تونس الدولي للكتاب يثير الاستياء ومقترح حول ايام قرطاج السينمائية يثير الجدل
التمويل مازال اكبر معضلة ومنظومة الدعم القضية الأزلية
تونس- الصباح
يمكن القول إن أهم نقطة تم تسجيلها في 2022 بالنسبة للثقافة هو عودة النشاط بشكل طبيعي بعد عامين تم فيهما تعليق كل شيء تقريبا بسبب تفشي فيروس كورونا في مختلف انحاء العالم. فقد تم تنظيم دورات جديدة لأغلب المهرجانات الصيفية بما في ذلك مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين. تم كذلك تنظيم دورة جديدة لايام قرطاج السينمائية ودورة جديدة لأيام قرطاج المسرحية. وانتظمت اغلب المهرجانات الدولية والوطنية والمحلية بالجهات غير أن النقطة السوداء هي غياب معرض تونس الدولي للكتاب.
فقد تم ترحيل الدورة السابعة والثلاثين إلى الربيع القادم بعد اخذ ورد وهو ما ترك اثرا سلبيا لدى المهتمين كما أن مقترح وزيرة الثقافة بالعودة إلى تنظيم ايام قرطاج السينمائية مرة كل عامين بالتداول مع أيام قرطاج المسرحية قد اثار جدلا قويا وعبر عدد من السينمائيين عن رفضهم للمقترح.
وبالتوازي مع ذلك شهدت سنة 2022 نقاشات مكثفة حول السياسات الثقافية في البلاد ودعم العمل الثقافي وتم تنظيم لقاءات سعى بعضها الى استطلاع اراء أهل المهنة حول كيفية معالجة المشاكل التي تهم القطاعات المعنية. وكانت اغلب اللقاءات والندوات والملتقيات من تنظيم وزارة الثقافة ومن بين المسائل التي طرحت ايضا خلال هذا العام، نذكر مشروع قانون الفنان الذي مازال تحت الدرس رغم المحاولات العديدة للحسم فيه.
عموما، لم تكن سنة 2022 سنة قحط ثقافي خلافا للعامين الماضيين وهو امر ايجابي في المطلق، لكن عموما مازالت الثقافة تعاني من نفس المشاكل التنظيمية والهيكلية ونشير إلى أن عائق التمويل مازال متواصلا، إن لم نقل ان الأمور ازدادت تعقيدا بسبب اجراءات التقشف التي تعتمدها الدولة والتي تضرر منها القطاع الثقافي بدرجة أولى.
ولنا أن نشير الى أن العودة الثقافية بعد ركود العامين المذكورين قد قوبلت بترحيب الجماهير التي تعتبر أكبر سند للفنان وللثقافة بشكل عام. فقد سجلت الجماهير حضورها كالعادة في أيام قرطاج السينمائية وفي أيام قرطاج المسرحية وفي المهرجانات الصيفية غير أن عودة الحياة الثقافية لا تعني أن الأمور على ما يرام ولعل أول شيء يمكن أن نلفت له الانتباه واضافة إلى استمرار المشاكل الهيكلية والتنظيمية (تشريعات، بيروقراطية، صعوبات التمويل...) هو المضامين الضعيفة لاغلب التظاهرات بما فيها مهرجان قرطاج الدولي. فقد قدم هذا العام برمجة ضعيفة غابت فيها الاصوات العالمية وغابت فيها العروض الفنية الكبرى والتلوينات الموسيقية التي تعود بها جمهور المهرجان وخاصة عروض الموسيقى الكلاسيكية والعروض المسرحية الكبرى. وقد تعرضت برمجة المهرجان الذي اداره الموسيقي كمال الفرجاني لانتقادات شديدة وتعلق بعضها باختيار الفنانة المصرية شيرين لاختتام التظاهرة في وقت كانت تعاني فيه من مشاكل خاصة ولم تنتج اعمالا جديدة تقدمها أمام جمهور المهرجان.
ولئن تعتبر ايام قرطاج المسرحية قد حققت تقريبا ما هو مطلوب منها حيث سعت ادارة المهرجان بادراة الفنانة المسرحية نصاف بن حفصية إلى تقديم عروض ذات مضمون جيد كما استقبلت اسماء عربية لها قيمتها وكرمت وجوها تونسية بارزة، اضافة إلى مبادرة الهيئة بفتح النقاش حول قضايا تشغل المسرحيين وخاصة منها تسويق الاعمال المسرحية عربيا وافريقيا، فإن ايام قرطاج السينمائية بادارة السينمائية سنية الشامخي لم تكن في مستوى التوقعات خاصة على المستوى التنظيمي وقد كان هناك شبه اجماع حول ذلك.
فحفلات الافتتاح والاختتام كانت رديئة، حتى أن هناك شبه اجماع حول ضرورة التحرك من أجل استعادة ايام قرطاج السينمائية لوهجها بعد الفتور الذي شاب التظاهرة وبعد تراجعها على مستوى البرمجة والتنظيم بشكل ملفت للانتباه، الأمر الذي دعا سلطة الاشراف ممثلة في وزارة الشؤون الثقافية إلى التقدم بمبادرة تتمثل في العودة إلى الشكل القديم في التنظيم حيث كانت أيام قرطاج السينمائية تنتظم مرة كل عامين بالتداول مع أيام قرطاج المسرحية قبل أن تصبح تظاهرة سنوية بداية من سنة 2015 (التظاهرة تأسست سنة 1966)، مثلها ايام قرطاج المسرحية.
وقد اثار هذا المقترح الذي تقدمت به الوزيرة حياة قطاط القرمازي جدلا كبيرا، بل اعتبر لدى عدد من السينمائيين والمهتمين بأنه خسارة لمكسب ناضلوا من اجله طويلا معبرين عن عدم استعدادهم للتفريط في مكسب هو ثمرة كفاح وفق وصفهم منبهين إلى أن نسق الانتاج السينمائي في تونس يسمح بتنظيم ايام قرطاج السينمائية سنويا، وأن الخلل لا يكمن في دورية المهرجان وإنما في غياب الارادة لتطوير المهرجان والسياسات الخاطئة في علاقة بالمهرجانات والتظاهرات الثقافية في البلاد.
ولنا أن نشير إلى أن وزارة الشؤون الثقافية سعت خلال العام المنقضي، إلى تكثيف الحوار مع الأطراف المعنية للتوصل إلى مقاربة تشاركية وفق المصطلح الذي كثيرا ما تستعمله وزيرة الثقافة حياة القرمازي، لتطوير السياسات الثقافية بهدف الوصول إلى هدفين أساسيين.
أولا، ضمان حق المواطن في الثقافة وهو حق دستوري يكرس حق الانتفاع بحياة ثقافية ناجعة ومفيدة.
وثانيا، تطوير الانتاج الثقافي والتوصل إلى ارساء صناعات ثقافية تكون داعمة للاقتصاد وقادرة على خلق الثروة.
ونشير على سبيل المثال إلى أن وزارة الشؤون الثقافية قد نظمت أيام 25 و26 و27 ماي المنقضي بالعاصمة ندوة " المهرجانات قاطرة للتنمية" بحضور فاعلين في الساحة الثقافية من تونس وضيوف عرب وأجانب للاطلاع على بعض التجارب المقارنة وانتهت الندوة بعدة توصيات من بينها مثلا إنشاء مرصد وطني للثقافة يهتم بمتابعة المهرجانات وتنظيم وتوحيد مسالك الدعم وإرساء معايير لتصنيف المهرجانات والانفتاح أكثر على الهياكل الثقافية العمومية والخاصة وكل الفاعلين في القطاع الثقافي وبعث مركز تكوين ثقافي يتولى بالخصوص تأطير وتكوين مسيري المهرجانات.
كما نادى المشاركون بضرورة تطوير البنية الأساسية والتفكير في هندسة جديدة للفضاءات الثقافية وفقا للمعايير الجمالية والوظيفية الجديدة والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة للاتصال وتوظيف المحامل الرقمية لترويج أفضل للمنتوج الثقافي على أمل طبعا أن لا يتم وضع هذه التوصيات في سلة المهملات. مع العلم أن الندوة جاءت بعد اعلان نتائج الدراسة التي أنجزها مكتب استشاري بالتعاون مع برنامج الاتحاد الأوروبي " تفنن، تونس الابداعية" حول السياسات الثقافية سنة 2021 والتي قدمت فكرة عن الواقع وعن افاق العمل الثقافي وخاصة عن فرص الانتاج غير المستغلة في القطاع الثقافي.
ومن اللقاءات الأخرى التي يعول عليها في الخروج بمقترحات عملية لحل مشاكل أحد القطاعات الثقافية الهامة في البلاد ونعني بها المجال السينمائي، نذكر اللقاء المفتوح الذي انتظم يوم 25 نوفمبر وجمع نخبة من أهل السينما مع مسؤولين بوزارة الثقافة وتم خلاله النقاش بالخصوص حول الجوانب التنظيمية والتشريعية والتمويل. مع العلم أن مسألة دعم الدولة للعمل الفني والثقافي تظل القضية الأكثر آنية والأزلية، ولئن تختلف التقييمات والآراء، فإن المطالب واحدة وهي ضرورة وضع مقاييس جديدة مبنية على تقييم موضوعي للحياة الثقافية توزع على اساسها المبالغ الموجهة لدعم الانتاج الثقافي.
بقي لا بد من الاشارة إلى أنه إن هناك حراكا على كل الواجهات الثقافية تقريبا، رغم الصعوبات، ورغم المشاكل، التي جعلت الساحة الثقافية مكبلة بالعوائق، فإن قطاع الكتاب ظل في سبات تقريبا. ونعتبر أن عدم تنظيم معرض تونس الدولي للكتاب نقطة سوداء في العام الثقافي، كما يمكن اعتبار التعلات التي تم تقديمها لتبرير الأمر غير مقنعة كثيرا. فقد كان من الممكن توفير فضاء آخر إذا ما تعذر فعلا توفير تاريخ ممكن بقصر المعارض بالكرم بدل الاستغناء عن التظاهرة أو ترحيلها مما تسبب في خيبة أمل لدى المهتمين بالكتاب في وقت تسجل فيه معارض الكتاب العربية تطورا ملفتا للانتباه.
وللتذكير فإن وزارة الشؤون الثقافية قد اعلنت أن الدورة السابعة والثلاثين للمعرض التي تديرها الكاتبة زهية جويرو ستنعقد من 28 أفريل إلى 07 ماي 2023 بقصر المعارض بالكرم بالعاصمة وأن المعرض يعود بذلك إلى موعده التقليدي اي في الربيع من كل عام. كما اعلنت الوزارة عن تاريخ جديد للدورة الرابعة للمعرض الوطني للكتاب التونسي الذي تعذر تنظيمه هو ايضا عام 2022 وسيكون خلال شهر فيفري القادم على أمل أن تكون سنة 2023 سنة رد الاعتبار للكتاب الذي يكاد يغيب عنه الاهتمام رغم نجاح عدد متزايد من التونسيين في الحصول على تتويجات قيمة في الخارج وتمكنهم في أكثر من مناسبة وكما يقول الرياضيون من رفع الراية الوطنية في المحافل الدولية.
حياة السايب
