والذاكرة النضالية السودانية ظلت وعبر التاريخ تحتفظ بعلاقات راسخة مع شهور السنة الميلادية تؤرّخ بها لبسالات هذا الشعب وتضع بها علامات مضيئة في تاريخه السياسي . في مرة تستدعي شهر أكتوبر لتقول بأن هذا الشعب وعبر قواه الحيّه في العام 1964 أسقط أول ديكتاتورية عسكرية بعد الاستعمار بانتفاضة شعبية جرّب فيها الشعب السوداني لأول مرة سلاح ( الشارع) والذي قادته جبهة الهيئات مجبرة الرئيس / ابراهيم عبود على تسليم السلطة لإرادة الشعب. وبقدر عظمة ثورة 21 أكتوبر 1964 وإلهامها لذاك الجيل إلا أن حداثة عهد الاحزاب والقوى المدنية بشهوة السُلطة والتكالب عليها جعلت باب استلام السُلطة مفتوحاً على مصراعيه أمام مغامرات عسكرية جديدة . نور أكتوبر 1964 أطفأته نار ماي 1969 بانقلاب عسكري دكتاتوري جعلنا كسودانيين ولمدة 16 عاما نُقلّب في صفحات شهور العام لنجد ما يخلصنا من العهد المايوي القابض بيد من حديد على خناق الممارسة الديموقراطية التي يشتهيها الشعب السوداني وظل يدفع في سبيلها أرواح الشهداء ضد نظام قابض ظلت مقاصلة منصوبة على الدوام لرقاب الشعب السوداني وبنادقه تحصد ارواحهم أكثر من الاعداء ... عرف التاريخ السياسي السوداني في العام 1985 ( ماريل) وهي عبقرية الدمج بين شهري مارس وأفريل في ذات السنة التي أضاءت صفحاتها بانتفاضة أخرى للشعب السوداني في السادس من افريل انتصر فيها العمل النضالي المدني على الدبابة واعادها مجبرة الى الثكنات في السادس من أفريل .. وبسبب فقدان المناعة الديموقراطية والحرب والصراع السياسي المؤثر على كُريات الدم البيضاء للنظام الديموقراطي عاودنا مرض الدكتاتورية العسكرية مرة أخرى ليختار الثلاثين من جوان 1989 بداية لأطول نفق دكتاتوري يدخله السودانيين ولمدة ثلاثة عقود . ثلاث عقود بدأت فيها شهوة السلطة الدكتاتورية من جريمة تجريف كل الحياة المدنية بحل الاحزاب والنقابات ومصادرة حق التعبير والرأي في الاعلام صعودا لأعلان ( الجهاد) على أبناء الوطن في الجنوب . ولأن رائحة الدم تزيد من شهوة النظام الدكتاتوري شهد العام 2003 المجازر في دارفور والتي أدخلت السودان متحف الهولوكوست الجديد فعرف السودانيون اللجوء والنزوح والتطهير العرقي فقد الوطن قدر كبير من أبنائه وما يقارب النصف من جغرافيته بالانفصال إلا أن الشعب السوداني وقواه الثورية سرعان ما فتحت خزانة ذاكرتها لتستعيد من أيام التاريخ المضيئة يوم 21 اكتوبر وتجعله يوم لتوقيع ميثاق أول تحالف عريض لاسقاط هذه الدكتاتورية تحت مسمى التجمع الوطني الديموقراطي . احتاج الشعب السوداني مرة ثالثة لاستدعاء التاريخ ليعالج به الحاضر الذي صنعته حكومة الإنقاذ ورئيسها البشير ولم يكن هنالك تاريخ أكثر إلهاماً من 19 ديسمبر وهو تاريخ إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان ليكون بداية ختام جولات المواجهة لإسقاط أحد أطول الديكتاتوريات في السودان والمنطقة . وواحدة من عبقريات الثورة السودانية هي عبقرية التاريخ والزمان ولذلك كان موكب السادس من افريل 2019 هو بمثابة الضربة القاضية ( الثورية) ليُعاد مشهد ( ماريل) مرة أخرى في المسرح السياسي السوداني ولكن عبر جيل جديد تسلح بالسلمية والوعي وراغب في التغيير بشكل جذري. ثورة أخرجت أجمل ما في الشعب السوداني على أرض الاعتصام أمام قيادة الجيش وأخرجت اللجنة الامنية للنظام البائد أسوأ ما عندها عشية ليلة عيد الفطر وفي رمضان بفض الاعتصام متسببين في كسر مركب في خاطر الشعب السوداني. ارتكبت القوى الوطنية المدنية خطيئتها الأولى وهي توقع وثيقة الشراكة الدستورية مع المكون العسكري والذي أمسكك بخناق فترة حكومة الانتقال التي كانت تتقدم خطوة في ملف الاقتصاد بإعفاء الديون والانفتاح على الاقتصاد الدولي ومؤسساته ورفع اسمه من قائمة الارهاب وتتراجع خطوات بسبب الانفلات الأمني وسيطرة المكون العسكري على عصب محركات الاقتصاد السوداني . تحت شعار ( تسقط بس) كان العدوفي مواجهة قوى الحرية والتغيير واحد وهو نظام الانقاذ ولكن من أن جاءت (لمحاصصة) واقتسام في الثورة لم يلتزم الرُماة الجبل فكان أن عادت قوى الرِدّة لتمسك بمفاصل الدولة السودانية لدرجة الانقلاب على الوثيقة الدستورية وحكومة الانتقال في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 . انقلاب جعل من الحتمي أن يُعاد ترتيب أوراق التغيير والثورة في السودان من جديد على أساس تعريفات جديدة للتغيير والذي ترى بعض القوى بأنه لا يمكن أن يتم الا وفق عقد الشراكة مع المكون العسكري وبقايا نظام البشير وهذا يضم قوى سياسية وأخرى عسكرية دخلت للمشهد الثوري عبر بوابة اتفاقية سلام جوبا وأيدت بشكل مطلق قرارات البرهان في 25 أكتوبر 2021م وقوى أخرى أعلنت طلاق البينونة بينها وتحالف الحرية والتغيير واختارت ما اختارته لجان المقاومة في الشارع طريقا للتغيير الجذري والعودة بالثورة لمربعها الاول . السودان الان حاله الان كحال كل الدول التي تنشد التغيير ليس بعيداً من الحسابات الدولية والاقليمية وتقاطع مصالح ( المحاور) التي تقدم مصلحتها على تقديم الشرط الوطني والذي يبدو وأن له أكثر من تعريف لدى بعض القوى السياسية والاجتماعية في النادي السياسي السوداني فكانت المبادرات ( ثلاثية) و( رباعية) غير آبهة بحال الشعب السوداني وهي تبحث عن ( التسوية) وهو يطحنه غول الاقتصاد . عموما لازالت قوى الثورة في الذكرى الرابعة للثورة تثق بانها ستجد في التقويم الثوري تاريخ يناسب رغباتها في التغيير وتحقيق شعار (حرية / سلام/ عدالة) والوفاء بالوعد لارواح الشهداء بان لا تذهب دمائهم سُدى ...
*صحفي وناشط سياسي سوداني
بقلم : خالد ماسا(*) ...
والذاكرة النضالية السودانية ظلت وعبر التاريخ تحتفظ بعلاقات راسخة مع شهور السنة الميلادية تؤرّخ بها لبسالات هذا الشعب وتضع بها علامات مضيئة في تاريخه السياسي . في مرة تستدعي شهر أكتوبر لتقول بأن هذا الشعب وعبر قواه الحيّه في العام 1964 أسقط أول ديكتاتورية عسكرية بعد الاستعمار بانتفاضة شعبية جرّب فيها الشعب السوداني لأول مرة سلاح ( الشارع) والذي قادته جبهة الهيئات مجبرة الرئيس / ابراهيم عبود على تسليم السلطة لإرادة الشعب. وبقدر عظمة ثورة 21 أكتوبر 1964 وإلهامها لذاك الجيل إلا أن حداثة عهد الاحزاب والقوى المدنية بشهوة السُلطة والتكالب عليها جعلت باب استلام السُلطة مفتوحاً على مصراعيه أمام مغامرات عسكرية جديدة . نور أكتوبر 1964 أطفأته نار ماي 1969 بانقلاب عسكري دكتاتوري جعلنا كسودانيين ولمدة 16 عاما نُقلّب في صفحات شهور العام لنجد ما يخلصنا من العهد المايوي القابض بيد من حديد على خناق الممارسة الديموقراطية التي يشتهيها الشعب السوداني وظل يدفع في سبيلها أرواح الشهداء ضد نظام قابض ظلت مقاصلة منصوبة على الدوام لرقاب الشعب السوداني وبنادقه تحصد ارواحهم أكثر من الاعداء ... عرف التاريخ السياسي السوداني في العام 1985 ( ماريل) وهي عبقرية الدمج بين شهري مارس وأفريل في ذات السنة التي أضاءت صفحاتها بانتفاضة أخرى للشعب السوداني في السادس من افريل انتصر فيها العمل النضالي المدني على الدبابة واعادها مجبرة الى الثكنات في السادس من أفريل .. وبسبب فقدان المناعة الديموقراطية والحرب والصراع السياسي المؤثر على كُريات الدم البيضاء للنظام الديموقراطي عاودنا مرض الدكتاتورية العسكرية مرة أخرى ليختار الثلاثين من جوان 1989 بداية لأطول نفق دكتاتوري يدخله السودانيين ولمدة ثلاثة عقود . ثلاث عقود بدأت فيها شهوة السلطة الدكتاتورية من جريمة تجريف كل الحياة المدنية بحل الاحزاب والنقابات ومصادرة حق التعبير والرأي في الاعلام صعودا لأعلان ( الجهاد) على أبناء الوطن في الجنوب . ولأن رائحة الدم تزيد من شهوة النظام الدكتاتوري شهد العام 2003 المجازر في دارفور والتي أدخلت السودان متحف الهولوكوست الجديد فعرف السودانيون اللجوء والنزوح والتطهير العرقي فقد الوطن قدر كبير من أبنائه وما يقارب النصف من جغرافيته بالانفصال إلا أن الشعب السوداني وقواه الثورية سرعان ما فتحت خزانة ذاكرتها لتستعيد من أيام التاريخ المضيئة يوم 21 اكتوبر وتجعله يوم لتوقيع ميثاق أول تحالف عريض لاسقاط هذه الدكتاتورية تحت مسمى التجمع الوطني الديموقراطي . احتاج الشعب السوداني مرة ثالثة لاستدعاء التاريخ ليعالج به الحاضر الذي صنعته حكومة الإنقاذ ورئيسها البشير ولم يكن هنالك تاريخ أكثر إلهاماً من 19 ديسمبر وهو تاريخ إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان ليكون بداية ختام جولات المواجهة لإسقاط أحد أطول الديكتاتوريات في السودان والمنطقة . وواحدة من عبقريات الثورة السودانية هي عبقرية التاريخ والزمان ولذلك كان موكب السادس من افريل 2019 هو بمثابة الضربة القاضية ( الثورية) ليُعاد مشهد ( ماريل) مرة أخرى في المسرح السياسي السوداني ولكن عبر جيل جديد تسلح بالسلمية والوعي وراغب في التغيير بشكل جذري. ثورة أخرجت أجمل ما في الشعب السوداني على أرض الاعتصام أمام قيادة الجيش وأخرجت اللجنة الامنية للنظام البائد أسوأ ما عندها عشية ليلة عيد الفطر وفي رمضان بفض الاعتصام متسببين في كسر مركب في خاطر الشعب السوداني. ارتكبت القوى الوطنية المدنية خطيئتها الأولى وهي توقع وثيقة الشراكة الدستورية مع المكون العسكري والذي أمسكك بخناق فترة حكومة الانتقال التي كانت تتقدم خطوة في ملف الاقتصاد بإعفاء الديون والانفتاح على الاقتصاد الدولي ومؤسساته ورفع اسمه من قائمة الارهاب وتتراجع خطوات بسبب الانفلات الأمني وسيطرة المكون العسكري على عصب محركات الاقتصاد السوداني . تحت شعار ( تسقط بس) كان العدوفي مواجهة قوى الحرية والتغيير واحد وهو نظام الانقاذ ولكن من أن جاءت (لمحاصصة) واقتسام في الثورة لم يلتزم الرُماة الجبل فكان أن عادت قوى الرِدّة لتمسك بمفاصل الدولة السودانية لدرجة الانقلاب على الوثيقة الدستورية وحكومة الانتقال في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 . انقلاب جعل من الحتمي أن يُعاد ترتيب أوراق التغيير والثورة في السودان من جديد على أساس تعريفات جديدة للتغيير والذي ترى بعض القوى بأنه لا يمكن أن يتم الا وفق عقد الشراكة مع المكون العسكري وبقايا نظام البشير وهذا يضم قوى سياسية وأخرى عسكرية دخلت للمشهد الثوري عبر بوابة اتفاقية سلام جوبا وأيدت بشكل مطلق قرارات البرهان في 25 أكتوبر 2021م وقوى أخرى أعلنت طلاق البينونة بينها وتحالف الحرية والتغيير واختارت ما اختارته لجان المقاومة في الشارع طريقا للتغيير الجذري والعودة بالثورة لمربعها الاول . السودان الان حاله الان كحال كل الدول التي تنشد التغيير ليس بعيداً من الحسابات الدولية والاقليمية وتقاطع مصالح ( المحاور) التي تقدم مصلحتها على تقديم الشرط الوطني والذي يبدو وأن له أكثر من تعريف لدى بعض القوى السياسية والاجتماعية في النادي السياسي السوداني فكانت المبادرات ( ثلاثية) و( رباعية) غير آبهة بحال الشعب السوداني وهي تبحث عن ( التسوية) وهو يطحنه غول الاقتصاد . عموما لازالت قوى الثورة في الذكرى الرابعة للثورة تثق بانها ستجد في التقويم الثوري تاريخ يناسب رغباتها في التغيير وتحقيق شعار (حرية / سلام/ عدالة) والوفاء بالوعد لارواح الشهداء بان لا تذهب دمائهم سُدى ...