تونس- الصباح
ساعات ويطوي كتاب سنة 2022 صفحاته بأحداثها وآمالها وآلامها وجروحها باختلاف عمقها وتداعياتها لتفتح أخرى قد لا تكون أفضل من سابقتها ولكنها ستكون حتما على علاقة وثيقة بما أفرزته فالأحداث تترابط والأزمات والصراعات التي لا تجد لها حلولا تتوالد وتفرخ المزيد وعندما تتعثر الدبلوماسية وتغيب جسور التواصل والتفاوض فان البديل مزيد من الخلافات والمواجهات والصدامات سواء تعلق الامر بالقضايا المحلية الداخلية او القضايا الاقليمية والدولية وهو ما يتجسد اليوم بوضوح مع اقتراب دخول الحرب الروسية في اوكرانيا عامها الثاني اذا استمر تفوق صوت القنابل والرصاص والصواريخ على الاصوات المنادية بالسلام والتي وجب الاعتراف أنه منذ بداية الازمة الروسية الاوكرانية كانت ضعيفة وخجولة ولا وزن لها على مستوى صناع القرار بل انه ومع دخول الحرب شهرها الحادي عشر على التوالي يبدو جليا أن مساعي وجهود السلام كانت الغائب الابرز منذ البداية وكأنه لا أحد من المتدخلين في هذه الحرب التي امتدت تداعياتها على كل الشعوب التي استهدفت وبعد كل التداعيات الخطيرة لجائحة كوفيد في امنها الغذائي والطاقي وفي استقرارها لا احد من هذه الاطراف يريد لهذا السلام ان يتجسد اوتجد المفاوضات الروسية الاوكرانية طريقها الى حيث يجب ان تكون وكأن كل الاطراف تنتظر ان تستمر الحرب لتعيد رسم التحالفات الدولية القائمة وتعيد قبل ذلك رسم ملاح الخارطة الجغرافية في المنطقة ومعها اعادة تحديد مناطق النفوذ الاستراتيجي ولعبة المصالح الكبرى.. الحقيقة الوحيدة الواضحة حتى الان ان استمرار الحرب الروسية في اوكرانيا سيكون كارثيا على الجميع دون استثناء وها اننا نقرأ نتائج هذه الحرب في هذه المرحلة مع تفاقم ازمة الغذاء في العالم وارتفاع التهديدات والمخاطر المرتبطة بازمة الطاقة على مختلف الاقتصاديات التي اهتزت بسبب هذه الحرب... هل يأمل العالم في تراجع منطق الحرب لصالح دبلوماسية السلام بداية العام 2023 الذي يتطلع اليه العالم على أمل أن يشهد زوال او على الاقل تراجع الصراعات الدموية والحروب والازمات المتعددة من منطقة الساحل والصحراء إلى السودان واليمن ومساحة واسعة من منطقة الشرق الاوسط التي تشهد ابشع انواع جرائم القتل البطيء من سوريا الى العراق..؟
لقد شهدت الساعات القليلة الماضية التي تسبق نهاية العام 2022 اكثر من موعد سياسي على مستوى مؤثر بين قيادات دولية جمعت عبر لقاء افتراضي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جنيبينغ، امس الجمعة، واصرار بين الجانبين على تعزيز التعاون العسكري بينهما واصرار على مقاومة ضغوط الغرب واستفزازاته ...طبعا قد لا تتضح ابعاد هذا التعاون الذي لا يمكن ان تنظر اليه واشنطن بعين الرضاء في ظل ما يحدث على ارض المعارك في اوكرانيا ولكن ما هو واضح الرد الصيني الذي اكده الرئيس شي بأن بلاده مستعدة لزيادة التعاون الاستراتيجي مع روسيا على خلفية ما وصفه بالوضع الصعب في العالم بأسره... لقاء آخر جمع في موسكو وزيرا دفاع تركيا وسوريا خطوة تاتي في نهاية عام بعد ان رفع العرب الفيتو خلال القمة العربية بالجزائر ضد عودة سوريا احد الدول الاعضاء المؤسسة للجامعة العربية الى موقعها لتمهد بذلك الطريق نحو تطبيع للعلاقات السورية التركية ...
لا خلاف انه لا يمكن لاي حرب ان تستمر الى ما لا نهاية والاكيد ان اللحظة التي ستدفع الاطراف المعنية الى الجلوس حول طاولة واحدة للتفاوض لم تحن بعد وسيتعين اقتناص اللحظة لانهاء الحرب الروسية الاوكرانية ولكن ايضا غيرها من الحروب العبثية التي اسقطها العالم من اهتماماته ومنها النزيف المستمر في اليمن وتنافس القوى الاقليمية ايران والحوثيين من جهة والسعودية والامارات من جهة اخرى على هذا البلد الذي يدفع ابناؤه من شمال اليمن الى جنوبه ثمن الحروب التي تدار على ارضه بالوكالة مع تفاقم مآسي اللاجئين والاطفال المشردين الذين يعيشون بما تجود به عليهم منظمات الاغاثة الانسانية الدولية..
-ولكن ماذا عن منطقتنا وموقع الدبلوماسية التونسية؟
مرت نحو خمسة أشهر منذ اقدمت المغرب وتونس على سحب السفراء على خلفية قمة تيكاد 8 واستقبال تونس زعيم جبهة البوليزاريو استقبال الرؤساء في تلك القمة، وقد اعتبر البعض انذاك ان الاتحاد الافريقي مسؤول عن الحضور والدعوات لهذه القمة، المثير فعلا أنه لا أحد يريد الحديث عن هذه القطيعة بين بلدين مغاربيين والتعرض بجرأة الى ما حدث ولا احد ايضا لتحديد موقع الخطأ او مجرد الاعتراف بوجود خطأ ادّى الى هذه القطيعة غير المسبوقة بين تونس والمغرب منذ ظهور ازمة الصحراء الغربية في 1976.. خلال القمة العربية بالجزائر كانت لي فرضة لقاء وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة وسألته انذاك خلال اجراء حوار صحفي ان كان هناك اتصال مع وزير الخارجية التونسي عثمان الجراندي اوما اذا كان هناك تواصل بين البلدين لاعادة المياه الى مجاريها وجاء الجواب بالنفي ولا يزال المشهد على حاله وليس من الواضح اطلاقا ان كانت عودة العلاقات المغربية التونسية ستعود الى سالف عهدها قريبا اوما اذا ستستمر القطيعة التي لا يمكن الا ان تؤثر على المشهد مغاربيا وعربيا والاصل في الاشياء ان كل تقارب بين الدول العربية مكسب وتعزيز لفرص التعاون في كل المجالات وان كل جفاء او انفصال هو لعنة ونقمة على مصالح الشعوب والاوطان ...
منذ 27 أوت 2022، غادر حسن طارق سفير المغرب تونس وغادر معه طاقم كبير من موظفي السفارة المغربية بتونس، وبعد خمسة أشهر لعله ان الاوان لكسر الجمود الحاصل والسعي لاصلاح ما فسد.. وقد كان بالامكان الاستثمار في القمة الصينية العربية او كذلك القمة الافروامريكية لجس النبض وتجاوز هذا الخلاف الذي نعتبره سوء تفاهم يجب ان يزول ..وحتى اذا لم تتوفر الفرصة فقد وجب العمل عليها وايجادها ...لا مفاضلة بين الدول المغاربية وخاصة بين المغرب والجزائر فما يمس البلدين يمس تونس والعكس صحيح ايضا اذا كان هناك من معنى لمعاهدة مراكش في 17 فيفري 1989 ولمشروع الحلم المغاربي المبتور الذي تتطلع اليه الشعوب المغاربية...
لا خلاف ان الدبلوماسية التونسية فقدت الكثير من بريقها وتاهت في زحمة الاحداث الاقليمية والدولية وضياع البوصلة في مناسبات كثيرة مع الارتباك الذي رافق النشاط الديبلوماسي في بلادنا خلال السنوات الاخيرة، ولعل في غياب ديبلوماسيين متمرسين عن فريق رئيس الجمهورية وفي الغاء دور الصحافة ما ساعد على تراجع هذه الصورة. نذكر جيدا ان اول رئيس اجنبي استقبله الرئيس قيس سعيد كان الرئيس اردوغان على خلفية الازمة وقد كانت زيارة مفاجئة لم يسبقها اعداد او تنظيم يذكر وسمح فيها اردوغان لنفسه ان يهين مضيفه ويبدي امتعاضه من رائحة الدخان في القصر فيرد سعيد بانها رائحة الزيت التونسي الطيب ...ولم يعرف القليل او الكثير عن اهداف تلك الزيارة.. وحتى عند استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون فقد كان اللقاء الاعلامي على المقاس ولكن استقبال الرئيس الفلسطيني ابو مازن وتغييب الاعلام كان مسألة مثيرة للتساؤلات عن اسباب عدم تنظيم لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية والحال انه كان يتعين الاستفادة من كل زيارة دولة للتواصل مع الاعلام وايصال الصوت الفلسطيني الى الرأي العام الدولي.. بعد ذلك استمر غياب سعيد عن قمة دافوس وعن القمة الإفريقية ثم كان قرار اقالة سفير تونس لدى الأمم المتحدة، منصف البعتي بدعوى عدم التنسيق مع رئاسة الجمهورية ، وقبل ذلك اقالة وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي.. نستذكر بعض هذه العثرات الدبلوماسية وغيرها ونحن على مشارف عام جديد وقناعتنا ان هناك الكثير من الاحداث التي لا تسقط من الذاكرة ورغم احتضان بلادنا قمة تيكاد ولاحقا قمة الفرانكفونية في جربة فان الاكيد ان نجاح التنظيم والاستقبال ومستوى الحضور لا يمكن ان يلغي حقيقة ان هناك ضرورة لتجديد وحياكة العقيدة الديبلوماسية في زمن الصراعات والتحالفات والشراكات ولعبة المصالح الكبيرة التي تحكم العالم دفاعا عن صورة ومصداقية والاهم عن مصلحة تونس في هذا العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين بكل تحدياته في عالم منفلت لا مكان فيه للغائبين عن المشهد..
-المغرب والجزائر وعقدة غوردن
لقد باتت القضية المحورية او سبب الازمة بين المغرب والجزائر بسبب ملف الصحراء الغربية التي كلفت ولا تزال تكلف المنطقة المغاربية وشعوبها الكثير معضلة قائمة ولكنها معضلة متجمدة لا تتحرك وهي اشبه باسطورة عقدة غوردن او الحبل الذي يتكون من سلسلة من العقد وما ان يتم فك عقدة حتى تظهر أخرى إلى أن أتى سيف الاسكندر فضرب العقدة القلب لتنفك كل العقد ...حتى هذه المرحلة لا احد يعرف ما هي العقدة القلب التي يجب حلها ولا احد يعرف ايضا متى سيظهر اسكندر المغرب لفك العقدة ولكن ما نعرفه أن ثمن هذه العقد ما انفك يتضاعف ويدفع بالمنطقة إلى مزيد الضعف والهشاشة والغياب ...
بالأمس قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن قرار قطع العلاقات مع المغرب كان "بديلاً عن الحرب وان الوساطة غير ممكنة " وان قرار قطع العلاقات مع المملكة المغربية صيف العام 2021 كان "نتيجة تراكمات منذ العام 1963"... وإذا كان لدبلوماسية الرياضة موقع في عالم السياسة والدبلوماسية والعلاقات المغاربية والعربية فليكن ذلك من اجل إسقاط جدران الفصل بين أوطان وشعوب ما انفكت تؤكد رفضها لخيارات القطيعة والعزل والتباعد المفروض عليها.. ولعل الجميع تابع على مدى تظاهرة كأس العالم هذا التطلع لإيقاف النزيف الحاصل وهذا الأمل من اجل السلام بين الجميع لا سيما مع صعود حكومة اليمين الديني المتصهين بزعامة ناتنياهو في إسرائيل وتلويح ائتلاف الإرهاب بفرض سيطرته على كل الضفة الغربية كل ذلك في ظل صمت دولي لا يمكن إلا أن يشجع الاحتلال على مواصلة جرائمه حتى بعد استقالة سفيرة إسرائيل في فرنسا من منصبها احتجاجا على هذه الحكومة العنصرية ...
لهذه الأسباب التي ذكرنا وربما لغيرها أيضا من الأسباب كان هذا الملف لرصد أراء من خبراء ومختصين وإعلاميين من عدد من العواصم العربية والمغاربية في محاولة لاستقراء ما يحدث من مآسي ودفع نحو ضرورة إعادة وضع الحسابات وإعادة ترتيب الأولويات من اجل عالم بلا نزاعات أو حروب ومن اجل الدفع نحو التأسيس لعدالة اجتماعية وللمساواة بين الجنسين بعيدا عن كل أنواع الإهانة والهيمنة الذكورية البغيضة ...
اسيا العتروس
