*حزمة قاسية من الضرائب الجديدة على الشركات والأفراد ستدفع بهروب المستثمرين
تونس- الصباح
سجلت ميزانية الدولة لسنة 2023، ارتفاعا غير مسبوق في قيمة المداخيل الجبائية، التي قفزت الى أكثر من 40.5 مليار دينار، أي قرابة 60٪ من حجم ميزانية الدولة، وبلغت نسبتها من حيث موارد الدولة قرابة 90٪، أي أن أغلب موارد البلاد المالية الذاتية متأتية من الضرائب، الأمر الذي رفع من نسبة الضغط الجبائي لسنة 2023، الى أكثر من 25 % ، مقابل 24.9 % خلال 2022، ما يصنف تونس الأعلى على مستوى الضغط الجبائي في القارة الإفريقية.
وينص قانون المالية لسنة 2023 ، على تفعيل برنامج الإصلاحات 2023-2026، المتضمن لعديد الإجراءات الجبائية والمالية والاقتصادية، وإرساء نظام جبائي يدعم الدور الاجتماعي للدولة ويساعد على دفع الاستثمار الخاص ودعم الاقتصاد.
وبلغ ارتفاع الميزانية لعام 2023، نسبة 14.5٪ مقارنة بالنتائج المحدثة لعام 2022، حيث بلغت قيمتها 69.640 مليار دينار. واختارت الحكومة سلسلة من الافتراضات في إعداد ميزانيتها للعام المقبل، بما في ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة عند 1.8٪. وتنص ميزانية الدولة لعام 2023 على تنمية الموارد الذاتية للدولة بنحو 12.9٪ ، مقارنة بقانون المالية المعدل لعام 2022، لتصل إلى 46.424 مليار دينار، نتيجة الزيادة الكبيرة المتوقعة في الإيرادات الضريبية وغير الضريبية البالغة 12.5 ٪ و15.7 ٪ على التوالي. وتعتمد الزيادة في الإيرادات الضريبية على الزيادة الكبيرة المتوقعة في ضريبة الدخل وضريبة الشركات بنسبة 8.5٪ و 8.7٪ وضريبة الاستهلاك وضريبة القيمة المضافة والضرائب الجمركية بنسبة 16.5٪ و 12.5٪ و 11٪ على التوالي.
وتساهم الضرائب في تمويل ميزانية الدولة بنسبة تجاوزت 60 بالمائة، وارتفعت الإيرادات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث وصلت إلى 30 مليار دينار في عام 2019، مقابل 12,5 مليار دينار في سنة 2010، وبلغ الضغط الجبائي في العام 2019 نسبة 25.3 % وشهد ارتفاعا منذ العام 2016 ليسجل 20.8 % و21.9 % في العام 2017، وعلى الرغم من التشكيك في بعض الأرقام واعتبار الضغط الجبائي ارفع من النسب المعلنة إلا أن تونس تعد الأعلى إفريقيا في هذا المقياس.
ضغط جبائي الأعلى في إفريقيا
وحسب الخبير الاقتصادي والمحاسب وليد بن صالح فإن نسبة الضغط الجبائي في تونس تقترب من 35٪، فيما قدر حجم ثروات التونسيين المهربة إلى الخارج بـ2,2 مليار دولار أي حوالي 6 مليار دينار، وذلك نتيجة ارتفاع الضغط الجبائي ونقص العدالة الجبائية، ما دفع بأصحاب الثروات في تونس الى تهريب أموالهم الى الخارج، ولاسترجاع هذه الثروات المهربة، يشدد العديد من الخبراء على ضرورة مراجعة مجلة الصرف وإضفاء مرونة اكبر على مسك العملة الصعبة بالنسبة للتونسيين من مستثمرين ورجال أعمال.
ووفق دراسة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ارتفعت نسبة الضريبة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس بنسبة 1.6 % بين 2016 و2017، فيما أشارت الدراسة إلى أن نحو 26 بلدا إفريقيا حافظ على درجة 17.2 % خلال الفترة نفسها. ويعتبر بعض الخبراء أن نسبة الضغط الجبائي أعلى من النسب المعلنة باعتبار وجود أداءات أخرى غير معتمدة في طريقة الاحتساب.
وسجلت تونس أعلى نسبة ضغط جبائي مقارنة بمعدل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي بلغ المعدل فيها 15.4 في المائة وأعلى كذلك من معدل دول الاتحاد الأوروبي الذي بلغ 20.2 في المائة في العام 2016. وكانت تونس من البلدان التي عولت إلى حد كبير على مواردها الداخلية، وبالخصوص الموارد المالية لتمويل إنفاقها العام وقد مولت العائدات الضريبية ميزانية الدولة بمعدل 60 في المائة ما بين 1986 و2017 .
ومنذ 2011 تفاقم العجز من سنة إلى أخرى بسبب الاضطرابات الاجتماعية وحالة عدم الاستقرار السياسي، ليبلغ المعدل الحقيقي للضغط الجبائي في تونس 35,5 بالمائة، وهو المعدل الأرفع في إفريقيا، في حين أن المعدل، الذي تعلن عنه الحكومة في حدود 25,4 بالمائة بحسب ما أوضحه الخبير في المحاسبة، وليد بن صالح، مؤكدا أن المعدل المعلن من الحكومة لا يأخذ في الاعتبار سوى الضريبة المباشرة وغير المباشرة.
حزمة من الضرائب القاسية
وأثر الارتفاع المسجل من سنة إلى أخرى في الضرائب الى بروز عامل خطير يتمثل في هروب المستثمرين وهو أحد أبرز الأسباب التي تجبر المستثمرين على العدول عن قرار توسيع استثماراتهم في تونس منذ عقد من الزمن، ولم تتوفق تونس في تعبئة الاستثمارات الخارجية المباشرة المستهدفة في كامل السنة الماضية، بسبب تنامي تداعيات جائحة فيروس كورونا الذي عطل حركة تدفق الاستثمارات في كامل أنحاء العالم ومن ضمنها تونس، وأيضا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
ومنذ 2011 تواجه الحكومة التونسية معضلة في تعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتنامية، وخاصة فيما يتعلق بوضع حدّ للتهرب الضريبي الذي كبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة، وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية لاعتماد إصلاحات عاجلة.
ويشكك الخبراء الاقتصاديون في قدرة الحكومة على تخفيف الضغوط المتزايدة على المواطنين بعد أن بنت ميزانية 2023 على فرضيات تبدو غير واقعية، ومؤشرات غير ثابتة، قد تعرقل كافة الجهود لإخراج البلاد من نفق الأزمات المتراكمة، معتبرين ان حزمة الضرائب المفروضة على مختلف القطاعات والمجالات، ستزيد في إنهاك المساعي الرامية الى تحقيق نسب نمو واقعية، تخلق مواطن الشغل.
ويحذر العديد من خبراء الاقتصاد، في الآونة الأخيرة، من تنامي العجز الهيكلي للمالية العمومية، الذي يعد مشكلا حقيقيا لتونس، إذ لا يتعلق الأمر بعجز بسيط في ميزانية الدولة لسنة 2022 بقيمة 10 مليارات دينار كما هو وارد في قانون المالية، بل هو يتجاوز 20 مليار دينار، وهذا ما يفسر ارتفاع الضرائب في قانون المالية لسنة 2023، خاصة وأن سبل الحصول على تمويلات خارجية من مؤسسات مالية عالمية، تبدو اليوم منعدمة مع تعليق صندوق النقد الدولي لملف تونس.
* سفيان المهداوي
*حزمة قاسية من الضرائب الجديدة على الشركات والأفراد ستدفع بهروب المستثمرين
تونس- الصباح
سجلت ميزانية الدولة لسنة 2023، ارتفاعا غير مسبوق في قيمة المداخيل الجبائية، التي قفزت الى أكثر من 40.5 مليار دينار، أي قرابة 60٪ من حجم ميزانية الدولة، وبلغت نسبتها من حيث موارد الدولة قرابة 90٪، أي أن أغلب موارد البلاد المالية الذاتية متأتية من الضرائب، الأمر الذي رفع من نسبة الضغط الجبائي لسنة 2023، الى أكثر من 25 % ، مقابل 24.9 % خلال 2022، ما يصنف تونس الأعلى على مستوى الضغط الجبائي في القارة الإفريقية.
وينص قانون المالية لسنة 2023 ، على تفعيل برنامج الإصلاحات 2023-2026، المتضمن لعديد الإجراءات الجبائية والمالية والاقتصادية، وإرساء نظام جبائي يدعم الدور الاجتماعي للدولة ويساعد على دفع الاستثمار الخاص ودعم الاقتصاد.
وبلغ ارتفاع الميزانية لعام 2023، نسبة 14.5٪ مقارنة بالنتائج المحدثة لعام 2022، حيث بلغت قيمتها 69.640 مليار دينار. واختارت الحكومة سلسلة من الافتراضات في إعداد ميزانيتها للعام المقبل، بما في ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة عند 1.8٪. وتنص ميزانية الدولة لعام 2023 على تنمية الموارد الذاتية للدولة بنحو 12.9٪ ، مقارنة بقانون المالية المعدل لعام 2022، لتصل إلى 46.424 مليار دينار، نتيجة الزيادة الكبيرة المتوقعة في الإيرادات الضريبية وغير الضريبية البالغة 12.5 ٪ و15.7 ٪ على التوالي. وتعتمد الزيادة في الإيرادات الضريبية على الزيادة الكبيرة المتوقعة في ضريبة الدخل وضريبة الشركات بنسبة 8.5٪ و 8.7٪ وضريبة الاستهلاك وضريبة القيمة المضافة والضرائب الجمركية بنسبة 16.5٪ و 12.5٪ و 11٪ على التوالي.
وتساهم الضرائب في تمويل ميزانية الدولة بنسبة تجاوزت 60 بالمائة، وارتفعت الإيرادات بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث وصلت إلى 30 مليار دينار في عام 2019، مقابل 12,5 مليار دينار في سنة 2010، وبلغ الضغط الجبائي في العام 2019 نسبة 25.3 % وشهد ارتفاعا منذ العام 2016 ليسجل 20.8 % و21.9 % في العام 2017، وعلى الرغم من التشكيك في بعض الأرقام واعتبار الضغط الجبائي ارفع من النسب المعلنة إلا أن تونس تعد الأعلى إفريقيا في هذا المقياس.
ضغط جبائي الأعلى في إفريقيا
وحسب الخبير الاقتصادي والمحاسب وليد بن صالح فإن نسبة الضغط الجبائي في تونس تقترب من 35٪، فيما قدر حجم ثروات التونسيين المهربة إلى الخارج بـ2,2 مليار دولار أي حوالي 6 مليار دينار، وذلك نتيجة ارتفاع الضغط الجبائي ونقص العدالة الجبائية، ما دفع بأصحاب الثروات في تونس الى تهريب أموالهم الى الخارج، ولاسترجاع هذه الثروات المهربة، يشدد العديد من الخبراء على ضرورة مراجعة مجلة الصرف وإضفاء مرونة اكبر على مسك العملة الصعبة بالنسبة للتونسيين من مستثمرين ورجال أعمال.
ووفق دراسة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ارتفعت نسبة الضريبة من الناتج المحلي الإجمالي في تونس بنسبة 1.6 % بين 2016 و2017، فيما أشارت الدراسة إلى أن نحو 26 بلدا إفريقيا حافظ على درجة 17.2 % خلال الفترة نفسها. ويعتبر بعض الخبراء أن نسبة الضغط الجبائي أعلى من النسب المعلنة باعتبار وجود أداءات أخرى غير معتمدة في طريقة الاحتساب.
وسجلت تونس أعلى نسبة ضغط جبائي مقارنة بمعدل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي بلغ المعدل فيها 15.4 في المائة وأعلى كذلك من معدل دول الاتحاد الأوروبي الذي بلغ 20.2 في المائة في العام 2016. وكانت تونس من البلدان التي عولت إلى حد كبير على مواردها الداخلية، وبالخصوص الموارد المالية لتمويل إنفاقها العام وقد مولت العائدات الضريبية ميزانية الدولة بمعدل 60 في المائة ما بين 1986 و2017 .
ومنذ 2011 تفاقم العجز من سنة إلى أخرى بسبب الاضطرابات الاجتماعية وحالة عدم الاستقرار السياسي، ليبلغ المعدل الحقيقي للضغط الجبائي في تونس 35,5 بالمائة، وهو المعدل الأرفع في إفريقيا، في حين أن المعدل، الذي تعلن عنه الحكومة في حدود 25,4 بالمائة بحسب ما أوضحه الخبير في المحاسبة، وليد بن صالح، مؤكدا أن المعدل المعلن من الحكومة لا يأخذ في الاعتبار سوى الضريبة المباشرة وغير المباشرة.
حزمة من الضرائب القاسية
وأثر الارتفاع المسجل من سنة إلى أخرى في الضرائب الى بروز عامل خطير يتمثل في هروب المستثمرين وهو أحد أبرز الأسباب التي تجبر المستثمرين على العدول عن قرار توسيع استثماراتهم في تونس منذ عقد من الزمن، ولم تتوفق تونس في تعبئة الاستثمارات الخارجية المباشرة المستهدفة في كامل السنة الماضية، بسبب تنامي تداعيات جائحة فيروس كورونا الذي عطل حركة تدفق الاستثمارات في كامل أنحاء العالم ومن ضمنها تونس، وأيضا تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
ومنذ 2011 تواجه الحكومة التونسية معضلة في تعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتنامية، وخاصة فيما يتعلق بوضع حدّ للتهرب الضريبي الذي كبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة، وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية لاعتماد إصلاحات عاجلة.
ويشكك الخبراء الاقتصاديون في قدرة الحكومة على تخفيف الضغوط المتزايدة على المواطنين بعد أن بنت ميزانية 2023 على فرضيات تبدو غير واقعية، ومؤشرات غير ثابتة، قد تعرقل كافة الجهود لإخراج البلاد من نفق الأزمات المتراكمة، معتبرين ان حزمة الضرائب المفروضة على مختلف القطاعات والمجالات، ستزيد في إنهاك المساعي الرامية الى تحقيق نسب نمو واقعية، تخلق مواطن الشغل.
ويحذر العديد من خبراء الاقتصاد، في الآونة الأخيرة، من تنامي العجز الهيكلي للمالية العمومية، الذي يعد مشكلا حقيقيا لتونس، إذ لا يتعلق الأمر بعجز بسيط في ميزانية الدولة لسنة 2022 بقيمة 10 مليارات دينار كما هو وارد في قانون المالية، بل هو يتجاوز 20 مليار دينار، وهذا ما يفسر ارتفاع الضرائب في قانون المالية لسنة 2023، خاصة وأن سبل الحصول على تمويلات خارجية من مؤسسات مالية عالمية، تبدو اليوم منعدمة مع تعليق صندوق النقد الدولي لملف تونس.