تكررت في الآونة الأخيرة جرائم قتل بين الأزواج، وغالبا ما تكون المرأة الضحية. ويسارع كثيرون إلى اختصار المسالة في موضوع العنف ضد المرأة لكن رغم أن جزءا من هذا الطرح صحيح لكنه غير كاف للوقوف على أبعاد الظاهرة وأسبابها لا سيما وأنها في نسق تصاعدي ولعلها تختزل في جزء كبير منها تنامي الضغوط النفسية على التونسيين في ظل وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي معقد مع غياب مؤشرات أمل في التغيير نحو الأفضل وانفراج الأزمات الخانقة المتراكمة.
أثارت من جديد جريمة القتل التي جدت الأربعاء الفارط وراحت ضحيتها أم لأربعة أطفال طعنًا على يد زوجها، في منطقة المنيهلة من ولاية أريانة، الجدل على منصات التواصل الاجتماعي وصلب المجتمع المدني المناصر لحقوق المرأة بشأن تنامي ظاهرة العنف والقتل في حق النساء والزوجات خاصة في ظل تكرر حالات اقدام الأزواج على قتل زوجاتهم بطرق بشعة .
تكرر جرائم القتل
كما سارعت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، في بيان لها، إلى الإذن بالتشكيل الفوري لخلية أزمة و"استنكارها الشديد لتكرار جرائم القتل الناتج عن العنف الذي يطال النساء والفتيات وتنديدها بتصاعد وتيرة الاعتداءات والانتهاكات للحرمة الجسدية والمعنوية للمرأة لا سيّما بسبب العنف الزوجي".
وجددت "دعوتها للتطبيق الحازم والفاعل لمقتضيات القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، داعية كافة الهياكل المتدخلة والشركاء وفي مقدمتهم مكونات المجتمع المدني وقطاع الإعلام للتصدّي الجماعي والتحرّك المشترك قصد مكافحة انتشار العنف ثقافة وسلوكاً ورفض التطبيع مع كافة أوجه العنف ضدّ المرأة والوقاية من تداعياته الخطيرة على النساء والأطفال والأسرة والمجتمع".
تحركت ايضا الوزارة والمجتمع المدني مؤخرا اثر الجريمة المروعة التي هزت ولاية الكاف، وراحت ضحيتها زوجة أشعل زوجها النار في جسدها بعد أن سكب البنزين، قبل أن يحاول حرق ابنته البالغة 15 سنة.
وأطلقت حينها مجموعة من المدافعات عن حقوق المرأة في تونس حملة تحت شعار "أوقفوا قتل النساء"، محذرة من تفاقم ظاهرة العنف العائلي.
وأصدرت بالمناسبة جمعية "أصوات نساء" بيانا استنكرت فيه "تجاهل الدولة التونسية وتقاعسها إزاء جرائم القتل المتتالية للنساء جرّاء العنف الزوجي"، مطالبة بـ"الكشف عن الأرقام الرسمية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم ووضع خطة وطنية لمناهضة العنف الزوجي والوقاية من جرائم قتل النساء، ورصد التمويلات الكافية لهياكل مكافحة العنف المسلط على النساء".
تنامي الضغوط النفسية
أفاد المنسق الوطني للاتحاد الدولي للخدمات منصور الشارني، في تصريح إعلامي، أن "15 امرأة في تونس تعرضن للقتل بطرق مختلفة منذ بداية العام الحالي" ويبدو هذا الرقم مفزعا ويحيل على طرح موضوعي يربط بين تنامي الضغوط على نفسية التونسيين والنزوع نحو المزيد من العنف.
ولعل أكثر من يشعر اليوم بتداعيات هذه الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا هي الأسر، والأزواج في مواجهة ضغوط الحياة المعيشية المتنامية. ومكابدة المشقة في توفير مستلزمات البيت والأطفال حتى من المواد الاستهلاكية العادية من حليب وغيره.
ورغم غياب الدراسات الاجتماعية الحديثة التي تتناول بشكل عميق وعلمي الصحة النفسية للتونسيين ومقدار الضغوط المسلطة عليهم في الفترة الأخيرة وعلاقة ذلك بالسلوكيات والمظاهر المتصاعدة في المجتمع من عنف وهجرة وانحراف وغيرها فإن بعض المؤشرات وتأكيدات المختصين تبين وجود ترابط موضوعي بين ردود فعل التونسيين المختلفة وما يواجهونه من أزمات خانقة على أكثر من صعيد.
أفاد مؤخرا بهذا الصدد الأخصائي النفسي طارق السعيدي أن "الكثير من التونسيين يعيشون ضغوطا نفسية يومية إن كان بسبب توفير متطلبات الحياة أو عوامل خاصة تختلف فيها ردات الفعل"
مؤكدا في تصريح إعلامي أن التعرض للضغط النفسي "يؤدي الى ارتفاع هرمون الكورتيزول الذي يمكن أن يؤثر ارتفاعه على المدى الطويل على صحة القلب ويتسبب في الأمراض السرطانية".
تداعيات وردات فعل
قال السعيدي أيضا أن "الجسم يتعرف على الخطر الداهم من خلال ردات فعل فيزيولوجية تتمثل في ارتفاع هرمون الكورتيزول الذي يمكن أن يؤثر على المدى الطويل على الصحة الجسدية للإنسان وكذلك على مزاجه الى جانب حدوث اضطرابات في النوم وعلى القدرات الفكرية".
وحذر السعيدي من أن "تواصل الضغط النفسي الذي يتجاوز القدرات الدماغية يمكن له في المستقبل أن يتحول الى اضطرابات نفسية".
تجدر الإشارة أيضا إلى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أكدت في السنوات الأخيرة أن 52 بالمائة من التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية.
وتؤثر دون شك أوضاع عدم الاستقرار السياسي وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على منسوب التفاؤل والأمل والثقة في المستقبل وبالتالي ترتفع نسب الإحباط والتشاؤم التي لها دون شك تداعيات على التوازن النفسي وتدفع إلى اضطرابات سلوكية
وكانت نتائج سير الآراء قبل توقفها في الفترة الانتخابية الحالية ، تتحدث عن تنامي مؤشر التشاؤم فقد كشف أخر سير آراء خاص بشهر سبتمبر الفارط عن "التراجع الحاد للتفاؤل في اقل من شهر إذ نزل من %61.5 في أوت الماضي إلى %44.5 في سبتمبر الفارط" .
وبين الباروميتر السياسي لشهر سبتمبر 2022 الذي تنجزه مؤسسة «سيغما» "تراجعا حادا في منسوب التفاؤل بـ17 نقطة ليستقر في حدود %45.5 من العينة المستوجبة".
أرقام مفزعة
وتفيد مؤشرات إحصائية مختلفة عن تنامي الضغوط النفسية على التونسيين في السنوات الأخيرة والأكيد أن جزء كبير منها مرتبط بالصعوبات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والمؤكد أيضا أن تلك المؤشرات الإحصائية تتغير باستمرار وتعرف نسقا تصاعديا بالتوازي ما اشتداد الأزمات في البلاد.
ففي عام 2020، كشفت اللجنة الطبية في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية عن "تزايد أعداد المرضى الذين يلجؤون إلى المستشفى طلباً للعلاج في ظل الضغوط النفسية المختلفة أو للتخلّص من إدمان المخدّرات. وبيّنت اللجنة أنّ أعداد المرضى الذين يقصدون مستشفى الرازي وهؤلاء الذين يتوجّهون إلى العيادات الخارجية، ارتفعت بنسبة 15% مقارنة بعامَي 2018 و2019".
ووفقا لدراسة أنجزتها الجمعية التونسية للأطباء النفسانيين ومستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية بينت أن "أكثر من خمسة آلاف تونسي يعانون من الاضطرابات الناتجة عن الاكتئاب وأن هناك أكثر من 9 آلاف ونصف مقيم من المرضى الذين يعانون من الأمراض النفسية والعصبية في السنتين الأخيرتين فيما كان العدد في حدود 4500 مقيم فقط في سنة 2011. وبينت نفس الدراسة أن المرأة تعد الأكثر عرضة لمثل هذه الأمراض. وتطرقت جهات أخرى إلى تزايد عدد المصابين بمرض "الفصام" أو الانفصام في الشخصية في تونس ليتجاوز العدد 60 ألف".
كشفت أيضا بيانات عن منظمة الصحة العالمية تعود لسنة 2017 عن تجاوز نسبة المصابين بالاكتئاب 8% من إجمالي عدد التونسيين.
وربما الأعداد تضاعفت اليوم وهي تنذر بالمزيد من التداعيات بين الأزواج وصلب العائلات وداخل المجتمع.
م.ي
تونس-الصباح
تكررت في الآونة الأخيرة جرائم قتل بين الأزواج، وغالبا ما تكون المرأة الضحية. ويسارع كثيرون إلى اختصار المسالة في موضوع العنف ضد المرأة لكن رغم أن جزءا من هذا الطرح صحيح لكنه غير كاف للوقوف على أبعاد الظاهرة وأسبابها لا سيما وأنها في نسق تصاعدي ولعلها تختزل في جزء كبير منها تنامي الضغوط النفسية على التونسيين في ظل وضع اقتصادي واجتماعي وسياسي معقد مع غياب مؤشرات أمل في التغيير نحو الأفضل وانفراج الأزمات الخانقة المتراكمة.
أثارت من جديد جريمة القتل التي جدت الأربعاء الفارط وراحت ضحيتها أم لأربعة أطفال طعنًا على يد زوجها، في منطقة المنيهلة من ولاية أريانة، الجدل على منصات التواصل الاجتماعي وصلب المجتمع المدني المناصر لحقوق المرأة بشأن تنامي ظاهرة العنف والقتل في حق النساء والزوجات خاصة في ظل تكرر حالات اقدام الأزواج على قتل زوجاتهم بطرق بشعة .
تكرر جرائم القتل
كما سارعت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، في بيان لها، إلى الإذن بالتشكيل الفوري لخلية أزمة و"استنكارها الشديد لتكرار جرائم القتل الناتج عن العنف الذي يطال النساء والفتيات وتنديدها بتصاعد وتيرة الاعتداءات والانتهاكات للحرمة الجسدية والمعنوية للمرأة لا سيّما بسبب العنف الزوجي".
وجددت "دعوتها للتطبيق الحازم والفاعل لمقتضيات القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، داعية كافة الهياكل المتدخلة والشركاء وفي مقدمتهم مكونات المجتمع المدني وقطاع الإعلام للتصدّي الجماعي والتحرّك المشترك قصد مكافحة انتشار العنف ثقافة وسلوكاً ورفض التطبيع مع كافة أوجه العنف ضدّ المرأة والوقاية من تداعياته الخطيرة على النساء والأطفال والأسرة والمجتمع".
تحركت ايضا الوزارة والمجتمع المدني مؤخرا اثر الجريمة المروعة التي هزت ولاية الكاف، وراحت ضحيتها زوجة أشعل زوجها النار في جسدها بعد أن سكب البنزين، قبل أن يحاول حرق ابنته البالغة 15 سنة.
وأطلقت حينها مجموعة من المدافعات عن حقوق المرأة في تونس حملة تحت شعار "أوقفوا قتل النساء"، محذرة من تفاقم ظاهرة العنف العائلي.
وأصدرت بالمناسبة جمعية "أصوات نساء" بيانا استنكرت فيه "تجاهل الدولة التونسية وتقاعسها إزاء جرائم القتل المتتالية للنساء جرّاء العنف الزوجي"، مطالبة بـ"الكشف عن الأرقام الرسمية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم ووضع خطة وطنية لمناهضة العنف الزوجي والوقاية من جرائم قتل النساء، ورصد التمويلات الكافية لهياكل مكافحة العنف المسلط على النساء".
تنامي الضغوط النفسية
أفاد المنسق الوطني للاتحاد الدولي للخدمات منصور الشارني، في تصريح إعلامي، أن "15 امرأة في تونس تعرضن للقتل بطرق مختلفة منذ بداية العام الحالي" ويبدو هذا الرقم مفزعا ويحيل على طرح موضوعي يربط بين تنامي الضغوط على نفسية التونسيين والنزوع نحو المزيد من العنف.
ولعل أكثر من يشعر اليوم بتداعيات هذه الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا هي الأسر، والأزواج في مواجهة ضغوط الحياة المعيشية المتنامية. ومكابدة المشقة في توفير مستلزمات البيت والأطفال حتى من المواد الاستهلاكية العادية من حليب وغيره.
ورغم غياب الدراسات الاجتماعية الحديثة التي تتناول بشكل عميق وعلمي الصحة النفسية للتونسيين ومقدار الضغوط المسلطة عليهم في الفترة الأخيرة وعلاقة ذلك بالسلوكيات والمظاهر المتصاعدة في المجتمع من عنف وهجرة وانحراف وغيرها فإن بعض المؤشرات وتأكيدات المختصين تبين وجود ترابط موضوعي بين ردود فعل التونسيين المختلفة وما يواجهونه من أزمات خانقة على أكثر من صعيد.
أفاد مؤخرا بهذا الصدد الأخصائي النفسي طارق السعيدي أن "الكثير من التونسيين يعيشون ضغوطا نفسية يومية إن كان بسبب توفير متطلبات الحياة أو عوامل خاصة تختلف فيها ردات الفعل"
مؤكدا في تصريح إعلامي أن التعرض للضغط النفسي "يؤدي الى ارتفاع هرمون الكورتيزول الذي يمكن أن يؤثر ارتفاعه على المدى الطويل على صحة القلب ويتسبب في الأمراض السرطانية".
تداعيات وردات فعل
قال السعيدي أيضا أن "الجسم يتعرف على الخطر الداهم من خلال ردات فعل فيزيولوجية تتمثل في ارتفاع هرمون الكورتيزول الذي يمكن أن يؤثر على المدى الطويل على الصحة الجسدية للإنسان وكذلك على مزاجه الى جانب حدوث اضطرابات في النوم وعلى القدرات الفكرية".
وحذر السعيدي من أن "تواصل الضغط النفسي الذي يتجاوز القدرات الدماغية يمكن له في المستقبل أن يتحول الى اضطرابات نفسية".
تجدر الإشارة أيضا إلى أن منظمة الصحة العالمية كانت قد أكدت في السنوات الأخيرة أن 52 بالمائة من التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية.
وتؤثر دون شك أوضاع عدم الاستقرار السياسي وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على منسوب التفاؤل والأمل والثقة في المستقبل وبالتالي ترتفع نسب الإحباط والتشاؤم التي لها دون شك تداعيات على التوازن النفسي وتدفع إلى اضطرابات سلوكية
وكانت نتائج سير الآراء قبل توقفها في الفترة الانتخابية الحالية ، تتحدث عن تنامي مؤشر التشاؤم فقد كشف أخر سير آراء خاص بشهر سبتمبر الفارط عن "التراجع الحاد للتفاؤل في اقل من شهر إذ نزل من %61.5 في أوت الماضي إلى %44.5 في سبتمبر الفارط" .
وبين الباروميتر السياسي لشهر سبتمبر 2022 الذي تنجزه مؤسسة «سيغما» "تراجعا حادا في منسوب التفاؤل بـ17 نقطة ليستقر في حدود %45.5 من العينة المستوجبة".
أرقام مفزعة
وتفيد مؤشرات إحصائية مختلفة عن تنامي الضغوط النفسية على التونسيين في السنوات الأخيرة والأكيد أن جزء كبير منها مرتبط بالصعوبات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والمؤكد أيضا أن تلك المؤشرات الإحصائية تتغير باستمرار وتعرف نسقا تصاعديا بالتوازي ما اشتداد الأزمات في البلاد.
ففي عام 2020، كشفت اللجنة الطبية في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية عن "تزايد أعداد المرضى الذين يلجؤون إلى المستشفى طلباً للعلاج في ظل الضغوط النفسية المختلفة أو للتخلّص من إدمان المخدّرات. وبيّنت اللجنة أنّ أعداد المرضى الذين يقصدون مستشفى الرازي وهؤلاء الذين يتوجّهون إلى العيادات الخارجية، ارتفعت بنسبة 15% مقارنة بعامَي 2018 و2019".
ووفقا لدراسة أنجزتها الجمعية التونسية للأطباء النفسانيين ومستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية بينت أن "أكثر من خمسة آلاف تونسي يعانون من الاضطرابات الناتجة عن الاكتئاب وأن هناك أكثر من 9 آلاف ونصف مقيم من المرضى الذين يعانون من الأمراض النفسية والعصبية في السنتين الأخيرتين فيما كان العدد في حدود 4500 مقيم فقط في سنة 2011. وبينت نفس الدراسة أن المرأة تعد الأكثر عرضة لمثل هذه الأمراض. وتطرقت جهات أخرى إلى تزايد عدد المصابين بمرض "الفصام" أو الانفصام في الشخصية في تونس ليتجاوز العدد 60 ألف".
كشفت أيضا بيانات عن منظمة الصحة العالمية تعود لسنة 2017 عن تجاوز نسبة المصابين بالاكتئاب 8% من إجمالي عدد التونسيين.
وربما الأعداد تضاعفت اليوم وهي تنذر بالمزيد من التداعيات بين الأزواج وصلب العائلات وداخل المجتمع.