الدورة 23 من أيام مهرجان قرطاج المسرحية خالية من أشباه المثقفين ونجوم المواقع الاجتماعية
*المسرح التونسي متقدم جدا ومحترم لدى كل المسارح العربية..لهذه الأسباب
*إشكالية المسرح الوطني ليست في التسميات
*السياسي تحركه الايديولوجيا أما الفنان فبإنسانيته واعتماده البحوث التيولوجية والفلسفية
تونس-الصباح
إن مواجهة أي مجتمع لعيوبه ومساوئه أمام العالم لا يمكن الإفلات منها خاصة إذا ما تعلق الأمر بالممارسة الفنية وتحديدا بالفن الرابع، المسرح، باعتباره ممارسة اجتماعية قبل أن يكون طرحا جماليا..
لذلك غالبا ما كانت دورات أيام قرطاج المسرحية ناجحة ولها وقع كبير في الساحة الفنية من خلال محاولة التصدي للتهميش الثقافي السائد رغم قلة الإمكانيات وغياب الدعم.. ومن المؤكد أن هناك العديد من الأسباب الأخرى التي حالت دون المزيد من إشعاع المسرح التونسي في المهرجانات العربية والعالمية..
"الصباح" التقت الفنان خالد بوزيد صاحب العديد من الأدوار المسرحية على غرار "خمسون" ويحيى يعيش" لفاضل الجعايبي وغيرها من الأعمال القيمة فضلا عن تطوعه في تكوين الناشئة عبر مسرح الجهات في مناطق مهمشة والمشاركة في تربصات عالمية كانت له حافزا لإعداد أطروحة الدكتوراه "الكوميديا في السينما الصامتة بين الكوميدي والأداء الإيمائي".. لقاء أردنا من خلاله تسليط الضوء على أهمية مهرجان المسرح، مشاركاته الأخيرة، مسألة تسويق الأعمال المسرحية وآراءه حول المسرح الوطني الذي يفتقد مديرا إلى الآن... فكان الحوار التالي:
حوار: وليد عبداللاوي
*لم نر لك عملا مسرحيا في ايام قرطاج المسرحية؟
-انا من بين منظمي هذه الدورة والسنة الفارطة كنت في لجنة انتقاء العروض.. كما عملت على التنسيق في هذه الدورة مع زميلي طلال برساني وهو من الكفاءات وله شهائد عليا من موسكو والسوربون.. مع الربط مع المعهد العالي للمسرح..علما وان الفنان المثقف صاحب الفضل الكبير على كثير من المبدعين التونسيين أيمن زيدان كان في ضيافتي في هذه الدورة، كذلك قاسم البياتي صاحب فضاء مسرح في إيطاليا، مؤلف خمسة كتب بالايطالية ومترجم كوميديا دي لارتي Commedia dell'arte ،صديق لإيوجينوباربا وهو من قام بتقديم كتاب هذا الأخير "المسرح الوسيط"..فضلا عن تقديم الدروس النظرية وإجراء التمارين العملية اليومية للطلبة والعاملين في الحقل المدرسي.. إضافة إلى أني غالبا ما كنت على اتصال بنقابة الفنانين العراقيين كما السوريين لأننا كمسرحيين تونسيين في زيارتنا لعدة بلدان عربية نحظى باستقبال حافل يعكس مدى نجاح الأعمال المسرحية التونسية وأثرها بالأوساط الفنية، أينما عرضت..فكان لابد أن نحتفي بهم أيضا سواء داخل المهرجان أو خارجه..
أما عن النشاط المحلي فأنا أحاول دائما تقديم صورة مميزة عن بلدنا.. علما وأني كنت في منطقة فوار ورجيم معتوق للمشاركة في مهرجان "للحدود نصيب" وهو مهرجان حديث الولادة الذي لو لا تدخل المواطنين ورجال الأعمال ومندوبية التربية لما تواصل وأقيم داخل المدارس.. قبل رجيم معتوق كنت في الذهيبة في إطار تعزيز مسرح الجهات.. توجهنا الى تلك المناطق عسى أن نؤسس لبرامج من شانها ان تحد من الارهاب ومن التهريب، "الكونطرا" من خلال أعلى معايير الثقافة وهي المسرح.. كيف لا والمختصون في علم النفس في العالم الآن في إطار معالجتهم لإشكالية العلاقة القائمة بين التلميذ والهاتف الجوال أو التلفاز اللذان قلصامن ملكة التفكير اتجهوا إلى المسرح كعلاج لأن المسرح يقوي الشخصية والذاكرة والمخيلة وبالتالي المسرح حل لواقعنا الاجتماعي وليس فضاء للترفيه.. بدليل أن المسرح له حيز كبير في البلدان الأجنبية وتحديدا في التعليم والبيداغوجيا..
عدم مشاركتي في الدورة 23 لمهرجان أيام قرطاج المسرحية يرجع بالأساس إلى انشغالي بأطروحة الدكتوراه.. لكني على اتصال دائم بإدارة المهرجان، ومستعد لأي تدخل من شأنه أن يدعم صورة تونس..
وهنا أريد أن أؤكد ان المسرحيين الذين تولوا قيادة دورات سابقة وإلى الآن أعتقد أنهم حريصون على ألا تغلب على المهرجان الصورة البروتوكولية وأن يكون ثمة ربط مع مؤسسات التعليم من خلال ضيافة أساتذة ومختصين معروفين..
*هل يمكن اعتبار الدورة 23 لمهرجان المسرح بعيدة فعلا عن الحيثيات البروتوكولية؟
- مقارنة بـ"الجي سي سي" (ايام قرطاج السينمائية) هو فعلا بعيد عن الشكليات خال من أشباه المثقفين ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي..هذا لا يعني أنه ليس لدي بعض المؤاخذات فيما يخص التنظيم وتقديم العروض، رغم أن الجميع يدرك أن الظرفية المادية "منهكة" مثل البلد والمؤسسات وان دعم جل الأعمال غير كاف، مما حال دون تقديم مهرجان يليق بالكفاءات الموجودة في الساحة.. وعلى المشرع في الدولة أن يعي جيدا أن المهرجانات تبث نوعا من الطمأنينة في الشارع.. المهرجانات المسرحية تعكس صورة تونس لأن كل فنان هو بوق دعاية.. كما أن المسرح أداة تواصل بكثافة للقضايا الدينية والسياسية والثقافية والأخلاقية .. أداة تواصل بكثافة لأنه خلق لعالم كامل. فالمهرجانات أهم وسيلة للارتقاء بالذوق العام ولنقد الواقع باعتبار أنّ المسرحي له وظيفة تثقيفية تربوية.. وأتمنى أن يشاهد المسؤولون في هذا البلد اعمالا مسرحية ومتابعة العديد من القضايا الهامة على خشبة المسرح.. من جانب آخر المهرجانات تبقى وجهة الطلبة من مختلف اختصاصات الفنون سواء سينما او فنون جميلة لاكتشاف تجارب الآخر..
*هل توافق إنصاف بن حفصية مديرة مهرجان أيام قرطاج المسرحية حين تحدثت عن ضرورة التسويق خارج تونس؟ وهل فعلا هناك ثلة من الفنانين يحتكرون الدعم الخارجي مما يمكنهم من منافسة أعمال بمهرجانات أجنبية؟
-أكبر مسوّق للعالم حسب رأيي ودون منازع هو فاضل الجعايبي الفنان الوحيد الذي قدم عروضا في جون كينيدي سانتروفا بأمريكا، افتتح مهرجان عالمي للمسرح بطوكيو، برلين، بوردو، زريخ،، جوناف، ميلانو، البرتغال.. فنان يعرف جيدا كيف يسوق للاوربيين والأمريكيين واليابانيين.. تسويق من حيث الجودة ومن خلال مسرح حديث ومتطور جدا .. وكل مبدع يقدم أعمالا مسرحية مميزة لا أرى مانعا من أن يطرق باب الدعم الخارجي والمشاركة في أعتى المهرجانات الأجنبية.. فاضل الجعايبي لما افتتح مهرجان "اوديون دي لوروب" لم يعرض مسرحية لموليار بل مسرحية "خمسون" يطرح من خلالها العولمة دون ان يحمله خطابا ليس خطابه وهنا تكمن الحنكة والحرفية.. ثم إن عدد عروض المسرحية حين يتجاوز المائة وثلاثين أو المائة وستين فذلك يرجع بالأساس إلى القيمة الفنية للعمل ومدى عمق الأفكار المتناولة من خلال نظرة "ميكروسكوبية" للواقع الآن وهنا دون الوقوع في الايديولوجيا، لأن السياسي هو الذي يتحرك بالايديولوجيا أما الفنان فبإنسانيته واعتماده البحوث الجمالية والفلسفية.. من خلال اعمال تقدم بالسهل الممتنع والبسيط المعقد..
وعن احتكار مسألة الدعم أقول لمن كان لهم مؤاخذات فيما يتعلق بأعمال الجعايبي وغيره: تجاوزوهم ثم لكم أن تنقدوه كما يحلو لكم..أقول هذا ليس من باب المجاملات بدليل أني لم أعد أشتغل معه لكني أحترم المبدعين.. فالمسرح القومي الالماني وما أدراك مثلا ليس في متناول الجميع.. لكن ترأسه فنان تونسي يدعى فاضل الجعايبي في وقت من الاوقات..
مسرح الجعايبي و"الدمادم" في تونس ليس للضحك أو الدراما إنما لاستفزاز وعي المتفرج.. فبين الغث والسمين خيط رقيق جدا وبين المفيد والتجاري خيط رفيع جدا.. ومن المفرح أن نواكب جيلا جديدا من المبدعين على غرار وفاء الطبوبي ورياض حمدي وعلي اليحياوي ومعز مرابط ونوفل عزارة الذي اشتغل على التصوف وما أدراك ما التصوف من خلال شخصية فريد الدين العطار.. عمل مسرحي أثار ضجة كبيرة في العراق وأسال الكثير من الحبر..
بالنسبة للتسويق عامة، لا اعتقد أن هذا دور المسرح خاصة وأن وزيرة الثقافة في الافتتاح قالت ان للمهرجان بعدا اقتصاديا.. ليس صحيحا، بل هو يحرك الواقع يعلم ويثقف.. وبالتالي مهمته ليست تصدير الأعمال.. شخصيا جبت العديد من البلدان بمسرحيات تونسية..ولايخفى على أحد أن المسرح التونسي مسرح متقدم جدا ومحترم في كل المسارح العربية وهذا يرجع بالأساس إلى فترة قديمة وهي تأسيس الجمهورية التونسية، عامل من عوامل تثقيف هذا الشعب، والشعب المثقف يبني أسس بلد متقدم..
*تونس إلى الآن دون مسرح وطني.. من المسؤول؟
-على السلطة التشريعية أن تعي جيدا أن شجرة الثقافة تثمر بعد فترة طويلة لكن ثمارها باهظة الثمن..لا بد من الاستثمار في الثقافة لان وزارات السيادة هي التربية والتعليم والثقافة، لا أن تخصص ثلث البرمجة لكرة القدم.. وإذا لم يجدوا إلى الآن من يسير المسرح الوطني فتلك الطامة الكبرى.. أعتقد أن الإشكال مادي بالأساس وليس قائما على التسميات.. عليهم تعيين شخص من الفنون الحية يمسك بزمام الثقافة في تونس..
الدورة 23 من أيام مهرجان قرطاج المسرحية خالية من أشباه المثقفين ونجوم المواقع الاجتماعية
*المسرح التونسي متقدم جدا ومحترم لدى كل المسارح العربية..لهذه الأسباب
*إشكالية المسرح الوطني ليست في التسميات
*السياسي تحركه الايديولوجيا أما الفنان فبإنسانيته واعتماده البحوث التيولوجية والفلسفية
تونس-الصباح
إن مواجهة أي مجتمع لعيوبه ومساوئه أمام العالم لا يمكن الإفلات منها خاصة إذا ما تعلق الأمر بالممارسة الفنية وتحديدا بالفن الرابع، المسرح، باعتباره ممارسة اجتماعية قبل أن يكون طرحا جماليا..
لذلك غالبا ما كانت دورات أيام قرطاج المسرحية ناجحة ولها وقع كبير في الساحة الفنية من خلال محاولة التصدي للتهميش الثقافي السائد رغم قلة الإمكانيات وغياب الدعم.. ومن المؤكد أن هناك العديد من الأسباب الأخرى التي حالت دون المزيد من إشعاع المسرح التونسي في المهرجانات العربية والعالمية..
"الصباح" التقت الفنان خالد بوزيد صاحب العديد من الأدوار المسرحية على غرار "خمسون" ويحيى يعيش" لفاضل الجعايبي وغيرها من الأعمال القيمة فضلا عن تطوعه في تكوين الناشئة عبر مسرح الجهات في مناطق مهمشة والمشاركة في تربصات عالمية كانت له حافزا لإعداد أطروحة الدكتوراه "الكوميديا في السينما الصامتة بين الكوميدي والأداء الإيمائي".. لقاء أردنا من خلاله تسليط الضوء على أهمية مهرجان المسرح، مشاركاته الأخيرة، مسألة تسويق الأعمال المسرحية وآراءه حول المسرح الوطني الذي يفتقد مديرا إلى الآن... فكان الحوار التالي:
حوار: وليد عبداللاوي
*لم نر لك عملا مسرحيا في ايام قرطاج المسرحية؟
-انا من بين منظمي هذه الدورة والسنة الفارطة كنت في لجنة انتقاء العروض.. كما عملت على التنسيق في هذه الدورة مع زميلي طلال برساني وهو من الكفاءات وله شهائد عليا من موسكو والسوربون.. مع الربط مع المعهد العالي للمسرح..علما وان الفنان المثقف صاحب الفضل الكبير على كثير من المبدعين التونسيين أيمن زيدان كان في ضيافتي في هذه الدورة، كذلك قاسم البياتي صاحب فضاء مسرح في إيطاليا، مؤلف خمسة كتب بالايطالية ومترجم كوميديا دي لارتي Commedia dell'arte ،صديق لإيوجينوباربا وهو من قام بتقديم كتاب هذا الأخير "المسرح الوسيط"..فضلا عن تقديم الدروس النظرية وإجراء التمارين العملية اليومية للطلبة والعاملين في الحقل المدرسي.. إضافة إلى أني غالبا ما كنت على اتصال بنقابة الفنانين العراقيين كما السوريين لأننا كمسرحيين تونسيين في زيارتنا لعدة بلدان عربية نحظى باستقبال حافل يعكس مدى نجاح الأعمال المسرحية التونسية وأثرها بالأوساط الفنية، أينما عرضت..فكان لابد أن نحتفي بهم أيضا سواء داخل المهرجان أو خارجه..
أما عن النشاط المحلي فأنا أحاول دائما تقديم صورة مميزة عن بلدنا.. علما وأني كنت في منطقة فوار ورجيم معتوق للمشاركة في مهرجان "للحدود نصيب" وهو مهرجان حديث الولادة الذي لو لا تدخل المواطنين ورجال الأعمال ومندوبية التربية لما تواصل وأقيم داخل المدارس.. قبل رجيم معتوق كنت في الذهيبة في إطار تعزيز مسرح الجهات.. توجهنا الى تلك المناطق عسى أن نؤسس لبرامج من شانها ان تحد من الارهاب ومن التهريب، "الكونطرا" من خلال أعلى معايير الثقافة وهي المسرح.. كيف لا والمختصون في علم النفس في العالم الآن في إطار معالجتهم لإشكالية العلاقة القائمة بين التلميذ والهاتف الجوال أو التلفاز اللذان قلصامن ملكة التفكير اتجهوا إلى المسرح كعلاج لأن المسرح يقوي الشخصية والذاكرة والمخيلة وبالتالي المسرح حل لواقعنا الاجتماعي وليس فضاء للترفيه.. بدليل أن المسرح له حيز كبير في البلدان الأجنبية وتحديدا في التعليم والبيداغوجيا..
عدم مشاركتي في الدورة 23 لمهرجان أيام قرطاج المسرحية يرجع بالأساس إلى انشغالي بأطروحة الدكتوراه.. لكني على اتصال دائم بإدارة المهرجان، ومستعد لأي تدخل من شأنه أن يدعم صورة تونس..
وهنا أريد أن أؤكد ان المسرحيين الذين تولوا قيادة دورات سابقة وإلى الآن أعتقد أنهم حريصون على ألا تغلب على المهرجان الصورة البروتوكولية وأن يكون ثمة ربط مع مؤسسات التعليم من خلال ضيافة أساتذة ومختصين معروفين..
*هل يمكن اعتبار الدورة 23 لمهرجان المسرح بعيدة فعلا عن الحيثيات البروتوكولية؟
- مقارنة بـ"الجي سي سي" (ايام قرطاج السينمائية) هو فعلا بعيد عن الشكليات خال من أشباه المثقفين ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي..هذا لا يعني أنه ليس لدي بعض المؤاخذات فيما يخص التنظيم وتقديم العروض، رغم أن الجميع يدرك أن الظرفية المادية "منهكة" مثل البلد والمؤسسات وان دعم جل الأعمال غير كاف، مما حال دون تقديم مهرجان يليق بالكفاءات الموجودة في الساحة.. وعلى المشرع في الدولة أن يعي جيدا أن المهرجانات تبث نوعا من الطمأنينة في الشارع.. المهرجانات المسرحية تعكس صورة تونس لأن كل فنان هو بوق دعاية.. كما أن المسرح أداة تواصل بكثافة للقضايا الدينية والسياسية والثقافية والأخلاقية .. أداة تواصل بكثافة لأنه خلق لعالم كامل. فالمهرجانات أهم وسيلة للارتقاء بالذوق العام ولنقد الواقع باعتبار أنّ المسرحي له وظيفة تثقيفية تربوية.. وأتمنى أن يشاهد المسؤولون في هذا البلد اعمالا مسرحية ومتابعة العديد من القضايا الهامة على خشبة المسرح.. من جانب آخر المهرجانات تبقى وجهة الطلبة من مختلف اختصاصات الفنون سواء سينما او فنون جميلة لاكتشاف تجارب الآخر..
*هل توافق إنصاف بن حفصية مديرة مهرجان أيام قرطاج المسرحية حين تحدثت عن ضرورة التسويق خارج تونس؟ وهل فعلا هناك ثلة من الفنانين يحتكرون الدعم الخارجي مما يمكنهم من منافسة أعمال بمهرجانات أجنبية؟
-أكبر مسوّق للعالم حسب رأيي ودون منازع هو فاضل الجعايبي الفنان الوحيد الذي قدم عروضا في جون كينيدي سانتروفا بأمريكا، افتتح مهرجان عالمي للمسرح بطوكيو، برلين، بوردو، زريخ،، جوناف، ميلانو، البرتغال.. فنان يعرف جيدا كيف يسوق للاوربيين والأمريكيين واليابانيين.. تسويق من حيث الجودة ومن خلال مسرح حديث ومتطور جدا .. وكل مبدع يقدم أعمالا مسرحية مميزة لا أرى مانعا من أن يطرق باب الدعم الخارجي والمشاركة في أعتى المهرجانات الأجنبية.. فاضل الجعايبي لما افتتح مهرجان "اوديون دي لوروب" لم يعرض مسرحية لموليار بل مسرحية "خمسون" يطرح من خلالها العولمة دون ان يحمله خطابا ليس خطابه وهنا تكمن الحنكة والحرفية.. ثم إن عدد عروض المسرحية حين يتجاوز المائة وثلاثين أو المائة وستين فذلك يرجع بالأساس إلى القيمة الفنية للعمل ومدى عمق الأفكار المتناولة من خلال نظرة "ميكروسكوبية" للواقع الآن وهنا دون الوقوع في الايديولوجيا، لأن السياسي هو الذي يتحرك بالايديولوجيا أما الفنان فبإنسانيته واعتماده البحوث الجمالية والفلسفية.. من خلال اعمال تقدم بالسهل الممتنع والبسيط المعقد..
وعن احتكار مسألة الدعم أقول لمن كان لهم مؤاخذات فيما يتعلق بأعمال الجعايبي وغيره: تجاوزوهم ثم لكم أن تنقدوه كما يحلو لكم..أقول هذا ليس من باب المجاملات بدليل أني لم أعد أشتغل معه لكني أحترم المبدعين.. فالمسرح القومي الالماني وما أدراك مثلا ليس في متناول الجميع.. لكن ترأسه فنان تونسي يدعى فاضل الجعايبي في وقت من الاوقات..
مسرح الجعايبي و"الدمادم" في تونس ليس للضحك أو الدراما إنما لاستفزاز وعي المتفرج.. فبين الغث والسمين خيط رقيق جدا وبين المفيد والتجاري خيط رفيع جدا.. ومن المفرح أن نواكب جيلا جديدا من المبدعين على غرار وفاء الطبوبي ورياض حمدي وعلي اليحياوي ومعز مرابط ونوفل عزارة الذي اشتغل على التصوف وما أدراك ما التصوف من خلال شخصية فريد الدين العطار.. عمل مسرحي أثار ضجة كبيرة في العراق وأسال الكثير من الحبر..
بالنسبة للتسويق عامة، لا اعتقد أن هذا دور المسرح خاصة وأن وزيرة الثقافة في الافتتاح قالت ان للمهرجان بعدا اقتصاديا.. ليس صحيحا، بل هو يحرك الواقع يعلم ويثقف.. وبالتالي مهمته ليست تصدير الأعمال.. شخصيا جبت العديد من البلدان بمسرحيات تونسية..ولايخفى على أحد أن المسرح التونسي مسرح متقدم جدا ومحترم في كل المسارح العربية وهذا يرجع بالأساس إلى فترة قديمة وهي تأسيس الجمهورية التونسية، عامل من عوامل تثقيف هذا الشعب، والشعب المثقف يبني أسس بلد متقدم..
*تونس إلى الآن دون مسرح وطني.. من المسؤول؟
-على السلطة التشريعية أن تعي جيدا أن شجرة الثقافة تثمر بعد فترة طويلة لكن ثمارها باهظة الثمن..لا بد من الاستثمار في الثقافة لان وزارات السيادة هي التربية والتعليم والثقافة، لا أن تخصص ثلث البرمجة لكرة القدم.. وإذا لم يجدوا إلى الآن من يسير المسرح الوطني فتلك الطامة الكبرى.. أعتقد أن الإشكال مادي بالأساس وليس قائما على التسميات.. عليهم تعيين شخص من الفنون الحية يمسك بزمام الثقافة في تونس..