قال الخبير الدولي والباحث في الشأن التربوي عماد بن عبدالله السديري ان القراءة العلميّة الموضوعية وغير المنحازة للبيانات الوطنية والدولية التي تخص الوضع التربوي في تونس تكشف عن استمرار سوء الأداء في تونس بشكل مؤلم جدا، وتترجم تقارير البنك الدولي ومنظمة اليونسكو ومعهد اليونسكو للإحصاء ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذلك بشكل دائم على رداءة المخرجات التربوية التونسية وضعفها مقارنة بما تحققه الدول المتقدمة، وهي حقيقة مؤلمة قد أسهمت بشكل مؤكد وموثق في ضرب الاقتصاد التونسي وحرمان الشعب التونسي تباعا من تحقيق النمو المنشود الذي يصون كرامته ويضمن استقراره.
وشدد الباحث في الشأن التربوي في حديثه لـ "الصباح" قائلا، "في الحقيقة تعكس البيانات التربوية الكثيرة التي تنشرها بعض الجهات الدولية المهتمة بالشأن التنموي عن وجود فشل تربوي مخيف في بلادنا، فإلى اليوم يؤكد البنك الدولي أن أكثر من 65 بالمائة من التلاميذ التونسيين يعجزون عن قراءة فقرة بسيطة باللغة العربية في سنوات التعليم الابتدائي، أما معهد اليونسكو للإحصاء ومنظمة اليونسكو، فيؤكد بشكل مستمر أن 72 بالمائة من التلاميذ التونسيين لا يجيدون القراءة باللغة العربية في حدها الأدنى، بل إن هذه النسبة تصل إلى حوالي 75 بالمائة فيما يخص مادة الرياضيات، حيث تعجز الأغلبية الساحقة من التلاميذ التونسية مع نهاية التعليم الأساسي عن تحقيق الحد الأدنى المطلوب من الإتقان في إحدى أهم المواد الدراسية على الإطلاق، وبطبيعة الحال، فإن أي شعب يفشل في التمكّن من هذه المعارف والمهارات الأساسية سيكون لا محالة عرضة لكمّ كبير من التحديات والصعوبات والإخفاقات التي تحرمه جيلا بعد جيل من تحقيق أي مكاسب تنموية ذات قيمة."
والأخطر حسب السديري ، أن التراجيديا التربوية التونسية لا تتوقف عند هذا الحد، فبعض التقارير الدولية الأخرى تؤكد أن الفشل التربوي في تونس قد ساء وازداد بشكل كبير خلال السنوات المنقضية بسبب التداعيات السلبية لتفشي وباء كوفيد 19 وفشل وزارة التربية التونسية في إيجاد حلول بديلة بعد الاضطرار إلى غلق المؤسسات التربوية لفترات زمنية هامة. وفي هذا الصدد يتوقع التقرير المشترك الذي صدر في شهر ديسمبر 2021 عن كل من البنك الدولي واليونيسف واليونسكو بشأن الخسائر التعليمية الناجمة عن كوفيد19 أن تتجاوز نسبة فقر التعلم، أي نسبة التلاميذ الذين يعجزون عن قراءة فقرة بسيطة في سنوات التعليم الابتدائي، أكثر من 70 بالمائة في تونس. ولعلّ التخوّف من كشف هذه الحقيقة المحزنة والمرعبة هو الذي دفع كبار المسؤولين في وزارة التربية بالاستمرار في مقاطعة الاختبارات والتقييمات الدولية حتى لا نكتشف هول المصائب التي حلت بالمنظومة التربوية التونسية خلال الأعوام القليلة الماضية، فللأسف الشديد قررت وزارة التربية الانسحاب من المشاركة في أهم التقييمات الدولية، مثل "بيزا وتيمس"، متسببة بذلك في حرماننا من بيانات تربوية قيمة لها القدرة على تحديد مستوى التلاميذ التونسيين بشكل دقيق ومقارنته بالدول المتقدمة التي حققت في السنوات الأخيرة قفزات تربوية هامة جدا.
واعتبر الخبير الدولي في الشان التربوي "ان التكلفة التنموية للفشل التربوي المستدام الذي تعاني منه تونس منذ عقود قد كان ولا يزال مرتفعا جدا فالتعليم يعتبر ركنا أساسيا به يتحدد مصير الشعوب وكل شعب يفشل في تطوير تعليمه سيفشل لا محالة في تحقيق جميع طموحاته التنموية. ولعل هذا ما نبهت إليه الكثير من التقارير والأوراق العلمية في السنوات الأخيرة. فبحسب تقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في منتصف سنة 2022، فإن تخلف المنظومة التربوية في تونس مقارنة بالدول المتقدمة يحرم الاقتصاد التونسي من تحقيق أي تقدم ذي قيمة، فطالما إن رأسمالنا البشري ضعيف وغير مؤهل بشكل جيد، فإننا سنستمر في تحقيق نسب نمو سنوية ضعيفة جدا، كما إن مجموعة بوسطن الاستشارية في العام 2018 قد أكدت كذلك أن ضعف أداء المنظومة التربوية التونسية يعرقل النمو الاقتصادي في تونس ويحد من قدرتها على تحقيق أي مكاسب تنموية مستدامة. وهي حقيقة قد أكدها كذلك البنك الدولي في تقرير له بشأن رأس المال البشري في العام 2019 حيث بيّن أن الطفل التونسي يفقد حوالي 50 بالمائة من قدراته الإنتاجية بسبب رداءة التعليم التونسي وتخلفه.
وفي نفس السياق قال السديري انه رغم خطورة الفشل التربوي التونسي، فإن محاولات الإصلاح لا تزال تراوح مرحلة اللغو المخجل الذي دأب عليه بعض كبار المسئولين في وزارة التربية التونسية منذ عقود، مستهترين بذلك بحجم الأضرار التي يلحقونها بالشعب التونسي، فحتى الآن لا تزال معظم البرامج والكتب المدرسية على حالها منذ أكثر من 20 سنة، وحتى الآن تصر وزارة التربية التونسية على تطبيق سياسات تربوية خاطئة لا تقوم على أي سند علمي دقيق، بل إن رصد احتجاجات الإطار التربوي يكشف أن العمل في هذا القطاع قد تحول إلى تجربة مؤلمة بجميع المقاييس، فلا الأجور تكفي لصون كرامة المربين ولا البيئة المدرسية تصلح لحدوث التعلم ولا المبادرات والمشاريع التي تطبقها الوزارة تستجيب لطموحات وانتظارات المجتمع التونسي.
جهاد الكلبوسي
"التراجيديا"التربوية التونسية لا تتوقف..
محاولات الإصلاح لا تزال تراوح مرحلة اللغو المخجل
تونس – الصباح
قال الخبير الدولي والباحث في الشأن التربوي عماد بن عبدالله السديري ان القراءة العلميّة الموضوعية وغير المنحازة للبيانات الوطنية والدولية التي تخص الوضع التربوي في تونس تكشف عن استمرار سوء الأداء في تونس بشكل مؤلم جدا، وتترجم تقارير البنك الدولي ومنظمة اليونسكو ومعهد اليونسكو للإحصاء ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ذلك بشكل دائم على رداءة المخرجات التربوية التونسية وضعفها مقارنة بما تحققه الدول المتقدمة، وهي حقيقة مؤلمة قد أسهمت بشكل مؤكد وموثق في ضرب الاقتصاد التونسي وحرمان الشعب التونسي تباعا من تحقيق النمو المنشود الذي يصون كرامته ويضمن استقراره.
وشدد الباحث في الشأن التربوي في حديثه لـ "الصباح" قائلا، "في الحقيقة تعكس البيانات التربوية الكثيرة التي تنشرها بعض الجهات الدولية المهتمة بالشأن التنموي عن وجود فشل تربوي مخيف في بلادنا، فإلى اليوم يؤكد البنك الدولي أن أكثر من 65 بالمائة من التلاميذ التونسيين يعجزون عن قراءة فقرة بسيطة باللغة العربية في سنوات التعليم الابتدائي، أما معهد اليونسكو للإحصاء ومنظمة اليونسكو، فيؤكد بشكل مستمر أن 72 بالمائة من التلاميذ التونسيين لا يجيدون القراءة باللغة العربية في حدها الأدنى، بل إن هذه النسبة تصل إلى حوالي 75 بالمائة فيما يخص مادة الرياضيات، حيث تعجز الأغلبية الساحقة من التلاميذ التونسية مع نهاية التعليم الأساسي عن تحقيق الحد الأدنى المطلوب من الإتقان في إحدى أهم المواد الدراسية على الإطلاق، وبطبيعة الحال، فإن أي شعب يفشل في التمكّن من هذه المعارف والمهارات الأساسية سيكون لا محالة عرضة لكمّ كبير من التحديات والصعوبات والإخفاقات التي تحرمه جيلا بعد جيل من تحقيق أي مكاسب تنموية ذات قيمة."
والأخطر حسب السديري ، أن التراجيديا التربوية التونسية لا تتوقف عند هذا الحد، فبعض التقارير الدولية الأخرى تؤكد أن الفشل التربوي في تونس قد ساء وازداد بشكل كبير خلال السنوات المنقضية بسبب التداعيات السلبية لتفشي وباء كوفيد 19 وفشل وزارة التربية التونسية في إيجاد حلول بديلة بعد الاضطرار إلى غلق المؤسسات التربوية لفترات زمنية هامة. وفي هذا الصدد يتوقع التقرير المشترك الذي صدر في شهر ديسمبر 2021 عن كل من البنك الدولي واليونيسف واليونسكو بشأن الخسائر التعليمية الناجمة عن كوفيد19 أن تتجاوز نسبة فقر التعلم، أي نسبة التلاميذ الذين يعجزون عن قراءة فقرة بسيطة في سنوات التعليم الابتدائي، أكثر من 70 بالمائة في تونس. ولعلّ التخوّف من كشف هذه الحقيقة المحزنة والمرعبة هو الذي دفع كبار المسؤولين في وزارة التربية بالاستمرار في مقاطعة الاختبارات والتقييمات الدولية حتى لا نكتشف هول المصائب التي حلت بالمنظومة التربوية التونسية خلال الأعوام القليلة الماضية، فللأسف الشديد قررت وزارة التربية الانسحاب من المشاركة في أهم التقييمات الدولية، مثل "بيزا وتيمس"، متسببة بذلك في حرماننا من بيانات تربوية قيمة لها القدرة على تحديد مستوى التلاميذ التونسيين بشكل دقيق ومقارنته بالدول المتقدمة التي حققت في السنوات الأخيرة قفزات تربوية هامة جدا.
واعتبر الخبير الدولي في الشان التربوي "ان التكلفة التنموية للفشل التربوي المستدام الذي تعاني منه تونس منذ عقود قد كان ولا يزال مرتفعا جدا فالتعليم يعتبر ركنا أساسيا به يتحدد مصير الشعوب وكل شعب يفشل في تطوير تعليمه سيفشل لا محالة في تحقيق جميع طموحاته التنموية. ولعل هذا ما نبهت إليه الكثير من التقارير والأوراق العلمية في السنوات الأخيرة. فبحسب تقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في منتصف سنة 2022، فإن تخلف المنظومة التربوية في تونس مقارنة بالدول المتقدمة يحرم الاقتصاد التونسي من تحقيق أي تقدم ذي قيمة، فطالما إن رأسمالنا البشري ضعيف وغير مؤهل بشكل جيد، فإننا سنستمر في تحقيق نسب نمو سنوية ضعيفة جدا، كما إن مجموعة بوسطن الاستشارية في العام 2018 قد أكدت كذلك أن ضعف أداء المنظومة التربوية التونسية يعرقل النمو الاقتصادي في تونس ويحد من قدرتها على تحقيق أي مكاسب تنموية مستدامة. وهي حقيقة قد أكدها كذلك البنك الدولي في تقرير له بشأن رأس المال البشري في العام 2019 حيث بيّن أن الطفل التونسي يفقد حوالي 50 بالمائة من قدراته الإنتاجية بسبب رداءة التعليم التونسي وتخلفه.
وفي نفس السياق قال السديري انه رغم خطورة الفشل التربوي التونسي، فإن محاولات الإصلاح لا تزال تراوح مرحلة اللغو المخجل الذي دأب عليه بعض كبار المسئولين في وزارة التربية التونسية منذ عقود، مستهترين بذلك بحجم الأضرار التي يلحقونها بالشعب التونسي، فحتى الآن لا تزال معظم البرامج والكتب المدرسية على حالها منذ أكثر من 20 سنة، وحتى الآن تصر وزارة التربية التونسية على تطبيق سياسات تربوية خاطئة لا تقوم على أي سند علمي دقيق، بل إن رصد احتجاجات الإطار التربوي يكشف أن العمل في هذا القطاع قد تحول إلى تجربة مؤلمة بجميع المقاييس، فلا الأجور تكفي لصون كرامة المربين ولا البيئة المدرسية تصلح لحدوث التعلم ولا المبادرات والمشاريع التي تطبقها الوزارة تستجيب لطموحات وانتظارات المجتمع التونسي.