إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

القمة الفرانكفونية وبعد ..

بقلم: نوفل سلامة

أسدل الستار عن أشغال القمة الفرانكفونية في دورتها الثامنة عشرة التي احتضنتها بلادنا على مدار يومين كاملين وحضرها أكثر من 90 وفد رسمي من رؤساء دول وحكومات ومنظمات وشخصيات سياسية بارزة وهي دورة تزامنت مع الذكرى الخمسين لإنشاء هذه المنظمة التي أريد لها أن تكون رابطة لغوية وثقافية تجمع حوالي 321 مليون ناطق باللغة الفرنسية بما يعني أن المشترك بين هذا المكون هو التحدث باللغة الفرنسية سواء كانت لغة أصلية وقومية أو لغة ثانية بعد اللغة الأم بالنسبة لبعض الدول التي كانت في فترة من تاريخها تحت الاستعمار الفرنسي . والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد هذه القمة ؟ وماذا بقي منها مفيدا لتونس وللدول التي كانت تمثل مستعمرات فرنسا القديمة ؟ وهل من مخرجات لأشغال هذه القمة ما يساعد على تحقيق الاضافة المرجوة من مثل هذه التجمعات؟

الجديد هذه المرة في القمة الفرانكفونية الأخيرة هو تحولها من رابطة لغوية وتجمع لدول حول الثقافة الفرنسية والتنوير الفرنسي ومنظمة غايتها تدعيم وتوسيع دائرة نفوذ اللغة الفرنسية إلى تجمع اقتصادي ومنصة تجارية لبحث الإمكانيات الممكنة وفرص الاستثمار وشراكات اقتصادية وفرص عمل وتحقيق التنمية و فرصة لتعزيز التحالفات الاقتصادية من وراء اللغة والثقافة .

الجديد أن التقرير الختامي أو ما عرف بإعلان جربة قد حدد المسألة الاقتصادية أولوية في نشاط المنظمة خلال السنوات القادمة وحول الفضاء الفرانكفوني إلى الرهان الاقتصادي لبناء شركات ثنائية أو متعددة خاصة في المجال الرقمي وتكنولوجيا المعلومات.

الجديد هذه المرة هو الاعتراف بأن اللغة الفرنسية تعرف في راهنها تراجعا في مكانتها العالمية من حيث التكلم بها وانتشارها وتراجعا لا يمكن تجاهله للدور و المكانة التي باتت تحتلها وانحسار حضورها الثقافي خاصة في القارة السمراء التي بدأت دولها التي كانت تشكل في السابق مستعمرات لفرنسا تخرج عن هيمنتها المتواصلة وفك الارتباط عن محتلها القديم بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي واهتزاز علاقة فرنسا القائم عليها هذا الحلف مع العديد من الدول الأخرى وهذا الواقع الجديد قد ألقى بظلاله على اشغال القمة ولو بطريقة متخفية غير معلنة لتوظف فرنسا هذه الفرصة لإعادة بناء الثقة والتعاون من جديد مع مستعمراتها القديمة .

الجديد في هذه القمة أنها تنعقد في ظرفية تاريخية دقيقة بالنسبة لفرنسا في علاقة بالدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية بعد أن عرف حضورها تراجعا في القارة السمراء التي كانت تمثل أهم مركز نفوذ لها وأهم تأثير سياسي واقتصادي وثقافي وبعد أن بدأت الكثير من هذه الدول تعلن التمرد عن السياسات الفرنسية التي راهنت على بقاء العلاقات الاستعمارية قائمة وحولت وجهتها نحو قوى أخرى صاعدة وبناء شراكات جديدة والخروج عن الخط الفرانكفوني نحو فضاءات أخرى روسيا والصين هي أبرز محاورها.

ما كان مطروحا على المكون الفرانكفوني الذي حضر هذه القمة هو تقديم رؤية جديدة تساعد على إيجاد تموقع جديد لقوى المنظمة إلى جانب التكتلات الموجودة عالميا في اتجاه تحقيق التلاؤم مع المتغيرات وما يعرف من صعود لقوى اقتصادية مؤثرة .. رؤية لإيجاد الحلول للقضايا المشتركة وخاصة الاقتصادية والاجتماعية منها في علاقة بأزمة البطالة وتشغيل الشباب وتوفير مواطن شغل وتدعيم التعاون المشترك لتحقيق الأمن الغذائي والأمن الطاقي وكل ما له علاقة بقضايا التنمية وكل ما له علاقة بمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل وتجنب المخاطر والتوقي من الأزمات وهذا يتطلب اقتراح البدائل والخيارات القادرة على مجابهة الصعوبات القادمة خاصة في المجال البيئي والتغيرات المناخية وتزايد تلوث المكان بما يجعله غير مناسب للعيش وفي مجال تواصل نسق الهجرة غير النظامية إلى السواحل الأوروبية وما تفرضه هذه الظاهرة من تعاون بين تونس والبلدان الأوروبية وخاصة مع فرنسا في اتجاه مراجعة الفكرة القائم عليها اتفاق الشراكة والتبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي من حرية تبادل السلع والبضائع وتسهيل المبادلات التجارية مع تونس إلى حرية تبادل الافراد والأشخاص وتسهيل تنقلهم إلى أوروبا ومعاملة تنقل الأفراد التونسيين إلى الضفة الأوروبية بمثل من تعامل به بلادنا الافراد الوافدين إليها بما يعني أنه من المفروض أن تلعب الرابطة الفرانكفونية دورا في تسهيل تنقل الأفراد المكونين لها والمنضوين تحتها بكل حرية في فضائها وحدودها الجغرافية وهذا هو الرهان الكبير المحرج للرابطة الفرانكفونية التي تم تجاهله في أشغال قمة جربة.

فهل تقدر الفرانكفونية على تحقيق هذه المطامح وهذه التطلعات ؟ وهل من قيمة إضافية لهذا الفضاء الذي يراد له ان يكون رابطة اقتصادية فاعلة بعد أن فقد دوره اللغوي والثقافي ؟

 

 

القمة الفرانكفونية وبعد ..

بقلم: نوفل سلامة

أسدل الستار عن أشغال القمة الفرانكفونية في دورتها الثامنة عشرة التي احتضنتها بلادنا على مدار يومين كاملين وحضرها أكثر من 90 وفد رسمي من رؤساء دول وحكومات ومنظمات وشخصيات سياسية بارزة وهي دورة تزامنت مع الذكرى الخمسين لإنشاء هذه المنظمة التي أريد لها أن تكون رابطة لغوية وثقافية تجمع حوالي 321 مليون ناطق باللغة الفرنسية بما يعني أن المشترك بين هذا المكون هو التحدث باللغة الفرنسية سواء كانت لغة أصلية وقومية أو لغة ثانية بعد اللغة الأم بالنسبة لبعض الدول التي كانت في فترة من تاريخها تحت الاستعمار الفرنسي . والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا بعد هذه القمة ؟ وماذا بقي منها مفيدا لتونس وللدول التي كانت تمثل مستعمرات فرنسا القديمة ؟ وهل من مخرجات لأشغال هذه القمة ما يساعد على تحقيق الاضافة المرجوة من مثل هذه التجمعات؟

الجديد هذه المرة في القمة الفرانكفونية الأخيرة هو تحولها من رابطة لغوية وتجمع لدول حول الثقافة الفرنسية والتنوير الفرنسي ومنظمة غايتها تدعيم وتوسيع دائرة نفوذ اللغة الفرنسية إلى تجمع اقتصادي ومنصة تجارية لبحث الإمكانيات الممكنة وفرص الاستثمار وشراكات اقتصادية وفرص عمل وتحقيق التنمية و فرصة لتعزيز التحالفات الاقتصادية من وراء اللغة والثقافة .

الجديد أن التقرير الختامي أو ما عرف بإعلان جربة قد حدد المسألة الاقتصادية أولوية في نشاط المنظمة خلال السنوات القادمة وحول الفضاء الفرانكفوني إلى الرهان الاقتصادي لبناء شركات ثنائية أو متعددة خاصة في المجال الرقمي وتكنولوجيا المعلومات.

الجديد هذه المرة هو الاعتراف بأن اللغة الفرنسية تعرف في راهنها تراجعا في مكانتها العالمية من حيث التكلم بها وانتشارها وتراجعا لا يمكن تجاهله للدور و المكانة التي باتت تحتلها وانحسار حضورها الثقافي خاصة في القارة السمراء التي بدأت دولها التي كانت تشكل في السابق مستعمرات لفرنسا تخرج عن هيمنتها المتواصلة وفك الارتباط عن محتلها القديم بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي واهتزاز علاقة فرنسا القائم عليها هذا الحلف مع العديد من الدول الأخرى وهذا الواقع الجديد قد ألقى بظلاله على اشغال القمة ولو بطريقة متخفية غير معلنة لتوظف فرنسا هذه الفرصة لإعادة بناء الثقة والتعاون من جديد مع مستعمراتها القديمة .

الجديد في هذه القمة أنها تنعقد في ظرفية تاريخية دقيقة بالنسبة لفرنسا في علاقة بالدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية بعد أن عرف حضورها تراجعا في القارة السمراء التي كانت تمثل أهم مركز نفوذ لها وأهم تأثير سياسي واقتصادي وثقافي وبعد أن بدأت الكثير من هذه الدول تعلن التمرد عن السياسات الفرنسية التي راهنت على بقاء العلاقات الاستعمارية قائمة وحولت وجهتها نحو قوى أخرى صاعدة وبناء شراكات جديدة والخروج عن الخط الفرانكفوني نحو فضاءات أخرى روسيا والصين هي أبرز محاورها.

ما كان مطروحا على المكون الفرانكفوني الذي حضر هذه القمة هو تقديم رؤية جديدة تساعد على إيجاد تموقع جديد لقوى المنظمة إلى جانب التكتلات الموجودة عالميا في اتجاه تحقيق التلاؤم مع المتغيرات وما يعرف من صعود لقوى اقتصادية مؤثرة .. رؤية لإيجاد الحلول للقضايا المشتركة وخاصة الاقتصادية والاجتماعية منها في علاقة بأزمة البطالة وتشغيل الشباب وتوفير مواطن شغل وتدعيم التعاون المشترك لتحقيق الأمن الغذائي والأمن الطاقي وكل ما له علاقة بقضايا التنمية وكل ما له علاقة بمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل وتجنب المخاطر والتوقي من الأزمات وهذا يتطلب اقتراح البدائل والخيارات القادرة على مجابهة الصعوبات القادمة خاصة في المجال البيئي والتغيرات المناخية وتزايد تلوث المكان بما يجعله غير مناسب للعيش وفي مجال تواصل نسق الهجرة غير النظامية إلى السواحل الأوروبية وما تفرضه هذه الظاهرة من تعاون بين تونس والبلدان الأوروبية وخاصة مع فرنسا في اتجاه مراجعة الفكرة القائم عليها اتفاق الشراكة والتبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي من حرية تبادل السلع والبضائع وتسهيل المبادلات التجارية مع تونس إلى حرية تبادل الافراد والأشخاص وتسهيل تنقلهم إلى أوروبا ومعاملة تنقل الأفراد التونسيين إلى الضفة الأوروبية بمثل من تعامل به بلادنا الافراد الوافدين إليها بما يعني أنه من المفروض أن تلعب الرابطة الفرانكفونية دورا في تسهيل تنقل الأفراد المكونين لها والمنضوين تحتها بكل حرية في فضائها وحدودها الجغرافية وهذا هو الرهان الكبير المحرج للرابطة الفرانكفونية التي تم تجاهله في أشغال قمة جربة.

فهل تقدر الفرانكفونية على تحقيق هذه المطامح وهذه التطلعات ؟ وهل من قيمة إضافية لهذا الفضاء الذي يراد له ان يكون رابطة اقتصادية فاعلة بعد أن فقد دوره اللغوي والثقافي ؟