*آخر ما دونته: "أصبحت أتوق مجددا لريفي الهادئ أين دفنت أمي وأبي والعديد من أحلامي وذكرياتي الجميلة"
وداعا "فطوطة" كما كنا نناديك.. وداعا نصيرة المظلومين وأمهات الشهداء.. ما كنا نحسب أن ننعاك ولا كنا نتوقع أن نستفيق على خبر وداعك، الوداع الأخير عن عالمنا، وقد كنا حريصين على موعد القهوة الافتراضية اليومية ونتقاسم الدعوات الصباحية المحملة بالأمل على صفحتك مع كل الذين عرفوك.. ستفتقدك أروقة المحاكم وأنت تلهثين من أجل حوار وتصريح بين المحامين والقضاة.. سيفتقدك المظلومون والمهمشون والمنسيون في قاعات المحاكم المزدحمة ستفتقدك أمهات الشهداء وقد كنت صوتهن المكتوم سيفتقدك ضحايا الرش وضحايا العدالة الانتقالية العرجاء وضحايا الظلم والاستبداد.. سيفتقدك كل من تعود على مهنيتك وسنفتقدك زميلة وصديقة وأختا عزيزة ربما غفلنا عنها وعن غيرها في زمن كورونا والانسياق وراء خيار العمل عن بعد حتى كدنا نفقد إنسانيتنا بعد أن انقطع بيننا التواصل في الواقع وانزلقنا الى عالم افتراضي فإذا رأينا أصدقاء وأهلا ورفاقا ينشرون صورا جميلة على المواقع الاجتماعية خلنا أنهم في النعم غارقين ولا يحتاجون منا سؤالا ...
يوم أمس كم كان يوما كئيبا.. لو تعلمين حجم الحب الذي يكنه زميلاتك وزملاؤك وقد جاؤوا على عجل وتجمعوا وهم لا يزالون تحت وقع الصدمة.. في قاعة التحرير في خشوع وسكون وعلى وقع آيات من الذكر الحكيم يتطلع الجميع الى مكتبك الذي سيظل فارغا بعد اليوم والدمع ينهمر غزيرا.. يذكرون حضورك بينهم ...حتى القطط التي كنت تطعمينها مع زميلتيك صباح ومفيدة كانت هناك وكأنها تبحث عنك ...
لم تكن تعلم عندما كتبت قبل يومين "أصبحت أتوق مجددا لريفي الهادئ أين دفنت أمي وأبي والعديد من أحلامي وذكرياتي الجميلة" أنها عائدة الى ريفها لتتدثر بترابه ...
كم يشق علينا رثاؤك يا طفلة وقد كنا ننتظر فرحك في حياة طالما ظلمتك.. حتى الكلمات رفضت أن تطاوعنا وغابت عنا القدرة عن التعبير.. عن فاطمة الجلاصي التي ترجلت مبكرا بسبب تسرب للغاز، ما يذكرنا بأن حياة الصحفي غالبا ما تكون محطات من المعاناة في قطاع جاحد ومفقر كيف لا وقد كان مصير الإعلامي الكبير الفقير صالح جغام قبل أكثر من ثلاثة عقود لنفس السبب بما يجعل الصحفي ومهما طالت مسيرته يعيش حياة التهميش والتقشف والخوف مما قد تخفيه الأيام ..
..ماذا عسانا نقول عن زميلتنا وصديقتنا بنت "دار الصباح" التي ودعناها بالأمس الى مثواها الأخير، وبنت الوطن القبلي التي سيشتاق لها بحر تاكلسة الساحر الذي كنت تكشفين لنا كل يوم عن جماله وروعته وتحمليننا بين أمواجه الى عالم من الأحلام اللامتناهية.. فاطمة البنت اليتيمة وحيدة والديها التي لم يمنعها غياب الأب المبكر من الاجتهاد والنجاح واقتحام صاحبة الجلالة لتتخصص في القضايا الأمنية، عرفناها وقد تحملت المسؤولية تلو المسؤولية وهي لم تختبر الحياة بعد.. ظلت وفية لوالدتها وتفانت في رعايتها بعد أن تعددت أمراضها لم تدخر جهدا في علاجها إلا أن الحياة أبت إلا أن تصيبها في والدتها أيضا وتحرمها الحضن الوحيد الذي كانت تلجأ إليه كلما ضاقت بها الحياة.. كانت كلما تجاوزت محنة إلا وتلتها أخرى وكانت دوما ترد صابرة غير يائسة: "تلك مشيئة الله ".. حتى عندما ابتليت بالمرض صبرت وصابرت وكانت تعود في كل مرة مبتسمة سعيدة مقبلة على الحياة.. لم تتوقف عن العمل حتى الساعات الأخيرة التي سبقت وفاتها وها أن التقرير الذي ينشر اليوم يحمل توقيعها وقد كانت لا تخفي سعادتها بنشر ما أنجزته ...
بالأمس عادت فاطمة الجلاصي الى حيث تمنت ان تكون دوما كما تشير آخر تدوينة لها .." من هنا من ريف الوطن القبلي انطلقت نحو المدينة.. هنا بذل أبي وأمي ربي يرحمهم قصارى جهدهما لتصل ابنتهما الوحيدة وقرة عينهما إلى المراتب التي تقت وتاقا لها رغم أنهما لم يدرسا يوما كنت أملهما الوحيد لتحقيق أحلام لم تكن متاحة لهما.. انطلقت نحو المدينة وبقدر ما كنت أتوق لها من بعيد لم أحبها يوما عندما استقريت بها لم أر فيها يوما انعكاسا لبساطتي أو لذكرياتي أو أحلامي فأصبح الأمر عكسيا أصبحت أتوق مجددا لريفي الهادئ أين دفنت أمي وأبي والعديد من أحلامي وذكرياتي الجميلة وسكن قلبي هناك وبقي فقط جسدي هنا في المدينة وكانت تلك الأرض دائما ما تجذبني إليها أين ولدت وكبرت وترعرعت ريحتها من ريحة أماليا ربي يرحمهم وينعمهم أمي وأبي "...
اليوم تعودين الى حيث حلمت الى حضن الأم والأب الذي حرمت منه طويلا في رعاية رب كريم بعباده رحيم سنرفع أيدينا جميعا إليه عسى أن يتقبلك برضاه ويسكنك فراديس جنانه ...
إنا لله و إنا إليه راجعون
أسرة "دار الصباح"
*آخر ما دونته: "أصبحت أتوق مجددا لريفي الهادئ أين دفنت أمي وأبي والعديد من أحلامي وذكرياتي الجميلة"
وداعا "فطوطة" كما كنا نناديك.. وداعا نصيرة المظلومين وأمهات الشهداء.. ما كنا نحسب أن ننعاك ولا كنا نتوقع أن نستفيق على خبر وداعك، الوداع الأخير عن عالمنا، وقد كنا حريصين على موعد القهوة الافتراضية اليومية ونتقاسم الدعوات الصباحية المحملة بالأمل على صفحتك مع كل الذين عرفوك.. ستفتقدك أروقة المحاكم وأنت تلهثين من أجل حوار وتصريح بين المحامين والقضاة.. سيفتقدك المظلومون والمهمشون والمنسيون في قاعات المحاكم المزدحمة ستفتقدك أمهات الشهداء وقد كنت صوتهن المكتوم سيفتقدك ضحايا الرش وضحايا العدالة الانتقالية العرجاء وضحايا الظلم والاستبداد.. سيفتقدك كل من تعود على مهنيتك وسنفتقدك زميلة وصديقة وأختا عزيزة ربما غفلنا عنها وعن غيرها في زمن كورونا والانسياق وراء خيار العمل عن بعد حتى كدنا نفقد إنسانيتنا بعد أن انقطع بيننا التواصل في الواقع وانزلقنا الى عالم افتراضي فإذا رأينا أصدقاء وأهلا ورفاقا ينشرون صورا جميلة على المواقع الاجتماعية خلنا أنهم في النعم غارقين ولا يحتاجون منا سؤالا ...
يوم أمس كم كان يوما كئيبا.. لو تعلمين حجم الحب الذي يكنه زميلاتك وزملاؤك وقد جاؤوا على عجل وتجمعوا وهم لا يزالون تحت وقع الصدمة.. في قاعة التحرير في خشوع وسكون وعلى وقع آيات من الذكر الحكيم يتطلع الجميع الى مكتبك الذي سيظل فارغا بعد اليوم والدمع ينهمر غزيرا.. يذكرون حضورك بينهم ...حتى القطط التي كنت تطعمينها مع زميلتيك صباح ومفيدة كانت هناك وكأنها تبحث عنك ...
لم تكن تعلم عندما كتبت قبل يومين "أصبحت أتوق مجددا لريفي الهادئ أين دفنت أمي وأبي والعديد من أحلامي وذكرياتي الجميلة" أنها عائدة الى ريفها لتتدثر بترابه ...
كم يشق علينا رثاؤك يا طفلة وقد كنا ننتظر فرحك في حياة طالما ظلمتك.. حتى الكلمات رفضت أن تطاوعنا وغابت عنا القدرة عن التعبير.. عن فاطمة الجلاصي التي ترجلت مبكرا بسبب تسرب للغاز، ما يذكرنا بأن حياة الصحفي غالبا ما تكون محطات من المعاناة في قطاع جاحد ومفقر كيف لا وقد كان مصير الإعلامي الكبير الفقير صالح جغام قبل أكثر من ثلاثة عقود لنفس السبب بما يجعل الصحفي ومهما طالت مسيرته يعيش حياة التهميش والتقشف والخوف مما قد تخفيه الأيام ..
..ماذا عسانا نقول عن زميلتنا وصديقتنا بنت "دار الصباح" التي ودعناها بالأمس الى مثواها الأخير، وبنت الوطن القبلي التي سيشتاق لها بحر تاكلسة الساحر الذي كنت تكشفين لنا كل يوم عن جماله وروعته وتحمليننا بين أمواجه الى عالم من الأحلام اللامتناهية.. فاطمة البنت اليتيمة وحيدة والديها التي لم يمنعها غياب الأب المبكر من الاجتهاد والنجاح واقتحام صاحبة الجلالة لتتخصص في القضايا الأمنية، عرفناها وقد تحملت المسؤولية تلو المسؤولية وهي لم تختبر الحياة بعد.. ظلت وفية لوالدتها وتفانت في رعايتها بعد أن تعددت أمراضها لم تدخر جهدا في علاجها إلا أن الحياة أبت إلا أن تصيبها في والدتها أيضا وتحرمها الحضن الوحيد الذي كانت تلجأ إليه كلما ضاقت بها الحياة.. كانت كلما تجاوزت محنة إلا وتلتها أخرى وكانت دوما ترد صابرة غير يائسة: "تلك مشيئة الله ".. حتى عندما ابتليت بالمرض صبرت وصابرت وكانت تعود في كل مرة مبتسمة سعيدة مقبلة على الحياة.. لم تتوقف عن العمل حتى الساعات الأخيرة التي سبقت وفاتها وها أن التقرير الذي ينشر اليوم يحمل توقيعها وقد كانت لا تخفي سعادتها بنشر ما أنجزته ...
بالأمس عادت فاطمة الجلاصي الى حيث تمنت ان تكون دوما كما تشير آخر تدوينة لها .." من هنا من ريف الوطن القبلي انطلقت نحو المدينة.. هنا بذل أبي وأمي ربي يرحمهم قصارى جهدهما لتصل ابنتهما الوحيدة وقرة عينهما إلى المراتب التي تقت وتاقا لها رغم أنهما لم يدرسا يوما كنت أملهما الوحيد لتحقيق أحلام لم تكن متاحة لهما.. انطلقت نحو المدينة وبقدر ما كنت أتوق لها من بعيد لم أحبها يوما عندما استقريت بها لم أر فيها يوما انعكاسا لبساطتي أو لذكرياتي أو أحلامي فأصبح الأمر عكسيا أصبحت أتوق مجددا لريفي الهادئ أين دفنت أمي وأبي والعديد من أحلامي وذكرياتي الجميلة وسكن قلبي هناك وبقي فقط جسدي هنا في المدينة وكانت تلك الأرض دائما ما تجذبني إليها أين ولدت وكبرت وترعرعت ريحتها من ريحة أماليا ربي يرحمهم وينعمهم أمي وأبي "...
اليوم تعودين الى حيث حلمت الى حضن الأم والأب الذي حرمت منه طويلا في رعاية رب كريم بعباده رحيم سنرفع أيدينا جميعا إليه عسى أن يتقبلك برضاه ويسكنك فراديس جنانه ...