لا شك أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية تراكمت في البلاد وازدادت تعقيدا..
ولا خلاف حول غموض مستقبل الطبقة السياسية والنخب الحالية حكومة ومعارضة وإعلاما ومنظمات... لأسباب عديدة من بينها تعمق أزمة الثقة بين كبار صناع القرار داخل مؤسسات الدولة والمجتمع ومنظمات رجال الأعمال والنقابات والهيئات "المستقلّة"...
ولا بد من الاعتراف بان الأزمات غير المسبوقة التي تواجه السلطات وزعماء النقابات ورجال الأعمال والأحزاب قد تنفجر في وجه الجميع... لان الحلول المقترحة قد تزيد الطين بلة... لأنها تلوح بزيادات في الضرائب والاداءات المباشرة َوغير المباشرة وفي أسعار الكهرباء والغاز والمياه والمواد الغذائية... في وقت تراجع فيه الاستثمار فيما أغلق عشرات الآلاف "الباتيندة".. مع ما يعنيه ذلك من استفحال مشاكل البطالة وتراجع مداخيل الصناديق الاجتماعية والدولة...
ورغم الانتعاشة النسبية في قطاعات السياحة والخدمات صيفا تأكد أن حوالي ثلث المؤسسات السياحية مغلقة منذ سنوات ولم تفتح أبوابها بعد بسبب تراكم ديونها لدى البنوك وتجاوزها سقف الـ 4 مليار دينار..
في نفس الوقت تجاوزت ديون شركة الكهرباء والغاز وحدها لدى الدولة الـ12 مليارا... أي ما يناهز قيمة العجز المالي لـ "الستاغ"..
كما كشفت تقارير المعهد الوطني للإحصاء والبنك المركزي والبنك الدولي "خطوط حمراء" عديدة... من بينها تضخم المبالغ المرصودة "للدعم" وارتفاع حجم عجز الميزان التجاري وميزان الدفوعات.. َ
في هذا السياق العام جاء تبادل الزيارات الرسمية لكبار المسؤولين في تونس وليبيا والجزائر... وشملت المحادثات رؤساء الدول والحكومات ووزارء الخارجية والشؤون الاقتصادية في البلدان الثلاثة...
وهذا ايجابي...
بل هو ايجابي جدا...
لكن ماذا بعد تبادل القبلات والصور "العائلية" الباسمة والتصريحات المتفائلة جدا؟
هل من خطوات عملية لتنفيذ مئات القرارات والاتفاقيات السابقة التي قيل أنها سوف تؤدي إلى تحقيق "نقلة نوعية" في علاقات الشعوب الثلاثة وتؤدي إلى تحسين أوضاعهم المعيشية في كل المجالات؟
... بعيدا عن التجاذبات والمبالغات بأنواعها لا يجب الإفراط في التفاؤل ولا "تقزيم" المشاركين في مشاورات الأيام والأسابيع الماضية في الجزائر وليبيا وتونس... أو التقليل من إيجابية تنظيم لقاءات" رفيعة المستوى" ضمن جهود تكريس شعارات "تقاطع المصالح" والتكامل والشراكة والتضامن... الخ
لا إفراط ولا تفريط...
نحن بعيدون كل البعد عن مرحلة تكريس قرارات تحرير تنقل المسافرين والسلع ورؤوس الأموال في كامل منطقة الاتحاد المغاربي والمنطقة المغاربية الأوروبية... رغم اتفاقيات الشراكة العديدة...
ويعلم الجميع أن تطبيق قرارات عشرات المؤتمرات الوزارية والرئاسية للاتحاد المغاربي يستوجب تحقيق مصالحة شاملة ونهائية بين الشقيقتين الجزائر والمغرب بنا في ذلك حول "ملف الصحراء"...
وينبغي بالمناسبة غلق قوسي "سوء التفاهم" بين الرباط وتونس وإعادة سفراء البلدين إلى مواقعهما...
في الأثناء يمكن توظيف زيارة رئيس الحكومة الليبية ووزرائه إلى تونس وكذلك تبادل زيارات نجلاء بودن إلى الجزائر ومشاورات قادة البلدان الثلاثة من اجل حلحلة ملفين كبيرين :
+ الأول اقتصادي تنموي... من بين أولوياته تحرير التجارة والنقل في الاتجاهين... بما في ذلك ما يتعلق بملف المحروقات... ودعم فرص حصول تونس على تسهيلات وامتيازات وتخفيضات عند تزويدها بحاجياتها من الغاز والنفط والمواد الأساسية...
+ الملف الثاني امني جيو استراتيجي يهم أساسا الصراع الدولي منذ 12 عاما على ليبيا وثرواتها وصفقات إعادة أعمارها...إلي جانب الصراعات بين القوى الإقليمية والدولية التي تورطت منذ 2011 في سلسلة من الحروب بالوكالة في كامل المنطقة خاصة في ليبيا و بلدان "الثورات العربية"..
ولئن استبعدت الديبلوماسية التونسية عمليا منذ عامين من مسارات التأثير المباشر في جهود التسوية السياسية في ليبيا، فان المعلومات المتوفرة حاليا تؤكد أن الجانب الجزائري اقترح على حكومتي طرابلس وتونس عقد لقاءات حكومية ثنائية موسعة تسير في نفس مسار" التحالف الاستراتيجي التونسي الجزائري"...
ولا شك أن تطورات الأيام والأسابيع الماضية تكرس دعما جزائريا تونسيا لفريق عبد الحميد الدبيبة في صراعه ضد معارضيه وخصومه في طرابلس وبنغازي من بين الموالين لسلطات القاهرة وبعض العواصم الخليجية والدولية... بينهم فتحي باش أغا والجنرال خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب السابق عقيلة صالح...
بعبارة أخرى سيدعم التنسيق التونسي الجزائري مع حكومة الدبيبة دعما للقيادة الليبية المتحكمة في العاصمة طرابلس وفي غرب ليبيا، المدعومة بقوة من تركيا وايطاليا وألمانيا وبريطانيا... رغم اعتراضات اليونان وفرنسا وبعض الدول العربية...
في كل الحالات ليس من مصلحة تونس الدخول في "لعبة المحاور" الإقليمية والدولية... خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل جارتيها ليبيا والجزائر... اللتين تشكل "الرئة الثانية" التي تتنفس بها بلادنا...
وتزداد الحاجة إلى هذه "الرئة الثانية" عندما تزداد حاجة اقتصاد البلاد إلى كميات كبيرة من "الاوكسيجين"... بدءا من تأمين كميات كافية من البترول والغاز والمواد الأساسية وبينها الأدوية والمواد الغذائية... التي كانت تونس مصدرا كبيرا لها بينها الفوسفاط والحبوب والسكر... ووو
فليكن تبادل الزيارات والرسائل بين كبار المسؤولين في تونس وليبيا والجزائر مبادرة طيبة لتفعيل "الاتحاد المغاربي" المجمد منذ مدة طويلة... عبر تفعيل الشراكات الاقتصادية والسياسية بين الدول المغاربية الخمسة بما فيها الرباط... التي كانت وما تزال لاعبا إقليميا ودوليا مؤثرا... ومن مصلحة كل الأطراف المصالحة معها وطي صفحة الماضي...
بقلم: كمال بن يونس
لا شك أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية تراكمت في البلاد وازدادت تعقيدا..
ولا خلاف حول غموض مستقبل الطبقة السياسية والنخب الحالية حكومة ومعارضة وإعلاما ومنظمات... لأسباب عديدة من بينها تعمق أزمة الثقة بين كبار صناع القرار داخل مؤسسات الدولة والمجتمع ومنظمات رجال الأعمال والنقابات والهيئات "المستقلّة"...
ولا بد من الاعتراف بان الأزمات غير المسبوقة التي تواجه السلطات وزعماء النقابات ورجال الأعمال والأحزاب قد تنفجر في وجه الجميع... لان الحلول المقترحة قد تزيد الطين بلة... لأنها تلوح بزيادات في الضرائب والاداءات المباشرة َوغير المباشرة وفي أسعار الكهرباء والغاز والمياه والمواد الغذائية... في وقت تراجع فيه الاستثمار فيما أغلق عشرات الآلاف "الباتيندة".. مع ما يعنيه ذلك من استفحال مشاكل البطالة وتراجع مداخيل الصناديق الاجتماعية والدولة...
ورغم الانتعاشة النسبية في قطاعات السياحة والخدمات صيفا تأكد أن حوالي ثلث المؤسسات السياحية مغلقة منذ سنوات ولم تفتح أبوابها بعد بسبب تراكم ديونها لدى البنوك وتجاوزها سقف الـ 4 مليار دينار..
في نفس الوقت تجاوزت ديون شركة الكهرباء والغاز وحدها لدى الدولة الـ12 مليارا... أي ما يناهز قيمة العجز المالي لـ "الستاغ"..
كما كشفت تقارير المعهد الوطني للإحصاء والبنك المركزي والبنك الدولي "خطوط حمراء" عديدة... من بينها تضخم المبالغ المرصودة "للدعم" وارتفاع حجم عجز الميزان التجاري وميزان الدفوعات.. َ
في هذا السياق العام جاء تبادل الزيارات الرسمية لكبار المسؤولين في تونس وليبيا والجزائر... وشملت المحادثات رؤساء الدول والحكومات ووزارء الخارجية والشؤون الاقتصادية في البلدان الثلاثة...
وهذا ايجابي...
بل هو ايجابي جدا...
لكن ماذا بعد تبادل القبلات والصور "العائلية" الباسمة والتصريحات المتفائلة جدا؟
هل من خطوات عملية لتنفيذ مئات القرارات والاتفاقيات السابقة التي قيل أنها سوف تؤدي إلى تحقيق "نقلة نوعية" في علاقات الشعوب الثلاثة وتؤدي إلى تحسين أوضاعهم المعيشية في كل المجالات؟
... بعيدا عن التجاذبات والمبالغات بأنواعها لا يجب الإفراط في التفاؤل ولا "تقزيم" المشاركين في مشاورات الأيام والأسابيع الماضية في الجزائر وليبيا وتونس... أو التقليل من إيجابية تنظيم لقاءات" رفيعة المستوى" ضمن جهود تكريس شعارات "تقاطع المصالح" والتكامل والشراكة والتضامن... الخ
لا إفراط ولا تفريط...
نحن بعيدون كل البعد عن مرحلة تكريس قرارات تحرير تنقل المسافرين والسلع ورؤوس الأموال في كامل منطقة الاتحاد المغاربي والمنطقة المغاربية الأوروبية... رغم اتفاقيات الشراكة العديدة...
ويعلم الجميع أن تطبيق قرارات عشرات المؤتمرات الوزارية والرئاسية للاتحاد المغاربي يستوجب تحقيق مصالحة شاملة ونهائية بين الشقيقتين الجزائر والمغرب بنا في ذلك حول "ملف الصحراء"...
وينبغي بالمناسبة غلق قوسي "سوء التفاهم" بين الرباط وتونس وإعادة سفراء البلدين إلى مواقعهما...
في الأثناء يمكن توظيف زيارة رئيس الحكومة الليبية ووزرائه إلى تونس وكذلك تبادل زيارات نجلاء بودن إلى الجزائر ومشاورات قادة البلدان الثلاثة من اجل حلحلة ملفين كبيرين :
+ الأول اقتصادي تنموي... من بين أولوياته تحرير التجارة والنقل في الاتجاهين... بما في ذلك ما يتعلق بملف المحروقات... ودعم فرص حصول تونس على تسهيلات وامتيازات وتخفيضات عند تزويدها بحاجياتها من الغاز والنفط والمواد الأساسية...
+ الملف الثاني امني جيو استراتيجي يهم أساسا الصراع الدولي منذ 12 عاما على ليبيا وثرواتها وصفقات إعادة أعمارها...إلي جانب الصراعات بين القوى الإقليمية والدولية التي تورطت منذ 2011 في سلسلة من الحروب بالوكالة في كامل المنطقة خاصة في ليبيا و بلدان "الثورات العربية"..
ولئن استبعدت الديبلوماسية التونسية عمليا منذ عامين من مسارات التأثير المباشر في جهود التسوية السياسية في ليبيا، فان المعلومات المتوفرة حاليا تؤكد أن الجانب الجزائري اقترح على حكومتي طرابلس وتونس عقد لقاءات حكومية ثنائية موسعة تسير في نفس مسار" التحالف الاستراتيجي التونسي الجزائري"...
ولا شك أن تطورات الأيام والأسابيع الماضية تكرس دعما جزائريا تونسيا لفريق عبد الحميد الدبيبة في صراعه ضد معارضيه وخصومه في طرابلس وبنغازي من بين الموالين لسلطات القاهرة وبعض العواصم الخليجية والدولية... بينهم فتحي باش أغا والجنرال خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب السابق عقيلة صالح...
بعبارة أخرى سيدعم التنسيق التونسي الجزائري مع حكومة الدبيبة دعما للقيادة الليبية المتحكمة في العاصمة طرابلس وفي غرب ليبيا، المدعومة بقوة من تركيا وايطاليا وألمانيا وبريطانيا... رغم اعتراضات اليونان وفرنسا وبعض الدول العربية...
في كل الحالات ليس من مصلحة تونس الدخول في "لعبة المحاور" الإقليمية والدولية... خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل جارتيها ليبيا والجزائر... اللتين تشكل "الرئة الثانية" التي تتنفس بها بلادنا...
وتزداد الحاجة إلى هذه "الرئة الثانية" عندما تزداد حاجة اقتصاد البلاد إلى كميات كبيرة من "الاوكسيجين"... بدءا من تأمين كميات كافية من البترول والغاز والمواد الأساسية وبينها الأدوية والمواد الغذائية... التي كانت تونس مصدرا كبيرا لها بينها الفوسفاط والحبوب والسكر... ووو
فليكن تبادل الزيارات والرسائل بين كبار المسؤولين في تونس وليبيا والجزائر مبادرة طيبة لتفعيل "الاتحاد المغاربي" المجمد منذ مدة طويلة... عبر تفعيل الشراكات الاقتصادية والسياسية بين الدول المغاربية الخمسة بما فيها الرباط... التي كانت وما تزال لاعبا إقليميا ودوليا مؤثرا... ومن مصلحة كل الأطراف المصالحة معها وطي صفحة الماضي...