إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ما الذي يحدث في الضفة الأخرى من المتوسط؟ .. دول تستعمل "السلاح النووي" لمجابهة الهجرة غير الشرعية !!

د.ريم بالخذيري(*)

لاشك أن العالم قبل الكورونا لم يكن هو ذاته بعدها حيث أن كل سكّان العالم تضّرروا في سنتين كانتا هما الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية حيث دمّرت اقتصاديات و أفلست شركات و أحيل على البطالة ملايين البشر.

غير أن أكثر المتضررين هم دول العالم الثالث وشبابه الذين أقفلت أمامهم الكورونا كل أبواب الأمل في بلدانهم التي انهارت اقتصاديا. و اجتماعياّ.

ولم يعد أمام هؤلاء الملايين من الشباب سوى المجازفة بأرواحهم وأرواح أبنائهم وركوب البحر واختراق الأسلاك الشائكة للوصول إلى أوروباّ لتسجيل أنفسهم لاجئين هناك معتمدين على القوانين و المعاهدات الدولية في هذا المجال والتي يحرص الاوربيون على تطبيقها وأساسا عمودها الفقري وهو اغاثة اللاجئين. لكن يبدو أن عددا من الدول الأوروبيةبدؤوا يضيقون ذرعا بهذه القوانين وهذه الاتفاقية كما بدؤوا يضيقون ذرعا بإنسانيتهم التي هي على وشك تدمير اقتصادهم وتعريض أمنهم القومي للخطر. لذلك سعت دول مثل ايطاليا واليونان وحتى ليتوانيا الى استعمال السلاح النووي أو تجريم اغاثة اللاجئين ما يعني موتهم المحقق.

ايطاليا أولا!!

منذ تسلم الحكومة الجديدة مهامها برئاسة اليمنية جورجيا ميلوني والتي تعهّدت، أثناء حملتها الانتخابية، باتخاذ إجراءات من شأنها القضاء على ظاهرة المهاجرين الذين يسافرون إلى إيطاليا من دول شمال أفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط. بات واضحا أنها ستستعمل كل الأسلحة للحد من تدفق المهاجرين الغير الشرعيين واللاجئين الى موانئها وقد دخلت في صراع مع المنظمات الانسانية العاملة في المتوسط و التي مهامها انقاذ السفن واللاجئين وبدأت تضيق الخناق على انشطتهم.

وقد قامت الحكومة الايطالية الجديدة بمنع عدد من السفن العالقة والتي تحمل مهاجرين غير شرعيين تم انقاذهم من الغرق المحقق من الاقتراب من موانئها برغم أن عددا منها يحمل مرضى وقصرا وكبار سن.

وهو موقف أثار انتقادات كثيرة للحكومة الإيطالية ضربت بها عرض الحائط وهي ماضية قدما في تجريم اغاثة المهاجرين الغير شرعيين مستعملة السلاح المحرم دوليا وهو واجب اغاثة الغريق.

اليونان على خطى ايطاليا..

رغم إنكار السلطات اليونانية تجريمها للكثير من المنظمات الانسانية التي تساعد في عمليات إنقاذ اللاجئين والمهاجرين الغير الشرعيين،لكن واقع التضييق على عمل الكثير من المنظمات الإنسانية لا يمكن إنكاره ودفع البعض منها عن التخلي عن مهمتها.

حيث تعاني المنظمات الإنسانية غير الحكومية التي تعمل على مساعدة اللاجئين في اليونان والتي تدين عمليات الإعادة غير القانونية الى تركيا الى ضغوطات وملاحقات قضائية واتهامات بتسهيل مرور المهاجرين .

وهذا ما يؤكده ليفتيريس باباياناكيس، مدير منظمة المجلس اليوناني للاجئين، حيث صرح مرارا بأن الخطاب المعادي للمنظمات غير الحكومية أصبح “ساما” اعتبارا من شهر فيفري من عام 2020 ، وذلك عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيسمح بعبور جميع اللاجئين الراغبين في الذهاب إلى الاتحاد الأوروبي. ويضيف أن “أثينا تتهم أنقرة باستغلال اللاجئين كأداة لزعزعة استقرار اليونان. ونتيجة لذلك، صارت المنظمات غير الحكومية التي تدافع عنهم تعد في الخطاب العام عميلة لتركيا”.

أما ماري لولور، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان، فأكدت في شهر جوان الماضي، على أن العاملين في المجال الإنساني “هم هدف التعليقات عدائية، بما في ذلك تلك الصادرة عن جهات حكومية رئيسية”.

ويتعرض في الوقت الحاضر حوالى خمسين عامل إغاثة لملاحقات قضائية، ما يجعل اليونان إلى جانب إيطاليا، في مقدمة الدول التي تجرم مساعدة المهاجرين. وفي أوائل شهر أكتوبر، أغلقت منظمة “جسور” غير الحكومية التي كانت موجودة في المنطقة الحدودية بعد أن رفعت بحقها ثلاث دعاوى قضائية لم تسفر عن إدانات ولكن انتهى بها الأمر إلى جعل عملها مستحيلاً. وبررت المنظمة قرارها بشكل خاص “بتراجع سيادة القانون في أوروبا”.

وما يؤكد كل هذه الاتهامات تصريح وكانت نائبة وزير الهجرة اليونانية صوفيا فولتيبسي قد صرحت في شهر سبتمبر 2022 أنها “بصفتها يونانية، فإنها لا تنوي العمل مع منظمات غير حكومية تضر بالمصلحة الوطنية” عبر التنديد بعمليات إعادة اللاجئين غير القانونية.

ليتوانيا و بيلاروسيا وضياع اللاجئين بينهما!!

ما يعيشه اللاجئون المهاجرون غير الشرعيين على الحدود البلاروسية وحدود الاتحاد الأوروبي التي تمثله ليتوانيا يختلف بعض الشيء عما يحدث في أمتعتهم وحتّى ثيابهم وتفتح لهم الحدود للدخول الى ليتوانيا التي تضطرّ في كثير من الاحيان الى عدم مساعدتهم و يتم منع فرق الاغاثة من الوصول اليهم فيموت منهم البعض و يمرض الكثير وهناك الألاف منهم يعيشون في ظروف لا انسانية لا بيلاروسيا تسمح لهم بالعودة اليها ولا ليتوانيا تمنحهم الاذن بالدخول الى أراضيها.

أمّا في صربيا البوابة الأخرى للاتحاد الاوروبي فقد فرضت السلطات هناك تأشيرات دخول على عدد من الدول منها تونس ورغم النشاط المكثّف لشبكات التهريب الذين يتقاضون مبالغ كبيرة لنقل المهاجرين الغير شرعيين الى النمسا فانّ المنظمات الدولية الناشطة في قطاع اغاثة اللاجئين تكاد تكون معدومة ولا يعترف بها هناك .

لقد بات واضحا ممّا تقدّم أن أزمة المهاجرين الغير شرعيين واللاجئين هي أزمة العصر الحديث وهي بصدد تسجيل أرقام قياسية بين شهر وآخر وبين سنة وأخرى. وقد ذكرت الوكالة الأوروبية للجوء من مقرها في العاصمة المالطية فاليتا في شهر سبتمبر الفارط أن طلبات اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وسويسرا، ارتفعت بنسبة 68% في النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، لتصل إلى حوالي 406 ألف طلب.

هذا دون اعتبار افواج الهجرة الغير شرعية برا وبحرا والتي تتجاوز 280مليون مهاجرا في العالم بحسب ما قدّرته منظمة الهجرة الدولية وهو ما يعادل 3,6 بالمائة من سكان العالم سنة 2020.

وهذه الأزمة لا يمكن أن يحمّل الغرب وحده وزرها بل ان المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدول المصدّرة لهؤلاء المهاجرين واللاجئين حيث أن قارة مثل افريقيا تتربّع على ثروات طبيعية وبشرية لامثيل لها في العالم وهي قريبة من أوروبا ومن الممكن أن يتمّ وضع استراتيجيات مشتركة لإبقاء الشباب في مواطنهم مع تحويلها لمصانع كبرى لأوربا فهي أقرب للصين التي تتمتع بهذا الامتياز الآن لكن المواطنين فيها ميزتهم تمتعهم بعسكرة بذهنية العمل وهو الشيء المفقود لدى أكثر من 226 مليون شاب في افريقيا.

ان افريقيا وأوروبا قادرتان على بسط نفوذهما الاقتصادي بالكامل على العالم لو يتم توجيه ملايين المهاجرين وطالبي الهجرة الوجهة الصحيحة وجعل أفريقيا امتدادا تجاريا وصناعيا لأوروبا.

 

ما الذي يحدث في الضفة الأخرى من المتوسط؟ .. دول تستعمل "السلاح النووي" لمجابهة الهجرة غير الشرعية !!

د.ريم بالخذيري(*)

لاشك أن العالم قبل الكورونا لم يكن هو ذاته بعدها حيث أن كل سكّان العالم تضّرروا في سنتين كانتا هما الأصعب منذ الحرب العالمية الثانية حيث دمّرت اقتصاديات و أفلست شركات و أحيل على البطالة ملايين البشر.

غير أن أكثر المتضررين هم دول العالم الثالث وشبابه الذين أقفلت أمامهم الكورونا كل أبواب الأمل في بلدانهم التي انهارت اقتصاديا. و اجتماعياّ.

ولم يعد أمام هؤلاء الملايين من الشباب سوى المجازفة بأرواحهم وأرواح أبنائهم وركوب البحر واختراق الأسلاك الشائكة للوصول إلى أوروباّ لتسجيل أنفسهم لاجئين هناك معتمدين على القوانين و المعاهدات الدولية في هذا المجال والتي يحرص الاوربيون على تطبيقها وأساسا عمودها الفقري وهو اغاثة اللاجئين. لكن يبدو أن عددا من الدول الأوروبيةبدؤوا يضيقون ذرعا بهذه القوانين وهذه الاتفاقية كما بدؤوا يضيقون ذرعا بإنسانيتهم التي هي على وشك تدمير اقتصادهم وتعريض أمنهم القومي للخطر. لذلك سعت دول مثل ايطاليا واليونان وحتى ليتوانيا الى استعمال السلاح النووي أو تجريم اغاثة اللاجئين ما يعني موتهم المحقق.

ايطاليا أولا!!

منذ تسلم الحكومة الجديدة مهامها برئاسة اليمنية جورجيا ميلوني والتي تعهّدت، أثناء حملتها الانتخابية، باتخاذ إجراءات من شأنها القضاء على ظاهرة المهاجرين الذين يسافرون إلى إيطاليا من دول شمال أفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط. بات واضحا أنها ستستعمل كل الأسلحة للحد من تدفق المهاجرين الغير الشرعيين واللاجئين الى موانئها وقد دخلت في صراع مع المنظمات الانسانية العاملة في المتوسط و التي مهامها انقاذ السفن واللاجئين وبدأت تضيق الخناق على انشطتهم.

وقد قامت الحكومة الايطالية الجديدة بمنع عدد من السفن العالقة والتي تحمل مهاجرين غير شرعيين تم انقاذهم من الغرق المحقق من الاقتراب من موانئها برغم أن عددا منها يحمل مرضى وقصرا وكبار سن.

وهو موقف أثار انتقادات كثيرة للحكومة الإيطالية ضربت بها عرض الحائط وهي ماضية قدما في تجريم اغاثة المهاجرين الغير شرعيين مستعملة السلاح المحرم دوليا وهو واجب اغاثة الغريق.

اليونان على خطى ايطاليا..

رغم إنكار السلطات اليونانية تجريمها للكثير من المنظمات الانسانية التي تساعد في عمليات إنقاذ اللاجئين والمهاجرين الغير الشرعيين،لكن واقع التضييق على عمل الكثير من المنظمات الإنسانية لا يمكن إنكاره ودفع البعض منها عن التخلي عن مهمتها.

حيث تعاني المنظمات الإنسانية غير الحكومية التي تعمل على مساعدة اللاجئين في اليونان والتي تدين عمليات الإعادة غير القانونية الى تركيا الى ضغوطات وملاحقات قضائية واتهامات بتسهيل مرور المهاجرين .

وهذا ما يؤكده ليفتيريس باباياناكيس، مدير منظمة المجلس اليوناني للاجئين، حيث صرح مرارا بأن الخطاب المعادي للمنظمات غير الحكومية أصبح “ساما” اعتبارا من شهر فيفري من عام 2020 ، وذلك عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيسمح بعبور جميع اللاجئين الراغبين في الذهاب إلى الاتحاد الأوروبي. ويضيف أن “أثينا تتهم أنقرة باستغلال اللاجئين كأداة لزعزعة استقرار اليونان. ونتيجة لذلك، صارت المنظمات غير الحكومية التي تدافع عنهم تعد في الخطاب العام عميلة لتركيا”.

أما ماري لولور، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان، فأكدت في شهر جوان الماضي، على أن العاملين في المجال الإنساني “هم هدف التعليقات عدائية، بما في ذلك تلك الصادرة عن جهات حكومية رئيسية”.

ويتعرض في الوقت الحاضر حوالى خمسين عامل إغاثة لملاحقات قضائية، ما يجعل اليونان إلى جانب إيطاليا، في مقدمة الدول التي تجرم مساعدة المهاجرين. وفي أوائل شهر أكتوبر، أغلقت منظمة “جسور” غير الحكومية التي كانت موجودة في المنطقة الحدودية بعد أن رفعت بحقها ثلاث دعاوى قضائية لم تسفر عن إدانات ولكن انتهى بها الأمر إلى جعل عملها مستحيلاً. وبررت المنظمة قرارها بشكل خاص “بتراجع سيادة القانون في أوروبا”.

وما يؤكد كل هذه الاتهامات تصريح وكانت نائبة وزير الهجرة اليونانية صوفيا فولتيبسي قد صرحت في شهر سبتمبر 2022 أنها “بصفتها يونانية، فإنها لا تنوي العمل مع منظمات غير حكومية تضر بالمصلحة الوطنية” عبر التنديد بعمليات إعادة اللاجئين غير القانونية.

ليتوانيا و بيلاروسيا وضياع اللاجئين بينهما!!

ما يعيشه اللاجئون المهاجرون غير الشرعيين على الحدود البلاروسية وحدود الاتحاد الأوروبي التي تمثله ليتوانيا يختلف بعض الشيء عما يحدث في أمتعتهم وحتّى ثيابهم وتفتح لهم الحدود للدخول الى ليتوانيا التي تضطرّ في كثير من الاحيان الى عدم مساعدتهم و يتم منع فرق الاغاثة من الوصول اليهم فيموت منهم البعض و يمرض الكثير وهناك الألاف منهم يعيشون في ظروف لا انسانية لا بيلاروسيا تسمح لهم بالعودة اليها ولا ليتوانيا تمنحهم الاذن بالدخول الى أراضيها.

أمّا في صربيا البوابة الأخرى للاتحاد الاوروبي فقد فرضت السلطات هناك تأشيرات دخول على عدد من الدول منها تونس ورغم النشاط المكثّف لشبكات التهريب الذين يتقاضون مبالغ كبيرة لنقل المهاجرين الغير شرعيين الى النمسا فانّ المنظمات الدولية الناشطة في قطاع اغاثة اللاجئين تكاد تكون معدومة ولا يعترف بها هناك .

لقد بات واضحا ممّا تقدّم أن أزمة المهاجرين الغير شرعيين واللاجئين هي أزمة العصر الحديث وهي بصدد تسجيل أرقام قياسية بين شهر وآخر وبين سنة وأخرى. وقد ذكرت الوكالة الأوروبية للجوء من مقرها في العاصمة المالطية فاليتا في شهر سبتمبر الفارط أن طلبات اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى النرويج وسويسرا، ارتفعت بنسبة 68% في النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، لتصل إلى حوالي 406 ألف طلب.

هذا دون اعتبار افواج الهجرة الغير شرعية برا وبحرا والتي تتجاوز 280مليون مهاجرا في العالم بحسب ما قدّرته منظمة الهجرة الدولية وهو ما يعادل 3,6 بالمائة من سكان العالم سنة 2020.

وهذه الأزمة لا يمكن أن يحمّل الغرب وحده وزرها بل ان المسؤولية الأولى تقع على عاتق الدول المصدّرة لهؤلاء المهاجرين واللاجئين حيث أن قارة مثل افريقيا تتربّع على ثروات طبيعية وبشرية لامثيل لها في العالم وهي قريبة من أوروبا ومن الممكن أن يتمّ وضع استراتيجيات مشتركة لإبقاء الشباب في مواطنهم مع تحويلها لمصانع كبرى لأوربا فهي أقرب للصين التي تتمتع بهذا الامتياز الآن لكن المواطنين فيها ميزتهم تمتعهم بعسكرة بذهنية العمل وهو الشيء المفقود لدى أكثر من 226 مليون شاب في افريقيا.

ان افريقيا وأوروبا قادرتان على بسط نفوذهما الاقتصادي بالكامل على العالم لو يتم توجيه ملايين المهاجرين وطالبي الهجرة الوجهة الصحيحة وجعل أفريقيا امتدادا تجاريا وصناعيا لأوروبا.