إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أياما عن سنة تسديد الكتلة الأكبر من الديون .. احتياطي تونس من النقد الأجنبي يهوي إلى 98 يوم توريد !

 

* صندوق النقد الدولي أصبح الملاذ الأخير لتأمين تونس سداد ديونها الخارجية !

*تراجع إيرادات الفسفاط والسياحة وبعض القطاعات الإستراتيجية يضع البلاد في دائرة التداين!

تونس- الصباح

سجل احتياطي تونس من النقد الأجنبي، أمس، انحدارا مقلقا الى ما دون 100 يوم توريد، مسجلا رقما قياسيا جديدا، لم يسبق تسجيله منذ أكثر من 3 سنوات، وبتراجع بلغ أكثر من 25 يوما عن سنة 2021، في وقت تستعد فيه تونس لدخول سنة جديدة تتسم بحزمة من القروض التي بلغت آجال تسديدها، ما يضع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي تحت الاستنزاف المتواصل.

وأظهرت أحدث بيانات البنك المركزي التونسي، أن احتياطيات تونس من النقد الأجنبي تراجعت إلى مستوى 98 يوم توريد، وبلغت 21 مليارا و787 مليون دينار في 16 نوفمبر الجاري بعد أن كان قبل يومين فقط في حدود 21 مليارا و981 مليون دينار، كما هوى الاحتياطي النقدي الى مستوى لم يسبق تسجيله إلا منذ 3 سنوات، وكان يعادل 123 يوما من الواردات في الفترة نفسها من العام الماضي.

ويعزا التآكل السريع في الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، وفق ما أعلنه عدد من خبراء الاقتصاد، لـ"الصباح"، الى توسع عجز الميزان التجاري، وارتفاع مشتريات تونس من المحروقات والحبوب، والمواد الأولية، وأيضا جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي ساهمت بشكل مباشر في ارتفاع أسعار جل المواد الأساسية، والمواد الأولية .

وحسب الأرقام الرسمية، فإن جزءا من تراجع احتياطي البلاد من العملة الأجنبية، يعود الى تراجع إيرادات بعض الصادرات التي تعول عليها الدولة على غرار الفسفاط والعائدات السياحة، وتداعياتها على الميزان التجاري، الذي تفاقم الى مستوى 21.3 مليار دينار، وفق ما أعلن عنه المعهد الوطني للإحصاء في أكتوبر الماضي، علما وأن وضعية الميزان التجاري مرجح الى أن يتدهور هو الآخر مع نهاية العام الحالي، ليبلغ أكثر من 23 مليار دينار، وذلك رغم الإجراءات الصارمة المتخذة من وزارة التجارة بخصوص فرض إجراءات جديدة تحد من التوريد أثارت استياء الاتحاد الأوروبي.

وخلال العام الجاري، سجل مخزون تونس من العملة الصعبة، خلال يوم واحد، ارتفاعا بعد تسجيل انخفاض حاد في الواردات إلى 115 يومًا في 14 أفريل 2022، ليرتفع بمقدار 15 يومًا إضافيًة إلى 130 يومًا، ويعود إلى مستواه المطمئن تقريبًا مع بداية العام. وارتفع احتياطي العملات الأجنبية بمقدار 2.75 مليار دينار من 21.5 مليار دينار في 14 أفريل 2022 إلى 24.69 مليار دينار في 15 أفريل 2022.

وكان هذا التحسن في الاحتياط النقدي لتونس نتيجة تحصيل القرض الممنوح من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (Afreximbank) البالغ 700 مليون دولار بما يعادل 2.1 مليار دينار، والذي تمت الموافقة عليه بموجب المرسوم الرئاسي رقم 369-2022 المؤرخ في 12 أفريل 2022 المنشور في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 40 بتاريخ 12 أفريل 2012.

وسجل الدينار التونسي انخفاضاً في سعره يوم الثامن من مارس الماضي، واعتبر الأدنى له مقابل الدولار الأمريكي منذ 3 سنوات، وبلغ سعر الدولار الواحد آنذاك 3.0032 دينار، الأمر الذي أثر على العملة الوطنية التونسية التي تتسم بالركود نتيجة الجائحة الصحية التي ضربت البلاد موفى سنة 2020، وساهم بشكل مباشر في تآكل الاحتياطي النقدي.

تراجع لافت للاحتياطي النقدي

وكان مجلس إدارة البنك المركزي، قد عبر مؤخرا، عن انشغاله بالعجز المسجل وتراجع مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية ليصل إلى 22.7 مليار دينار (7.56 مليار دولار) مقابل 23.31 مليار دينار (7.77 مليار دولار) في سنة 2021، وأعرب عن عميق انشغاله بالأخطار التضخمية، إذ أن التضخم واصل منحاه التصاعدي للشهر العاشر تباعاً ليبلغ 9.2 في المائة موفى الشهر الماضي.

وسجل احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، في نهاية سبتمبر الماضي، انخفاضا مقلقا، دفع بالبنك المركزي الى تحذير من تواصل تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة آنذاك، نتيجة إيفاء تونس بالتزاماتها تجاه المؤسسات المالية المانحة، وأصبحت واردات تونس في تلك الفترة لا تكفي إلا لمدة 127 يوما، مسجلة انخفاضا من تغطية لمدة 162 يوما مقارنة بسنة 2020.

وبلغ احتياطي تونس من العملة الصعبة، منتصف أوت الماضي 19778 مليون دينار، أي ما يعادل 124 يوم توريد، بعد أن، قد بلغ نحو 19731 مليون دينار أي ما يعادل 123 يوم توريد، مقابل 21676 مليون دينار أو ما يعادل 143 يوم توريد خلال الفترة ذاتها من سنة 2020.

تراجع بأكثر من 25 يوم توريد

وبلغت قيمة التراجع المسجلة خلال هذه الفترة نحو مليار و76 مليون دينار، فيما أرجع البنك المركزي التراجع المسجل في احتياطي البلاد من العملة الصعبة الى انخفاض العائدات السياحية، وأيضا عائدات الفسفاط، وغيرها من صادرات القطاعات الإستراتيجية، وسجل مخزون تونس من العملة الصعبة تراجعا لافتا، بعد تواصل استنزاف مدخرات البلاد من العملة الصعبة، بسبب دفعات من القروض السيادية تم سدادها بين فترة 22 و23 جويلية الماضي، بالإضافة الى قرض آخر بقيمة 500 مليون دولار تم سداده خلال الأسبوع الأول من شهر أوت الماضي.

وعرف احتياطي تونس من العملة الصعبة، نسقا تصاعديا ليبلغ بتاريخ 8 جانفي الماضي، 162 يوم توريد أي ما يعادل 23216 مليون دينار. ويعد تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة أيضا، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، والذي يتزامن مع ارتفاع حاد في نسب التضخم، وأقر البنك المركزي التونسي في تقريره الأخير، بأن مخزون البلاد من العملة الصعبة، يأتي أساسا من القروض التي تحصل عليها تونس، وهو ما يعني أن الاقتصاد التونسي، ما يزال عاجزا عن إنتاج الثروة. وتمر تونس بانهيار اقتصادي غير مسبوق، بلغت فيه نسبة العجز المالي، ما يناهز 10 بالمائة من الثروة المنتجة في البلاد، وبلغت نسبة الانكماش الاقتصادي في نهاية العام 2020 ، قرابة 8.8 بالمائة وهي نسبة لم تسجلها تونس منذ استقلالها عام 1956.

صعود الدولار يستنزف المدخرات

المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، كان قد حذر في تصريح لـ"الصباح"، من تراجع في سعر العملة الوطنية التونسية مقابل الدولار، وذلك بسبب صعود العملة الأمريكية، إذ سجل الدولار ارتفاعاً في أسعار تداوله خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والارتدادات التي أحدثتها في السوق المالية العالمية، وقد اتخذ الدولار منحى تصاعدياً مقارنة باليورو.

وأكد المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم أن جل العملات شهدت انخفاضاً تجاه الدولار بسبب ارتفاع سعره والإقبال عليه، لافتا الى أن الانخفاض في سعر صرف العملة الوطنية التونسية يعد طفيفاً مقارنة بعملات وطنية أخرى، والتي تأثرت بسبب ارتفاع الدولار مثل مصر وتركيا، والمغرب، في حين تحتاج تونس دعماً من المؤسسات المالية الدولية لمواجهة ارتدادات الحرب الروسية-الأوكرانية، وذلك لضمان احتياطي البلاد من العملة الصعبة من التآكل.

بدوره ، أشار المدير العام لبورصة تونس بلال سحنون، في تصريح لـ"الصباح"، الى أن جزءا من تآكل الاحتياطي النقدي، يعود الى الإقبال المكثف على العملة الأجنبية، من قبل عديد الجهات سواء البنكية، أو من قبل المؤسسات لتلبية احتياجاتها من المواد الأولية، لافتا، الى أن الإقبال على العملات الأجنبية كان اكبر من العرض، وهو ما يفسر تراجع الاحتياطي النقدي الى ما دون 143 يوما، ليصل الى اقل من 100 يوم توريد، وهذه العوامل ساهمت في تطور مؤشر البنوك في البورصة الى 36٪.

تحذيرات من استنزاف العملة الصعبة

ويدعو اغلب خبراء الاقتصاد اليوم، الى ضرورة اتخاذ حلول على المدى القصير وعلى المستوى الداخلي، وتتمثل أساسا في التحكم في نفقات الحكومة، وترشيد الإنفاق في مجالات عدة تهم نفقات التسيير وغيرها، وتأجيل الزيادات في الأجور المبرمجة، وكذلك المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام، وترشيد توريد المواد الاستهلاكية، وهو أهم إجراء ملح بدأ يأخذ صداه في أروقة الدولة، وهناك إمكانية لتشديد إجراءات التوريد  في بعض المواد الاستهلاكية التي لا تستحقها الدورة الاقتصادية كالمواد الأولية ومواد التجهيز.

وسجل احتياطي تونس من النقد الأجنبي خلال الفترات السابقة ارتفاعا الى مستويات مطمئنة تجاوزت 147 يوما توريد، وأدى ذلك الى انخفاض التضخم وخلق الظروف الملائمة لانخفاض أسعار الفائدة ودعم نمو الائتمان في الاقتصاد، إلا أن الإجراءات المتخذة من السلطات للحد من تبعات الوباء من خلال اقتراح حزمة من تدابير الميزانية لدعم الشركات والأسر، كان لها الأثر الكبير في اختلال السياسة المالية، في ظل تسجيل خسائر في الإيرادات الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي، والتي ساهمت الى حد كبير في زيادة عجز الميزانية إلى 10.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت حوالي 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية 2020.

وتعول تونس اليوم، على اتفاق مبدئي على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على فترات تمتد على مدى 4 سنوات بمعدل 450 مليون دولار في السنة، في خطوة تهدف الى الرفع من رصيد تونس من العملة الصعبة مع بداية سنة 2023، وهي السنة التي ستشهد فيها تونس تسديدها لحزمة من القروض الخارجية، والتي ستزيد في استنزاف رصيد البلاد من العملات الأجنبية، في الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات من مختلف الخبراء، الى استغلال اتفاق صندوق النقد الدولي المبدئي، للحصول على قروض ثنائية من الدول الصديقة لتونس، وأيضا من المؤسسات المالية العالمية، في محاولة تهدف الى تأمين نسبي لمدخرات البلاد من العملة الصعبة، وأيضا لخلق التوازنات المالية.

 سفيان المهداوي

أياما عن سنة  تسديد الكتلة الأكبر من الديون .. احتياطي تونس من النقد الأجنبي يهوي إلى 98 يوم توريد !

 

* صندوق النقد الدولي أصبح الملاذ الأخير لتأمين تونس سداد ديونها الخارجية !

*تراجع إيرادات الفسفاط والسياحة وبعض القطاعات الإستراتيجية يضع البلاد في دائرة التداين!

تونس- الصباح

سجل احتياطي تونس من النقد الأجنبي، أمس، انحدارا مقلقا الى ما دون 100 يوم توريد، مسجلا رقما قياسيا جديدا، لم يسبق تسجيله منذ أكثر من 3 سنوات، وبتراجع بلغ أكثر من 25 يوما عن سنة 2021، في وقت تستعد فيه تونس لدخول سنة جديدة تتسم بحزمة من القروض التي بلغت آجال تسديدها، ما يضع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي تحت الاستنزاف المتواصل.

وأظهرت أحدث بيانات البنك المركزي التونسي، أن احتياطيات تونس من النقد الأجنبي تراجعت إلى مستوى 98 يوم توريد، وبلغت 21 مليارا و787 مليون دينار في 16 نوفمبر الجاري بعد أن كان قبل يومين فقط في حدود 21 مليارا و981 مليون دينار، كما هوى الاحتياطي النقدي الى مستوى لم يسبق تسجيله إلا منذ 3 سنوات، وكان يعادل 123 يوما من الواردات في الفترة نفسها من العام الماضي.

ويعزا التآكل السريع في الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية، وفق ما أعلنه عدد من خبراء الاقتصاد، لـ"الصباح"، الى توسع عجز الميزان التجاري، وارتفاع مشتريات تونس من المحروقات والحبوب، والمواد الأولية، وأيضا جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي ساهمت بشكل مباشر في ارتفاع أسعار جل المواد الأساسية، والمواد الأولية .

وحسب الأرقام الرسمية، فإن جزءا من تراجع احتياطي البلاد من العملة الأجنبية، يعود الى تراجع إيرادات بعض الصادرات التي تعول عليها الدولة على غرار الفسفاط والعائدات السياحة، وتداعياتها على الميزان التجاري، الذي تفاقم الى مستوى 21.3 مليار دينار، وفق ما أعلن عنه المعهد الوطني للإحصاء في أكتوبر الماضي، علما وأن وضعية الميزان التجاري مرجح الى أن يتدهور هو الآخر مع نهاية العام الحالي، ليبلغ أكثر من 23 مليار دينار، وذلك رغم الإجراءات الصارمة المتخذة من وزارة التجارة بخصوص فرض إجراءات جديدة تحد من التوريد أثارت استياء الاتحاد الأوروبي.

وخلال العام الجاري، سجل مخزون تونس من العملة الصعبة، خلال يوم واحد، ارتفاعا بعد تسجيل انخفاض حاد في الواردات إلى 115 يومًا في 14 أفريل 2022، ليرتفع بمقدار 15 يومًا إضافيًة إلى 130 يومًا، ويعود إلى مستواه المطمئن تقريبًا مع بداية العام. وارتفع احتياطي العملات الأجنبية بمقدار 2.75 مليار دينار من 21.5 مليار دينار في 14 أفريل 2022 إلى 24.69 مليار دينار في 15 أفريل 2022.

وكان هذا التحسن في الاحتياط النقدي لتونس نتيجة تحصيل القرض الممنوح من بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (Afreximbank) البالغ 700 مليون دولار بما يعادل 2.1 مليار دينار، والذي تمت الموافقة عليه بموجب المرسوم الرئاسي رقم 369-2022 المؤرخ في 12 أفريل 2022 المنشور في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 40 بتاريخ 12 أفريل 2012.

وسجل الدينار التونسي انخفاضاً في سعره يوم الثامن من مارس الماضي، واعتبر الأدنى له مقابل الدولار الأمريكي منذ 3 سنوات، وبلغ سعر الدولار الواحد آنذاك 3.0032 دينار، الأمر الذي أثر على العملة الوطنية التونسية التي تتسم بالركود نتيجة الجائحة الصحية التي ضربت البلاد موفى سنة 2020، وساهم بشكل مباشر في تآكل الاحتياطي النقدي.

تراجع لافت للاحتياطي النقدي

وكان مجلس إدارة البنك المركزي، قد عبر مؤخرا، عن انشغاله بالعجز المسجل وتراجع مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية ليصل إلى 22.7 مليار دينار (7.56 مليار دولار) مقابل 23.31 مليار دينار (7.77 مليار دولار) في سنة 2021، وأعرب عن عميق انشغاله بالأخطار التضخمية، إذ أن التضخم واصل منحاه التصاعدي للشهر العاشر تباعاً ليبلغ 9.2 في المائة موفى الشهر الماضي.

وسجل احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، في نهاية سبتمبر الماضي، انخفاضا مقلقا، دفع بالبنك المركزي الى تحذير من تواصل تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة آنذاك، نتيجة إيفاء تونس بالتزاماتها تجاه المؤسسات المالية المانحة، وأصبحت واردات تونس في تلك الفترة لا تكفي إلا لمدة 127 يوما، مسجلة انخفاضا من تغطية لمدة 162 يوما مقارنة بسنة 2020.

وبلغ احتياطي تونس من العملة الصعبة، منتصف أوت الماضي 19778 مليون دينار، أي ما يعادل 124 يوم توريد، بعد أن، قد بلغ نحو 19731 مليون دينار أي ما يعادل 123 يوم توريد، مقابل 21676 مليون دينار أو ما يعادل 143 يوم توريد خلال الفترة ذاتها من سنة 2020.

تراجع بأكثر من 25 يوم توريد

وبلغت قيمة التراجع المسجلة خلال هذه الفترة نحو مليار و76 مليون دينار، فيما أرجع البنك المركزي التراجع المسجل في احتياطي البلاد من العملة الصعبة الى انخفاض العائدات السياحية، وأيضا عائدات الفسفاط، وغيرها من صادرات القطاعات الإستراتيجية، وسجل مخزون تونس من العملة الصعبة تراجعا لافتا، بعد تواصل استنزاف مدخرات البلاد من العملة الصعبة، بسبب دفعات من القروض السيادية تم سدادها بين فترة 22 و23 جويلية الماضي، بالإضافة الى قرض آخر بقيمة 500 مليون دولار تم سداده خلال الأسبوع الأول من شهر أوت الماضي.

وعرف احتياطي تونس من العملة الصعبة، نسقا تصاعديا ليبلغ بتاريخ 8 جانفي الماضي، 162 يوم توريد أي ما يعادل 23216 مليون دينار. ويعد تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة أيضا، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، والذي يتزامن مع ارتفاع حاد في نسب التضخم، وأقر البنك المركزي التونسي في تقريره الأخير، بأن مخزون البلاد من العملة الصعبة، يأتي أساسا من القروض التي تحصل عليها تونس، وهو ما يعني أن الاقتصاد التونسي، ما يزال عاجزا عن إنتاج الثروة. وتمر تونس بانهيار اقتصادي غير مسبوق، بلغت فيه نسبة العجز المالي، ما يناهز 10 بالمائة من الثروة المنتجة في البلاد، وبلغت نسبة الانكماش الاقتصادي في نهاية العام 2020 ، قرابة 8.8 بالمائة وهي نسبة لم تسجلها تونس منذ استقلالها عام 1956.

صعود الدولار يستنزف المدخرات

المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم، كان قد حذر في تصريح لـ"الصباح"، من تراجع في سعر العملة الوطنية التونسية مقابل الدولار، وذلك بسبب صعود العملة الأمريكية، إذ سجل الدولار ارتفاعاً في أسعار تداوله خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا والارتدادات التي أحدثتها في السوق المالية العالمية، وقد اتخذ الدولار منحى تصاعدياً مقارنة باليورو.

وأكد المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم أن جل العملات شهدت انخفاضاً تجاه الدولار بسبب ارتفاع سعره والإقبال عليه، لافتا الى أن الانخفاض في سعر صرف العملة الوطنية التونسية يعد طفيفاً مقارنة بعملات وطنية أخرى، والتي تأثرت بسبب ارتفاع الدولار مثل مصر وتركيا، والمغرب، في حين تحتاج تونس دعماً من المؤسسات المالية الدولية لمواجهة ارتدادات الحرب الروسية-الأوكرانية، وذلك لضمان احتياطي البلاد من العملة الصعبة من التآكل.

بدوره ، أشار المدير العام لبورصة تونس بلال سحنون، في تصريح لـ"الصباح"، الى أن جزءا من تآكل الاحتياطي النقدي، يعود الى الإقبال المكثف على العملة الأجنبية، من قبل عديد الجهات سواء البنكية، أو من قبل المؤسسات لتلبية احتياجاتها من المواد الأولية، لافتا، الى أن الإقبال على العملات الأجنبية كان اكبر من العرض، وهو ما يفسر تراجع الاحتياطي النقدي الى ما دون 143 يوما، ليصل الى اقل من 100 يوم توريد، وهذه العوامل ساهمت في تطور مؤشر البنوك في البورصة الى 36٪.

تحذيرات من استنزاف العملة الصعبة

ويدعو اغلب خبراء الاقتصاد اليوم، الى ضرورة اتخاذ حلول على المدى القصير وعلى المستوى الداخلي، وتتمثل أساسا في التحكم في نفقات الحكومة، وترشيد الإنفاق في مجالات عدة تهم نفقات التسيير وغيرها، وتأجيل الزيادات في الأجور المبرمجة، وكذلك المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام، وترشيد توريد المواد الاستهلاكية، وهو أهم إجراء ملح بدأ يأخذ صداه في أروقة الدولة، وهناك إمكانية لتشديد إجراءات التوريد  في بعض المواد الاستهلاكية التي لا تستحقها الدورة الاقتصادية كالمواد الأولية ومواد التجهيز.

وسجل احتياطي تونس من النقد الأجنبي خلال الفترات السابقة ارتفاعا الى مستويات مطمئنة تجاوزت 147 يوما توريد، وأدى ذلك الى انخفاض التضخم وخلق الظروف الملائمة لانخفاض أسعار الفائدة ودعم نمو الائتمان في الاقتصاد، إلا أن الإجراءات المتخذة من السلطات للحد من تبعات الوباء من خلال اقتراح حزمة من تدابير الميزانية لدعم الشركات والأسر، كان لها الأثر الكبير في اختلال السياسة المالية، في ظل تسجيل خسائر في الإيرادات الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي، والتي ساهمت الى حد كبير في زيادة عجز الميزانية إلى 10.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت حوالي 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي في ميزانية 2020.

وتعول تونس اليوم، على اتفاق مبدئي على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على فترات تمتد على مدى 4 سنوات بمعدل 450 مليون دولار في السنة، في خطوة تهدف الى الرفع من رصيد تونس من العملة الصعبة مع بداية سنة 2023، وهي السنة التي ستشهد فيها تونس تسديدها لحزمة من القروض الخارجية، والتي ستزيد في استنزاف رصيد البلاد من العملات الأجنبية، في الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات من مختلف الخبراء، الى استغلال اتفاق صندوق النقد الدولي المبدئي، للحصول على قروض ثنائية من الدول الصديقة لتونس، وأيضا من المؤسسات المالية العالمية، في محاولة تهدف الى تأمين نسبي لمدخرات البلاد من العملة الصعبة، وأيضا لخلق التوازنات المالية.

 سفيان المهداوي