إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حديث حول المائدة

بقلم: مصدّق الشّريف(*)

ليس ما سأسرده من حديث بحديث الأربعاء الذي حدّثه عميد الأدب العربي الدّكتور طه حسين، بل هو حديث على مائدتي الموقّرة وقد صفّفتُ فوقها الكتب بعضها فوق بعض ومنها المتناثرة هنا وهناك.

فاجأتني حزمة الكتب بالقول:

ذاق مؤلفونا وجع الكتابة وإرهاصاتها ليعطوكم الفرح الجميل ولا يريدون منكم الثّناء ولا الثواب. نحمل داخلنا شتّى المعلومات والدروس في الفكر والفلسفة والسياسة والتاريخ والاقتصاد. وضعتنا فوق مائدتك كما وضعت كثيرا منّا من قبلنا. نحن نعلم أنّك قرأت صفحاتنا جميعا واستمتعت بذلك. وأعرت بعضا منّا لأصدقائك وأهديت بعضنا الآخر لرفاقك. نريد اليوم أن ندعوك إلى وقفة تأمل فيها الكثير من الاستفاقة بعد أن استفحل داء الأميّة والجهل في كثير من بني جلدتكم.

إنّ عددا مهولا منكم قد ولج قاعات درس المستوى الابتدائي والثانوي وحتّى العالي. صحيح أنّ هؤلاء نالوا الشهائد وشغلوا المناصب واحتلوا المراتب. ولكن فاتهم ما قاله الأوائل:اسمعوا واتعظوا فبالعلم حياة. ومن الفظيع أنّ بعضهم قد ركنوا إلى الرّداءة وانحطاط الذوق. بل إنّ منهم من شجّع عليها بعد أن انخرط فيها.

مثل هؤلاء مثل الذين على قلوبهم أقفالها. لقد خُيّل إليهم أنهم استطاعوا أن يدوسوا ببلادتهم وسخافتهم على قداسة العلم والمعرفة.فالمرء عندهم بقدر ما يحصد من الأموال، ولو يبيع السّفاسف ويشارك في تهديم الأجيال، لا بقدر ما يكون. ولو بحثت داخلنا لقرأت:

"حين سُئل المهلّب بم أدركت ما أدركت؟ قال بالعلم.  قيل له فإنّ غيرك قد علم أكثر مما علمت ولم يدرك ما أدركت. قال ذلك علم حمل وهذا علم استعمل"(1).

" سألوني لماذا تتعب نفسك وتنشر من أجل الناس وهم لا يتفاعلون معك. لا تعرف أغلبهم ولا يعرفونك؟

فقلت لهم: هناك أناس يتابعون بصمت وقد أتعبتهم الحياة محتاجون لمن يزرع الأمل في نفوسهم. وهناك أناس يبحثون عن نقاط الضوء في عالم مظلم. وهناك أناس رائعون نشعر بالسعادة عندما نسعدهم. وهناك أناس ربما تتغير حياتهم بسبب عبرة يقرؤونها ويستفيدون منها. وهناك أناس في أشد الحاجة لمن يضئ

لهم الطريق بمعلومة حتى ولو كانت صغيرة... من أجل هؤلاء أتعب نفسي"(2).

(1): أبو الفرج الأصفهاني، العقد الفريد، الجزء الثاني، ص.77.

(2): لم يقع ذكر المصدر.

* أستاذ متقاعد

حديث حول المائدة

بقلم: مصدّق الشّريف(*)

ليس ما سأسرده من حديث بحديث الأربعاء الذي حدّثه عميد الأدب العربي الدّكتور طه حسين، بل هو حديث على مائدتي الموقّرة وقد صفّفتُ فوقها الكتب بعضها فوق بعض ومنها المتناثرة هنا وهناك.

فاجأتني حزمة الكتب بالقول:

ذاق مؤلفونا وجع الكتابة وإرهاصاتها ليعطوكم الفرح الجميل ولا يريدون منكم الثّناء ولا الثواب. نحمل داخلنا شتّى المعلومات والدروس في الفكر والفلسفة والسياسة والتاريخ والاقتصاد. وضعتنا فوق مائدتك كما وضعت كثيرا منّا من قبلنا. نحن نعلم أنّك قرأت صفحاتنا جميعا واستمتعت بذلك. وأعرت بعضا منّا لأصدقائك وأهديت بعضنا الآخر لرفاقك. نريد اليوم أن ندعوك إلى وقفة تأمل فيها الكثير من الاستفاقة بعد أن استفحل داء الأميّة والجهل في كثير من بني جلدتكم.

إنّ عددا مهولا منكم قد ولج قاعات درس المستوى الابتدائي والثانوي وحتّى العالي. صحيح أنّ هؤلاء نالوا الشهائد وشغلوا المناصب واحتلوا المراتب. ولكن فاتهم ما قاله الأوائل:اسمعوا واتعظوا فبالعلم حياة. ومن الفظيع أنّ بعضهم قد ركنوا إلى الرّداءة وانحطاط الذوق. بل إنّ منهم من شجّع عليها بعد أن انخرط فيها.

مثل هؤلاء مثل الذين على قلوبهم أقفالها. لقد خُيّل إليهم أنهم استطاعوا أن يدوسوا ببلادتهم وسخافتهم على قداسة العلم والمعرفة.فالمرء عندهم بقدر ما يحصد من الأموال، ولو يبيع السّفاسف ويشارك في تهديم الأجيال، لا بقدر ما يكون. ولو بحثت داخلنا لقرأت:

"حين سُئل المهلّب بم أدركت ما أدركت؟ قال بالعلم.  قيل له فإنّ غيرك قد علم أكثر مما علمت ولم يدرك ما أدركت. قال ذلك علم حمل وهذا علم استعمل"(1).

" سألوني لماذا تتعب نفسك وتنشر من أجل الناس وهم لا يتفاعلون معك. لا تعرف أغلبهم ولا يعرفونك؟

فقلت لهم: هناك أناس يتابعون بصمت وقد أتعبتهم الحياة محتاجون لمن يزرع الأمل في نفوسهم. وهناك أناس يبحثون عن نقاط الضوء في عالم مظلم. وهناك أناس رائعون نشعر بالسعادة عندما نسعدهم. وهناك أناس ربما تتغير حياتهم بسبب عبرة يقرؤونها ويستفيدون منها. وهناك أناس في أشد الحاجة لمن يضئ

لهم الطريق بمعلومة حتى ولو كانت صغيرة... من أجل هؤلاء أتعب نفسي"(2).

(1): أبو الفرج الأصفهاني، العقد الفريد، الجزء الثاني، ص.77.

(2): لم يقع ذكر المصدر.

* أستاذ متقاعد