كما هو معلوم تحتضن تونس الدورة الثامنة عشرة للقمة الفرانكفونية يومي 19 و20 نوفمبر 2022 بمدينة جربة وهو حدث تزامن مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس هذا المنتظم الذي ظهر في سبعينات القرن الماضي وكانت تونس عضوا مؤسسا بارزا فيه مع دولة السينغال والنيجر وكمبوديا حيث لعب الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك دورا مؤثرا في تأسيس هذه الرابطة التي تكونت على أساس اللغة وجمعت دولا ناطقة باللغة الفرنسية لغة المستعمر الفرنسي الذي احتل الكثير من الشعوب في مختلف انحاء العالم وخاصة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية. كما أنه حدث يأتي والعالم يعرف مخاضا كبيرا ينبئ بحصول منعرجات تاريخية حادة وتوترات خطيرة في علاقة بمن يقود العالم اليوم ومراجعات مؤثرة في علاقة بالفكر والثقافة التي حكمت الإنسانية لعقود من الزمن وتحكمت في مصائر الشعوب والدول في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية واليوم تعرف محاولات لفك الارتباط عنها وفي ظرفية تعرف مقاومة للمنظومة العالمية المهيمنة وللنظام العالمي الذي يتحكم اليوم في الدول والحكومات ويفرض أفكاره وسياساته ويدير الشؤون الداخلية للشعب بطرائق متخفية أحيانا ومتحكمة أحيانا أخرى وظاهرة من وراء برامج وسياسات واستراتيجيات نافذة تقيد الشعوب والدول في إراداتها وما الحرب التي تدور رحاها اليوم بين روسيا وأوكرانيا إلا مظهرا من مظاهر هذه المقاومة لقوى الهيمنة العالمية وصورة من صور محاولات فك الارتباط مع قواعد اللعبة التي تفرضها مراكز القوة العالمية على الدول والتحلل من كل الروابط القديمة للقوى الاستعمارية والقوى التي تريد الابقاء على علاقات الهيمنة متحكم.
وتأتي قمة تونس كغيرها من القمم السابقة حاملة لنفس الأسئلة القديمة الجديدة وتطرح نفس الإشكاليات التي يعاد طرحها اليوم بأكثر إلحاح وهي لماذا المواصلة في عقد هذه القمة التي تجمع دولا كانت في فترة ما تحت الاحتلال الفرنسي واليوم تجتمع معه تحت غطاء اللغة الجامعة واللسان المشترك؟ ولماذا الإبقاء على هذا الارتباط بالمستعمر القديم والاتكاء على لغته كوعاء جامع للتقدم ؟ وهل من مصلحة ومعنى لهذا هذا الحلف الفرانكفوني في الوقت الذي نشهد فيه دعوات كثيرة تطالب فرنسا برفع يدها ووقف تدخلها في مستعمراتها القديمة؟ وفي الأخير ماذا يعني اليوم في هذا العالم المتحول والذي يشهد تقلبات كثيرة ومسارات جديدة الانتماء إلى هذا الفضاء الذي يسمى " الفرانكفونية"
تقدم الفرانكفونية نفسها اليوم على أنها مشروع حضاري لتمتين روابط التعاون الفكري والثقافي والمعرفي من بوابة اللغة ومن مدخل نشر اللسان الفرنسي وجعل الفرنسية لغة يتحدث بها على نطاق واسع وتحقيق التكامل المعرفي واللغوي ونشر قيم الحداثة والتنوير الفرنسي. فالفرانكفونية بهذا المعنى يراد لها أن تظهر للعالم في إطار الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري الذي يجمع الدول المنضوية ضمن هذا الوفاق فالروابط بين مكون العالم الفرانكفوني تعود حسب هذا التصور إلى التواجد الفرنسي في بلادنا وكل البلدان الناطقة باللغة الفرنسية والحرص على دوام هذه الخصوصية حتى بعد نهاية الحقبة الاستعمارية وجعل اللغة الفرنسية فضاء جامعا وطريقة تفكير ونوعية معرفة ونمط عيش فالفرانكفونية حسب أصحابها وعند من يدافعون عنها هي هوية حضارية وطريق للتنوير والحداثة والدخول إلى عالم النهضة والتقدم والعولمة والانخراط في مسار الارتقاء وكسب القوة والبقاء في التاريخ.
في مقابل هذه النظرة الايجابية التي يروج لها في الإعلام والتي تخفي الوجه الآخر للصورة ينظر إلى الفرانكفونية على أنها امتداد للاستعمار القديم ومواصلة في هيمنة التواجد الفرنسي في مستعمراتها القديمة ورغبة من فرنسا في الإبقاء على الارتباط ومواصلة الاستعمار بطرق أخرى وهذا يعني أن الفرانكفونية هي في العمق استعمار في ثوب جديد ومن بوابة اللغة الفرنسية من أجل استعادة الهينة وجعل هذه المستعمرات في ارتباط دائم مع محتلها حتى بعد إعلان استقلالها وهذا يعني أن المشروع الفرانكفوني هو أكثر من مجرد رابطة لغوية وثقافية وفضاء لدخول عالم الحداثة والعولمة إلى مجال اقتصادي وتجاري واسع يجعل من المستعمرات القديمة سوقا تجارية مرتبطة بالاقتصاد الفرنسي وبخيارتها السياسية وسوقا لشركاتها ورجال أعمالها لترويج بضائعها ومنتجاتها وإبقاء فرنسا على هيمنتها وسيطرتها المؤثرة في هذا الفضاء والإبقاء على التبعية الدائمة لها. يقول الرئيس فرانسوا ميتران "إن الفرانكفونية ليست هي اللغة الفرنسية فحسب وإذا لم نتوصل إلى الإقناع بأن العالم الفرانكفوني هو انتماء سياسي واقتصادي وثقافي نكون حينها قد فشلنا في العمل الذي بدأناه منذ عدة سنوات" وفي ذات السياق يذهب الجنرال الفرنسي شارل ديغول إلى "أن اللغة الفرنسية هي الأداة البديلة عن الحرب المتعارف عليها بل إنها صنعت لفرنسا ما لم تصنعه الجيوش" بما يجعل المدخل اللغوي الثقافي الايدولوجيا التي تواصل بها فرنسا هيمنتها واستعمارها لمستعمراتها القديمة ويبقى على هيمنتها الاستعمارية رغم الإعلان عن استقلالها. وبهذا المعنى تكون الفرانكفونية مشروعا لمواصلة الهيمنة والوصايا ورغبة في دوام رابطة التبعية للمحتل والمستعمر القديم وحرصا على التدخل في إرادة الدول والشعوب الحرة.
بقلم نوفل سلامة
كما هو معلوم تحتضن تونس الدورة الثامنة عشرة للقمة الفرانكفونية يومي 19 و20 نوفمبر 2022 بمدينة جربة وهو حدث تزامن مع الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس هذا المنتظم الذي ظهر في سبعينات القرن الماضي وكانت تونس عضوا مؤسسا بارزا فيه مع دولة السينغال والنيجر وكمبوديا حيث لعب الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك دورا مؤثرا في تأسيس هذه الرابطة التي تكونت على أساس اللغة وجمعت دولا ناطقة باللغة الفرنسية لغة المستعمر الفرنسي الذي احتل الكثير من الشعوب في مختلف انحاء العالم وخاصة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية. كما أنه حدث يأتي والعالم يعرف مخاضا كبيرا ينبئ بحصول منعرجات تاريخية حادة وتوترات خطيرة في علاقة بمن يقود العالم اليوم ومراجعات مؤثرة في علاقة بالفكر والثقافة التي حكمت الإنسانية لعقود من الزمن وتحكمت في مصائر الشعوب والدول في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية واليوم تعرف محاولات لفك الارتباط عنها وفي ظرفية تعرف مقاومة للمنظومة العالمية المهيمنة وللنظام العالمي الذي يتحكم اليوم في الدول والحكومات ويفرض أفكاره وسياساته ويدير الشؤون الداخلية للشعب بطرائق متخفية أحيانا ومتحكمة أحيانا أخرى وظاهرة من وراء برامج وسياسات واستراتيجيات نافذة تقيد الشعوب والدول في إراداتها وما الحرب التي تدور رحاها اليوم بين روسيا وأوكرانيا إلا مظهرا من مظاهر هذه المقاومة لقوى الهيمنة العالمية وصورة من صور محاولات فك الارتباط مع قواعد اللعبة التي تفرضها مراكز القوة العالمية على الدول والتحلل من كل الروابط القديمة للقوى الاستعمارية والقوى التي تريد الابقاء على علاقات الهيمنة متحكم.
وتأتي قمة تونس كغيرها من القمم السابقة حاملة لنفس الأسئلة القديمة الجديدة وتطرح نفس الإشكاليات التي يعاد طرحها اليوم بأكثر إلحاح وهي لماذا المواصلة في عقد هذه القمة التي تجمع دولا كانت في فترة ما تحت الاحتلال الفرنسي واليوم تجتمع معه تحت غطاء اللغة الجامعة واللسان المشترك؟ ولماذا الإبقاء على هذا الارتباط بالمستعمر القديم والاتكاء على لغته كوعاء جامع للتقدم ؟ وهل من مصلحة ومعنى لهذا هذا الحلف الفرانكفوني في الوقت الذي نشهد فيه دعوات كثيرة تطالب فرنسا برفع يدها ووقف تدخلها في مستعمراتها القديمة؟ وفي الأخير ماذا يعني اليوم في هذا العالم المتحول والذي يشهد تقلبات كثيرة ومسارات جديدة الانتماء إلى هذا الفضاء الذي يسمى " الفرانكفونية"
تقدم الفرانكفونية نفسها اليوم على أنها مشروع حضاري لتمتين روابط التعاون الفكري والثقافي والمعرفي من بوابة اللغة ومن مدخل نشر اللسان الفرنسي وجعل الفرنسية لغة يتحدث بها على نطاق واسع وتحقيق التكامل المعرفي واللغوي ونشر قيم الحداثة والتنوير الفرنسي. فالفرانكفونية بهذا المعنى يراد لها أن تظهر للعالم في إطار الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري الذي يجمع الدول المنضوية ضمن هذا الوفاق فالروابط بين مكون العالم الفرانكفوني تعود حسب هذا التصور إلى التواجد الفرنسي في بلادنا وكل البلدان الناطقة باللغة الفرنسية والحرص على دوام هذه الخصوصية حتى بعد نهاية الحقبة الاستعمارية وجعل اللغة الفرنسية فضاء جامعا وطريقة تفكير ونوعية معرفة ونمط عيش فالفرانكفونية حسب أصحابها وعند من يدافعون عنها هي هوية حضارية وطريق للتنوير والحداثة والدخول إلى عالم النهضة والتقدم والعولمة والانخراط في مسار الارتقاء وكسب القوة والبقاء في التاريخ.
في مقابل هذه النظرة الايجابية التي يروج لها في الإعلام والتي تخفي الوجه الآخر للصورة ينظر إلى الفرانكفونية على أنها امتداد للاستعمار القديم ومواصلة في هيمنة التواجد الفرنسي في مستعمراتها القديمة ورغبة من فرنسا في الإبقاء على الارتباط ومواصلة الاستعمار بطرق أخرى وهذا يعني أن الفرانكفونية هي في العمق استعمار في ثوب جديد ومن بوابة اللغة الفرنسية من أجل استعادة الهينة وجعل هذه المستعمرات في ارتباط دائم مع محتلها حتى بعد إعلان استقلالها وهذا يعني أن المشروع الفرانكفوني هو أكثر من مجرد رابطة لغوية وثقافية وفضاء لدخول عالم الحداثة والعولمة إلى مجال اقتصادي وتجاري واسع يجعل من المستعمرات القديمة سوقا تجارية مرتبطة بالاقتصاد الفرنسي وبخيارتها السياسية وسوقا لشركاتها ورجال أعمالها لترويج بضائعها ومنتجاتها وإبقاء فرنسا على هيمنتها وسيطرتها المؤثرة في هذا الفضاء والإبقاء على التبعية الدائمة لها. يقول الرئيس فرانسوا ميتران "إن الفرانكفونية ليست هي اللغة الفرنسية فحسب وإذا لم نتوصل إلى الإقناع بأن العالم الفرانكفوني هو انتماء سياسي واقتصادي وثقافي نكون حينها قد فشلنا في العمل الذي بدأناه منذ عدة سنوات" وفي ذات السياق يذهب الجنرال الفرنسي شارل ديغول إلى "أن اللغة الفرنسية هي الأداة البديلة عن الحرب المتعارف عليها بل إنها صنعت لفرنسا ما لم تصنعه الجيوش" بما يجعل المدخل اللغوي الثقافي الايدولوجيا التي تواصل بها فرنسا هيمنتها واستعمارها لمستعمراتها القديمة ويبقى على هيمنتها الاستعمارية رغم الإعلان عن استقلالها. وبهذا المعنى تكون الفرانكفونية مشروعا لمواصلة الهيمنة والوصايا ورغبة في دوام رابطة التبعية للمحتل والمستعمر القديم وحرصا على التدخل في إرادة الدول والشعوب الحرة.