إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كسر التابو بأسلوبٍ راقٍ، لا بأسلوبٍ فجّ ومباشر

بقلم:مصدّق الشّريف

يقول الرّوائي السّوري حيدر حيدر متحدثا عن روايته الزّمن:

"رواية الزّمن هذه كانت رواية الأعماق النفسية، والاقتراب من المحرّمات وكسر التابو بأسلوبٍ راقٍ، ولا بأسلوبٍ فج ومباشر، كما حدث مع بعض الرّوائيّين الذين يكتبون في الجنس، ويشعرون أنّهم يقومون بفتحٍ جديد في عالم الكتابة! فالدّيني والسّياسي والجنسي نقترب منه فنياً. هناك شيء اسمه أخلاقية اللّغة، وعمق هذا الأسلوب البُعد عن الإسفاف، وتعرية الأشياء بشكلٍ كامل. الاقتراب من المحرّمات الثلاثة يكون في الرواية بشكلٍ نقدي وإنساني. وأعتقد أن الرواية العربيّة سيكون لها مستقبل إذا سلكت هذا الاتّجاه. تشعر أحياناً أن بعض الكتّاب الجنسويّين يقتربون من التّابوهات بطريقة منفّرة".

إنّنا نلاحظ أنّ ما عبر عنه حيدر حيدر بالفجاجة والإسفاف قد انتشر في كلّ مكان وتوغّل خاصّة في وسائلنا الإعلاميّة السمعيّة والبصريّة، لا سيّما منها تلك التي تتوجه بالانتقاد إلى المسؤولين في السّياسة أو في الاقتصاد أو في الثقافة وحتّى في بقيّة المجالات عموما. وينتصر كثيرون لهذا الهبوط الذوقيّ باسم ما حققته الثّورة من حريّة في التّعبير لا تعرف الحدود عندهم. وبذلك لا يتوانى بعضهم عن انتهاك الأعراض والتّعدي على المقامات. بل إنّ هناك من لا يخجل من استعمال الألفاظ السّوقية على مرأى جميع النّاس ومسامعهم ضاربا عرض الحائط بالقيم الأخلاقيّة. وقد أثّر هذا السّلوك المعوجّ على الاحترام المتبادل بين أفراد العائلة. وتسرّبت الظاهرة بخطى سريعة إلى مؤسساتنا التربويّة والجامعيّة.

لقد نسي كثيرون أنّ أنفد طريقة لبلوغ المراد في قلوب الناس وعقولهم تكون بالتماس ما لم يكن من الألفاظ متوعرا وحشيا ولا ساقطا سوقيّا. وقد قال بعضهم لبنيه تزينوا بزيّ الكتاب فإنّهم جمعوا أدب الملوك وتواضع السوقة. وإنّ أدب الكتابة والتحدث إلى النّاس في شؤون دنياهم من المراتب الشريفة. وهما أيضا صياغتان جليلتان تحتاجان إلى آلات كبرى وهما أولى زينتي الدّنيا اللّتين يتناهى إليهما الفضل وعندها تقف الرغبة.

وعلى العموم، فإننا نرى أنّ الكتابة والنّشر وكذلك الجلوس أمام المصدح لإيصال الرّأي والرّأي المخالف حرّية لا يحقّ لأحد أن يصادرها. ولكن دون أن نغفل عن التّخيير من الكلمات أرجحها لفظا وأجزلها معنى وأشرفها جوهرا وأكرمها حسّا وأكملها حسنا وأليقها في مكانها وأشكلها في موضعها. وبذلك فإنّ توجيه رسالة أو همزة أو غمزة يوجب وزن اللّفظة قبل أن نخرجها بميزان التّصريف وألاّ نجعل اللّفظة قلقة في موضعها نافرة عن مكانها. ولنعلم أنّ الكلام كلّما كان راقيا يحاكي السّموّ كان أسهل ولوجا في الأسماع وأشدّ اتّصالا بالقلوب وأخفّ على الأفواه.

 

 

 

 

كسر التابو بأسلوبٍ راقٍ، لا بأسلوبٍ فجّ ومباشر

بقلم:مصدّق الشّريف

يقول الرّوائي السّوري حيدر حيدر متحدثا عن روايته الزّمن:

"رواية الزّمن هذه كانت رواية الأعماق النفسية، والاقتراب من المحرّمات وكسر التابو بأسلوبٍ راقٍ، ولا بأسلوبٍ فج ومباشر، كما حدث مع بعض الرّوائيّين الذين يكتبون في الجنس، ويشعرون أنّهم يقومون بفتحٍ جديد في عالم الكتابة! فالدّيني والسّياسي والجنسي نقترب منه فنياً. هناك شيء اسمه أخلاقية اللّغة، وعمق هذا الأسلوب البُعد عن الإسفاف، وتعرية الأشياء بشكلٍ كامل. الاقتراب من المحرّمات الثلاثة يكون في الرواية بشكلٍ نقدي وإنساني. وأعتقد أن الرواية العربيّة سيكون لها مستقبل إذا سلكت هذا الاتّجاه. تشعر أحياناً أن بعض الكتّاب الجنسويّين يقتربون من التّابوهات بطريقة منفّرة".

إنّنا نلاحظ أنّ ما عبر عنه حيدر حيدر بالفجاجة والإسفاف قد انتشر في كلّ مكان وتوغّل خاصّة في وسائلنا الإعلاميّة السمعيّة والبصريّة، لا سيّما منها تلك التي تتوجه بالانتقاد إلى المسؤولين في السّياسة أو في الاقتصاد أو في الثقافة وحتّى في بقيّة المجالات عموما. وينتصر كثيرون لهذا الهبوط الذوقيّ باسم ما حققته الثّورة من حريّة في التّعبير لا تعرف الحدود عندهم. وبذلك لا يتوانى بعضهم عن انتهاك الأعراض والتّعدي على المقامات. بل إنّ هناك من لا يخجل من استعمال الألفاظ السّوقية على مرأى جميع النّاس ومسامعهم ضاربا عرض الحائط بالقيم الأخلاقيّة. وقد أثّر هذا السّلوك المعوجّ على الاحترام المتبادل بين أفراد العائلة. وتسرّبت الظاهرة بخطى سريعة إلى مؤسساتنا التربويّة والجامعيّة.

لقد نسي كثيرون أنّ أنفد طريقة لبلوغ المراد في قلوب الناس وعقولهم تكون بالتماس ما لم يكن من الألفاظ متوعرا وحشيا ولا ساقطا سوقيّا. وقد قال بعضهم لبنيه تزينوا بزيّ الكتاب فإنّهم جمعوا أدب الملوك وتواضع السوقة. وإنّ أدب الكتابة والتحدث إلى النّاس في شؤون دنياهم من المراتب الشريفة. وهما أيضا صياغتان جليلتان تحتاجان إلى آلات كبرى وهما أولى زينتي الدّنيا اللّتين يتناهى إليهما الفضل وعندها تقف الرغبة.

وعلى العموم، فإننا نرى أنّ الكتابة والنّشر وكذلك الجلوس أمام المصدح لإيصال الرّأي والرّأي المخالف حرّية لا يحقّ لأحد أن يصادرها. ولكن دون أن نغفل عن التّخيير من الكلمات أرجحها لفظا وأجزلها معنى وأشرفها جوهرا وأكرمها حسّا وأكملها حسنا وأليقها في مكانها وأشكلها في موضعها. وبذلك فإنّ توجيه رسالة أو همزة أو غمزة يوجب وزن اللّفظة قبل أن نخرجها بميزان التّصريف وألاّ نجعل اللّفظة قلقة في موضعها نافرة عن مكانها. ولنعلم أنّ الكلام كلّما كان راقيا يحاكي السّموّ كان أسهل ولوجا في الأسماع وأشدّ اتّصالا بالقلوب وأخفّ على الأفواه.