في الوقت الذي تسعى فيه سلطة الإجراءات الاستثنائية لنفض غبار تهم خرق حقوق الإنسان وضرب المسار الديمقراطي من خلال تأبيد حكم فردي يسارع الرئيس قيس سعيد للدفع بهذه التهم بعيدا عن محيط قصر قرطاج وتأكيده على أن أخذه للسلطة ليس من باب الديكتاتورية السياسية بقدر ماهي للمنهج الإصلاحي والتصحيحي.
بيد أن ذلك قد لا يكون مقنعا لخصوم سعيد والمنظمات الدولية بعد وضعها لواقع الانتقال الديمقراطي والحقوق والحريات تحت مجهر مخابرها الحقوقية والاقتصادية اثر تحول بلادنا من نموذج حقوقي الى هاجس دولي في هذا المجال.
رأي قد لا يجد طريقه الى المؤمنين بإجراءات 25/7 الذين دافعوا عن خيارات الرئيس السياسية والحقوقية بتأكيدهم على أن سعيد لم يمس بأي حق حيث مازالت الأحزاب تمارس نشاطها والإعلام حر فيما يناقش والنقابات تنشط دون تدخل من السلطة.
هكذا بروبغندا سرعان ما نسفتها الاجتماعات المتواترة ومواقف الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بجنيف من وضع حقوق الإنسان في تونس أو ما حمله افتتاح أشغال الدورة الواحدة والخمسين لمجلس الأمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان بقصر الأمم في جينيف أو ما ستحمله زيارة المفوّض الأوروبي لشؤون العدل ديدييه رايندرز لتونس.
زيارة.. وملفات
ونقلت إذاعة الديوان اف ام أن ديدييه رايندرز المفوّض الأوروبي لشؤون العدل يبدأ لأول مرة زيارة لبلدنا حيث من المنتظر أن يلتقي رئيس الجمهورية قيس سعيد إضافة الى وزراء العدل والداخلية والشؤون الخارجية وعددا من ممثلي منظمات المجتمع المدني.
وسيتناول المفوض الأوروبي في زيارته الى تونس عدة ملفات على رأسها عملية الإصلاح الدستوري، والإصلاح الانتخابي، والتطورات الأخيرة، والتحديات وآفاق إصلاح النظام القضائي، والحقوق الأساسية والعدالة التجارية وحماية المعطيات الشخصية والتعاون القضائي في الشؤون المدنية والجزائية بين تونس والاتحاد الأوروبي.
تلازم المسارات
وفي واقع الأمر لم يكن المسار الحقوقي والديمقراطي لتونس بمعزل عن المسار الاقتصادي حيث اقر التقرير الأخير للبنك الدولي الصادر أول أمس الخميس بتلازم المسارين حيث جرى التأكيد على أن "إعادة تنشيط النموذج الاقتصادي التونسي أصبحت الآن عمليـة ملحة للغاية، فقد أصبحت مصدر خطر على الانتقال الديمقراطـي. ومع اسـتمرار ضعف نتائـج التنمية وتواصل الانتقال السياسي، تواجه تونـس أزمة دستورية واقتصادية مزدوجة، يمكن أن تهـدد بدورهـا المكاسـب الديمقراطيـة الهشـة التـي تحققـت في البلاد." ويأتي هذا التقرير على بعد خطوات من الاتفاق النهائي بين تونس وصندوق النقد الدولي.
فكثيرا ما بني الصندوق اتفاقاته النهائية مع الدول على قاعدة احترام حقوق الإنسان بل وتقديمها كملف داعم لأي نقاشات محتملة مع هذه الجهة المالية.
بودن تتهم..
في محاولة منها لفصل المسار الحقوقي والديمقراطي عن المسار الاقتصادي استبقت رئيسة الحكومة نجلاء بودن يوم 8 نوفمبر الجاري الجميع من خلال تأكيدها على أن الأزمة الاقتصادية في تونس هي نتيجة للازمة السياسية التي أضرت بالتوجه الديمقراطي.
وقالت بودن في خطاب عن بعد لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "إن المسار الديمقراطي شهد تعثرا نتيجة تفاقم التجاذبات السياسية التي أضعفت الدولة لاسيما في ظل الأزمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي أثرت على تمتع التونسي بحقوقه، وأولها حقه في الصحة والحياة."
وتابعت إن "البرلمان المنحل تحول الى ساحة للعنف المادي والنفسي والذي لم يضف للتونسيين سوى الإحساس بانسداد الأفق والياس.. الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد الى تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 وتجميد البرلمان ثم حلّه ووضع دستور جديد بعد استفتاء 25 جويلية 2022 في انتظار الانتخابات التشريعية 17 ديسمبر القادم".
تبرئة..
لم تكن محاولة تبرئة النظام محاولة أحادية من قبل بودن حيث سبقها الى ذلك وزير الشؤون الخارجية عثمان الجرندي خلال لقائه في وقت سابق بالمفوضة السامية لحقوق الإنسان، بمنظمة الأمم المتحدة حيث أكد "حرص رئيس الجمهورية على احترام الحقوق والحريات وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال."
وأشار الجرندي خلال اللقاء المذكور "إلى أن تونس قد حققت مكتسبات مهمة في مجال حقوق الإنسان وهي من الدول القليلة التي انضمت تقريبا إلى جل المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان."
التقارير الدولية تحرج النظام
رغم إصرار بودن والجرندي في الدفاع عن المنهج الحقوقي لما بعد 25 جويلية فان التقارير الدولية تأتي عكس ذلك بالمرة.
ففي أشغال الدَّورة الواحدة والخمسين لمجلس الأُمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان بقصر الأمم في جينيف، أعربت نائب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالنيابة ندى النَّشَّاف "عن تخوفها من الوضع الحقوقي" في بلادنا وذلك بعد استنادها الى 3 محاور أساسية كالتدخل السياسي في القضاء، ومسالة المنع من السفر وأيضا محاكمة المدنيين والصحفيين أمام القضاء العسكري.
وجاءت إفادة المفوضية الأممية لحقوق الإنسان لتسلط الضوء على المحاور المذكورة والتي أبدت فيها قلقا واضحا ترجمه البيان الأخير حيث قالت فيه "بتواصل تدخُّل السُّلطة التَّنفيذيَّة في القضاء وعزل القضاة بصفة تعسًّفيَّة وإحالة المدنيِّين والصحفيين على المحاكم العسكريَّة والتَّضييقات على المعارضين" وحثت المفوضية " السُّلطات على انتخابات ذات مصداقيَّة".
من جهته لخص المجلس الحاكم للاتحاد البرلماني أبرز الانتهاكات ضد السيدات والسادة النواب في "التهديد والتخويف والإيقاف والاعتقال التعسفي واخلالات النقص في مسار التحقيقات والمحاكمة العادلة وانتهاك الحق في حرية التعبير والرأي والحق في الانضمام إلى الجمعيات والحق في حرية التنقل والإلغاء التعسفي وتعليق الولاية البرلمانية وفشل في احترام الحصانة البرلمانية وعدة أفعال أخرى تعيق ممارسة النيابية خلال العهدة البرلمانية.
ويأتي موقف للاتحاد البرلماني الدولي بعد نحو شهر من قرار المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان يوم 22 سبتمبر الماضي والقاضي ببطلان الإجراءات الرئاسية الصادرة بالأمر الرئاسي 117 وكل الأوامر الصادرة على أساسه معتبرة في هذا السياق "ببطلان كل المراسيم لعدم دستوريتها أولا ولعدم مطابقتها للقوانين مع الدعوة بإلغاء الأوامر الَّتي تولَّد عنها وبالعودة للدِّيمقراطيَّة الدُّستوريَّة".
ووصف عدد من الديبلوماسيين هذا القرار حينها بــ"سابقة فقهيَّة إقليميَّة على اعتبار انه القرار الأول من نوعه بالنسبة لبلادنا وهو يتوافق مع مرور سنة كاملة منذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن الأمر الرئاسي 117 المثير للجدل."
ويذكر أن قرار المحكمة الإفريقية ورد في ملخص حكم ردا على العريضة رقم 017/2021 التي تقدم بها الأستاذ إبراهيم بلغيث ضد الجمهورية التونسية وادعائه "بوجود انتهاكات للحقوق المكفولة بعدد من المواثيق الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان وضرب القيم الديمقراطية والانقلاب على الدستور".
خليل الحناشي
تونس-الصباح
في الوقت الذي تسعى فيه سلطة الإجراءات الاستثنائية لنفض غبار تهم خرق حقوق الإنسان وضرب المسار الديمقراطي من خلال تأبيد حكم فردي يسارع الرئيس قيس سعيد للدفع بهذه التهم بعيدا عن محيط قصر قرطاج وتأكيده على أن أخذه للسلطة ليس من باب الديكتاتورية السياسية بقدر ماهي للمنهج الإصلاحي والتصحيحي.
بيد أن ذلك قد لا يكون مقنعا لخصوم سعيد والمنظمات الدولية بعد وضعها لواقع الانتقال الديمقراطي والحقوق والحريات تحت مجهر مخابرها الحقوقية والاقتصادية اثر تحول بلادنا من نموذج حقوقي الى هاجس دولي في هذا المجال.
رأي قد لا يجد طريقه الى المؤمنين بإجراءات 25/7 الذين دافعوا عن خيارات الرئيس السياسية والحقوقية بتأكيدهم على أن سعيد لم يمس بأي حق حيث مازالت الأحزاب تمارس نشاطها والإعلام حر فيما يناقش والنقابات تنشط دون تدخل من السلطة.
هكذا بروبغندا سرعان ما نسفتها الاجتماعات المتواترة ومواقف الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بجنيف من وضع حقوق الإنسان في تونس أو ما حمله افتتاح أشغال الدورة الواحدة والخمسين لمجلس الأمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان بقصر الأمم في جينيف أو ما ستحمله زيارة المفوّض الأوروبي لشؤون العدل ديدييه رايندرز لتونس.
زيارة.. وملفات
ونقلت إذاعة الديوان اف ام أن ديدييه رايندرز المفوّض الأوروبي لشؤون العدل يبدأ لأول مرة زيارة لبلدنا حيث من المنتظر أن يلتقي رئيس الجمهورية قيس سعيد إضافة الى وزراء العدل والداخلية والشؤون الخارجية وعددا من ممثلي منظمات المجتمع المدني.
وسيتناول المفوض الأوروبي في زيارته الى تونس عدة ملفات على رأسها عملية الإصلاح الدستوري، والإصلاح الانتخابي، والتطورات الأخيرة، والتحديات وآفاق إصلاح النظام القضائي، والحقوق الأساسية والعدالة التجارية وحماية المعطيات الشخصية والتعاون القضائي في الشؤون المدنية والجزائية بين تونس والاتحاد الأوروبي.
تلازم المسارات
وفي واقع الأمر لم يكن المسار الحقوقي والديمقراطي لتونس بمعزل عن المسار الاقتصادي حيث اقر التقرير الأخير للبنك الدولي الصادر أول أمس الخميس بتلازم المسارين حيث جرى التأكيد على أن "إعادة تنشيط النموذج الاقتصادي التونسي أصبحت الآن عمليـة ملحة للغاية، فقد أصبحت مصدر خطر على الانتقال الديمقراطـي. ومع اسـتمرار ضعف نتائـج التنمية وتواصل الانتقال السياسي، تواجه تونـس أزمة دستورية واقتصادية مزدوجة، يمكن أن تهـدد بدورهـا المكاسـب الديمقراطيـة الهشـة التـي تحققـت في البلاد." ويأتي هذا التقرير على بعد خطوات من الاتفاق النهائي بين تونس وصندوق النقد الدولي.
فكثيرا ما بني الصندوق اتفاقاته النهائية مع الدول على قاعدة احترام حقوق الإنسان بل وتقديمها كملف داعم لأي نقاشات محتملة مع هذه الجهة المالية.
بودن تتهم..
في محاولة منها لفصل المسار الحقوقي والديمقراطي عن المسار الاقتصادي استبقت رئيسة الحكومة نجلاء بودن يوم 8 نوفمبر الجاري الجميع من خلال تأكيدها على أن الأزمة الاقتصادية في تونس هي نتيجة للازمة السياسية التي أضرت بالتوجه الديمقراطي.
وقالت بودن في خطاب عن بعد لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "إن المسار الديمقراطي شهد تعثرا نتيجة تفاقم التجاذبات السياسية التي أضعفت الدولة لاسيما في ظل الأزمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي أثرت على تمتع التونسي بحقوقه، وأولها حقه في الصحة والحياة."
وتابعت إن "البرلمان المنحل تحول الى ساحة للعنف المادي والنفسي والذي لم يضف للتونسيين سوى الإحساس بانسداد الأفق والياس.. الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد الى تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 وتجميد البرلمان ثم حلّه ووضع دستور جديد بعد استفتاء 25 جويلية 2022 في انتظار الانتخابات التشريعية 17 ديسمبر القادم".
تبرئة..
لم تكن محاولة تبرئة النظام محاولة أحادية من قبل بودن حيث سبقها الى ذلك وزير الشؤون الخارجية عثمان الجرندي خلال لقائه في وقت سابق بالمفوضة السامية لحقوق الإنسان، بمنظمة الأمم المتحدة حيث أكد "حرص رئيس الجمهورية على احترام الحقوق والحريات وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال."
وأشار الجرندي خلال اللقاء المذكور "إلى أن تونس قد حققت مكتسبات مهمة في مجال حقوق الإنسان وهي من الدول القليلة التي انضمت تقريبا إلى جل المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان."
التقارير الدولية تحرج النظام
رغم إصرار بودن والجرندي في الدفاع عن المنهج الحقوقي لما بعد 25 جويلية فان التقارير الدولية تأتي عكس ذلك بالمرة.
ففي أشغال الدَّورة الواحدة والخمسين لمجلس الأُمم المُتَّحدة لحقوق الإنسان بقصر الأمم في جينيف، أعربت نائب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالنيابة ندى النَّشَّاف "عن تخوفها من الوضع الحقوقي" في بلادنا وذلك بعد استنادها الى 3 محاور أساسية كالتدخل السياسي في القضاء، ومسالة المنع من السفر وأيضا محاكمة المدنيين والصحفيين أمام القضاء العسكري.
وجاءت إفادة المفوضية الأممية لحقوق الإنسان لتسلط الضوء على المحاور المذكورة والتي أبدت فيها قلقا واضحا ترجمه البيان الأخير حيث قالت فيه "بتواصل تدخُّل السُّلطة التَّنفيذيَّة في القضاء وعزل القضاة بصفة تعسًّفيَّة وإحالة المدنيِّين والصحفيين على المحاكم العسكريَّة والتَّضييقات على المعارضين" وحثت المفوضية " السُّلطات على انتخابات ذات مصداقيَّة".
من جهته لخص المجلس الحاكم للاتحاد البرلماني أبرز الانتهاكات ضد السيدات والسادة النواب في "التهديد والتخويف والإيقاف والاعتقال التعسفي واخلالات النقص في مسار التحقيقات والمحاكمة العادلة وانتهاك الحق في حرية التعبير والرأي والحق في الانضمام إلى الجمعيات والحق في حرية التنقل والإلغاء التعسفي وتعليق الولاية البرلمانية وفشل في احترام الحصانة البرلمانية وعدة أفعال أخرى تعيق ممارسة النيابية خلال العهدة البرلمانية.
ويأتي موقف للاتحاد البرلماني الدولي بعد نحو شهر من قرار المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان يوم 22 سبتمبر الماضي والقاضي ببطلان الإجراءات الرئاسية الصادرة بالأمر الرئاسي 117 وكل الأوامر الصادرة على أساسه معتبرة في هذا السياق "ببطلان كل المراسيم لعدم دستوريتها أولا ولعدم مطابقتها للقوانين مع الدعوة بإلغاء الأوامر الَّتي تولَّد عنها وبالعودة للدِّيمقراطيَّة الدُّستوريَّة".
ووصف عدد من الديبلوماسيين هذا القرار حينها بــ"سابقة فقهيَّة إقليميَّة على اعتبار انه القرار الأول من نوعه بالنسبة لبلادنا وهو يتوافق مع مرور سنة كاملة منذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن الأمر الرئاسي 117 المثير للجدل."
ويذكر أن قرار المحكمة الإفريقية ورد في ملخص حكم ردا على العريضة رقم 017/2021 التي تقدم بها الأستاذ إبراهيم بلغيث ضد الجمهورية التونسية وادعائه "بوجود انتهاكات للحقوق المكفولة بعدد من المواثيق الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان وضرب القيم الديمقراطية والانقلاب على الدستور".