* قبول وترويج كل المظاهر التي ترتبط بالشعوذة والخرافة لم تعد تصرفات معزولة
كيف نفسر انتشار سوق الدجل والخرافة والشعوذة في تونس ؟ وكيف نفهم إقبال شرائح مختلفة من المجتمع التونسي على بائعي الوهم وممتهني السحر والعرافة ؟ وكيف نفهم بعد ما يزيد عن نصف قرن من التعلم والتمدرس والتثقيف وتحديث المجتمع أن نجد من يقبل على المشعوذين ويعتقد في قدرتهم على الإفادة وجلب الخير ودرء الشر والتنبؤ بالمستقبل والتأثير في الأقدار ؟ وكيف نبرر بعد عملية التحديث الحادة التي خضع لها المجتمع لعقود من الزمن وما قامت به دولة الاستقلال من جهد لرفع الجهل ومحاربة الخرافة من المجتمع أن نستفيق على وضعية محيرة بعد أن أوضحت احصائية تناولت ظاهرة الدجل والشعوذة في تونس أن هناك اليوم حوالي 145 ألف شخص يمارس مهنة الشعوذة ويبيع الوهم والخرافة للناس الذين يقبلون عليهم معتقدين في أن لهم دور مؤثر في حياتهم ؟
وكيف نفهم عودة بعض مظاهر الوثنية في المجتمع وما يقوم به بعض الأفراد من استعادة لبعض الطقوس والعبادات التي كان السكان يمارسونها في مرحلة من تاريخ تونس الوثني القديم الذي يعود إلى التاريخ السحيق لما كانت البلاد تحت الهيمنة الوثنية ؟ وكيف نفسر ما يحصل في المجتمع من مظاهر احتفالية يعمد أصحابها إلى استعادة الحياة الوثنية لمرحلة من مراحل تاريخ تونس الغابر ؟ وكيف نفهم تكثف الاحتفال في المدة الأخيرة بعيد " الهالوين " والإصرار على توسعه من سنة إلى أخرى ؟ وكيف نفهم ما حصل اليوم في بعض المناطق من استعادة لطقس وثني كان القرطاجيون يحتفلون به تقربا إلى الآلهة " تانيت " آلهة الخصوبة يرجونها في موسم القحط وانحباس الأمطار أن تجلب لهم المطر والغيث النافع حيث رأينا في بعض الجهات أشخاصا يجوبون الشوارع في هيأة وثنية ويلبسون جلود الحيوان ويحملون جماجم البقر فوق العصي ويرددون كلاما غير مفهوم في حركة تعيد إلى الأذهان ما كان يحصل في زمن قرطاج الوثنية .
وكيف نستوعب ما يحصل من انكار على المسلمين سكان هذا البلد أداء صلاة الاستسقاء في فترات قلة الإمطار والدعاء الى الله بإنزال المطر في زمن الجفاف وهي عبادة دينية تعود عليها المسلمون في كل الأقطار ؟ وكيف نفهم السخرية والتحقير الذي يتعمد اظهاره بعض الإعلاميين ومن يسمون " بالكرونيكور" في بعض المنابر الاعلامية من دعوة بعض المشايخ لأداء صلاة الاستسقاء واعتبار ذلك من قبيل المخالفة للعلم ؟
وما هو التفسير الذي يمكن أن يقدم اليوم لقبول مختلف مظاهر الشعوذة والدجل والخرافة والوثنية التي نراها في المجتمع وفي المقابل نجد انكارا وصدا لعبادات المسلمين وشعائرهم ؟
في الحقيقة لا يمكن تفسير هذه الوضعية التي باتت عليها البلاد في علاقة بالدين الإسلامي وبصورة التدين التي عرف بها هذا الشعب إلا بكون هناك مشكلة عند بعض النخبة المثقفة التونسية وهناك " فوبيا " واضحة لدى البعض وعلاقة متوترة مع كل ما هو ديني وفي المقابل نجد ونلحظ تسامحا وقبولا لكل ما هو وثني وشعوذة تقدم اليوم في المشهد الإعلامي وفي المنابر التلفزية على أنها من عناصر الهوية التونسية المركبة والمتعددة والمتحركة والتي تتجاوز الفترة العربية الاسلامية وأنها لا تعدو في نظر هؤلاء إلا أن تكون مجرد عروض فلكلورية غير أن التفاعل المختلف بين ما هو من صور التدين الاسلامي ومن ثوابت عقيدة هذا الشعب وبين ما هو شعوذة وخرافة ووثن يعكس موقفا سلبيا لجزء من الشعب والنخبة المثقفة يعبر عن رؤية ضدية من الاسلام كدين وكهوية وكتاريخ وثقافة .
المشكل الذي نقف عليه اليوم فيما يحصل من قبول وترويج لكل المظاهر التي ترتبط بالشعوذة والخرافة في كون هذه الأمور لم تعد تصرفات معزولة ولا هي من قبيل التسلية والدعابة وإنما الذي يحصل اليوم مع هذه الظواهر التي يتم جلبها و تعمد تكرارها في كل مناسبة في كونها تصطدم مع صحيح الدين أولا ومع العلم وما وصلت إليه البشرية من معرفة متطورة ثانيا وفي تعارضها مع ما نصبو إليه من بناء مجتمع متنور عقلاني لا يقبل بترويج الخرافات ونشر الجهل بين أفراد المجتمع.
المشكلة في هذا الموضوع الخطير على صحّة المجتمع وأفراده في التبرير الذي يقدمه البعض للقبول بهذه الظواهر واعتبار هذه التصرفات من رواسب الهوية التونسية القديمة ومن توابع الجذور العميقة لتركيبة الشخصية التونسية في تكوينها العلمي والمعرفي والتي حسب هذه النظرة لا تقف عند عناصر الهوية العربية الإسلامية و إنما تتجاوز ذلك إلى القبول بكل الموروث الثقافي لهذه البلاد حتى وإن كان وثنيا و يمثل تراجعا عن مكتسبات دولة الحداثة و مكتسبات المعرفة والتوجه العقلاني للدولة والمجتمع .
المشكلة فيما نراه من عودة ممنهجة لكل هذه الظواهر الخطيرة التي ترافق المجتمع التونسي في تاريخه الراهن في عدم الانتباه إلى أن كل ما يحصل له ارتباط بإستراتيجية المركزية الغربية الاستعمارية المتواصلة في تدمير المجتمع من الداخل وفي تعمد نشر مثل هذه الظواهر والتسامح معها من منطلق التعددية الثقافية وفكرة الهوية المفتوحة ونظرية القبول بالآخر دون ضوابط ولا محددات والانفتاح على الحضارات التي مرت من بلادنا وفي اعتبار أن كل ذلك من هويتنا الواسعة المركبة والمتعددة وغير المحددة ..
بقلم: نوفل سلامة
* قبول وترويج كل المظاهر التي ترتبط بالشعوذة والخرافة لم تعد تصرفات معزولة
كيف نفسر انتشار سوق الدجل والخرافة والشعوذة في تونس ؟ وكيف نفهم إقبال شرائح مختلفة من المجتمع التونسي على بائعي الوهم وممتهني السحر والعرافة ؟ وكيف نفهم بعد ما يزيد عن نصف قرن من التعلم والتمدرس والتثقيف وتحديث المجتمع أن نجد من يقبل على المشعوذين ويعتقد في قدرتهم على الإفادة وجلب الخير ودرء الشر والتنبؤ بالمستقبل والتأثير في الأقدار ؟ وكيف نبرر بعد عملية التحديث الحادة التي خضع لها المجتمع لعقود من الزمن وما قامت به دولة الاستقلال من جهد لرفع الجهل ومحاربة الخرافة من المجتمع أن نستفيق على وضعية محيرة بعد أن أوضحت احصائية تناولت ظاهرة الدجل والشعوذة في تونس أن هناك اليوم حوالي 145 ألف شخص يمارس مهنة الشعوذة ويبيع الوهم والخرافة للناس الذين يقبلون عليهم معتقدين في أن لهم دور مؤثر في حياتهم ؟
وكيف نفهم عودة بعض مظاهر الوثنية في المجتمع وما يقوم به بعض الأفراد من استعادة لبعض الطقوس والعبادات التي كان السكان يمارسونها في مرحلة من تاريخ تونس الوثني القديم الذي يعود إلى التاريخ السحيق لما كانت البلاد تحت الهيمنة الوثنية ؟ وكيف نفسر ما يحصل في المجتمع من مظاهر احتفالية يعمد أصحابها إلى استعادة الحياة الوثنية لمرحلة من مراحل تاريخ تونس الغابر ؟ وكيف نفهم تكثف الاحتفال في المدة الأخيرة بعيد " الهالوين " والإصرار على توسعه من سنة إلى أخرى ؟ وكيف نفهم ما حصل اليوم في بعض المناطق من استعادة لطقس وثني كان القرطاجيون يحتفلون به تقربا إلى الآلهة " تانيت " آلهة الخصوبة يرجونها في موسم القحط وانحباس الأمطار أن تجلب لهم المطر والغيث النافع حيث رأينا في بعض الجهات أشخاصا يجوبون الشوارع في هيأة وثنية ويلبسون جلود الحيوان ويحملون جماجم البقر فوق العصي ويرددون كلاما غير مفهوم في حركة تعيد إلى الأذهان ما كان يحصل في زمن قرطاج الوثنية .
وكيف نستوعب ما يحصل من انكار على المسلمين سكان هذا البلد أداء صلاة الاستسقاء في فترات قلة الإمطار والدعاء الى الله بإنزال المطر في زمن الجفاف وهي عبادة دينية تعود عليها المسلمون في كل الأقطار ؟ وكيف نفهم السخرية والتحقير الذي يتعمد اظهاره بعض الإعلاميين ومن يسمون " بالكرونيكور" في بعض المنابر الاعلامية من دعوة بعض المشايخ لأداء صلاة الاستسقاء واعتبار ذلك من قبيل المخالفة للعلم ؟
وما هو التفسير الذي يمكن أن يقدم اليوم لقبول مختلف مظاهر الشعوذة والدجل والخرافة والوثنية التي نراها في المجتمع وفي المقابل نجد انكارا وصدا لعبادات المسلمين وشعائرهم ؟
في الحقيقة لا يمكن تفسير هذه الوضعية التي باتت عليها البلاد في علاقة بالدين الإسلامي وبصورة التدين التي عرف بها هذا الشعب إلا بكون هناك مشكلة عند بعض النخبة المثقفة التونسية وهناك " فوبيا " واضحة لدى البعض وعلاقة متوترة مع كل ما هو ديني وفي المقابل نجد ونلحظ تسامحا وقبولا لكل ما هو وثني وشعوذة تقدم اليوم في المشهد الإعلامي وفي المنابر التلفزية على أنها من عناصر الهوية التونسية المركبة والمتعددة والمتحركة والتي تتجاوز الفترة العربية الاسلامية وأنها لا تعدو في نظر هؤلاء إلا أن تكون مجرد عروض فلكلورية غير أن التفاعل المختلف بين ما هو من صور التدين الاسلامي ومن ثوابت عقيدة هذا الشعب وبين ما هو شعوذة وخرافة ووثن يعكس موقفا سلبيا لجزء من الشعب والنخبة المثقفة يعبر عن رؤية ضدية من الاسلام كدين وكهوية وكتاريخ وثقافة .
المشكل الذي نقف عليه اليوم فيما يحصل من قبول وترويج لكل المظاهر التي ترتبط بالشعوذة والخرافة في كون هذه الأمور لم تعد تصرفات معزولة ولا هي من قبيل التسلية والدعابة وإنما الذي يحصل اليوم مع هذه الظواهر التي يتم جلبها و تعمد تكرارها في كل مناسبة في كونها تصطدم مع صحيح الدين أولا ومع العلم وما وصلت إليه البشرية من معرفة متطورة ثانيا وفي تعارضها مع ما نصبو إليه من بناء مجتمع متنور عقلاني لا يقبل بترويج الخرافات ونشر الجهل بين أفراد المجتمع.
المشكلة في هذا الموضوع الخطير على صحّة المجتمع وأفراده في التبرير الذي يقدمه البعض للقبول بهذه الظواهر واعتبار هذه التصرفات من رواسب الهوية التونسية القديمة ومن توابع الجذور العميقة لتركيبة الشخصية التونسية في تكوينها العلمي والمعرفي والتي حسب هذه النظرة لا تقف عند عناصر الهوية العربية الإسلامية و إنما تتجاوز ذلك إلى القبول بكل الموروث الثقافي لهذه البلاد حتى وإن كان وثنيا و يمثل تراجعا عن مكتسبات دولة الحداثة و مكتسبات المعرفة والتوجه العقلاني للدولة والمجتمع .
المشكلة فيما نراه من عودة ممنهجة لكل هذه الظواهر الخطيرة التي ترافق المجتمع التونسي في تاريخه الراهن في عدم الانتباه إلى أن كل ما يحصل له ارتباط بإستراتيجية المركزية الغربية الاستعمارية المتواصلة في تدمير المجتمع من الداخل وفي تعمد نشر مثل هذه الظواهر والتسامح معها من منطلق التعددية الثقافية وفكرة الهوية المفتوحة ونظرية القبول بالآخر دون ضوابط ولا محددات والانفتاح على الحضارات التي مرت من بلادنا وفي اعتبار أن كل ذلك من هويتنا الواسعة المركبة والمتعددة وغير المحددة ..