بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات التشريعية 17 ديسمبر 2022 تبين أن عدد الطعون المقدمة في الغرض وقبل الحسم فيها قضائيا، ما انفكت بعض الأسماء المترشحة تثير الجدل والتساؤل حول مدى استجابة ملفاتها للشروط المطلوبة لاسيما ما يتعلق بشرط "البطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية في الجرائم القصدية لم يمض على تاريخ إصدارها أكثر من ثلاثة أشهر أو وصل إيداع مطلب الحصول عليها لدى المصالح المعنية"، وذلك رغم تشديد أعضاء الهيئة في كل مناسبة على حرصهم على تأمين مسار انتخابي سليم وفي كنف الشفافية التامة. يأتي هذا الشرط بعد أن ميزت الوضع السياسي في العشرية الماضي تواتر الأخبار حول ملاحقة جل مكونات الطبقة السياسية تهم وقضايا فساد وإرهاب على مستويين وطني ودولي وضلوع عدد كبير منهم في ملفات حارقة من قبيل تسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب وقضايا الإرهاب والتلاعب فضلا عن التلاعب بنتائج الانتخابات لدى البعض الآخر. وقد تضمنت تقارير محكمة المحاسبات المعنية بمتابعة المحطات الانتخابية تأكيدات ومؤيدات على التجاوزات حزبية وسياسية حاصلة في الغرض. ويكفي العودة إلى ذكر بعض أسماء لشخصيات سياسية وحزبية تقلدت مواقع قيادية في الحكومات ومؤسسات الدولة والإدارات الكبرى سبق أن قضت عقوبات سجينة أو كانت محل تتبعات قضائية على غرار حمادي الجبالي وعلي العريض رئيسا الحكومة السابقين وغيرهم من الوزراء ونواب البرلمان ومستشارين في الحكومات والوزارات في نفس الفترة. وهو ما شكل عاملا شجع "المارقين" وممن لا تتوفر فيهم شروط الكفاءة وخلو السوابق العدلية لتصدر المشهد السياسي.
ليعود طرح هذه المسألة اليوم بعد أن دخل السباق الانتخابي في هذه المرحلة الاستثنائية وعلى مسار الجمهورية الجديدة مرحلة حاسمة. فباستثناء بعض الأسماء التي كان هذا الشرط سببا في تقديم طعون في ترشحاتها، فإن قبول ملفات أسماء عديدة أخرى يطرح استفهامات عديدة حول نفس المسألة، سواء تعلق الأمر بمرشحين من نواب قدامى أو متحزبين وناشطين في المشهد السياسي أو المدني أو غيرهم من المترشحين من السياسيين "الجدد" الذي أفرزتهم مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021. ولعل ما عزز المخاوف من إمكانية إعادة نفس سيناريو العشرية الماضية، وعدم تطابق وعود رئيس الجمهورية وتوجه سياسة الدولة الإصلاحية التي وعدت به حكومة بودن والتي ترتكز في أبعادها بالأساس على تنقية الإدارة ومؤسسات الدولة والمشهد السياسي من خلال إبعاد من تلاحقهم الشبهات أو التتبعات القضائية من دائرة الفعل والقرار لاسيما ما تعلق بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية، خاصة أن هذا الشرط تم إسقاطه بداية من انتخابات 2011 ولم يعد العمل والأخذ به في تركيبات الحكومات المتعاقبة على الحكم خلال العشرية الماضية. وعده البعض سببا وأحد العوامل الأساسية في تردي المشهد السياسي بعد أن تحول البرلمان وما يتيحه من "حصانة برلمانية" إلى ملاذ للمتهربين من الملاحقة القضائية لأسباب مختلفة من المهربين والإرهابيين و"أصحاب السوابق" وغيرهم. الأمر الذي جعل قبة باردو في السنوات الماضية تكون أشبه بحلبة أو فضاء لممارسة العنف بجميع أشكاله من قبل السياسيين. العامل الذي دفع عددا كبيرا من التونسيين يباركون قرار رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية 2021 القاضي بتجميد البرلمان والمطالبة بحله في مرحلة ثانية على أمل القطع مع كل مؤشرات عودة المشهد وذلك من خلال تغيير القوانين الانتخابية وتشديد الشروط حول ضرورة أن يكون نائب البرلمان مستقبلا خاليا من السوابق العدلية. وهو تقريبا ما نص عليه القانون الانتخابي الجديد وما تضمنه دستور 2022 في علاقة بالبرلمان، باعتبار أن الدستور الجديد لسنة 2022 المؤرخ يوم 30 جوان 2022 في بابه الثالث، نص على توزيع ''الوظيفة التشريعية'' على مؤسستين هما مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، وعلى تحجير التحاق النائب بمجلس نواب الشعب بأي كتلة برلمانية أخرى طيلة العهدة البرلمانية مع إمكانية سحب الثقة منه. المشروع ولئن كرس مبدأ الحصانة لفائدة النواب وحدد أطر رفعها، إلا في حالة التلبس بجريمة مع ضرورة إعلام رئاسة المجلس التي بإمكانها أيضا تقديم طلب في إخلاء سبيل النائب الموقوف، إلا أن النواب لا يتمتعون بالحصانة في جرائم القذف والثلب وتبادل العنف داخل المجلس أو في صورة تعطيل السير العادي لأعمال المجلس.
فعدد كبير ممن سيخوضون المنافسة على صندوق الاقتراع في الاستحقاق الانتخابي المقبل، تحوم حولهم شبهات ملاحقة قضائية تتناقل أطوارها في الأوساط القريبة من الدوائر الانتخابية وبعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بما يدعو إلى التشكيك في مدى نزاهة وشفافية العملية الانتخابية ومسار ويدفع البعض إلى التخوف من إمكانية عودة المشهد البرلماني ومنه السياسي إلى مربع ما قبل 25 جويلية، بعد طول انتظار مخرجات دستورية وقانونية وهيكلية وتنظيمية تقطع في أبعادها وأهدافها مع السابق وفقا للوعود التي كان قد قطعها رئيس الجمهورية قيس سعيد من ناحية وأكدت على تمسكها بتفعيلها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مرحلة أخرى.
ولعل ما يعزز مخاوف المتابعين للشأن السياسي من "إفلات" بعض المترشحين لانتخابات 17 ديسمبر المقبل من شرط "البطاقة عدد 3" بما تحمله من رمزية ودلالة على خلو صاحبها من السوابق العدلية، هو ما يتم تداوله من ممارسات بعض المحسوبين على الطبقة السياسية "الصاعدة" من المحسوبين على التنسيقيات أو الأحزاب والحركات السياسية الناشئة سواء منها تلك التي ظهرت خلال مرحلة التدابير الاستثنائية أو ممن ينتمي لأحزاب عادت للنشاط والتحرك من بعيد بعد أن قاربت على الأفول والغياب. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة لبعض الأسماء التي برزت بنشاطها ضمن أحزاب وتيارات سياسية عديدة خلال العشرية الأخيرة وسبق لبعضها أن فازت بمواقع في البرلمان.
فهل تضطر الجهات الرسمية إلى إعادة فتح ملفات بعض المترشحين للتدقيق وإعادة النظر خاصة في هذه النقطة باعتبار أن عديد الجهات تؤكد وجود ملاحقات قضائية ضد عدد من المترشحين؟ بما يساهم في مضاعفة المصاعب والهنات المسجلة في هذه الانتخابات في ظل وجود عديد الدوائر الانتخابية دون ترشحات فضلا عن ترشحات وحيدة في دوائر أخرى قبل الحسم في الطعون، وذلك وفق تأكيدات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات التشريعية 17 ديسمبر 2022 تبين أن عدد الطعون المقدمة في الغرض وقبل الحسم فيها قضائيا، ما انفكت بعض الأسماء المترشحة تثير الجدل والتساؤل حول مدى استجابة ملفاتها للشروط المطلوبة لاسيما ما يتعلق بشرط "البطاقة عدد 3 خالية من السوابق العدلية في الجرائم القصدية لم يمض على تاريخ إصدارها أكثر من ثلاثة أشهر أو وصل إيداع مطلب الحصول عليها لدى المصالح المعنية"، وذلك رغم تشديد أعضاء الهيئة في كل مناسبة على حرصهم على تأمين مسار انتخابي سليم وفي كنف الشفافية التامة. يأتي هذا الشرط بعد أن ميزت الوضع السياسي في العشرية الماضي تواتر الأخبار حول ملاحقة جل مكونات الطبقة السياسية تهم وقضايا فساد وإرهاب على مستويين وطني ودولي وضلوع عدد كبير منهم في ملفات حارقة من قبيل تسفير الشباب إلى بؤر التوتر والإرهاب وقضايا الإرهاب والتلاعب فضلا عن التلاعب بنتائج الانتخابات لدى البعض الآخر. وقد تضمنت تقارير محكمة المحاسبات المعنية بمتابعة المحطات الانتخابية تأكيدات ومؤيدات على التجاوزات حزبية وسياسية حاصلة في الغرض. ويكفي العودة إلى ذكر بعض أسماء لشخصيات سياسية وحزبية تقلدت مواقع قيادية في الحكومات ومؤسسات الدولة والإدارات الكبرى سبق أن قضت عقوبات سجينة أو كانت محل تتبعات قضائية على غرار حمادي الجبالي وعلي العريض رئيسا الحكومة السابقين وغيرهم من الوزراء ونواب البرلمان ومستشارين في الحكومات والوزارات في نفس الفترة. وهو ما شكل عاملا شجع "المارقين" وممن لا تتوفر فيهم شروط الكفاءة وخلو السوابق العدلية لتصدر المشهد السياسي.
ليعود طرح هذه المسألة اليوم بعد أن دخل السباق الانتخابي في هذه المرحلة الاستثنائية وعلى مسار الجمهورية الجديدة مرحلة حاسمة. فباستثناء بعض الأسماء التي كان هذا الشرط سببا في تقديم طعون في ترشحاتها، فإن قبول ملفات أسماء عديدة أخرى يطرح استفهامات عديدة حول نفس المسألة، سواء تعلق الأمر بمرشحين من نواب قدامى أو متحزبين وناشطين في المشهد السياسي أو المدني أو غيرهم من المترشحين من السياسيين "الجدد" الذي أفرزتهم مرحلة ما بعد 25 جويلية 2021. ولعل ما عزز المخاوف من إمكانية إعادة نفس سيناريو العشرية الماضية، وعدم تطابق وعود رئيس الجمهورية وتوجه سياسة الدولة الإصلاحية التي وعدت به حكومة بودن والتي ترتكز في أبعادها بالأساس على تنقية الإدارة ومؤسسات الدولة والمشهد السياسي من خلال إبعاد من تلاحقهم الشبهات أو التتبعات القضائية من دائرة الفعل والقرار لاسيما ما تعلق بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية، خاصة أن هذا الشرط تم إسقاطه بداية من انتخابات 2011 ولم يعد العمل والأخذ به في تركيبات الحكومات المتعاقبة على الحكم خلال العشرية الماضية. وعده البعض سببا وأحد العوامل الأساسية في تردي المشهد السياسي بعد أن تحول البرلمان وما يتيحه من "حصانة برلمانية" إلى ملاذ للمتهربين من الملاحقة القضائية لأسباب مختلفة من المهربين والإرهابيين و"أصحاب السوابق" وغيرهم. الأمر الذي جعل قبة باردو في السنوات الماضية تكون أشبه بحلبة أو فضاء لممارسة العنف بجميع أشكاله من قبل السياسيين. العامل الذي دفع عددا كبيرا من التونسيين يباركون قرار رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية 2021 القاضي بتجميد البرلمان والمطالبة بحله في مرحلة ثانية على أمل القطع مع كل مؤشرات عودة المشهد وذلك من خلال تغيير القوانين الانتخابية وتشديد الشروط حول ضرورة أن يكون نائب البرلمان مستقبلا خاليا من السوابق العدلية. وهو تقريبا ما نص عليه القانون الانتخابي الجديد وما تضمنه دستور 2022 في علاقة بالبرلمان، باعتبار أن الدستور الجديد لسنة 2022 المؤرخ يوم 30 جوان 2022 في بابه الثالث، نص على توزيع ''الوظيفة التشريعية'' على مؤسستين هما مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، وعلى تحجير التحاق النائب بمجلس نواب الشعب بأي كتلة برلمانية أخرى طيلة العهدة البرلمانية مع إمكانية سحب الثقة منه. المشروع ولئن كرس مبدأ الحصانة لفائدة النواب وحدد أطر رفعها، إلا في حالة التلبس بجريمة مع ضرورة إعلام رئاسة المجلس التي بإمكانها أيضا تقديم طلب في إخلاء سبيل النائب الموقوف، إلا أن النواب لا يتمتعون بالحصانة في جرائم القذف والثلب وتبادل العنف داخل المجلس أو في صورة تعطيل السير العادي لأعمال المجلس.
فعدد كبير ممن سيخوضون المنافسة على صندوق الاقتراع في الاستحقاق الانتخابي المقبل، تحوم حولهم شبهات ملاحقة قضائية تتناقل أطوارها في الأوساط القريبة من الدوائر الانتخابية وبعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بما يدعو إلى التشكيك في مدى نزاهة وشفافية العملية الانتخابية ومسار ويدفع البعض إلى التخوف من إمكانية عودة المشهد البرلماني ومنه السياسي إلى مربع ما قبل 25 جويلية، بعد طول انتظار مخرجات دستورية وقانونية وهيكلية وتنظيمية تقطع في أبعادها وأهدافها مع السابق وفقا للوعود التي كان قد قطعها رئيس الجمهورية قيس سعيد من ناحية وأكدت على تمسكها بتفعيلها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في مرحلة أخرى.
ولعل ما يعزز مخاوف المتابعين للشأن السياسي من "إفلات" بعض المترشحين لانتخابات 17 ديسمبر المقبل من شرط "البطاقة عدد 3" بما تحمله من رمزية ودلالة على خلو صاحبها من السوابق العدلية، هو ما يتم تداوله من ممارسات بعض المحسوبين على الطبقة السياسية "الصاعدة" من المحسوبين على التنسيقيات أو الأحزاب والحركات السياسية الناشئة سواء منها تلك التي ظهرت خلال مرحلة التدابير الاستثنائية أو ممن ينتمي لأحزاب عادت للنشاط والتحرك من بعيد بعد أن قاربت على الأفول والغياب. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة لبعض الأسماء التي برزت بنشاطها ضمن أحزاب وتيارات سياسية عديدة خلال العشرية الأخيرة وسبق لبعضها أن فازت بمواقع في البرلمان.
فهل تضطر الجهات الرسمية إلى إعادة فتح ملفات بعض المترشحين للتدقيق وإعادة النظر خاصة في هذه النقطة باعتبار أن عديد الجهات تؤكد وجود ملاحقات قضائية ضد عدد من المترشحين؟ بما يساهم في مضاعفة المصاعب والهنات المسجلة في هذه الانتخابات في ظل وجود عديد الدوائر الانتخابية دون ترشحات فضلا عن ترشحات وحيدة في دوائر أخرى قبل الحسم في الطعون، وذلك وفق تأكيدات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.