غادرنا الجزائر غداة اختتام أشغال قمة "لم الشمل" فيما كانت الجزائر لا تزال تحتفي بعيدها الوطني وتتغنى بذكرى الثورة الـ68 وتردد في مختلف شوارعها "نشيد القسم" الذي أبدع في تطريزه مفدي زكريا ليبقى قسما متوارثا بين الأجيال يردد "قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات..." نقول هذا الكلام وقناعتنا أن اختيار الجزائر تاريخ انعقاد القمة العربية في دورتها الـ31 بعد انقطاع استمر ثلاث سنوات ونصف على قمة تونس 2019 بسبب الجائحة لم يكن أمرا اعتباطيا ومن دون حسابات مسبقة لاستحضار هذا الموعد الوطني وما يكتسيه من أهمية لا في ذاكرة شعب المليون ونصف شهيد ولكن أيضا في ذاكرة كل الشعوب العربية التي شاركت الجزائر مسيرتها النضالية بكل أنواع الدعم والتضامن القائم آنذاك إنهاء أكثر من مائة وثلاثين سنة من الاحتلال الفرنسي للجزائر.. تضامن عربي معنوي ومادي وإنساني نفتقده في هذا الزمن ونقول دون تردد ما أحوجنا إليه في زمن تعمقت فيه الصراعات وتعددت الأزمات وتعطلت فيه المصالحات وتأجلت اللقاءات وأصبحت فيه إسرائيل اقرب للعربي من المواطن العربي.. تماما كما أن هذا الاختيار يحتمل رسالة لا تخفى على مراقب بأن الجزائر تواصل دعمها لكل الشعوب العربية التي تتطلع للحرية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي كانت على رأس الأولويات في قمة الجزائر .
هل يمكن أن ترى اللجنتان الوزاريتان اللتان دعا إلى تشكيلهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتحرك على المستوى الدولي النور أم أنها ستجهض لأي سبب من الأسباب؟ فقد دعا الرئيس الفلسطيني القمة" لدعم فلسطيني من خلال إصدار قرار بتشكيل لجنة وزارية عربية للتحرك على المستوى الدولي، لفضح ممارسات الاحتلال، وشرح روايتنا، وتنفيذ مبادرة السلام العربية، ونيل المزيد من اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطين، والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ومنع نقل سفارات الدول إلى القدس، وعقد مؤتمر دولي للسلام على قاعدة الشرعية الدولية، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2334، والقرارين 181 و194، اللذين كانا شرطين لقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.وأضاف: كما نتطلع إلى دعمكم لتشكيل لجنة قانونية لمتابعة الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني جراء إصدار الحكومة البريطانية وعد بلفور العام 1917، وصك الانتداب، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وتداعيات ذلك على الشعب الفلسطيني، وارتكاب إسرائيل أكثر من 50 مذبحة خلال وبعد نكبة 1948، وما تلا ذلك من تدمير ونهب لأكثر من 500 قرية فلسطينية.
ماذا بعد النجاح الديبلوماسي؟
تنظيميا وديبلوماسيا وإعلاميا يمكن القول انه يحسب للجزائر أنها كسبت الرهان واستعدت للحدث واستثمرت لإنجاح الموعد ولم تترك للمفاجآت موقعا بل إن الجزائر رفعت حجم الرهان عاليا ولا يمكن بعد قمة الجزائر القبول بأقل مما حرصت عليه الجزائر التي تعاطت مع مسألة مستوى الحضور بطريقة مرنة واعتبرت أنها وجهت الدعوات للجميع وأن الدول العربية تختار مستوى التمثيل حسب ما يناسبها وعززت الجزائر صورتها ومكانتها الديبلوماسية مغاربيا وعربيا وأرسلت مؤشرات كثيرة على أن الجزائر تشهد تحولا اقتصاديا وتستفيد بفضل ما تمتلكه من ثروات من النفط والغاز ومن شراكات في زمن الحرب الروسية في أوكرانيا على دور أوسع، ولا يمكن لزائر الجزائر هذه الأيام ألا يلاحظ حجم البناءات الفخمة.
..صحيح أنه حتى الساعات الأخيرة كان هناك توقعات بأن يسجل ملك المغرب مشاركته في قمة الجزائر وأن يكون ذلك منعرجا حاسما في العلاقات بين المغرب والجزائر وبين مختلف دول المغرب ولكن هذا لم يحدث.. وقد شاب هذه المسألة الحساسة الكثير من الجدل والكثير من التصريحات من الجانبين الجزائري كل من موقعه للدفاع عن موقف بلاده.. ورغم تواتر التصريحات بين وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي اعتبر أن تغيب زيارة الملك محمد السادس فوتت فرصة من اجل الحوار بين البلدين ورد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بتوجيه دعوة للرئيس الجزائري للحوار في الرباط فقد بدا واضحا أن الأمر لم يبلغ درجة الحرب الكلامية وأن الوزير المغربي لم ينسحب كما تم الترويج له وواصل المشاركة في القمة حتى الاختتام برغم ما حصل بشأن الفريق الإعلامي الذي منع من مغادرة المطار وتوضيحات الجزائر في هذا الشأن بما يعني وأن الصورة الجانبية التي جمعت وزير الخارجية المغربي والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ستكون قابلة لإعادة التعديل إذا توفرت الإرادة الصادقة حتى لا يكون لم الشمل مجرد شعار عابر. وقد قال وزير الإعلام الجزائري الأسبق محي الدين عميمور أنه مني بخيبة أمل بعد إلغاء زيارة ملك المغرب وأنه كان يتمنى لو ان الملك محمد السادس حضر للمشاركة في القمة ليكون اللقاء مشابه للقاء لذي تم بين الجنرال الفرنسي شارل دوغول والمستشار الألماني كونراد أديناور، الذي استقبله الرئيس الفرنسي في بيته في “كولومبي الكنيستين”، وكان القاعدة الحقيقية لبناء الوحدة الأوربية...
ندرك جيدا أن القمة العربية لا تملك عصا سحرية تغير بها حال العرب وكم كنا نتمنى لوان الأمر كان كذلك لزالت من المشهد الكثير من الحواجز والحدود المصطنعة وامتدت الجسور بدل العراقيل التي تفصل الأوطان والشعوب من المغرب الى المشرق وحقنت دماء كثيرة وأنقذت حياة الكثير من الأبرياء والمستضعفين والمشردين من أبناء الشعوب العربية البائسة ..
خلال قمة الجزائر سمعنا خطب القادة العرب وكلماتهم المطولة وبعضها مستنسخ مما سبق حتى بتنا نحفظه عن ظهر قلب من كثرة اجتراره، وبرغم ما تضمنته من رسائل وبشائر بشان التضامن العربي والمستقبل العربي في ظل التحديات المتعددة بشان الأمن الغذائي والمائي والاقتصادي فهي تظل بعيدة عن اهتمامات المواطن المخنوق بقضاياه اليومية أو تطلعات الشارع العربي المحكوم بأزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية لا تنتهي في ظل أنظمة عاجزة عن الارتقاء بشعوبها وتأمين الحد الأدنى من الرفاه لشبابها وأجيالها التي باتت تبحث لها عن البدائل في أحضان التنظيمات الإرهابية والشبكات المتطرفة أو تنساق الى قوارب الموت علها تجد فرصة لكرامة غائبة في أوطانها على الضفة الأخرى للمتوسط..
حتى إشعار آخر.. ستبقى القمة العربية موعدا سنويا عابرا للعرب للاجتماع والتقاط الصور وتشخيص الأوضاع وتأجيل بحث الحلول بين كل الملفات والأزمات وستبقى القمم العربية عنوانا للتذكير بأن للقادة العرب موقع وهوية وتكتل على هامش الأمم في خضم التكتلات الإقليمية والدولية العسكرية والأمنية والاقتصادية الوازنة في مواجهة تحديات الطاقة والبيئة والمناخ والاقتصاد والتسلح وغيرها.. ورغم كل جهود الجزائر لاحتضان قمة لم الشمل ورغم كل محاولات رتق ما فسد وتقريب التباين وربط الجسور وجمع الفرقاء فان حال العرب سيظل محكوما بالأزمة المستمرة والقطيعة بين المغرب والجزائر طالما بقيت قضية الصحراء الغربية القنبلة الموقوتة التي خلفها الاحتلال قائمة وآيلة للانفجار في كل حين، والأمر مرشح لمزيد التعقيد مع امتداد عدوى القطيعة بين تونس والرباط على خلفية مشاركة البوليزاريو في قمة تيكاد في تونس، وكنا نتوقع أن تتحرك قنوات التواصل بين تونس والرباط لتجاوز الأزمة وعودة العلاقات بين تونس والمغرب خلال قمة الجزائر ولكن شيئا لم يحدث وقد علمنا خلال حوار لــ"الصباح" مع وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة أنه لم يكن هناك أي لقاءات بين الجانبين بكل ما يعنيه ذلك من جروح جديدة في الفضاء المغاربي المنهك أصلا ..
من الجزائر الى الرياض ...
بلغة الأرقام فان نحو أربعة أشهر ستفصل بين قمة الجزائر تحت شعار لم الشمل وبين القمة المرتقبة التي ستعود الى الرياض في موعدها التقليدي مارس2023 وهي ربما إشارة أيضا من السعودية أن محادثات الكواليس وقنوات التواصل استطاعت امتصاص غضب الجزائر وأزالت ما رافق القمة من تأويلات بعد تراجع ولي العهد محمد بن سلمان عن حضور قمة الجزائر وقد سبق الإعلان عن مشاركته بوفد وزاري من 16 وزيرا بما مهد ربما لاحتضان السعودية القمة القادمة خلال أشهر وترحيل الملفات الحارقة المتوارثة بين قمة وأخرى وسيظل على رأسها القضية الفلسطينية وتفعيل ما أعلن من قرارات فضلا عن بقية الملفات المتعلقة بالحرب الطاحنة في اليمن والحوثيين وليبيا وحتى سوريا التي غابت مجددا عن القمة العربية بسبب استمرار رفض بعض القوى الإقليمية والدولية رفض سوريا الى الجامعة ...
ولان الأمور تقاس بخواتيمها فسيتعين التطلع الى تجسيد قرارات القمة على ارض الواقع على الأقل في نقطتين أساسيتين، تتعلق الأولى بالقضية الفلسطينية وتعزيز الجهود العربية والإفريقية لحصول دولة فلسطين على عضوية كاملة وليس عضوا مراقبا في الأمم المتحدة وهي مسألة قابلة للتحقيق عمليا إذا سبقتها حملة ديبلوماسية مكثفة لفرض هذا الأمر كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل وأما النقطة الثانية المقدور عليها برغم هشاشة المشهد العربي الراهن فتتعلق بتأجيل الخلافات السياسية والانتباه الى الإمكانيات الطبيعية والبشرية القائمة لإقامة مشروع السوق العربية المشتركة المؤجلة منذ تأسيس الجامعة العربية والسعي لاستباق الأسوأ وتجنيب شعوب المنطقة أزمة غذائية خانقة ومجاعة باتت تهدد الملايين ...
لقد استبقت الجزائر عقد القمة العربية بتهيئة الأرضية لمصالحة فلسطينية - فلسطينية طال انتظارها ولا يبدوان للفلسطينيين خيارات بديلة لها بعد ان اتضح فشل الرهان على أوسلو وعلى الدور الأمريكي والكيان الإسرائيلي في الوصول الى أي تقدم في مسار السلام.. ولكن إذا كان افتتاح أشغال قمة الجزائر يتزامن مع إحياء ذكرى الثورة الجزائرية فان اختتامها يتزامن مع حدث تاريخي خطير وهو ذكرى وعد لفور الـ105 الذي منح ما لا يملك لمن لا يستحق وهو أيضا الموعد الذي تم اختياره لتنظيم الانتخابات الإسرائيلية وهي رسالة إسرائيلية واضحة ومباشرة للقمة العربية مع عودة فريق يميني عنصري فاشي بزعامة ناتنياهو الى السلطة وهو يعلم جيدا أن إسرائيل راهنت على التطبيع واستطاعت جر عدد من الدول العربية الى هذا المسار دون تقديم أي تنازلات أو التزامات باتفاقات السلام.. ومن هنا أيضا وجب الإقرار بأن إعلان الجزائر سبقه شد وجذب ونقاشات ومفاوضات وخلافات حكمتها لعبة المصالح وانتهت بمحاولة ترضي جميع الأطراف ولا تغضب أحدا بشأن إصرار مصر والسعودية والإمارات على إدانة واضحة وصريحة للتدخل الإيراني والتركي في المنطقة وتمسك الجزائر بان الرفض يجب أن يكون بنفس الوضوح بشأن التدخل الإسرائيلي أيضا وتحديدا في الفضاء المغاربي وهو ما لم يكن بإمكان المغرب قبوله.. فكان الاقتصار على رفض التدخل الخارجي بكل أبعاده ...
لماذا غاب التضامن مع تونس عن إعلان الجزائر؟
كثيرة هي نقاط الاستفهام التي أحاطت بإعلان الجزائر وما سبقه من توافقات مهدت لنشره في نسخته الأخيرة، وما إذا سيكون بالإمكان التعويل على نتائج ملموسة لمخرجاتها في ظل خبرتنا لجدوى ما سبق من قمم من أنشاص الى الجزائر وما بينهما من لاءات وتطبيع وقفز على المخاطر ...
فإذا كان البيان الختامي تضمن في جزئه الأخير دعما صريحا لكل العواصم العربية التي تستعد لاحتضان أحداث وقمم ولقاءات مهمة فلماذا غاب الأمر بشأن تونس التي تستعد لاحتضان قمة الفرانكفونية خلال أيام وهل يعني ذلك أن تونس لا أزمات لها ولا تحتاج دعما اقتصاديا أو ماليا في وضعها الراهن؟
إعلان الجزائر نص صراحة على دعم مصر التي تستعد لاحتضان الدورة الـ27 لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ، وأكد مساندة دولة قطر التي تتأهب لاحتضان نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ورفض كذلك حملات
التشويه والتشكيك المغرضة التي تطولها، ودعم استضافة المملكة المغربية للمنتدى العالمي التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات يومي 22 و23 نوفمبر الجاري بمدينة فاس... وأعلن دعم الإمارات في التحضير لاحتضان الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ، وكذلك ترشيح مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو2030. في المقابل افتقر البيان لأي دعم لتونس في أزمتها المالية الحاصلة كما هو الشأن بالنسبة للبنان وغاب عنه أيضا أي دعم لتونس في احتضانها لقمة الفرانكفونية ولا نعرف إن كان الأمر يتعلق بتونس أو هو موقف من منظمة الفرانكفونية ..وقناعتنا أن المسألة تحتمل أكثر من تأويل ولا نعرف إن كانت نتيجة تقصير من جانب الديبلوماسية التونسية أو تغافل عن إدراج هذه النقطة لو طلبت ذلك ما كان لقمة الجزائر رفضها.. لسنا بصدد محاكمة النوايا ولكن ما خبرناه على مدى عقود من العمل العربي ومخرجات القمم العربي على ارض الواقع يجعل الأمر معقدا وربما يحتاج الى معجزة لكسب الاختبار ...
تونس- آسيا العتروس
غادرنا الجزائر غداة اختتام أشغال قمة "لم الشمل" فيما كانت الجزائر لا تزال تحتفي بعيدها الوطني وتتغنى بذكرى الثورة الـ68 وتردد في مختلف شوارعها "نشيد القسم" الذي أبدع في تطريزه مفدي زكريا ليبقى قسما متوارثا بين الأجيال يردد "قسما بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات..." نقول هذا الكلام وقناعتنا أن اختيار الجزائر تاريخ انعقاد القمة العربية في دورتها الـ31 بعد انقطاع استمر ثلاث سنوات ونصف على قمة تونس 2019 بسبب الجائحة لم يكن أمرا اعتباطيا ومن دون حسابات مسبقة لاستحضار هذا الموعد الوطني وما يكتسيه من أهمية لا في ذاكرة شعب المليون ونصف شهيد ولكن أيضا في ذاكرة كل الشعوب العربية التي شاركت الجزائر مسيرتها النضالية بكل أنواع الدعم والتضامن القائم آنذاك إنهاء أكثر من مائة وثلاثين سنة من الاحتلال الفرنسي للجزائر.. تضامن عربي معنوي ومادي وإنساني نفتقده في هذا الزمن ونقول دون تردد ما أحوجنا إليه في زمن تعمقت فيه الصراعات وتعددت الأزمات وتعطلت فيه المصالحات وتأجلت اللقاءات وأصبحت فيه إسرائيل اقرب للعربي من المواطن العربي.. تماما كما أن هذا الاختيار يحتمل رسالة لا تخفى على مراقب بأن الجزائر تواصل دعمها لكل الشعوب العربية التي تتطلع للحرية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي كانت على رأس الأولويات في قمة الجزائر .
هل يمكن أن ترى اللجنتان الوزاريتان اللتان دعا إلى تشكيلهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتحرك على المستوى الدولي النور أم أنها ستجهض لأي سبب من الأسباب؟ فقد دعا الرئيس الفلسطيني القمة" لدعم فلسطيني من خلال إصدار قرار بتشكيل لجنة وزارية عربية للتحرك على المستوى الدولي، لفضح ممارسات الاحتلال، وشرح روايتنا، وتنفيذ مبادرة السلام العربية، ونيل المزيد من اعتراف الدول الأوروبية بدولة فلسطين، والحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ومنع نقل سفارات الدول إلى القدس، وعقد مؤتمر دولي للسلام على قاعدة الشرعية الدولية، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2334، والقرارين 181 و194، اللذين كانا شرطين لقبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.وأضاف: كما نتطلع إلى دعمكم لتشكيل لجنة قانونية لمتابعة الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني جراء إصدار الحكومة البريطانية وعد بلفور العام 1917، وصك الانتداب، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، وتداعيات ذلك على الشعب الفلسطيني، وارتكاب إسرائيل أكثر من 50 مذبحة خلال وبعد نكبة 1948، وما تلا ذلك من تدمير ونهب لأكثر من 500 قرية فلسطينية.
ماذا بعد النجاح الديبلوماسي؟
تنظيميا وديبلوماسيا وإعلاميا يمكن القول انه يحسب للجزائر أنها كسبت الرهان واستعدت للحدث واستثمرت لإنجاح الموعد ولم تترك للمفاجآت موقعا بل إن الجزائر رفعت حجم الرهان عاليا ولا يمكن بعد قمة الجزائر القبول بأقل مما حرصت عليه الجزائر التي تعاطت مع مسألة مستوى الحضور بطريقة مرنة واعتبرت أنها وجهت الدعوات للجميع وأن الدول العربية تختار مستوى التمثيل حسب ما يناسبها وعززت الجزائر صورتها ومكانتها الديبلوماسية مغاربيا وعربيا وأرسلت مؤشرات كثيرة على أن الجزائر تشهد تحولا اقتصاديا وتستفيد بفضل ما تمتلكه من ثروات من النفط والغاز ومن شراكات في زمن الحرب الروسية في أوكرانيا على دور أوسع، ولا يمكن لزائر الجزائر هذه الأيام ألا يلاحظ حجم البناءات الفخمة.
..صحيح أنه حتى الساعات الأخيرة كان هناك توقعات بأن يسجل ملك المغرب مشاركته في قمة الجزائر وأن يكون ذلك منعرجا حاسما في العلاقات بين المغرب والجزائر وبين مختلف دول المغرب ولكن هذا لم يحدث.. وقد شاب هذه المسألة الحساسة الكثير من الجدل والكثير من التصريحات من الجانبين الجزائري كل من موقعه للدفاع عن موقف بلاده.. ورغم تواتر التصريحات بين وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة الذي اعتبر أن تغيب زيارة الملك محمد السادس فوتت فرصة من اجل الحوار بين البلدين ورد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بتوجيه دعوة للرئيس الجزائري للحوار في الرباط فقد بدا واضحا أن الأمر لم يبلغ درجة الحرب الكلامية وأن الوزير المغربي لم ينسحب كما تم الترويج له وواصل المشاركة في القمة حتى الاختتام برغم ما حصل بشأن الفريق الإعلامي الذي منع من مغادرة المطار وتوضيحات الجزائر في هذا الشأن بما يعني وأن الصورة الجانبية التي جمعت وزير الخارجية المغربي والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ستكون قابلة لإعادة التعديل إذا توفرت الإرادة الصادقة حتى لا يكون لم الشمل مجرد شعار عابر. وقد قال وزير الإعلام الجزائري الأسبق محي الدين عميمور أنه مني بخيبة أمل بعد إلغاء زيارة ملك المغرب وأنه كان يتمنى لو ان الملك محمد السادس حضر للمشاركة في القمة ليكون اللقاء مشابه للقاء لذي تم بين الجنرال الفرنسي شارل دوغول والمستشار الألماني كونراد أديناور، الذي استقبله الرئيس الفرنسي في بيته في “كولومبي الكنيستين”، وكان القاعدة الحقيقية لبناء الوحدة الأوربية...
ندرك جيدا أن القمة العربية لا تملك عصا سحرية تغير بها حال العرب وكم كنا نتمنى لوان الأمر كان كذلك لزالت من المشهد الكثير من الحواجز والحدود المصطنعة وامتدت الجسور بدل العراقيل التي تفصل الأوطان والشعوب من المغرب الى المشرق وحقنت دماء كثيرة وأنقذت حياة الكثير من الأبرياء والمستضعفين والمشردين من أبناء الشعوب العربية البائسة ..
خلال قمة الجزائر سمعنا خطب القادة العرب وكلماتهم المطولة وبعضها مستنسخ مما سبق حتى بتنا نحفظه عن ظهر قلب من كثرة اجتراره، وبرغم ما تضمنته من رسائل وبشائر بشان التضامن العربي والمستقبل العربي في ظل التحديات المتعددة بشان الأمن الغذائي والمائي والاقتصادي فهي تظل بعيدة عن اهتمامات المواطن المخنوق بقضاياه اليومية أو تطلعات الشارع العربي المحكوم بأزمات اقتصادية واجتماعية ونفسية لا تنتهي في ظل أنظمة عاجزة عن الارتقاء بشعوبها وتأمين الحد الأدنى من الرفاه لشبابها وأجيالها التي باتت تبحث لها عن البدائل في أحضان التنظيمات الإرهابية والشبكات المتطرفة أو تنساق الى قوارب الموت علها تجد فرصة لكرامة غائبة في أوطانها على الضفة الأخرى للمتوسط..
حتى إشعار آخر.. ستبقى القمة العربية موعدا سنويا عابرا للعرب للاجتماع والتقاط الصور وتشخيص الأوضاع وتأجيل بحث الحلول بين كل الملفات والأزمات وستبقى القمم العربية عنوانا للتذكير بأن للقادة العرب موقع وهوية وتكتل على هامش الأمم في خضم التكتلات الإقليمية والدولية العسكرية والأمنية والاقتصادية الوازنة في مواجهة تحديات الطاقة والبيئة والمناخ والاقتصاد والتسلح وغيرها.. ورغم كل جهود الجزائر لاحتضان قمة لم الشمل ورغم كل محاولات رتق ما فسد وتقريب التباين وربط الجسور وجمع الفرقاء فان حال العرب سيظل محكوما بالأزمة المستمرة والقطيعة بين المغرب والجزائر طالما بقيت قضية الصحراء الغربية القنبلة الموقوتة التي خلفها الاحتلال قائمة وآيلة للانفجار في كل حين، والأمر مرشح لمزيد التعقيد مع امتداد عدوى القطيعة بين تونس والرباط على خلفية مشاركة البوليزاريو في قمة تيكاد في تونس، وكنا نتوقع أن تتحرك قنوات التواصل بين تونس والرباط لتجاوز الأزمة وعودة العلاقات بين تونس والمغرب خلال قمة الجزائر ولكن شيئا لم يحدث وقد علمنا خلال حوار لــ"الصباح" مع وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة أنه لم يكن هناك أي لقاءات بين الجانبين بكل ما يعنيه ذلك من جروح جديدة في الفضاء المغاربي المنهك أصلا ..
من الجزائر الى الرياض ...
بلغة الأرقام فان نحو أربعة أشهر ستفصل بين قمة الجزائر تحت شعار لم الشمل وبين القمة المرتقبة التي ستعود الى الرياض في موعدها التقليدي مارس2023 وهي ربما إشارة أيضا من السعودية أن محادثات الكواليس وقنوات التواصل استطاعت امتصاص غضب الجزائر وأزالت ما رافق القمة من تأويلات بعد تراجع ولي العهد محمد بن سلمان عن حضور قمة الجزائر وقد سبق الإعلان عن مشاركته بوفد وزاري من 16 وزيرا بما مهد ربما لاحتضان السعودية القمة القادمة خلال أشهر وترحيل الملفات الحارقة المتوارثة بين قمة وأخرى وسيظل على رأسها القضية الفلسطينية وتفعيل ما أعلن من قرارات فضلا عن بقية الملفات المتعلقة بالحرب الطاحنة في اليمن والحوثيين وليبيا وحتى سوريا التي غابت مجددا عن القمة العربية بسبب استمرار رفض بعض القوى الإقليمية والدولية رفض سوريا الى الجامعة ...
ولان الأمور تقاس بخواتيمها فسيتعين التطلع الى تجسيد قرارات القمة على ارض الواقع على الأقل في نقطتين أساسيتين، تتعلق الأولى بالقضية الفلسطينية وتعزيز الجهود العربية والإفريقية لحصول دولة فلسطين على عضوية كاملة وليس عضوا مراقبا في الأمم المتحدة وهي مسألة قابلة للتحقيق عمليا إذا سبقتها حملة ديبلوماسية مكثفة لفرض هذا الأمر كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل وأما النقطة الثانية المقدور عليها برغم هشاشة المشهد العربي الراهن فتتعلق بتأجيل الخلافات السياسية والانتباه الى الإمكانيات الطبيعية والبشرية القائمة لإقامة مشروع السوق العربية المشتركة المؤجلة منذ تأسيس الجامعة العربية والسعي لاستباق الأسوأ وتجنيب شعوب المنطقة أزمة غذائية خانقة ومجاعة باتت تهدد الملايين ...
لقد استبقت الجزائر عقد القمة العربية بتهيئة الأرضية لمصالحة فلسطينية - فلسطينية طال انتظارها ولا يبدوان للفلسطينيين خيارات بديلة لها بعد ان اتضح فشل الرهان على أوسلو وعلى الدور الأمريكي والكيان الإسرائيلي في الوصول الى أي تقدم في مسار السلام.. ولكن إذا كان افتتاح أشغال قمة الجزائر يتزامن مع إحياء ذكرى الثورة الجزائرية فان اختتامها يتزامن مع حدث تاريخي خطير وهو ذكرى وعد لفور الـ105 الذي منح ما لا يملك لمن لا يستحق وهو أيضا الموعد الذي تم اختياره لتنظيم الانتخابات الإسرائيلية وهي رسالة إسرائيلية واضحة ومباشرة للقمة العربية مع عودة فريق يميني عنصري فاشي بزعامة ناتنياهو الى السلطة وهو يعلم جيدا أن إسرائيل راهنت على التطبيع واستطاعت جر عدد من الدول العربية الى هذا المسار دون تقديم أي تنازلات أو التزامات باتفاقات السلام.. ومن هنا أيضا وجب الإقرار بأن إعلان الجزائر سبقه شد وجذب ونقاشات ومفاوضات وخلافات حكمتها لعبة المصالح وانتهت بمحاولة ترضي جميع الأطراف ولا تغضب أحدا بشأن إصرار مصر والسعودية والإمارات على إدانة واضحة وصريحة للتدخل الإيراني والتركي في المنطقة وتمسك الجزائر بان الرفض يجب أن يكون بنفس الوضوح بشأن التدخل الإسرائيلي أيضا وتحديدا في الفضاء المغاربي وهو ما لم يكن بإمكان المغرب قبوله.. فكان الاقتصار على رفض التدخل الخارجي بكل أبعاده ...
لماذا غاب التضامن مع تونس عن إعلان الجزائر؟
كثيرة هي نقاط الاستفهام التي أحاطت بإعلان الجزائر وما سبقه من توافقات مهدت لنشره في نسخته الأخيرة، وما إذا سيكون بالإمكان التعويل على نتائج ملموسة لمخرجاتها في ظل خبرتنا لجدوى ما سبق من قمم من أنشاص الى الجزائر وما بينهما من لاءات وتطبيع وقفز على المخاطر ...
فإذا كان البيان الختامي تضمن في جزئه الأخير دعما صريحا لكل العواصم العربية التي تستعد لاحتضان أحداث وقمم ولقاءات مهمة فلماذا غاب الأمر بشأن تونس التي تستعد لاحتضان قمة الفرانكفونية خلال أيام وهل يعني ذلك أن تونس لا أزمات لها ولا تحتاج دعما اقتصاديا أو ماليا في وضعها الراهن؟
إعلان الجزائر نص صراحة على دعم مصر التي تستعد لاحتضان الدورة الـ27 لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ، وأكد مساندة دولة قطر التي تتأهب لاحتضان نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ورفض كذلك حملات
التشويه والتشكيك المغرضة التي تطولها، ودعم استضافة المملكة المغربية للمنتدى العالمي التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات يومي 22 و23 نوفمبر الجاري بمدينة فاس... وأعلن دعم الإمارات في التحضير لاحتضان الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول تغير المناخ، وكذلك ترشيح مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية لاستضافة معرض إكسبو2030. في المقابل افتقر البيان لأي دعم لتونس في أزمتها المالية الحاصلة كما هو الشأن بالنسبة للبنان وغاب عنه أيضا أي دعم لتونس في احتضانها لقمة الفرانكفونية ولا نعرف إن كان الأمر يتعلق بتونس أو هو موقف من منظمة الفرانكفونية ..وقناعتنا أن المسألة تحتمل أكثر من تأويل ولا نعرف إن كانت نتيجة تقصير من جانب الديبلوماسية التونسية أو تغافل عن إدراج هذه النقطة لو طلبت ذلك ما كان لقمة الجزائر رفضها.. لسنا بصدد محاكمة النوايا ولكن ما خبرناه على مدى عقود من العمل العربي ومخرجات القمم العربي على ارض الواقع يجعل الأمر معقدا وربما يحتاج الى معجزة لكسب الاختبار ...