بقلم: الأستاذ الدكتور محمود الذوادي – عالم الاجتماع
السلوك المجتمعي التونسي العبثي
يفيد المعجم أن فعل عبث والاسم العبث يعنيان السلوك الذي لا فائدة فيه والخالي من الحكمة وعين الصواب. تتجلى المعالم العبثية في السلوك البشري في السلوكيات التي لا معنى إيجابي لها أو هي حمّالة لكثير من التناقضات الصغيرة والكبيرة وما بينهما الواضحة للخاصة وللعامة . يجوز وصف المجتمع التونسي في الفترة بين الشهر الأول من سنة 2011 إلى نهاية عام 2022 بأنه مجتمع يعرف عدة تناقضات صارخة. فمن جهة، عاشت أغلبية الشعب التونسي فرحة كبيرة بالثورة على نظام بن علي عقبتها حركة ديمقراطية ناشطة تمثلت في حرية التعبير ونشأة الأحزاب وتأسيس البرلمان عبر انتخابات متتالية أشاد بها الداخل والخارج فنالت تونس جائزة نوبل للسلام. من جهة ثانية، انتخب الشعب التونسي في 2019 الرئيس قيس سعيّد الحمّال لمشروع سياسي في الاتجاه المعاكس للمبادئ الثابتة للنظام الديمقراطي الصحيح. فأوّل دستورَ الثورة في 25 جويلية بطريقة عبثية ثم أبدله وحده بنفس الأسلوب بدستور 2022 وألغى مؤسسات عديدة في طليعتها البرلمان وتبنى هو السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يُسأل عما يفعل ولا يُراقب ولا يُحاسَب. ألا يمثل هذا لمشهد السياسي التونسي معلما عبثيا في صلب المجتمع؟.
خسارة الثقة والاعتزاز بالنفس والشعور بالضياع
يرى عِلْمَا النفس والاجتماع أن ذلك المشهد السياسي العبثي لا بد أن تكون له نتائج سلبية أفقيا وعموديا على الشعب التونسي. تفيد الملاحظات الميدانية الواسعة للتونسيين والتونسيات أنهم أصبحوا فاقدين للثقة والاعتزاز بالنفس كمواطنين محترمين داخل مجتمعهم وخارجه. ومنه، أصبحت الأغلبية تردد عبارة اليأس والبؤس التي تشخص الشعور بالضياع وفقدان بوصلة المشي مستوي القامة إلى الأمام. فيتساءلون بمرارة وحزن: " وين مشين؟". مما لا شك فيه أن خسارة معظم الشعب التونسي لتلك القيم الحميمة النبيلة اليوم تفسر الظاهرتيْن الكبيرتين للهجرة النظامية و' الحرقان' في جرجيس وغيرها من سواحل البلاد الأمر الذي دفع حتى بالأطفال إلى ركوب قوارب الموت في البحر سعيا للخلاص من مخالب العبث الخانقة للكرامة في مجتمعهم. تمثل حادثة غرق عدد كبير من المواطنين في جرجيس ودفنهم بطريقة خالية من أدنى الاحترام لمواطنة الأموات تعكس السلوك العبثي للسلطات المحلية في جرجيس ونظيرتها في مركز الحكم بالعاصمة. فبفقدان تلك القيم لا يجوز الحديث عن تمتع معظم التونسيين والتونسيات بالسعادة في وطنهم والحرص على حب البقاء فيه والإخلاص له. بالطبع، تغيب في هذه الظروف الدوافع النفسية لدى المواطنين التي تجعلهم حمّالين لروح الالتزام بالعمل لصالح الوطن بكل جهاته وفئاته.
عوامل العبث في المشهد التونسي
يرى علم النفس الاجتماعي أن السلوكيات البشرية هي نتيجة لعاملين رئيسيين هما طبيعة التركيبة النفسية لشخصيات الأفراد وظروف البيئات الاجتماعية التي يعيشون فيها. تركز كل التحاليل تقريبا للمأزق التونسي في وسائل الإعلام التونسية على العوامل الخارجية المؤثرة في أزمة المجتمع التونسي بعد الثورة المتمثلة أساسا في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أساء ويسيء إدارتها النخب التونسية وأصحاب السلطات المختلفة في المجتمع. مثلا، فالحديث عن نفور الرئيس قيس سعيد من الحوار مع الأطراف الفاعلة في المشهد التونسي طالما يُفسر بمنظومة فكرية تنادي بتغيير المجتمع التونسي نحو مجتمع ذي نظام قاعدي لا يؤمن بضرورة وجود الأحزاب والوسائط بين السلطات التنفيذية والتشريعية. فيُنسى إلقاء الضوء على التركيبة النفسية لشخصية الرئيس التي تجعله يجسد سلوكيات متناقضة أو تعمل على فرقة التونسيين لا على تضامنهم. فتشخيص المعالم والأبعاد العميقة للتركيبة النفسية لشخصية الرئيس يعتبر المربع الأول الذي يجب الاعتماد عليه في فهم وتفسير سلوكيات الرئيس. فدون إدراك طبيعة هذا المربع الأول لا يُنتظر معرفة كيف يمكن الخروج من المأزق التونسي الذي ينذر بعواقب خطيرة قد تؤدي إلى انفجار اجتماعي يحاول وضع حد لموجات العبث السياسي في المجتمع التونسي.
ضُعف حب الفهم وقوة هاجس الاتهام
أما معالم الجانب العبثي للمجتمع التونسي ككل فيمكن ذكر بعض السلوكيات العبثية الجماعية الواضحة:
1- يميل معظم التونسيين والتونسيات إلى تبني سرعة الاتهام والتحامل والحكم على اٍلآخرين والأشياء انطلاقا من رؤيتهم وتصورهم الخاص. مثلا، فهم يسهبون في نقد ظاهرة 'التسفير' إلى سوريا وغيرها دون أن يحاولوا فهم حيثيات الظاهرة - إن وُجدت حقا - المتمثلة في حدوث ثورة في تونس ضد الحكم المستبد. ألا يُنتظر ممن قادوا هذه الثورة وكثير من الفاعلين في حركة التغيير الثوري التونسي أن لا يكونوا متفرجين في نظم الاستبداد في العالم العربي الشقيق بحكم الاشتراك في اللغة والدين؟. ومن ثم، فمنطق مقاومة نظام الحكم الظالم والاستبدادي اللذين رزح تحتهما الأشقاء في سوريا وغيرها في الوطن العربي يبرر تحمس التونسيين إلى مساعدة الأشقاء السوريين على التخلص من ذلك النظام. وكيف لا والتونسيون كانوا أول الناجحين في تغيير نظام الحكم المستبد في المنطقة العربية؟
2-مما لاشك فيه أن ترديد عبارة ' العشرية السوداء' بين كثير من التونسيين والتونسيات حمّال ضمنيا للعنف اللفظي والكلام البذيء اللذين يستبطنهما بقوة مفهومنا للشخصية التونسية القاعدية المستنفِرة الذي يرى أنها شخصية عاجزة كثيرا على التفكير النيّر والتحليل الرصين وتبني مبدأ النسبية في الحكم على المسار السياسي في العشر سنوات الماضية بعد الثورة. فالتركيبة النفسية للشخصية التونسية المستنفِرة تفسر ظاهرة ضُعف أو فقدان التونسيين والتونسيات لحب بعضهم البعض الذي يتحدث عنه الناسُ ووسائل الإعلام الأمر الذي جعل الكثيرين يتساءلون لماذا، مثلا، ينسى التونسيون والتونسيات بسهولة الشخصيات التونسية الوطنية المشهورة ؟ فالوضع السياسي التونسي اليوم مخبر لسلوكيات تلك الشخصية المستنفرة بين المعارضة والمناصرين للرئيس قيس سعيد قبل الاستفتاء وبعده. ومن ثم، فخطاب العشرية السوداء والتنمر بين تلك الأطراف السياسية لا يكاد يُرجى الشفاء منه عاجلا أو آجلا لأن جذوره راسخة في طيات التركيبة النفسية للشخصية التونسية المستنفرة. فغياب العقل صاحب التحليل الرصين والتصور السليم للأمور لا يساعد بالتأكيد على النجاح في كسب رهان الحوار الوطني الكامل الذي تعرقل الحصولَ عليه كثير من معالم الشخصية التونسية المستنفِرة في القمة والقاعدة ومن بينهما مما يجعل فعلا المجتمع التونسي في مأزق عبثي لا يكاد يسهل الخروج منه بسلامة.
3-لعالَم السياسة ميثاق وبنود توجهه يأتي في طليعتها مبدأ أن لا عداوة دائمة بين الأطراف السياسية المتنازعة. تشهد الحرب العالمية الثانية على ذلك.لقد شنت ألمانيا النازية حروبا على معظم الأقطار الأوروبية وغزت البعض منها واستعملت واشنطن القنبلة الذرية ضد اليابان. فالصداقة منذ عقود بين فرنسا وألمانيا، من جهة، وبين اليابان وأمريكا، من جهة ثانية، تمثل ظاهرة لا تكاد تُصدَّق لأن تلك الدول تمارس مبدأ لا عداوة دائمة مع الخصم السياسي خارج حدودها ناهيك عن الخصم السياسي داخل حدود الوطن الواحد. فرفع راية العداوة الدائمة للعشرية السوداء يشير إلى جهل بمنطق ميثاق وبنود عالم السياسة في النظم الديمقراطية الحقيقية. وبالتالي فالكذب واضح وفاضح لمن يدعي الانتماء إلى أخلاق الديمقراطية الصحيحة والرغبة في ممارستها وهو يواصل في نفس الوقت تعنته في المسك بخنجر العداوة المستمرة على العشرية السوداء التي تُنتقد فيها عموما حركة النهضة فقط بينما شاركت في الحكم معها أحزاب أخرى في عشرية الحكم ما بعد الثورة. يُنتظر أن يكون للشخصية التونسية المستنفِرة دور في مثل ذلك السلوك الجماعي. وهكذا ، فأصحاب تلك الشخصية الذين يسمون أنفسهم ديمقراطيين أو يدافعون عن منظومة النظام الديمقراطي بحماس هم قوم يحتضنون ديمقراطية مغشوشة يتبرأ منها جنود الديمقراطية السليمة ويقفون سدا منيعا ضد أي خيانة لمبادئها الأصيلة وغش لمنظومة الحكم الديمقراطي التي لا تقبل أبجديتُها العداوةَ الدائمة للخصم لأنه موقف عبثي خال من نور الحكمة ومليء بحزمة التناقضات التي لا تتحملها طاقة النظام الديمقراطي السليم.
بقلم: الأستاذ الدكتور محمود الذوادي – عالم الاجتماع
السلوك المجتمعي التونسي العبثي
يفيد المعجم أن فعل عبث والاسم العبث يعنيان السلوك الذي لا فائدة فيه والخالي من الحكمة وعين الصواب. تتجلى المعالم العبثية في السلوك البشري في السلوكيات التي لا معنى إيجابي لها أو هي حمّالة لكثير من التناقضات الصغيرة والكبيرة وما بينهما الواضحة للخاصة وللعامة . يجوز وصف المجتمع التونسي في الفترة بين الشهر الأول من سنة 2011 إلى نهاية عام 2022 بأنه مجتمع يعرف عدة تناقضات صارخة. فمن جهة، عاشت أغلبية الشعب التونسي فرحة كبيرة بالثورة على نظام بن علي عقبتها حركة ديمقراطية ناشطة تمثلت في حرية التعبير ونشأة الأحزاب وتأسيس البرلمان عبر انتخابات متتالية أشاد بها الداخل والخارج فنالت تونس جائزة نوبل للسلام. من جهة ثانية، انتخب الشعب التونسي في 2019 الرئيس قيس سعيّد الحمّال لمشروع سياسي في الاتجاه المعاكس للمبادئ الثابتة للنظام الديمقراطي الصحيح. فأوّل دستورَ الثورة في 25 جويلية بطريقة عبثية ثم أبدله وحده بنفس الأسلوب بدستور 2022 وألغى مؤسسات عديدة في طليعتها البرلمان وتبنى هو السلطتين التشريعية والتنفيذية لا يُسأل عما يفعل ولا يُراقب ولا يُحاسَب. ألا يمثل هذا لمشهد السياسي التونسي معلما عبثيا في صلب المجتمع؟.
خسارة الثقة والاعتزاز بالنفس والشعور بالضياع
يرى عِلْمَا النفس والاجتماع أن ذلك المشهد السياسي العبثي لا بد أن تكون له نتائج سلبية أفقيا وعموديا على الشعب التونسي. تفيد الملاحظات الميدانية الواسعة للتونسيين والتونسيات أنهم أصبحوا فاقدين للثقة والاعتزاز بالنفس كمواطنين محترمين داخل مجتمعهم وخارجه. ومنه، أصبحت الأغلبية تردد عبارة اليأس والبؤس التي تشخص الشعور بالضياع وفقدان بوصلة المشي مستوي القامة إلى الأمام. فيتساءلون بمرارة وحزن: " وين مشين؟". مما لا شك فيه أن خسارة معظم الشعب التونسي لتلك القيم الحميمة النبيلة اليوم تفسر الظاهرتيْن الكبيرتين للهجرة النظامية و' الحرقان' في جرجيس وغيرها من سواحل البلاد الأمر الذي دفع حتى بالأطفال إلى ركوب قوارب الموت في البحر سعيا للخلاص من مخالب العبث الخانقة للكرامة في مجتمعهم. تمثل حادثة غرق عدد كبير من المواطنين في جرجيس ودفنهم بطريقة خالية من أدنى الاحترام لمواطنة الأموات تعكس السلوك العبثي للسلطات المحلية في جرجيس ونظيرتها في مركز الحكم بالعاصمة. فبفقدان تلك القيم لا يجوز الحديث عن تمتع معظم التونسيين والتونسيات بالسعادة في وطنهم والحرص على حب البقاء فيه والإخلاص له. بالطبع، تغيب في هذه الظروف الدوافع النفسية لدى المواطنين التي تجعلهم حمّالين لروح الالتزام بالعمل لصالح الوطن بكل جهاته وفئاته.
عوامل العبث في المشهد التونسي
يرى علم النفس الاجتماعي أن السلوكيات البشرية هي نتيجة لعاملين رئيسيين هما طبيعة التركيبة النفسية لشخصيات الأفراد وظروف البيئات الاجتماعية التي يعيشون فيها. تركز كل التحاليل تقريبا للمأزق التونسي في وسائل الإعلام التونسية على العوامل الخارجية المؤثرة في أزمة المجتمع التونسي بعد الثورة المتمثلة أساسا في العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أساء ويسيء إدارتها النخب التونسية وأصحاب السلطات المختلفة في المجتمع. مثلا، فالحديث عن نفور الرئيس قيس سعيد من الحوار مع الأطراف الفاعلة في المشهد التونسي طالما يُفسر بمنظومة فكرية تنادي بتغيير المجتمع التونسي نحو مجتمع ذي نظام قاعدي لا يؤمن بضرورة وجود الأحزاب والوسائط بين السلطات التنفيذية والتشريعية. فيُنسى إلقاء الضوء على التركيبة النفسية لشخصية الرئيس التي تجعله يجسد سلوكيات متناقضة أو تعمل على فرقة التونسيين لا على تضامنهم. فتشخيص المعالم والأبعاد العميقة للتركيبة النفسية لشخصية الرئيس يعتبر المربع الأول الذي يجب الاعتماد عليه في فهم وتفسير سلوكيات الرئيس. فدون إدراك طبيعة هذا المربع الأول لا يُنتظر معرفة كيف يمكن الخروج من المأزق التونسي الذي ينذر بعواقب خطيرة قد تؤدي إلى انفجار اجتماعي يحاول وضع حد لموجات العبث السياسي في المجتمع التونسي.
ضُعف حب الفهم وقوة هاجس الاتهام
أما معالم الجانب العبثي للمجتمع التونسي ككل فيمكن ذكر بعض السلوكيات العبثية الجماعية الواضحة:
1- يميل معظم التونسيين والتونسيات إلى تبني سرعة الاتهام والتحامل والحكم على اٍلآخرين والأشياء انطلاقا من رؤيتهم وتصورهم الخاص. مثلا، فهم يسهبون في نقد ظاهرة 'التسفير' إلى سوريا وغيرها دون أن يحاولوا فهم حيثيات الظاهرة - إن وُجدت حقا - المتمثلة في حدوث ثورة في تونس ضد الحكم المستبد. ألا يُنتظر ممن قادوا هذه الثورة وكثير من الفاعلين في حركة التغيير الثوري التونسي أن لا يكونوا متفرجين في نظم الاستبداد في العالم العربي الشقيق بحكم الاشتراك في اللغة والدين؟. ومن ثم، فمنطق مقاومة نظام الحكم الظالم والاستبدادي اللذين رزح تحتهما الأشقاء في سوريا وغيرها في الوطن العربي يبرر تحمس التونسيين إلى مساعدة الأشقاء السوريين على التخلص من ذلك النظام. وكيف لا والتونسيون كانوا أول الناجحين في تغيير نظام الحكم المستبد في المنطقة العربية؟
2-مما لاشك فيه أن ترديد عبارة ' العشرية السوداء' بين كثير من التونسيين والتونسيات حمّال ضمنيا للعنف اللفظي والكلام البذيء اللذين يستبطنهما بقوة مفهومنا للشخصية التونسية القاعدية المستنفِرة الذي يرى أنها شخصية عاجزة كثيرا على التفكير النيّر والتحليل الرصين وتبني مبدأ النسبية في الحكم على المسار السياسي في العشر سنوات الماضية بعد الثورة. فالتركيبة النفسية للشخصية التونسية المستنفِرة تفسر ظاهرة ضُعف أو فقدان التونسيين والتونسيات لحب بعضهم البعض الذي يتحدث عنه الناسُ ووسائل الإعلام الأمر الذي جعل الكثيرين يتساءلون لماذا، مثلا، ينسى التونسيون والتونسيات بسهولة الشخصيات التونسية الوطنية المشهورة ؟ فالوضع السياسي التونسي اليوم مخبر لسلوكيات تلك الشخصية المستنفرة بين المعارضة والمناصرين للرئيس قيس سعيد قبل الاستفتاء وبعده. ومن ثم، فخطاب العشرية السوداء والتنمر بين تلك الأطراف السياسية لا يكاد يُرجى الشفاء منه عاجلا أو آجلا لأن جذوره راسخة في طيات التركيبة النفسية للشخصية التونسية المستنفرة. فغياب العقل صاحب التحليل الرصين والتصور السليم للأمور لا يساعد بالتأكيد على النجاح في كسب رهان الحوار الوطني الكامل الذي تعرقل الحصولَ عليه كثير من معالم الشخصية التونسية المستنفِرة في القمة والقاعدة ومن بينهما مما يجعل فعلا المجتمع التونسي في مأزق عبثي لا يكاد يسهل الخروج منه بسلامة.
3-لعالَم السياسة ميثاق وبنود توجهه يأتي في طليعتها مبدأ أن لا عداوة دائمة بين الأطراف السياسية المتنازعة. تشهد الحرب العالمية الثانية على ذلك.لقد شنت ألمانيا النازية حروبا على معظم الأقطار الأوروبية وغزت البعض منها واستعملت واشنطن القنبلة الذرية ضد اليابان. فالصداقة منذ عقود بين فرنسا وألمانيا، من جهة، وبين اليابان وأمريكا، من جهة ثانية، تمثل ظاهرة لا تكاد تُصدَّق لأن تلك الدول تمارس مبدأ لا عداوة دائمة مع الخصم السياسي خارج حدودها ناهيك عن الخصم السياسي داخل حدود الوطن الواحد. فرفع راية العداوة الدائمة للعشرية السوداء يشير إلى جهل بمنطق ميثاق وبنود عالم السياسة في النظم الديمقراطية الحقيقية. وبالتالي فالكذب واضح وفاضح لمن يدعي الانتماء إلى أخلاق الديمقراطية الصحيحة والرغبة في ممارستها وهو يواصل في نفس الوقت تعنته في المسك بخنجر العداوة المستمرة على العشرية السوداء التي تُنتقد فيها عموما حركة النهضة فقط بينما شاركت في الحكم معها أحزاب أخرى في عشرية الحكم ما بعد الثورة. يُنتظر أن يكون للشخصية التونسية المستنفِرة دور في مثل ذلك السلوك الجماعي. وهكذا ، فأصحاب تلك الشخصية الذين يسمون أنفسهم ديمقراطيين أو يدافعون عن منظومة النظام الديمقراطي بحماس هم قوم يحتضنون ديمقراطية مغشوشة يتبرأ منها جنود الديمقراطية السليمة ويقفون سدا منيعا ضد أي خيانة لمبادئها الأصيلة وغش لمنظومة الحكم الديمقراطي التي لا تقبل أبجديتُها العداوةَ الدائمة للخصم لأنه موقف عبثي خال من نور الحكمة ومليء بحزمة التناقضات التي لا تتحملها طاقة النظام الديمقراطي السليم.