إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

محمد الجويلي: لا أحد يستطيع الإصلاح لأن المصالح متشابكة

تونس-الصباح

فاجعة جرجيس أسبابها وتداعياتها.. تنامي الهجرة غير الشرعية والشرعية وبعض الظواهر الأخرى على غرار العنف واستفحاله الى جانب ابرز التحديات التي يواجهها الشباب التونسي كانت تلك ابرز المحاور التي تعرّض إليها أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس والمدير العام السابق للمرصد الوطني للشباب في تونس والخبير في السياسة الاجتماعية محمد الجويلي في حوار خص به "الصباح"، معتبرا أن البلاد تعيش على وقع الهجرة غير النظامية الى حد تحولت معه الى الشخصية الأولى في تونس...

وفيما يلي نص الحوار :

أجرت الحوار: منال حرزي

 

*لننطلق من  فاجعة جرجيس التي ما تزال تداعياتها الى اليوم قائمة من غضب واحتجاجات ما تعليقك على الحادثة؟

ما حصل في جرجيس هو مأساة على مستويين: المستوى الأول هو الغرق وفقدان الناس وهذا في حد ذاته مأساة إنسانية كبيرة جدا. أما المأساة الثانية فتتمثل في كيفية مواجهة الموت وترتيباته في علاقة أساسا بالدفن. وهنا كانت القضية كبيرة جدا لان ترتيبات الموت تمت أساسا في الموت مع الآخر وهذا الآخر الغريب. فأن يٌوضع أهالي جرجيس في مقبرة الغرباء زاد في تأجيج الوضع إذ لا يكفي انه مات غريقا ثم ينتهي غريبا في مدينته وهذه المأساة هي الانتهاء غريبا في مدينته. وهذا من شانه أن يفتح نقاشا إنسانيا وحقوقيا حول مقبرة الغرباء. فالتسمية أولا مستفزة لا جانب إنساني فيها وهؤلاء ليسوا غرباء وإنما بشر. لا بد من مراجعة تسمية مقبرة الغرباء لأنها هي التي حيرت العملية فهي تسمية غير معقولة على المستويين الحقوقي  والإنساني.

*وما ذا عن التعاطي الرسمي مع هذه الفاجعة الذي وصفه كثيرون باللامبالاة؟

هناك نوع من الاستسهال واللامبالاة السيئة والمستفزة لأنه كانت هنالك إجراءات معروفة على مستوى التحليل الجيني والتثبت من الجثث وكان لا بد من مراعاة الحالة النفسية لعائلات الغرقى ومنحهم ما يليق بهم من دفن محترم. السلطة المحلية ليس لها من الانتروبولوجية والسوسيولوجية بما يجعلها تفهم أن هذه العملية من شانها أن تخلق تشنجات كبيرة جدا .

*حادثة جرجيس تدفعنا الى الخوض في معضلة الهجرة غير الشرعية والأرقام في  هذا المجال أكثر من مفزعة  لكن رغم كل المآسي الناتجة عنها إلا أن هنالك إصرارا غريبا على الهجرة التي تحولت الى  ثقافة، كيف تفسر ذلك؟

تعيش جرجيس كل صائفة على وقع الهجرة بمعنى أن من يزور جرجيس في الصيف سيلاحظ تقريبا أن كل المظاهر هي مظاهر هجروية أي مظاهر قادمة من مزايا الهجرة المادية والاعتبارية ومزايا العرض الهجروي وهذا من شانه أن يثير الرغبة في الهجرة حتى لمن لا تخامره الفكرة. فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية وتناميها فانه إذا كانت هنالك شخصية تحرك الأحداث منذ أشهر الى الآن هي شخصية الهجرة غير النظامية فهي الشخصية الأساسية الآن في تونس.

البلاد تعيش على وقع الهجرة غير النظامية فهي الآن  الشخصية الأولى في تونس وتحرك أشياء عديدة حولها.  بالنسبة للرغبة المحمومة في الهجرة لدى الشباب والعائلات وحتى  القصّر  لا ننسى ان سنتين من الكوفيد قد ساهمتا في تراجع حركية الهجرة غير النظامية وبالتالي، بعد سنتين هنالك نوع من التدارك فضلا عن ان  الوضع الداخلي على جميع المستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا قد ساهم في انسداد الآفاق بشكل عام كما لا يوجد مشروع مجتمعي واضح المعالم الذي ربما يخفف من رغبتهم في الهجرة غير النظامية.

*كيف تقرأ  أو تفسر تنامي هجرة الإطارات من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين؟

هي عوامل مركبة تشمل البعد المادي وتحسينه الذي لا يمكن نفيه والذي يشمل تحسين وضع العائلة وجودة الحياة. اما الجانب الثاني فهو متعلق بظروف العمل فالاطباء والمهندسون مصنفون تحت خانة "المهن النبيلة" وهؤلاء يمارسون عملهم في مستشفيات وضعها رديء جدا الى جانب وجود عنف كبير، مع انعدام يكاد يكون كليا للأدوية وللتجهيزات الطبية. وبالتالي فان الطبيب يفكر مباشرة في الهجرة. منهم من يهاجر هربا من الاهانة وبحثا عن اعتراف اكبر في بلدان أخرى تستقبله باحترام كما كان ذلك سابقا في بلادهم وكذلك نفس الشيء بالنسبة للمهندسين.

*برأيك من يتحمل المسؤولية في هذه "الهبة" الجماعية نحو الخارج؟

دائما الدولة هي المسؤولة عن إدارة  الشأن العام وعن إدارة المؤسسات العمومية فهي التي تتصرف في هذه المؤسسات بشكل عام. الدولة الآن عاجزة عن تطوير المؤسسات المدرسية والتربوية والاستشفائية. تقريبا كل المؤسسات في حالة تراجع ووهن كبيرين. والدولة مسؤولة عن هذا لكن ليست الدولة وحدها وإنما هنالك عناصر أخرى  على غرار بعض النقابات التي ساهمت في تعطيل بعض الإصلاحات  من خلال الاستفادة من هذه المؤسسات على حساب وضعية أفضل لها. هنالك بعض النقابات التي تتعارض مصالحها مع مشاريع الإصلاح وتطوير المؤسسات الى ما هو أفضل.

*هل من حلول تراها اليوم ناجعة لإيقاف نزيف الهجرة؟

مبدئيا الهجرة هي حق إنساني ولا نعتبره نزيفا. فالهجرة تعتبر من الحقوق الأساسية للبشر سواء للعمل أو للسياحة أو لأي سبب كان. لكن عمليا كيف يمكن ان تٌبقي كوادرك والقوى العاملة في البلد وبالتالي لا بد من إعادة النظر في بناء مؤسسات وطنية برؤية ومنطق جديد من خلال تثمين قيمة العمل واعتماد رقابة ومساءلة ومكافحة الفساد الموجود فيها حتى تستعيد هذه المؤسسات ثقتها في نفسها وثقة المواطنين فيها. وهذا من الممكن ان يتحقق لو وجدت إرادة سياسية وان يكون الخطاب الإصلاحي واضحا للجميع حتى ينخرط فيه الجميع.

*ألا تلاحظ انه لا رغبة اليوم ولا إرادة  في الإصلاح والتقدم خاصة وأننا نتحدث عن نفس المشاكل ونفس الملفات العالقة منذ 2011 ولم يفعل منها الى اليوم شيء في أي مجال؟

لا احد يستطيع الإصلاح  لان المصالح متشابكة. الإرادة أو الرغبة موجودة لكن الإرادة التي تواجه أول صعوبة تتراجع لان تشابك المصالح يجعل الصراع قويا جدا. ما يحدث هو أن أي حكومة تريد أن تصلح تواجهها صعوبات من أطراف مختلفة ليست لها مصلحة في الإصلاح فتتراجع هذه الحكومات لتنتظر فرصة قادمة وهكذا دواليك.

*بعيدا عن معضلة الهجرة بشقيها النظامية وغير النظامية نعيش اليوم على وقع ظاهرة أخرى لا تقل خطورة تتمثل في تنامي العنف الذي استفحل كثيرا وطال جميع المجالات والميادين بما تفسر تناميه هل هو نتاج للأزمة السياسية والاجتماعية الراهنة؟

في غياب مشروع مجتمعي واضح المعالم وفي غياب رؤية واضحة سيكون هنالك ردة فعل. لم يعد هنالك خوف من الدولة مثلما هو الحال سابقا وهو ما أدى الى تنامي  مظاهر العنف والجريمة التي انتقلت من جرائم الحق العام ليصبح العنف جزء من مؤسسات الوطنية: وسائل النقل بجميع أصنافها تشهد عنفا، الناقلة الجوية شهدت بدورها عنفا في السماء. وكذلك الحال في الإدارات في المدارس وفي المستشفيات. وهذا يعبر عن احتجاج على سوء الخدمات .

*اليوم مع تأزم الوضعين السياسي والاقتصادي وخاصة الاجتماعي ومع الغلاء الفاحش للأسعار هل يمكن القول إننا على أبواب ثورة اجتماعية؟

ثورة اجتماعية بالمعني الكبير للكلمة هي مسألة صعبة. سنشهد ربّما سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية ولكن هنالك مؤشر مهم وهو أن الاحتجاجات الاجتماعية هي ليست احتجاجات متجانسة وإنما ذات عناوين مختلفة, وهذه العناوين لا تؤشر الى ثورة اجتماعية. ثم هنالك قطيعة بين الحركات الاحتجاجية في الأحياء والمدن وبين النخب والقيادات السياسية. وهذه القطيعة لا تنبئ بوجود حراك اجتماعي كبير.

*الشباب اليوم ومنذ 2011  مازال يستعمل كوقود انتخابي ألا ترى أن الفاعلين السياسيين مطالبون بالقيام بمراجعات؟

العلاقة بين الشباب والأقل شبابا هي علاقة حول السلطة  مهما كانت نوعية السلطة رمزية أو سياسية أو اجتماعية. وفي العادة  هنالك ترتيبات: الشباب يمتلك الطموح والجرأة والتهور والكهول يتحلون بالحكمة والقدوة وحسن التصرف وبالتالي هم الأحق بالسلطة مهما كان نوعها وخاصة السلطة السياسية ويتم الصراع في هذا المستوى. تصرف الأحزاب السياسية مع الشباب لم يكن سليما لأن فيه صراعا حول السلطة لان الأحزاب السياسية غالبيتها أحزاب انتخابية بالأساس والكثير منها انتهى بمجرد انتهاء الانتخابات وبالتالي لم تعد هنالك ثقة بين الشباب وبين العمل السياسي داخل الأطر الحزبية. الفعل السياسي موجود لدى الشباب لكنه يريد ان يكون خارج الأطر الحزبية. صحيح ان الأحزاب السياسية ضرورية للحياة السياسية ولكن اعتقد ان دورها في اتجاه التضاؤل وممكن ان نشهد خلال العشرين او الثلاثين والأربعين سنة القادمة تشكيلات سياسية من نوع آخر  بمنطق آخر وبمضامين أخرى. الأحزاب السياسية في تونس مدعوة الى ان يكون لها فهم جيد للواقع وللتحولات الاجتماعية ولعلاقة الشباب بالتحولات الاجتماعية مع تواجد أكثر في الميدان واعتماد وضوح أكثر في الخطاب.

*كيف تصف الشباب اليوم؟

يقول احد علماء الاجتماع أن الشباب ليس سوى كلمة بمعنى انه لا يمكن أن نضعه في سلة واحدة لان المسارات الشبابية مختلفة وفيها تفرعات وتشكيلات متنوعة من حيث الطموح والمسار والتجربة وبالتالي لا نستطيع القول إن هنالك شباب واحد في تونس .

محمد الجويلي: لا أحد يستطيع الإصلاح لأن المصالح متشابكة

تونس-الصباح

فاجعة جرجيس أسبابها وتداعياتها.. تنامي الهجرة غير الشرعية والشرعية وبعض الظواهر الأخرى على غرار العنف واستفحاله الى جانب ابرز التحديات التي يواجهها الشباب التونسي كانت تلك ابرز المحاور التي تعرّض إليها أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس والمدير العام السابق للمرصد الوطني للشباب في تونس والخبير في السياسة الاجتماعية محمد الجويلي في حوار خص به "الصباح"، معتبرا أن البلاد تعيش على وقع الهجرة غير النظامية الى حد تحولت معه الى الشخصية الأولى في تونس...

وفيما يلي نص الحوار :

أجرت الحوار: منال حرزي

 

*لننطلق من  فاجعة جرجيس التي ما تزال تداعياتها الى اليوم قائمة من غضب واحتجاجات ما تعليقك على الحادثة؟

ما حصل في جرجيس هو مأساة على مستويين: المستوى الأول هو الغرق وفقدان الناس وهذا في حد ذاته مأساة إنسانية كبيرة جدا. أما المأساة الثانية فتتمثل في كيفية مواجهة الموت وترتيباته في علاقة أساسا بالدفن. وهنا كانت القضية كبيرة جدا لان ترتيبات الموت تمت أساسا في الموت مع الآخر وهذا الآخر الغريب. فأن يٌوضع أهالي جرجيس في مقبرة الغرباء زاد في تأجيج الوضع إذ لا يكفي انه مات غريقا ثم ينتهي غريبا في مدينته وهذه المأساة هي الانتهاء غريبا في مدينته. وهذا من شانه أن يفتح نقاشا إنسانيا وحقوقيا حول مقبرة الغرباء. فالتسمية أولا مستفزة لا جانب إنساني فيها وهؤلاء ليسوا غرباء وإنما بشر. لا بد من مراجعة تسمية مقبرة الغرباء لأنها هي التي حيرت العملية فهي تسمية غير معقولة على المستويين الحقوقي  والإنساني.

*وما ذا عن التعاطي الرسمي مع هذه الفاجعة الذي وصفه كثيرون باللامبالاة؟

هناك نوع من الاستسهال واللامبالاة السيئة والمستفزة لأنه كانت هنالك إجراءات معروفة على مستوى التحليل الجيني والتثبت من الجثث وكان لا بد من مراعاة الحالة النفسية لعائلات الغرقى ومنحهم ما يليق بهم من دفن محترم. السلطة المحلية ليس لها من الانتروبولوجية والسوسيولوجية بما يجعلها تفهم أن هذه العملية من شانها أن تخلق تشنجات كبيرة جدا .

*حادثة جرجيس تدفعنا الى الخوض في معضلة الهجرة غير الشرعية والأرقام في  هذا المجال أكثر من مفزعة  لكن رغم كل المآسي الناتجة عنها إلا أن هنالك إصرارا غريبا على الهجرة التي تحولت الى  ثقافة، كيف تفسر ذلك؟

تعيش جرجيس كل صائفة على وقع الهجرة بمعنى أن من يزور جرجيس في الصيف سيلاحظ تقريبا أن كل المظاهر هي مظاهر هجروية أي مظاهر قادمة من مزايا الهجرة المادية والاعتبارية ومزايا العرض الهجروي وهذا من شانه أن يثير الرغبة في الهجرة حتى لمن لا تخامره الفكرة. فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية وتناميها فانه إذا كانت هنالك شخصية تحرك الأحداث منذ أشهر الى الآن هي شخصية الهجرة غير النظامية فهي الشخصية الأساسية الآن في تونس.

البلاد تعيش على وقع الهجرة غير النظامية فهي الآن  الشخصية الأولى في تونس وتحرك أشياء عديدة حولها.  بالنسبة للرغبة المحمومة في الهجرة لدى الشباب والعائلات وحتى  القصّر  لا ننسى ان سنتين من الكوفيد قد ساهمتا في تراجع حركية الهجرة غير النظامية وبالتالي، بعد سنتين هنالك نوع من التدارك فضلا عن ان  الوضع الداخلي على جميع المستويات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا قد ساهم في انسداد الآفاق بشكل عام كما لا يوجد مشروع مجتمعي واضح المعالم الذي ربما يخفف من رغبتهم في الهجرة غير النظامية.

*كيف تقرأ  أو تفسر تنامي هجرة الإطارات من أطباء ومهندسين وأساتذة جامعيين؟

هي عوامل مركبة تشمل البعد المادي وتحسينه الذي لا يمكن نفيه والذي يشمل تحسين وضع العائلة وجودة الحياة. اما الجانب الثاني فهو متعلق بظروف العمل فالاطباء والمهندسون مصنفون تحت خانة "المهن النبيلة" وهؤلاء يمارسون عملهم في مستشفيات وضعها رديء جدا الى جانب وجود عنف كبير، مع انعدام يكاد يكون كليا للأدوية وللتجهيزات الطبية. وبالتالي فان الطبيب يفكر مباشرة في الهجرة. منهم من يهاجر هربا من الاهانة وبحثا عن اعتراف اكبر في بلدان أخرى تستقبله باحترام كما كان ذلك سابقا في بلادهم وكذلك نفس الشيء بالنسبة للمهندسين.

*برأيك من يتحمل المسؤولية في هذه "الهبة" الجماعية نحو الخارج؟

دائما الدولة هي المسؤولة عن إدارة  الشأن العام وعن إدارة المؤسسات العمومية فهي التي تتصرف في هذه المؤسسات بشكل عام. الدولة الآن عاجزة عن تطوير المؤسسات المدرسية والتربوية والاستشفائية. تقريبا كل المؤسسات في حالة تراجع ووهن كبيرين. والدولة مسؤولة عن هذا لكن ليست الدولة وحدها وإنما هنالك عناصر أخرى  على غرار بعض النقابات التي ساهمت في تعطيل بعض الإصلاحات  من خلال الاستفادة من هذه المؤسسات على حساب وضعية أفضل لها. هنالك بعض النقابات التي تتعارض مصالحها مع مشاريع الإصلاح وتطوير المؤسسات الى ما هو أفضل.

*هل من حلول تراها اليوم ناجعة لإيقاف نزيف الهجرة؟

مبدئيا الهجرة هي حق إنساني ولا نعتبره نزيفا. فالهجرة تعتبر من الحقوق الأساسية للبشر سواء للعمل أو للسياحة أو لأي سبب كان. لكن عمليا كيف يمكن ان تٌبقي كوادرك والقوى العاملة في البلد وبالتالي لا بد من إعادة النظر في بناء مؤسسات وطنية برؤية ومنطق جديد من خلال تثمين قيمة العمل واعتماد رقابة ومساءلة ومكافحة الفساد الموجود فيها حتى تستعيد هذه المؤسسات ثقتها في نفسها وثقة المواطنين فيها. وهذا من الممكن ان يتحقق لو وجدت إرادة سياسية وان يكون الخطاب الإصلاحي واضحا للجميع حتى ينخرط فيه الجميع.

*ألا تلاحظ انه لا رغبة اليوم ولا إرادة  في الإصلاح والتقدم خاصة وأننا نتحدث عن نفس المشاكل ونفس الملفات العالقة منذ 2011 ولم يفعل منها الى اليوم شيء في أي مجال؟

لا احد يستطيع الإصلاح  لان المصالح متشابكة. الإرادة أو الرغبة موجودة لكن الإرادة التي تواجه أول صعوبة تتراجع لان تشابك المصالح يجعل الصراع قويا جدا. ما يحدث هو أن أي حكومة تريد أن تصلح تواجهها صعوبات من أطراف مختلفة ليست لها مصلحة في الإصلاح فتتراجع هذه الحكومات لتنتظر فرصة قادمة وهكذا دواليك.

*بعيدا عن معضلة الهجرة بشقيها النظامية وغير النظامية نعيش اليوم على وقع ظاهرة أخرى لا تقل خطورة تتمثل في تنامي العنف الذي استفحل كثيرا وطال جميع المجالات والميادين بما تفسر تناميه هل هو نتاج للأزمة السياسية والاجتماعية الراهنة؟

في غياب مشروع مجتمعي واضح المعالم وفي غياب رؤية واضحة سيكون هنالك ردة فعل. لم يعد هنالك خوف من الدولة مثلما هو الحال سابقا وهو ما أدى الى تنامي  مظاهر العنف والجريمة التي انتقلت من جرائم الحق العام ليصبح العنف جزء من مؤسسات الوطنية: وسائل النقل بجميع أصنافها تشهد عنفا، الناقلة الجوية شهدت بدورها عنفا في السماء. وكذلك الحال في الإدارات في المدارس وفي المستشفيات. وهذا يعبر عن احتجاج على سوء الخدمات .

*اليوم مع تأزم الوضعين السياسي والاقتصادي وخاصة الاجتماعي ومع الغلاء الفاحش للأسعار هل يمكن القول إننا على أبواب ثورة اجتماعية؟

ثورة اجتماعية بالمعني الكبير للكلمة هي مسألة صعبة. سنشهد ربّما سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية ولكن هنالك مؤشر مهم وهو أن الاحتجاجات الاجتماعية هي ليست احتجاجات متجانسة وإنما ذات عناوين مختلفة, وهذه العناوين لا تؤشر الى ثورة اجتماعية. ثم هنالك قطيعة بين الحركات الاحتجاجية في الأحياء والمدن وبين النخب والقيادات السياسية. وهذه القطيعة لا تنبئ بوجود حراك اجتماعي كبير.

*الشباب اليوم ومنذ 2011  مازال يستعمل كوقود انتخابي ألا ترى أن الفاعلين السياسيين مطالبون بالقيام بمراجعات؟

العلاقة بين الشباب والأقل شبابا هي علاقة حول السلطة  مهما كانت نوعية السلطة رمزية أو سياسية أو اجتماعية. وفي العادة  هنالك ترتيبات: الشباب يمتلك الطموح والجرأة والتهور والكهول يتحلون بالحكمة والقدوة وحسن التصرف وبالتالي هم الأحق بالسلطة مهما كان نوعها وخاصة السلطة السياسية ويتم الصراع في هذا المستوى. تصرف الأحزاب السياسية مع الشباب لم يكن سليما لأن فيه صراعا حول السلطة لان الأحزاب السياسية غالبيتها أحزاب انتخابية بالأساس والكثير منها انتهى بمجرد انتهاء الانتخابات وبالتالي لم تعد هنالك ثقة بين الشباب وبين العمل السياسي داخل الأطر الحزبية. الفعل السياسي موجود لدى الشباب لكنه يريد ان يكون خارج الأطر الحزبية. صحيح ان الأحزاب السياسية ضرورية للحياة السياسية ولكن اعتقد ان دورها في اتجاه التضاؤل وممكن ان نشهد خلال العشرين او الثلاثين والأربعين سنة القادمة تشكيلات سياسية من نوع آخر  بمنطق آخر وبمضامين أخرى. الأحزاب السياسية في تونس مدعوة الى ان يكون لها فهم جيد للواقع وللتحولات الاجتماعية ولعلاقة الشباب بالتحولات الاجتماعية مع تواجد أكثر في الميدان واعتماد وضوح أكثر في الخطاب.

*كيف تصف الشباب اليوم؟

يقول احد علماء الاجتماع أن الشباب ليس سوى كلمة بمعنى انه لا يمكن أن نضعه في سلة واحدة لان المسارات الشبابية مختلفة وفيها تفرعات وتشكيلات متنوعة من حيث الطموح والمسار والتجربة وبالتالي لا نستطيع القول إن هنالك شباب واحد في تونس .