إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في مرحلة حاسمة من المسار.. هيئة الانتخابات تواجه اتهامات بسوء إدارة العملية الانتخابية

تونس- الصباح

بعد الحملة التي شنتها عليها أحزاب المعارضة، واجهت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الآونة الأخيرة انتقادات لاذعة من قبل أحزاب موالية لرئيس الجمهورية قيس سعيد ومنها بالخصوص حراك 25 جويلية الذي عبرت قياداته عن فقدانها الثقة في هذه الهيئة وطالبت بتغييرها، وكذلك من قبل الجمعيات المختصة في مراقبة المسارات الانتخابية وفي مقدمتها شبكة مراقبون التي أصدرت مساء أول أمس بيانا حول سوء إدارة الهيئة للعملية الانتخابية  تصميما وتنفيذا، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن أسباب وتداعيات تراجع منسوب الثقة في هذه المؤسسة التي أوكل لها المشرع ولاية عامة على تنظيم الانتخابات والإشراف عليها.

عن هذا السؤال أجاب عبد الرزاق المختار أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية المهتم بالشأن الانتخابي في نظم الانتقال الديمقراطي، وبين في تصريح لـ"الصباح" أن الهيئة أصبحت منتقدة أولا من جهة النص القانوني الناظم لها والذي يجعل لرئيس الجمهورية اليد الطولى في التعيينات صلبها سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة، وفسر أن الهيئة أصبحت لا تتمتع بمقتضى قانونها الأساسي في حد ذاته بمستويات الاستقلالية الدنيا، وتحجج البعض من أعضائها بأن العبرة هي بالاستقلالية الفعلية يجعل من هذه الاستقلالية رهينة سلوكيات أفراد وليس رهينة ضمانات قانونية حقيقية ،وهذا ما يجعل أعضاء الهيئة دائما تحت دائرة التقييم السياسي والتقييم الواقعي ويفقدهم إمكانية الاحتماء بالضمانات القانونية، وكل هذا حسب قول الجامعي، أدى إلى نتيجة وهي أن هيئة الانتخابات من خلال قانونها هي هيئة تابعة وهي من خلال الممارسات هيئة غير مبادرة  وغير شجاعة، وذكر أن غياب الشجاعة تمت ملاحظته منذ فترة الاستفتاء في مشروع الدستور، فالهيئة لم تتخذ موقفا من التعديل الذي تم على هذا المشروع بعد إصداره تحت عنوان إصلاح أخطاء تسربت لمشروع الدستور كما أن موقفها المتراخي من التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد في يوم الصمت الانتخابي خلق انطباعا لدى الرأي العام بأن الهيئة مرتعشة الأيادي.

ولاحظ المختار أن الهيئة أصبحت منتقدة أيضا لأن خطابها أصبح أحيانا كما لو أنه يدافع عن الرؤية الرسمية وكما لو أنه يؤول ويفسر ما تريده السلطة فهو لا يكتفي بدور الهيئة، وأشار إلى أن خطاب الهيئة وسلوكها يبعث على الحيرة ويدعو إلى طرح سؤال مفاده هل نحن إزاء هيئة تتعلل بالتقنوية وبالبيروقراطية، أي بكون دورها تقني فقط، أم أننا إزاء هيئة تفتش وتبحث في نوايا رئيس الجمهورية ثم تجسم هذه النوايا في القرارات التي تتخذها وذلك على شاكلة مواقفها المحتشمة من تعديل القانون المنظم لها.

ويرى الجامعي أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تبدو مرتعشة ومترددة وتبدو أنها في خدمة رئيس الجمهورية والحال أن المطلوب منها هو إدارة المسار الانتخابي بكل استقلالية، كما لاحظ الأستاذ عبد الرزاق المختار أن قرار الهيئة الأخير القاضي بتعديل رزنامة الانتخابات التشريعية لسنة 2022  يضرب المسار الانتخابي كمسار واضح الملامح، فبهذا القرار أصبح المسار قابلا لتسرب الخطأ وقابلا للتمديد، والحال أنه في التجارب المقارنة لا يتم التدخل في المسار الانتخابي وتواريخه إلا في حالة الخطر الداهم والقوة القاهرة.

وأضاف محدثنا قائلا :" إننا لا نفهم ما هي القوة القاهرة التي دفعت هيئة الانتخابات إلى تعديل الرزنامة في اتجاه التمديد في آجال تقديم الترشحات فهذا التعديل جعل نظام الترشح نظامين، نظام خاص بمن أتوا باكرا ونظام خاص بمن جاؤوا متأخرين وهو ما يضرب مبدأ المساواة ومبدأ الوضوح القانوني ومبدأ الثقة في القانون، وذلك لأننا في هذه الوضعية أصبحنا نتحدث عن تغيير قواعد اللعبة ليس على الأقل ليلة المباراة، بل أثناء المباراة نفسها يقوم الحكم بتغيير قواعد اللعبة كما يريد".

وذكر الجامعي أنه إضافة إلى ضرب مبدأ الثقة القانونية فإن قرار تعديل الروزنامة خلق انطباعا عاما بأن هيئة الانتخابات هي هيئة تتلمس نوايا رئيس الجمهورية وتحولها إلى قرارات، والمفروض أن الهيئة غير معنية بعدد الترشحات للانتخابات وهي بتمديدها في فترة تقديم الترشحات أصبحت تقوم بتقييم سياسي وتبحث عن نسب مشاركة أفضل وهي بهذه الكيفية تقوم بدور سياسي، ويرى أنه مهما كانت التعلات فإنه لا يتعين على الهيئة الدخول تحت هذا السقف لأن ذلك يجعل مصداقيتها ونزاهتها في الميزان، وأشار إلى أنه في الديمقراطيات التي تحترم نفسها لا يقع تغيير القواعد الدستورية والقانونية والترتيبية للانتخابات إلا في حالة القوة القاهرة والخطر الداهم.

وضع قانوني مشبوه

وفسر عبد الرزاق المختار أن النقد الموجه لهيئة الانتخابات على أساس أنها هيئة الرئيس يجعل تقييم المسار الانتخابي على المحك، وعوضا عن أن تكون الهيئة حارسة النزاهة أصبحت فاقدة للنزاهة.. وبين أنه إضافة إلى كل هذا فلا بد من التذكير بالوضع غير القانوني لرئيس الهيئة فاروق بوعسكر، فبوعسكر على حد وصف أستاذ القانون العام في وضع قانوني مشبوه يمكن أن يرتقي إلى حالة الفساد القانوني لأن مدة إلحاقه بالمنطق القانوني انتهت، وعليه إما أن يتخلى عن زي القاضي أو أن يستقيل من الهيئة، وأشار إلى أن هذه الوضعية لا تخفى على بوعسكر فهو رجل قانون ومن المفروض أنه يعلم جيدا أنه تجاوز كل الآجال القانونية للإلحاق واليوم تنسحب عليه وضعية اللا إلحاق لأن القانون واضح ونص على مدة خمس سنوات لا يمكن تجديدها، وبالتالي فهو في وضعية هشة من الناحية الوظيفية، وضعية تثير الشكوك حول قابلية التأثير والضغط والمس بالاستقلالية، وفسر محدثنا أن الأصل في الأشياء هو أن يكون رئيس الهيئة في وضعية قانونية وذلك حماية لاستقلالية الهيئة، وحماية للمؤسسة، وحماية للشخص في حد ذاته من أي ضغط تحت عنوان وضع هش قانونيا من الناحية الوظيفية.

وردا عن سؤال حول رأيه في تراجع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن اعتماد آلية البث المباشر لاجتماعات مجلسها وهي آلية كانت تساعد المتابعين لأعمالها من سياسيين وناشطين في جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وإعلاميين على فهم القرارات التي تتخذها بعد المداولة، أجاب المختار أن من مدح ثم ذم كذب مرتين وذكر أن الهيئة في مرحلة أولى مدحت آلية الشفافية هذه،  ثم قامت بالتخلي عن هذه الآلية وهو ما يجعل منها هيئة متضاربة في مواقفها، وأشار إلى أنه كان بالإمكان أن يمثل البث المباشر لاجتماعات مجلس الهيئة ضمانة إضافية للهيئة في ظل الانتقادات  للنص القانوني المنظم لها، لكنها أغلقت هذه النافذة على نفسها وهو ما يضيف عنصرا جديدا لعناصر تخبطها وعدم وضوح سياستها.

سعيدة بوهلال

في مرحلة حاسمة من المسار.. هيئة الانتخابات تواجه اتهامات بسوء إدارة العملية الانتخابية

تونس- الصباح

بعد الحملة التي شنتها عليها أحزاب المعارضة، واجهت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الآونة الأخيرة انتقادات لاذعة من قبل أحزاب موالية لرئيس الجمهورية قيس سعيد ومنها بالخصوص حراك 25 جويلية الذي عبرت قياداته عن فقدانها الثقة في هذه الهيئة وطالبت بتغييرها، وكذلك من قبل الجمعيات المختصة في مراقبة المسارات الانتخابية وفي مقدمتها شبكة مراقبون التي أصدرت مساء أول أمس بيانا حول سوء إدارة الهيئة للعملية الانتخابية  تصميما وتنفيذا، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن أسباب وتداعيات تراجع منسوب الثقة في هذه المؤسسة التي أوكل لها المشرع ولاية عامة على تنظيم الانتخابات والإشراف عليها.

عن هذا السؤال أجاب عبد الرزاق المختار أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية المهتم بالشأن الانتخابي في نظم الانتقال الديمقراطي، وبين في تصريح لـ"الصباح" أن الهيئة أصبحت منتقدة أولا من جهة النص القانوني الناظم لها والذي يجعل لرئيس الجمهورية اليد الطولى في التعيينات صلبها سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة، وفسر أن الهيئة أصبحت لا تتمتع بمقتضى قانونها الأساسي في حد ذاته بمستويات الاستقلالية الدنيا، وتحجج البعض من أعضائها بأن العبرة هي بالاستقلالية الفعلية يجعل من هذه الاستقلالية رهينة سلوكيات أفراد وليس رهينة ضمانات قانونية حقيقية ،وهذا ما يجعل أعضاء الهيئة دائما تحت دائرة التقييم السياسي والتقييم الواقعي ويفقدهم إمكانية الاحتماء بالضمانات القانونية، وكل هذا حسب قول الجامعي، أدى إلى نتيجة وهي أن هيئة الانتخابات من خلال قانونها هي هيئة تابعة وهي من خلال الممارسات هيئة غير مبادرة  وغير شجاعة، وذكر أن غياب الشجاعة تمت ملاحظته منذ فترة الاستفتاء في مشروع الدستور، فالهيئة لم تتخذ موقفا من التعديل الذي تم على هذا المشروع بعد إصداره تحت عنوان إصلاح أخطاء تسربت لمشروع الدستور كما أن موقفها المتراخي من التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد في يوم الصمت الانتخابي خلق انطباعا لدى الرأي العام بأن الهيئة مرتعشة الأيادي.

ولاحظ المختار أن الهيئة أصبحت منتقدة أيضا لأن خطابها أصبح أحيانا كما لو أنه يدافع عن الرؤية الرسمية وكما لو أنه يؤول ويفسر ما تريده السلطة فهو لا يكتفي بدور الهيئة، وأشار إلى أن خطاب الهيئة وسلوكها يبعث على الحيرة ويدعو إلى طرح سؤال مفاده هل نحن إزاء هيئة تتعلل بالتقنوية وبالبيروقراطية، أي بكون دورها تقني فقط، أم أننا إزاء هيئة تفتش وتبحث في نوايا رئيس الجمهورية ثم تجسم هذه النوايا في القرارات التي تتخذها وذلك على شاكلة مواقفها المحتشمة من تعديل القانون المنظم لها.

ويرى الجامعي أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تبدو مرتعشة ومترددة وتبدو أنها في خدمة رئيس الجمهورية والحال أن المطلوب منها هو إدارة المسار الانتخابي بكل استقلالية، كما لاحظ الأستاذ عبد الرزاق المختار أن قرار الهيئة الأخير القاضي بتعديل رزنامة الانتخابات التشريعية لسنة 2022  يضرب المسار الانتخابي كمسار واضح الملامح، فبهذا القرار أصبح المسار قابلا لتسرب الخطأ وقابلا للتمديد، والحال أنه في التجارب المقارنة لا يتم التدخل في المسار الانتخابي وتواريخه إلا في حالة الخطر الداهم والقوة القاهرة.

وأضاف محدثنا قائلا :" إننا لا نفهم ما هي القوة القاهرة التي دفعت هيئة الانتخابات إلى تعديل الرزنامة في اتجاه التمديد في آجال تقديم الترشحات فهذا التعديل جعل نظام الترشح نظامين، نظام خاص بمن أتوا باكرا ونظام خاص بمن جاؤوا متأخرين وهو ما يضرب مبدأ المساواة ومبدأ الوضوح القانوني ومبدأ الثقة في القانون، وذلك لأننا في هذه الوضعية أصبحنا نتحدث عن تغيير قواعد اللعبة ليس على الأقل ليلة المباراة، بل أثناء المباراة نفسها يقوم الحكم بتغيير قواعد اللعبة كما يريد".

وذكر الجامعي أنه إضافة إلى ضرب مبدأ الثقة القانونية فإن قرار تعديل الروزنامة خلق انطباعا عاما بأن هيئة الانتخابات هي هيئة تتلمس نوايا رئيس الجمهورية وتحولها إلى قرارات، والمفروض أن الهيئة غير معنية بعدد الترشحات للانتخابات وهي بتمديدها في فترة تقديم الترشحات أصبحت تقوم بتقييم سياسي وتبحث عن نسب مشاركة أفضل وهي بهذه الكيفية تقوم بدور سياسي، ويرى أنه مهما كانت التعلات فإنه لا يتعين على الهيئة الدخول تحت هذا السقف لأن ذلك يجعل مصداقيتها ونزاهتها في الميزان، وأشار إلى أنه في الديمقراطيات التي تحترم نفسها لا يقع تغيير القواعد الدستورية والقانونية والترتيبية للانتخابات إلا في حالة القوة القاهرة والخطر الداهم.

وضع قانوني مشبوه

وفسر عبد الرزاق المختار أن النقد الموجه لهيئة الانتخابات على أساس أنها هيئة الرئيس يجعل تقييم المسار الانتخابي على المحك، وعوضا عن أن تكون الهيئة حارسة النزاهة أصبحت فاقدة للنزاهة.. وبين أنه إضافة إلى كل هذا فلا بد من التذكير بالوضع غير القانوني لرئيس الهيئة فاروق بوعسكر، فبوعسكر على حد وصف أستاذ القانون العام في وضع قانوني مشبوه يمكن أن يرتقي إلى حالة الفساد القانوني لأن مدة إلحاقه بالمنطق القانوني انتهت، وعليه إما أن يتخلى عن زي القاضي أو أن يستقيل من الهيئة، وأشار إلى أن هذه الوضعية لا تخفى على بوعسكر فهو رجل قانون ومن المفروض أنه يعلم جيدا أنه تجاوز كل الآجال القانونية للإلحاق واليوم تنسحب عليه وضعية اللا إلحاق لأن القانون واضح ونص على مدة خمس سنوات لا يمكن تجديدها، وبالتالي فهو في وضعية هشة من الناحية الوظيفية، وضعية تثير الشكوك حول قابلية التأثير والضغط والمس بالاستقلالية، وفسر محدثنا أن الأصل في الأشياء هو أن يكون رئيس الهيئة في وضعية قانونية وذلك حماية لاستقلالية الهيئة، وحماية للمؤسسة، وحماية للشخص في حد ذاته من أي ضغط تحت عنوان وضع هش قانونيا من الناحية الوظيفية.

وردا عن سؤال حول رأيه في تراجع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن اعتماد آلية البث المباشر لاجتماعات مجلسها وهي آلية كانت تساعد المتابعين لأعمالها من سياسيين وناشطين في جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وإعلاميين على فهم القرارات التي تتخذها بعد المداولة، أجاب المختار أن من مدح ثم ذم كذب مرتين وذكر أن الهيئة في مرحلة أولى مدحت آلية الشفافية هذه،  ثم قامت بالتخلي عن هذه الآلية وهو ما يجعل منها هيئة متضاربة في مواقفها، وأشار إلى أنه كان بالإمكان أن يمثل البث المباشر لاجتماعات مجلس الهيئة ضمانة إضافية للهيئة في ظل الانتقادات  للنص القانوني المنظم لها، لكنها أغلقت هذه النافذة على نفسها وهو ما يضيف عنصرا جديدا لعناصر تخبطها وعدم وضوح سياستها.

سعيدة بوهلال