إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بمشاركة الطبوبي وماجول.. بودن تؤسس لخارطة طريق جديدة

إجماع على أهمية تفعيل مجلس الحوار الوطني للخروج  من الأزمة

تونس _ الصباح

أجمع المشاركون في أشغال الندوة الثلاثية رفيعة المستوى التي نظمتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، وبتمويل من الحكومة النرويجية، على ضرورة إعادة هيكلة عالم العمل في تونس تماشيا مع متطلبات الوضع الراهن في الدولة والمتغيرات العالمية بما يساهم في تغيير منظومة العمل المتعارف عليها في تونس والتوجه إلى صياغة أخرى تستجيب في جزئياتها وأهدافها وأبعادها لما يضمن أطرا متطورة تنظيميا ومهنيا وقانونيا وتشريعيا ويشجع على الابتكار والتطور للعامل والمؤسسة على حد السواء، ويساهم في إحداث نقلة نوعية في للطرفين ويدفع لخروج بلادنا من الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة إلى أخرى أفضل على مستويات عديدة.

ويذكر أن هذه الندوة انتظمت تحت عنوان "إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس من أجل إنجاح التعافي من جائحة كوفيد 19: الحوار الاجتماعي كرافعة للانتعاش الاقتصادي والاجتماعي"، وذلك بحضور ومشاركة نجلاء بودن رمضان رئيسة الحكومة ومالك الزاهي، وزير الشؤون الاجتماعية ونورالدين الطبوبي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل وسمير ماجول، رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إضافة إلى رانيا بيخازي مديرة مكتب منظمة العمل الدولية بالجزائر وارنود بيرل، منسق مكتب الأمم المتحدة بتونس وايفان فاد بيترسون من وزارة الخارجية للنرويج فضلا عن خبراء وممثلي حكومات ومنظمات دولية. فكانت الندوة مناسبة لتلاقي ممثلي السلط الرسمية من ناحية والمنظمات والهياكل الاجتماعية في تونس من ناحية أخرى للإعلان عن مجلس الحوار الاجتماعي بين جميع الأطراف الاجتماعية الشريكة يكون منطلقا للدخول في مرحلة الإصلاح العملي لمنظومة العمل في تونس وذلك بالاستئناس ببعض التجارب والرؤى الأجنبية المشابهة وتشريك ممثلي المنظمات الدولية التي تشتغل على المبادئ الحقوقية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية المشابهة للمشاركة في هذه المبادرة. والهام في هذا الطرح أنه انطلق من تشخيص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تونس أثناء أزمة كوفيد 19 باعتبار ان الجائحة المنعرج الذي دفع كل الأنظمة العالمية إعادة ترتيب أوضاعها أوراقها تشريعيا وتنظيميا.

ولئن شدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على أهمية الحوار الاجتماعي والبرامج التشاركية في ظل التحديات التي تعيشها بلادنا في هذه المرحلة، فإن الكلمة التي ألقاها في نفس الندوة وبقدر ما تضمنته من تشخيص حي للوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي والبيئي لم تخل من نقد لسياسة الحكومة في تمشيها وخياراتها وتغييبها لمبدأ التشاركية في الحوار والتشاور. لأنه يعتبر تشريك الشركاء الاجتماعيين في صياغة وتنفيذ ومتابعة السّياسات العامة هي المقاربة الأنجع لتبنّي ووضع الاستراتيجيات التّنموية في كنف الشّفافية والحوكمة الرّشيدة. مؤكدا في كلمته على  "إنّ الحكمة والعقلانية تقتضيان لا محالة ضرورة تفعيل مؤسسة المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي يشكّل الفضاء الأمثل والأنجع عبر لجانه السّتّ للحوار الفعّال والتّباحث في كلّ القضايا ورسم السّياسات التّنموية، لأنّه كان من الأحرى تدارس معضلة فقدان المواد الأساسية وغلاء المعيشة والارتفاع المشطّ للأسعار في اللّجنة القارّة للمقدرة الشّرائية والإنتاجية والتّحاليل الاقتصادية والاجتماعية، كما كان من الأجدر بلورة مخطّط التّنمية 2023-2025 بصورة تشاركية فعلية عبر الحوار والتّشاور على الأقلّ في اللّجنة القارّة للتّنمية الجهوية والنّموّ الاقتصادي والموارد الطّبيعية والقطاعات الإستراتيجية كالاقتصاد الرّقمي والفلاحة والطّاقة والصّناعات الغذائية والمعملية مع ضرورة سحب نفس المقاربة على ملفّ المفاوضات بخصوص الاتّفاق مع صندوق النّقد الدّولي أو قانون المالية التّكميلي لسنة 2022 أو قانون المالية لسنة 2023".

من جانبه أكد سمير ماجول، رئيس منظمة الأعراف، في نفس الندوة على ضرورة أن يكون عالم العمل ضمن المتغيرات الإقليمية والدولية بما يمكن من فتح آفاق عديدة وفرص عمل أوفر على مستوى وطني عبر تطوير وتقنيات آليات العمل على غرار العمل عن بعد والمنصات والسعي إلى تنظيمها وترتيبها قانونيا وتقنيا بما يجعل منها أداة ناجعة لتطوير العمل. واعتبر ماجول أن المجلس الوطني للحوار الاجتماعي بمثابة منارة لحورا مسؤول ونجاح لكل المبادرات. وعبر في المقابل عن تفاؤله بتطور الوضع وبأهمية الاتفاق بين جميع الجهات الرسمية والاجتماعية على برنامج عمل موحد وهادف يراعي متطلبات النجاح في التغلب على التحديات المطروحة ويؤسس لمنظومة متطورة.

إصلاحات ممنهجة

وجهت نجلاء بودن رئيس الحكومة رسالة إلى الشباب التونسي دعته فيها إلى الإيمان بأهمية العمل لاسيما في ظل الآليات الجديدة الإصلاحية الجديدة التي تحرص حكومتها على تكريسها في مسار تعافي الوضع من تداعيات الأزمات المتراكمة وفي ظل الجمهورية الجديدة التي تراعي حقوق جميع الفئات الاجتماعية والعمرية ومن بينها الشباب. وأكدت في الكلمة الافتتاحية للندوة، تثمينها لمثل هذه الشراكات الفاعلة والاعتبار من الدروس والتجارب بالعودة إلى طرح أزمة كوفيد 19 على نطاق واسع وفي سياق البحث عن حلول عملية ومخرجات تشاركية على مستويين وطني ودولي. مؤكدة في نفس الإطار ما عرفته بلادنا من تراجع في نسب النمو مقابل ارتفاع في نسب البطالة وتفاقم الفقر. ولم تخف رئيسة الحكومة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا بسبب نقص بعض المواد الاستهلاكية الأساسية والطاقية ودور ذلك في التضخم وارتفاع الديون وغلاء المعيشة.

كما أكدت نجلاء بودن حرص حكومتها على الخروج من هذه الأزمات رغم محدودية الإمكانيات والتحديات الكبرى المطروحة وذلك بالعمل على بلورة حلول جذرية بهدف إعادة البناء والإصلاح والتأسيس لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير العمل اللائق. وبينت أن ذلك يتطلب مراجعة السياسة التنموية والاجتماعية المعتمدة التأسيس لخارطة طريق جديدة. مشددة على ضرورة بلورة حلول مشتركة وذلك بعد الأطراف الشريكة والمختصين بما في الشركاء الاجتماعيين. لأنها تعتبر أن منوال التنمية المتداول لم يعد قادرا على مجابهة كومة الأزمات والوضع.

وأكدت بودن أن حكومتها شرعت منذ مدة في إعداد مجموعة من الإصلاحات توجت جهودها بالاتفاق الحاصل مع صندوق النقد الدولي يوم 15 أكتوبر الجاري. موضحة أن هناك توجها لتبسيط الإجراءات ومراجعة بعض القوانين عبر مراسيم في الغرض على غرار المرسوم المتعلق بالمراجعة الاستثنائية للصفقات العمومية المتعلقة بالأشغال. إضافة إلى الإصلاح الجذري للمنظومة التربوية على اعتبار أن التعليم هو ركيزة أساسية للاقتصاد.

كما أفادت رئيسة الحكومة على التوجه في برامج الحكومة الإصلاحية إلى توفير ظروف أفضل للشباب تتمثل في توفير فرص العمل وفرص التكوين والتشجيع على الاستثمار وذلك في إطار جملة من الإصلاحات التي وصفتها "بالممنهجة والجامعة مع الشركاء الاجتماعيين الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف رغم التحديات المطروحة" وفق تأكيدها.

تجربة وعبرة

لئن تحدث عدد من الخبراء المشاركين في هذه الندوة عن بعض تجارب البلدان في التعاطي مع أزمة كوفيد 19 المستجدة في مواجهة تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية بالأساس في علاقة بالأوساط المهنية والشغل فإن تأكيد حياة بن إسماعيل رئيسة اللجنة العامة للشغل والعلاقات المهنية بوزارة الشؤون الاجتماعية عن التجربة التونسية على نجاح التجربة التونسية في مجاراة نسق تطورات وتداعيات هذه الأزمة بعد اضطرار عديد المؤسسات إلى الإغلاق مؤقتا واضطرار أخرى إلى الغلق النهائي بسبب العجز عن مجاراة متطلبات ومصاريف الأزمة. وبينت أن 13 %  من المؤسسات تعرض عملاها للطرد النهائي و17 % تحصلت على دعم من الحكومة كما تم التوصل إلى اتخاذ جملة من الإجراءات وتعديل القوانين المعمول بها وتقديم منح لبعض العائلات والعاطلين عن العمل. لكن خليل الغرياني، عضو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أرجع نجاح التجربة التونسية في التعاطي مع هذه الأزمة من ناحية وإلى تداعايته السلبية التي تواصلت بشكل أخطر في هذه المرحلة إلى كونها ليست الأزمة الأولى التي تعرفها بلادنا بقوله في نفس الندوة: "سنة 2011 و2012 عرفت بلادنا أزمات مشابهة وكانت تداعياتها جد خطيرة حيث تم غلق بعض المؤسسات ووقع سد كل آفاق الحوار والعمل في بعض المؤسسات فضلا عن تغييب العمل بالتشريعات للتراجع الخدمات والمنتوجات في عديد المجالات ليزداد الوضع خطورة بعد الأزمات التي عرفها قطاع السياحة من منذ 2014 بسبب الاعتداءات الإرهابية الممنهجة. ليزداد الوضع مأساة بدخول الجائحة الوبائية سنة 2019  لذلك فإن تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي اليوم هو نتيجة تراكمات من الأزمات على نحو عجزت معه الدولة والقطاع الخاص على مجابهته".

واعتبر يوسف غلاب، رئيس وحدة الحوار الاجتماعي بمنظّمة العمل الدّولية، أن هذه الندوة مناسبة هامة لوضع لبنات أساسية لخروج الدولة التونسية من دائرة الأزمات وذلك عبر الدخول في شراكة موسعة ليس بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين في تونس فقط وإنما من خلال الانفتاح على المنظمات والتجارب الدولية الرائدة في المجال لاسيما أمام أهمية توسيع الرقمنة ووضع برامج وخطط عمل تستمد مقوماتها من الواقع التونسي لكن بمراعاة الشروط المعمول بها في المحيط الإقليمي والمتوسطي والعالمي.

 

وزير الشؤون الاجتماعية لـ"الصباح": باب الحوار مع الشركاء الاجتماعيين مفتوح وهذه الآليات الإصلاحية لمجابهة الأزمات

أكد مالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعي لـ"الصباح"  أنه لا خيار اليوم سوى الجلوس إلى حوار تشاركي يجمع الشركاء الاجتماعيين لاسيما في ظل الإصلاحات الضرورية التي تسعى الحكومة لتنفيذها. مؤكدا أن مسألة خوصصة بعض المؤسسات أو إعادة هيكلتها وإصلاحها سيكون من خلال التشاور وطرح المسالة مع الشركاء الاجتماعيين ودراسة وضعياتها حالة بحالة.

وبين أن الحكومة ماضية قدما في مسارها الإصلاحي وذلك باعتماد آليات مبتكرة لمجابهة الأزمات، من أجل ضمان الكرامة والعمل اللائق للعمال وطالبي الشغل. وبين أنه سيتم بعث صندوق للمنقطعين عن العمل يتولى صرف منح لفاقدي الشغل، إضافة إلى صندوق لتمويل مبادرات أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل، فضلا عن مواصلة تكريس الشركات الأهلية على نطاق وواس بما يساهم في زيادة فرص العمل والتشغيل.

وعبر الزاهي عن التزام  الحكومة بفتح باب الحوار مع الشركاء الاجتماعيين من أجل ترسيخ العمل اللائق، لافتا إلى أهمية أن تكون السياسات مستندة إلى مقاربة تشاركية من أجل ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين دون إنفراد أي جهة بالقرار والحل.

نورالدين الطبوبي لـ"الصباح": الانتكاسة الاقتصادية لم تعهدها بلادنا على مر التاريخ

نزل نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل هذه النّدوة في إطار العمل على دفع الحوار الاجتماعي بين مختلف الشّركاء في هذا الظّرف الدّقيق للمساهمة في تعزيز فرص الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي فيما بعد جائحة كوفيد-19، وما مثلته من أزمة إنسانية مأساوية غير مسبوقة حصدت ملايين الأرواح البشرية في العالم أجمع، وكانت لها آثار مدمّرة على الشّغل والشّعوب وكلّ الاقتصاديات وكشفت شحّ التّضامن الدّولي وهشاشة واقع العلاقات المهنية خاصّة في البعدين المتعلّقين بالحقّ في العمل والصّحة والسّلامة المهنية. ومساهمتها في تأزيم الوضع تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا بعد فقدان الآلاف لمواطن الشّغل وتراجع المداخيل وصعوبات مالية جمة تكبدتها المؤسّسات الاقتصادية الوطنية لاسيما المتوسّطة والصّغرى منها وبوجه خاصّ المؤسّسات الصّغرى جدّا مع تفاقم البطالة وتصاعد التّوتّرات الاجتماعية وتسارع الضّغوط التّضخمية وتراجع نسبة النّمو إلى مستويات سلبية عكست هول الانتكاسة الاقتصادية التّي لم تعهدها بلادنا على مرّ التّاريخ. ودعا إلى أن تكون مخرجات الندوة منسجمة ما تعيشه بلادنا في هذه المرحلة من تحديات كبرى.

 

نزيهة الغضباني

بمشاركة الطبوبي وماجول..  بودن تؤسس لخارطة طريق جديدة

إجماع على أهمية تفعيل مجلس الحوار الوطني للخروج  من الأزمة

تونس _ الصباح

أجمع المشاركون في أشغال الندوة الثلاثية رفيعة المستوى التي نظمتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، وبتمويل من الحكومة النرويجية، على ضرورة إعادة هيكلة عالم العمل في تونس تماشيا مع متطلبات الوضع الراهن في الدولة والمتغيرات العالمية بما يساهم في تغيير منظومة العمل المتعارف عليها في تونس والتوجه إلى صياغة أخرى تستجيب في جزئياتها وأهدافها وأبعادها لما يضمن أطرا متطورة تنظيميا ومهنيا وقانونيا وتشريعيا ويشجع على الابتكار والتطور للعامل والمؤسسة على حد السواء، ويساهم في إحداث نقلة نوعية في للطرفين ويدفع لخروج بلادنا من الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة إلى أخرى أفضل على مستويات عديدة.

ويذكر أن هذه الندوة انتظمت تحت عنوان "إعادة التفكير في هيكلة عالم العمل في تونس من أجل إنجاح التعافي من جائحة كوفيد 19: الحوار الاجتماعي كرافعة للانتعاش الاقتصادي والاجتماعي"، وذلك بحضور ومشاركة نجلاء بودن رمضان رئيسة الحكومة ومالك الزاهي، وزير الشؤون الاجتماعية ونورالدين الطبوبي أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل وسمير ماجول، رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية إضافة إلى رانيا بيخازي مديرة مكتب منظمة العمل الدولية بالجزائر وارنود بيرل، منسق مكتب الأمم المتحدة بتونس وايفان فاد بيترسون من وزارة الخارجية للنرويج فضلا عن خبراء وممثلي حكومات ومنظمات دولية. فكانت الندوة مناسبة لتلاقي ممثلي السلط الرسمية من ناحية والمنظمات والهياكل الاجتماعية في تونس من ناحية أخرى للإعلان عن مجلس الحوار الاجتماعي بين جميع الأطراف الاجتماعية الشريكة يكون منطلقا للدخول في مرحلة الإصلاح العملي لمنظومة العمل في تونس وذلك بالاستئناس ببعض التجارب والرؤى الأجنبية المشابهة وتشريك ممثلي المنظمات الدولية التي تشتغل على المبادئ الحقوقية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية المشابهة للمشاركة في هذه المبادرة. والهام في هذا الطرح أنه انطلق من تشخيص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تونس أثناء أزمة كوفيد 19 باعتبار ان الجائحة المنعرج الذي دفع كل الأنظمة العالمية إعادة ترتيب أوضاعها أوراقها تشريعيا وتنظيميا.

ولئن شدد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل على أهمية الحوار الاجتماعي والبرامج التشاركية في ظل التحديات التي تعيشها بلادنا في هذه المرحلة، فإن الكلمة التي ألقاها في نفس الندوة وبقدر ما تضمنته من تشخيص حي للوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي والبيئي لم تخل من نقد لسياسة الحكومة في تمشيها وخياراتها وتغييبها لمبدأ التشاركية في الحوار والتشاور. لأنه يعتبر تشريك الشركاء الاجتماعيين في صياغة وتنفيذ ومتابعة السّياسات العامة هي المقاربة الأنجع لتبنّي ووضع الاستراتيجيات التّنموية في كنف الشّفافية والحوكمة الرّشيدة. مؤكدا في كلمته على  "إنّ الحكمة والعقلانية تقتضيان لا محالة ضرورة تفعيل مؤسسة المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي يشكّل الفضاء الأمثل والأنجع عبر لجانه السّتّ للحوار الفعّال والتّباحث في كلّ القضايا ورسم السّياسات التّنموية، لأنّه كان من الأحرى تدارس معضلة فقدان المواد الأساسية وغلاء المعيشة والارتفاع المشطّ للأسعار في اللّجنة القارّة للمقدرة الشّرائية والإنتاجية والتّحاليل الاقتصادية والاجتماعية، كما كان من الأجدر بلورة مخطّط التّنمية 2023-2025 بصورة تشاركية فعلية عبر الحوار والتّشاور على الأقلّ في اللّجنة القارّة للتّنمية الجهوية والنّموّ الاقتصادي والموارد الطّبيعية والقطاعات الإستراتيجية كالاقتصاد الرّقمي والفلاحة والطّاقة والصّناعات الغذائية والمعملية مع ضرورة سحب نفس المقاربة على ملفّ المفاوضات بخصوص الاتّفاق مع صندوق النّقد الدّولي أو قانون المالية التّكميلي لسنة 2022 أو قانون المالية لسنة 2023".

من جانبه أكد سمير ماجول، رئيس منظمة الأعراف، في نفس الندوة على ضرورة أن يكون عالم العمل ضمن المتغيرات الإقليمية والدولية بما يمكن من فتح آفاق عديدة وفرص عمل أوفر على مستوى وطني عبر تطوير وتقنيات آليات العمل على غرار العمل عن بعد والمنصات والسعي إلى تنظيمها وترتيبها قانونيا وتقنيا بما يجعل منها أداة ناجعة لتطوير العمل. واعتبر ماجول أن المجلس الوطني للحوار الاجتماعي بمثابة منارة لحورا مسؤول ونجاح لكل المبادرات. وعبر في المقابل عن تفاؤله بتطور الوضع وبأهمية الاتفاق بين جميع الجهات الرسمية والاجتماعية على برنامج عمل موحد وهادف يراعي متطلبات النجاح في التغلب على التحديات المطروحة ويؤسس لمنظومة متطورة.

إصلاحات ممنهجة

وجهت نجلاء بودن رئيس الحكومة رسالة إلى الشباب التونسي دعته فيها إلى الإيمان بأهمية العمل لاسيما في ظل الآليات الجديدة الإصلاحية الجديدة التي تحرص حكومتها على تكريسها في مسار تعافي الوضع من تداعيات الأزمات المتراكمة وفي ظل الجمهورية الجديدة التي تراعي حقوق جميع الفئات الاجتماعية والعمرية ومن بينها الشباب. وأكدت في الكلمة الافتتاحية للندوة، تثمينها لمثل هذه الشراكات الفاعلة والاعتبار من الدروس والتجارب بالعودة إلى طرح أزمة كوفيد 19 على نطاق واسع وفي سياق البحث عن حلول عملية ومخرجات تشاركية على مستويين وطني ودولي. مؤكدة في نفس الإطار ما عرفته بلادنا من تراجع في نسب النمو مقابل ارتفاع في نسب البطالة وتفاقم الفقر. ولم تخف رئيسة الحكومة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا بسبب نقص بعض المواد الاستهلاكية الأساسية والطاقية ودور ذلك في التضخم وارتفاع الديون وغلاء المعيشة.

كما أكدت نجلاء بودن حرص حكومتها على الخروج من هذه الأزمات رغم محدودية الإمكانيات والتحديات الكبرى المطروحة وذلك بالعمل على بلورة حلول جذرية بهدف إعادة البناء والإصلاح والتأسيس لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير العمل اللائق. وبينت أن ذلك يتطلب مراجعة السياسة التنموية والاجتماعية المعتمدة التأسيس لخارطة طريق جديدة. مشددة على ضرورة بلورة حلول مشتركة وذلك بعد الأطراف الشريكة والمختصين بما في الشركاء الاجتماعيين. لأنها تعتبر أن منوال التنمية المتداول لم يعد قادرا على مجابهة كومة الأزمات والوضع.

وأكدت بودن أن حكومتها شرعت منذ مدة في إعداد مجموعة من الإصلاحات توجت جهودها بالاتفاق الحاصل مع صندوق النقد الدولي يوم 15 أكتوبر الجاري. موضحة أن هناك توجها لتبسيط الإجراءات ومراجعة بعض القوانين عبر مراسيم في الغرض على غرار المرسوم المتعلق بالمراجعة الاستثنائية للصفقات العمومية المتعلقة بالأشغال. إضافة إلى الإصلاح الجذري للمنظومة التربوية على اعتبار أن التعليم هو ركيزة أساسية للاقتصاد.

كما أفادت رئيسة الحكومة على التوجه في برامج الحكومة الإصلاحية إلى توفير ظروف أفضل للشباب تتمثل في توفير فرص العمل وفرص التكوين والتشجيع على الاستثمار وذلك في إطار جملة من الإصلاحات التي وصفتها "بالممنهجة والجامعة مع الشركاء الاجتماعيين الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف رغم التحديات المطروحة" وفق تأكيدها.

تجربة وعبرة

لئن تحدث عدد من الخبراء المشاركين في هذه الندوة عن بعض تجارب البلدان في التعاطي مع أزمة كوفيد 19 المستجدة في مواجهة تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والصحية بالأساس في علاقة بالأوساط المهنية والشغل فإن تأكيد حياة بن إسماعيل رئيسة اللجنة العامة للشغل والعلاقات المهنية بوزارة الشؤون الاجتماعية عن التجربة التونسية على نجاح التجربة التونسية في مجاراة نسق تطورات وتداعيات هذه الأزمة بعد اضطرار عديد المؤسسات إلى الإغلاق مؤقتا واضطرار أخرى إلى الغلق النهائي بسبب العجز عن مجاراة متطلبات ومصاريف الأزمة. وبينت أن 13 %  من المؤسسات تعرض عملاها للطرد النهائي و17 % تحصلت على دعم من الحكومة كما تم التوصل إلى اتخاذ جملة من الإجراءات وتعديل القوانين المعمول بها وتقديم منح لبعض العائلات والعاطلين عن العمل. لكن خليل الغرياني، عضو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أرجع نجاح التجربة التونسية في التعاطي مع هذه الأزمة من ناحية وإلى تداعايته السلبية التي تواصلت بشكل أخطر في هذه المرحلة إلى كونها ليست الأزمة الأولى التي تعرفها بلادنا بقوله في نفس الندوة: "سنة 2011 و2012 عرفت بلادنا أزمات مشابهة وكانت تداعياتها جد خطيرة حيث تم غلق بعض المؤسسات ووقع سد كل آفاق الحوار والعمل في بعض المؤسسات فضلا عن تغييب العمل بالتشريعات للتراجع الخدمات والمنتوجات في عديد المجالات ليزداد الوضع خطورة بعد الأزمات التي عرفها قطاع السياحة من منذ 2014 بسبب الاعتداءات الإرهابية الممنهجة. ليزداد الوضع مأساة بدخول الجائحة الوبائية سنة 2019  لذلك فإن تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي اليوم هو نتيجة تراكمات من الأزمات على نحو عجزت معه الدولة والقطاع الخاص على مجابهته".

واعتبر يوسف غلاب، رئيس وحدة الحوار الاجتماعي بمنظّمة العمل الدّولية، أن هذه الندوة مناسبة هامة لوضع لبنات أساسية لخروج الدولة التونسية من دائرة الأزمات وذلك عبر الدخول في شراكة موسعة ليس بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين في تونس فقط وإنما من خلال الانفتاح على المنظمات والتجارب الدولية الرائدة في المجال لاسيما أمام أهمية توسيع الرقمنة ووضع برامج وخطط عمل تستمد مقوماتها من الواقع التونسي لكن بمراعاة الشروط المعمول بها في المحيط الإقليمي والمتوسطي والعالمي.

 

وزير الشؤون الاجتماعية لـ"الصباح": باب الحوار مع الشركاء الاجتماعيين مفتوح وهذه الآليات الإصلاحية لمجابهة الأزمات

أكد مالك الزاهي وزير الشؤون الاجتماعي لـ"الصباح"  أنه لا خيار اليوم سوى الجلوس إلى حوار تشاركي يجمع الشركاء الاجتماعيين لاسيما في ظل الإصلاحات الضرورية التي تسعى الحكومة لتنفيذها. مؤكدا أن مسألة خوصصة بعض المؤسسات أو إعادة هيكلتها وإصلاحها سيكون من خلال التشاور وطرح المسالة مع الشركاء الاجتماعيين ودراسة وضعياتها حالة بحالة.

وبين أن الحكومة ماضية قدما في مسارها الإصلاحي وذلك باعتماد آليات مبتكرة لمجابهة الأزمات، من أجل ضمان الكرامة والعمل اللائق للعمال وطالبي الشغل. وبين أنه سيتم بعث صندوق للمنقطعين عن العمل يتولى صرف منح لفاقدي الشغل، إضافة إلى صندوق لتمويل مبادرات أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل، فضلا عن مواصلة تكريس الشركات الأهلية على نطاق وواس بما يساهم في زيادة فرص العمل والتشغيل.

وعبر الزاهي عن التزام  الحكومة بفتح باب الحوار مع الشركاء الاجتماعيين من أجل ترسيخ العمل اللائق، لافتا إلى أهمية أن تكون السياسات مستندة إلى مقاربة تشاركية من أجل ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين دون إنفراد أي جهة بالقرار والحل.

نورالدين الطبوبي لـ"الصباح": الانتكاسة الاقتصادية لم تعهدها بلادنا على مر التاريخ

نزل نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل هذه النّدوة في إطار العمل على دفع الحوار الاجتماعي بين مختلف الشّركاء في هذا الظّرف الدّقيق للمساهمة في تعزيز فرص الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي فيما بعد جائحة كوفيد-19، وما مثلته من أزمة إنسانية مأساوية غير مسبوقة حصدت ملايين الأرواح البشرية في العالم أجمع، وكانت لها آثار مدمّرة على الشّغل والشّعوب وكلّ الاقتصاديات وكشفت شحّ التّضامن الدّولي وهشاشة واقع العلاقات المهنية خاصّة في البعدين المتعلّقين بالحقّ في العمل والصّحة والسّلامة المهنية. ومساهمتها في تأزيم الوضع تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا بعد فقدان الآلاف لمواطن الشّغل وتراجع المداخيل وصعوبات مالية جمة تكبدتها المؤسّسات الاقتصادية الوطنية لاسيما المتوسّطة والصّغرى منها وبوجه خاصّ المؤسّسات الصّغرى جدّا مع تفاقم البطالة وتصاعد التّوتّرات الاجتماعية وتسارع الضّغوط التّضخمية وتراجع نسبة النّمو إلى مستويات سلبية عكست هول الانتكاسة الاقتصادية التّي لم تعهدها بلادنا على مرّ التّاريخ. ودعا إلى أن تكون مخرجات الندوة منسجمة ما تعيشه بلادنا في هذه المرحلة من تحديات كبرى.

 

نزيهة الغضباني