طفحت بقوة في المدة الأخيرة الأحداث المؤثرة التي استحوذت على اهتمام التونسيين وشدّت إليها الرأي العام الواسع وشغلت بال المجتمع بجميع أطيافه المختلفة وخاصة ما ترتب عنها من تداعيات مؤلمة في حياة الناس ونفسياتهم وانعكاساتها على السلم الأهلي وعلى السير العادي لعيش المواطن الذي لا يرغب في أكثر من تأمين حياته وحياة أفراد عائلته بالقدر المتاح الهادئ من دون عناء ولا مشقة .. ونعني هنا بالأحداث المؤثرة إلى جانب أزمة الحكم الملقية بظلالها منذ الثورة وتتواصل إلى اليوم ، بروز الأزمات المتعددة وتتاليها بصفة أصبحت تشكل عبءا ثقيلا وحملا لا يطاق .
فمن أزمة الأجور والمرتبات التي أصبحت لا تلبي احتياجات الناس نتيجة الارتفاع المتواصل في أسعار المنتجات الغذائية وغير الغذائية إلى أزمة فقدان الكثير من المواد الحيوية من الأسواق وندرتها في المحلات التجارية ما جعل الناس تلهث للظفر بمادة السكر والحليب والبيض و اللحوم والبيضاء وغيرها من المواد والمنتجات التي أصبح فقدانها أمرا مألوفا عند المواطن.
وآخر هذه الأزمات التي أرهقت المواطن في عيشه وأتعبت جانبا كبيرا من الشعب وجعلت حياتهم صعبة أزمة ندرة وقود السيارات وفقدانه من محطات البنزين لأيام متواصلة ما أحدث حالة من الاضطراب أثرت في سلوك ونفسية المواطن الذي فقد التركيز وتحول هاجسه اليومي كيف يؤمن ما هو مفقود وضروري لنفسه ولعائلته وهكذا دخل المجتمع في صراع وحرب قد لا تنتهي في البحث عن المفقود.
هذا من دون أن ننسى الأزمات الأخرى الكبرى والتي يتواصل أثرها وتتسع دائرتها كأزمة الهجرة غير الشرعية للكثير من أفراد المجتمع خارج الوطن على متن قوارب الموت نحو السواحل الايطالية بحثا عن واقع أفضل بعد أن فقدوا الأمل في مستقبل أحسن في بلادهم .. وأزمة التعليم نتيجة النقص الحاصل في الإطار المدرس بعد أن توقفت الدولة عن التشغيل في قطاع التعليم وتخلت عن انتداب الأساتذة والمعلمين لتأمين الدروس ما جعل ما يقارب عن 400 تلميذ من دون مدرسين .. وأزمة البطالة وأزمة الفقر وأزمة النقل وأزمة القطاع الصحي المتهالك وأزمة تراجع القيم في المجتمع والتي جعلته يفقد ثوابته ومحدداته ونماذج إرشاده وقدواته ورموزه المؤثرة و جعلت منه مجتمعا تائها شاردا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ..
ما يحدث للبلاد من أزمات وغيره كثير يطرح السؤال الكبير حول كيف حصل هذا ؟ ولماذا وصلنا إلى هذه الحالة من التدهور وهذه الوضعية من التراجع والوهن ؟ وسؤال آخر حول البحث عن الحل بعد أن أصبح تشخيص العلل واضحا ؟
بداية من الضروري التنبيه إلى أن ما يحصل اليوم هو أزمة كبرى معقدة ومركبة ومتداخلة ومتراكمة نتيجة عدة أخطاء ارتكبت ولم يقع تداركها حتى تجمعت واتسعت مما صعب معالجتها وهذا التعقيد والتراكم يطرح السؤال التالي : هل ما يحصل اليوم تتحمل مسؤوليته نخبة فكرية وسياسية وحزبية وأكاديمية فاشلة عجزت عن إخراج البلاد من مأزقها ؟ أم هي أزمة أفكار نفتقدها وبدائل عجزنا عن توفيرها وحلول قديمة نعيد الاستنجاد بها قد اثبتت محدوديتها وانتهاء صلاحيتها وتطبيقها من جديد يعيد انتاج نفس الفشل ؟ أم هي أزمة قيادة وتسيير وأداء فاشل في إدارة الشأن العام وإدارة الأزمات بالحد الأدنى المطلوب ؟
هل نحتاج اليوم مع كل هذه الأزمات المجتمعة والمتواصلة إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي من جديد بطريقة مختلفة وأفضل من الطريقة التي يدار بها اليوم ؟ أسئلة كثيرة حائرة تعبر عن الهواجس التي تحتاج إلى مخابر بحث ومراكز دراسات وتفكير لفهم ما يحدث لهذا البلد وهذا الشعب المنهك ورسم الطريق لخلاصه و إنقاذه.
وبعيدا عن كل هذا القلق الفكري وهذه الحيرة الوجودية .. وبعيدا عن مشاعر العجز وانسداد الأفق وفقدان الأمل في القادم فإن الأزمة العاصفة اليوم هي أزمة دولة على مشارف الإفلاس أو دولة في حالة إفلاس غير معلن .. دولة لا تتوفر على السيولة اللازمة لخلاص مزوديها العموميين والأجانب لتوفير حاجيات الشعب من السلع والمنتجات والمواد الأساسية .. أزمة دولة لم تعد قادرة على خلاص المتعاملين معها .. أزمة دولة خزينتها لا يتوفر بها ما يجعلها تواصل تأمين نفقاتها في الأشهر القادمة .
لا أدري هل نحن واعون بكل هذه الأزمات الحادة وواعون بضرورة التعجيل بالتدخل لحلها؟ وهل لدينا من اليقين لتلمس خطورة الوضع ؟ والأهم من ذلك هل نحن مدركون لمغبة وتداعيات ونتائج إفلاس الدولة وعدم قدرة الحكومة على توفير المال اللازم والسيولة المطلوبة لخلاص باخرة حبوب أو حمولة مواد غذائية أو حمولة بنزين ؟.
أزمتنا الحقيقية اليوم على أهمية كل الأزمات الأخرى التي أتينا عليها هي أزمة دولة لم تعد قادرة على توفير السيولة المالية لمجابهة حاجيات شعبها وتلبية نفقاتها ..
بقلم: نوفل سلامة
طفحت بقوة في المدة الأخيرة الأحداث المؤثرة التي استحوذت على اهتمام التونسيين وشدّت إليها الرأي العام الواسع وشغلت بال المجتمع بجميع أطيافه المختلفة وخاصة ما ترتب عنها من تداعيات مؤلمة في حياة الناس ونفسياتهم وانعكاساتها على السلم الأهلي وعلى السير العادي لعيش المواطن الذي لا يرغب في أكثر من تأمين حياته وحياة أفراد عائلته بالقدر المتاح الهادئ من دون عناء ولا مشقة .. ونعني هنا بالأحداث المؤثرة إلى جانب أزمة الحكم الملقية بظلالها منذ الثورة وتتواصل إلى اليوم ، بروز الأزمات المتعددة وتتاليها بصفة أصبحت تشكل عبءا ثقيلا وحملا لا يطاق .
فمن أزمة الأجور والمرتبات التي أصبحت لا تلبي احتياجات الناس نتيجة الارتفاع المتواصل في أسعار المنتجات الغذائية وغير الغذائية إلى أزمة فقدان الكثير من المواد الحيوية من الأسواق وندرتها في المحلات التجارية ما جعل الناس تلهث للظفر بمادة السكر والحليب والبيض و اللحوم والبيضاء وغيرها من المواد والمنتجات التي أصبح فقدانها أمرا مألوفا عند المواطن.
وآخر هذه الأزمات التي أرهقت المواطن في عيشه وأتعبت جانبا كبيرا من الشعب وجعلت حياتهم صعبة أزمة ندرة وقود السيارات وفقدانه من محطات البنزين لأيام متواصلة ما أحدث حالة من الاضطراب أثرت في سلوك ونفسية المواطن الذي فقد التركيز وتحول هاجسه اليومي كيف يؤمن ما هو مفقود وضروري لنفسه ولعائلته وهكذا دخل المجتمع في صراع وحرب قد لا تنتهي في البحث عن المفقود.
هذا من دون أن ننسى الأزمات الأخرى الكبرى والتي يتواصل أثرها وتتسع دائرتها كأزمة الهجرة غير الشرعية للكثير من أفراد المجتمع خارج الوطن على متن قوارب الموت نحو السواحل الايطالية بحثا عن واقع أفضل بعد أن فقدوا الأمل في مستقبل أحسن في بلادهم .. وأزمة التعليم نتيجة النقص الحاصل في الإطار المدرس بعد أن توقفت الدولة عن التشغيل في قطاع التعليم وتخلت عن انتداب الأساتذة والمعلمين لتأمين الدروس ما جعل ما يقارب عن 400 تلميذ من دون مدرسين .. وأزمة البطالة وأزمة الفقر وأزمة النقل وأزمة القطاع الصحي المتهالك وأزمة تراجع القيم في المجتمع والتي جعلته يفقد ثوابته ومحدداته ونماذج إرشاده وقدواته ورموزه المؤثرة و جعلت منه مجتمعا تائها شاردا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ..
ما يحدث للبلاد من أزمات وغيره كثير يطرح السؤال الكبير حول كيف حصل هذا ؟ ولماذا وصلنا إلى هذه الحالة من التدهور وهذه الوضعية من التراجع والوهن ؟ وسؤال آخر حول البحث عن الحل بعد أن أصبح تشخيص العلل واضحا ؟
بداية من الضروري التنبيه إلى أن ما يحصل اليوم هو أزمة كبرى معقدة ومركبة ومتداخلة ومتراكمة نتيجة عدة أخطاء ارتكبت ولم يقع تداركها حتى تجمعت واتسعت مما صعب معالجتها وهذا التعقيد والتراكم يطرح السؤال التالي : هل ما يحصل اليوم تتحمل مسؤوليته نخبة فكرية وسياسية وحزبية وأكاديمية فاشلة عجزت عن إخراج البلاد من مأزقها ؟ أم هي أزمة أفكار نفتقدها وبدائل عجزنا عن توفيرها وحلول قديمة نعيد الاستنجاد بها قد اثبتت محدوديتها وانتهاء صلاحيتها وتطبيقها من جديد يعيد انتاج نفس الفشل ؟ أم هي أزمة قيادة وتسيير وأداء فاشل في إدارة الشأن العام وإدارة الأزمات بالحد الأدنى المطلوب ؟
هل نحتاج اليوم مع كل هذه الأزمات المجتمعة والمتواصلة إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي من جديد بطريقة مختلفة وأفضل من الطريقة التي يدار بها اليوم ؟ أسئلة كثيرة حائرة تعبر عن الهواجس التي تحتاج إلى مخابر بحث ومراكز دراسات وتفكير لفهم ما يحدث لهذا البلد وهذا الشعب المنهك ورسم الطريق لخلاصه و إنقاذه.
وبعيدا عن كل هذا القلق الفكري وهذه الحيرة الوجودية .. وبعيدا عن مشاعر العجز وانسداد الأفق وفقدان الأمل في القادم فإن الأزمة العاصفة اليوم هي أزمة دولة على مشارف الإفلاس أو دولة في حالة إفلاس غير معلن .. دولة لا تتوفر على السيولة اللازمة لخلاص مزوديها العموميين والأجانب لتوفير حاجيات الشعب من السلع والمنتجات والمواد الأساسية .. أزمة دولة لم تعد قادرة على خلاص المتعاملين معها .. أزمة دولة خزينتها لا يتوفر بها ما يجعلها تواصل تأمين نفقاتها في الأشهر القادمة .
لا أدري هل نحن واعون بكل هذه الأزمات الحادة وواعون بضرورة التعجيل بالتدخل لحلها؟ وهل لدينا من اليقين لتلمس خطورة الوضع ؟ والأهم من ذلك هل نحن مدركون لمغبة وتداعيات ونتائج إفلاس الدولة وعدم قدرة الحكومة على توفير المال اللازم والسيولة المطلوبة لخلاص باخرة حبوب أو حمولة مواد غذائية أو حمولة بنزين ؟.
أزمتنا الحقيقية اليوم على أهمية كل الأزمات الأخرى التي أتينا عليها هي أزمة دولة لم تعد قادرة على توفير السيولة المالية لمجابهة حاجيات شعبها وتلبية نفقاتها ..