رغم اتفاقها وتوافقها في تقييم الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فان المعارضة التونسية مازالت لم تغادر بعد التقسيم القائم على الانتماء السياسي.
ويبدو واضحا أن عنوان الخلافات لم يتغير بعد أن تمترست أطراف حزبية في إعادة ضخ الفرز المبني على ثنائية العلمانيين والإسلاميين ودساترة في معارك شبيهة بما عاشه التونسيون إبان الانتفاضة الشعبية 17ديسمبر 14جانفي.
فقد كشفت أحزاب من المعارضة عن عنوان صراعاتها المستقبلية، فإلى جانب برنامجها اليومي في نقد سياسة الرئيس قيس سعيد وخطر تفرده بالسلطة فان بعض الأحزاب خيرت وضع خندق بينها وبين بقية مكونات المشهد من داخل المعارضة نفسها.
وإذ نجحت المعارضة في تقليص الخوف من الإجراءات الاستثنائية من خلال التحرك الميداني والبيانات والتصريحات فإنها واقعا لم تؤثر بشكل صريح في السياق العام للبلاد.
رأي يجد ما يبرره بالنظر إلى الترسانة القانونية للرئيس قيس سعيد ومضيه قدما غير عابئ بتحركات خصومه من الأحزاب والمنظمات بما وضعه على سكة رؤيته السياسية دون الحاجة لآي دعم من أي كان.
وفي الواقع فشلت المعارضة في الحد من سرعة الرئيس التي بدأها منذ سقوط حكومة حبيب الجملي وحين فرض سعيد على الأحزاب حكومته الأولى مع الياس الفخفاخ وحكومته الثانية مع هشام مشيشي والحكومة الأخيرة مع نجلاء بودن.
ولا يختلف عاقلان على أن المعارضة تعيش حالة من الوهم والوهن في آن واحد بعد أن وسعت من دائرة خلافاتها وأعادت إلى السطح عناوين الصراع السياسي أيام الجامعة التونسية لتضيع على نفسها وعلى البلاد فرصة الحد الأدنى.
تأكيدات كشفها مؤخرا أمين عام حزب المسار فوزي الشرفي الذي اعتبر أن حزبه لا يمكن له أن يتفاعل مع جبهة الخلاص نظرا لوجود حركة النهضة وائتلاف الكرامة بين مكوناتها.
ولم تكن حركة النهضة وائتلاف الكرامة العنوان الوحيد للرفض حيث حصل نفس الموقف مع الحزب الدستوري الحر وما تعرض له نهاية الأسبوع المنقضي من محاصرة لقياداته ومناضليه بعد أحداث تناقلتها مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية.
ورغم ما تعرض له الحزب فان بقية تشكيلات المعارضة غيبت مبدأ التضامن الحزبي مع الدستوري الحر وصمتت عن التجاوزات التي حصلت في حقه.
ولعل المقلق في هذه السياقات هو التصدع الظاهر لجبهة الرافضين لتاريخ 25جويلية لفائدة نظام سعيد الذي يبقى الطرف الوحيد المستفيد من هكذا صراعات بينية للمعارضة في ظل تشتت واضح بالرغم من وحدة الهدف في الإطاحة بقيس سعيد ونظامه المرفوض حزبيا.
لم تتوقف الكواليس السياسية في كل مرة عن رفع ملامح سقوط مشروع قيس سعيد ونظامه السياسي والحديث عن بدائل من داخل المنظومة نفسها.
ونشطت بعض الجهات في تكثيف الإشارات إلى وجود مشاريع بديلة وجاهزة تارة، وتارة أخرى بالتأكيد على انفجار اجتماعي بدأت ملامحه انطلاقا من الحزام المحيط بالعاصمة حي التضامن ودورا هيشر أو من جهات من داخل البلاد جرجيس وبنزرت مع تخوفات من التكلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الباهظة.
وعلى الرغم من كل ذلك لا يبدو سعيد متأثرا بصفات العزلة الداخلية والخارجية حيث مازال صاحب التدابير الاستثنائية يتحرك منفردا داخل مربع السياسة دون أي اهتمام يذكر لواقع التحولات الاجتماعية خارج قصر قرطاج.
ويظهر تركيز سعيد على تثبيت حكمه أكثر فأكثر، هكذا تثبيت تؤكده مؤشرات العزم على إتمام الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد استكمالا لمرحلة البناء الذي انطلق مع الاستشارة الالكترونية واستفتاء 25جويلية 2022.
ويتحرك سعيد بمعرفة مسبقة انه لا شيء يجمع بين مخالفيه وأن معارضتهم له مجرد صرخة في الوادي حيث لا تأثير لهم عليه بعد أن فصل الرئيس بين الطبقة السياسية فيما بينها أولا وبين الأحزاب وعموم التونسيين ثانيا، وفق خصومه.
وأظهر سعيد معرفة دقيقة بالأحزاب بعد أن استعان بعدد من الأطراف الانتهازية التي استعملها الرئيس كقنطرة لاستكمال برنامجه الانتخابي وهو ما يظهره رفضهم للتمشي الانتخابي وما حمله من شروط وقوانين مجحفة غير أنها ورغم تهديدها بالمقاطعة إلا أنها لم تفعل.
ويبقى السؤال الأهم في هذه المرحلة ماذا ستجنى المعارضة من صراعها الإيديولوجي؟ وفي حال حافظت المعارضة على أدائها المهزوز وبقي سعيد على نفس المنهج المتفرد من سينقذ البلاد وما هو الثمن؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
رغم اتفاقها وتوافقها في تقييم الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فان المعارضة التونسية مازالت لم تغادر بعد التقسيم القائم على الانتماء السياسي.
ويبدو واضحا أن عنوان الخلافات لم يتغير بعد أن تمترست أطراف حزبية في إعادة ضخ الفرز المبني على ثنائية العلمانيين والإسلاميين ودساترة في معارك شبيهة بما عاشه التونسيون إبان الانتفاضة الشعبية 17ديسمبر 14جانفي.
فقد كشفت أحزاب من المعارضة عن عنوان صراعاتها المستقبلية، فإلى جانب برنامجها اليومي في نقد سياسة الرئيس قيس سعيد وخطر تفرده بالسلطة فان بعض الأحزاب خيرت وضع خندق بينها وبين بقية مكونات المشهد من داخل المعارضة نفسها.
وإذ نجحت المعارضة في تقليص الخوف من الإجراءات الاستثنائية من خلال التحرك الميداني والبيانات والتصريحات فإنها واقعا لم تؤثر بشكل صريح في السياق العام للبلاد.
رأي يجد ما يبرره بالنظر إلى الترسانة القانونية للرئيس قيس سعيد ومضيه قدما غير عابئ بتحركات خصومه من الأحزاب والمنظمات بما وضعه على سكة رؤيته السياسية دون الحاجة لآي دعم من أي كان.
وفي الواقع فشلت المعارضة في الحد من سرعة الرئيس التي بدأها منذ سقوط حكومة حبيب الجملي وحين فرض سعيد على الأحزاب حكومته الأولى مع الياس الفخفاخ وحكومته الثانية مع هشام مشيشي والحكومة الأخيرة مع نجلاء بودن.
ولا يختلف عاقلان على أن المعارضة تعيش حالة من الوهم والوهن في آن واحد بعد أن وسعت من دائرة خلافاتها وأعادت إلى السطح عناوين الصراع السياسي أيام الجامعة التونسية لتضيع على نفسها وعلى البلاد فرصة الحد الأدنى.
تأكيدات كشفها مؤخرا أمين عام حزب المسار فوزي الشرفي الذي اعتبر أن حزبه لا يمكن له أن يتفاعل مع جبهة الخلاص نظرا لوجود حركة النهضة وائتلاف الكرامة بين مكوناتها.
ولم تكن حركة النهضة وائتلاف الكرامة العنوان الوحيد للرفض حيث حصل نفس الموقف مع الحزب الدستوري الحر وما تعرض له نهاية الأسبوع المنقضي من محاصرة لقياداته ومناضليه بعد أحداث تناقلتها مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية.
ورغم ما تعرض له الحزب فان بقية تشكيلات المعارضة غيبت مبدأ التضامن الحزبي مع الدستوري الحر وصمتت عن التجاوزات التي حصلت في حقه.
ولعل المقلق في هذه السياقات هو التصدع الظاهر لجبهة الرافضين لتاريخ 25جويلية لفائدة نظام سعيد الذي يبقى الطرف الوحيد المستفيد من هكذا صراعات بينية للمعارضة في ظل تشتت واضح بالرغم من وحدة الهدف في الإطاحة بقيس سعيد ونظامه المرفوض حزبيا.
لم تتوقف الكواليس السياسية في كل مرة عن رفع ملامح سقوط مشروع قيس سعيد ونظامه السياسي والحديث عن بدائل من داخل المنظومة نفسها.
ونشطت بعض الجهات في تكثيف الإشارات إلى وجود مشاريع بديلة وجاهزة تارة، وتارة أخرى بالتأكيد على انفجار اجتماعي بدأت ملامحه انطلاقا من الحزام المحيط بالعاصمة حي التضامن ودورا هيشر أو من جهات من داخل البلاد جرجيس وبنزرت مع تخوفات من التكلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الباهظة.
وعلى الرغم من كل ذلك لا يبدو سعيد متأثرا بصفات العزلة الداخلية والخارجية حيث مازال صاحب التدابير الاستثنائية يتحرك منفردا داخل مربع السياسة دون أي اهتمام يذكر لواقع التحولات الاجتماعية خارج قصر قرطاج.
ويظهر تركيز سعيد على تثبيت حكمه أكثر فأكثر، هكذا تثبيت تؤكده مؤشرات العزم على إتمام الانتخابات التشريعية في موعدها المحدد استكمالا لمرحلة البناء الذي انطلق مع الاستشارة الالكترونية واستفتاء 25جويلية 2022.
ويتحرك سعيد بمعرفة مسبقة انه لا شيء يجمع بين مخالفيه وأن معارضتهم له مجرد صرخة في الوادي حيث لا تأثير لهم عليه بعد أن فصل الرئيس بين الطبقة السياسية فيما بينها أولا وبين الأحزاب وعموم التونسيين ثانيا، وفق خصومه.
وأظهر سعيد معرفة دقيقة بالأحزاب بعد أن استعان بعدد من الأطراف الانتهازية التي استعملها الرئيس كقنطرة لاستكمال برنامجه الانتخابي وهو ما يظهره رفضهم للتمشي الانتخابي وما حمله من شروط وقوانين مجحفة غير أنها ورغم تهديدها بالمقاطعة إلا أنها لم تفعل.
ويبقى السؤال الأهم في هذه المرحلة ماذا ستجنى المعارضة من صراعها الإيديولوجي؟ وفي حال حافظت المعارضة على أدائها المهزوز وبقي سعيد على نفس المنهج المتفرد من سينقذ البلاد وما هو الثمن؟