الاستثناء التونسي الذي طالما تمّ التسويق لم يعد أمرا قابلا للتصديق من أكثر الناس غباء ،بل تونس مثل غيرها من الدول أو ربما أكثر من غيرها من الدول تعاني مخلفات الأزمة الاقتصادية ما بعد كوفيد -19 وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بضلالها على الاقتصاد العالمي في مجالي الطاقة والغذاء .
تونس لم تشكل الاستثناء في الأضرار التي لحقتها من تبعات هذه الأزمات لكنها تضررت أكثر من غيرها بسبب سوء إدارة الأزمة والمخلفات التي أنجرت عنها، فلم يجد المواطن التونسي لدى القائمين عليه رؤية واضحة تحدد خارطة طريق مستقبلية للخروج من الأزمة الحالية، كما لم تنجح الحكومة التونسية في ضبط استراتيجية اتصالية لهذه الأزمة ،استراتيجية تحاول تقديم أجوبة مقنعة للمواطن (وهو الجمهور المستهدف في هذه الحالة ) أجوبة تفسر له وتُفهمه ما يجري داخليا وخارجيا .
إدارة الأزمة اتصاليا كان مفقودا/ موجودا، وقبل الخوض في الموضوع وجب التذكير بأن تعريف الاتصال متعدد ولا يوجد ذلك التعريف الجامع المانع كما يقول الجرجاني في كتاب "التعريفات" بل هناك عديد التعريفات، لكن لنكتفي أن الاتصال ثلاثة أنواع ،اتصال شخصي/ أو جماعي ،اتصال المنتج (communication produit ) والهدف منه تثمين منتجا ما وهو أقرب إلى التسويق ،اتصال مؤسساتي (communication institutionnelle ) ويهدف إلى إبراز صورة المؤسسة وتثمينها ومنحها قيمة اعتبارية.
وسنتحدث هنا عن الاتصال المؤسساتي الذي يُفترض أن يؤسس لنفسه استراتيجية تبنى على ثلاث محاور رئيسية أولها أهداف متعددة وثانيها جمهور متعدد وثالثها تقنيات اتصال متعددة ، ويصبح الاتصال المؤسساتي في وقت الأزمات ضرورة ملحة بل أساسية حتى يمكن السيطرة على الإشاعات والأخبار الزائفة والمضللة التي تكثر في فترة الأزمات حيث يتم عادة تشكيل خلية أزمة تتولى وضع إستراتيجية اتصال أزمة أو أزماتي الغاية منها طمأنة الجمهور المستهدف والنأي به عن كل فوضى متوقعة .
فهل نملك نحن الآن في تونس اتصال أزمة أو أزماتي رغم أننا نعيش عديد الأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية ،الجواب لا ونعم .
الجواب نعم إذا اعتبرنا أن الحكومة التونسية والقائمين على الشأن العام في تونس اختاروا إستراتيجية اتصالية فى الأزمات التي نعيشها مبنية على إستراتيجية الإنكار وهي إنكار أننا نعيش أزمة وان كل ما يحصل هو انحرافات قام بها أشخاص أو جماعات لا يتم ذكرهم صراحة لكن تتم الإشارة إليهم بصيغة المبني للمجهول، أي أن هناك إقرارا معلوما بوجود فواعل وراء ما يحصل لكن الإشارة إليهم تتم بصيغة المبني للمجهول وهو ما يولد لخبطة وخلطا وانقساما لدى الجمهور المستهدف ولا يتمّ توجيه أصابع إلى طرف معين تسبب في الأزمة حتى لا يصبح المطلوب عندها معالجة الأزمة من خلال تطبيق القانون على المتسبب فيها ،وحالة الضبابية هي حالة تستفيد منها عديد الأطراف فلا يتم الاعتراف بوجود أزمة ولا تتمّ معالجتها لتصبح من قبيل الأمر الواقع الواجب التعايش معه وهو ما يمكنني تسميته التسليم بالأمر (vulgarisation) والتعايش معه (coexistence) .
الجواب لا إذا اعتبرنا أن الحكومة لم تعتمد أي استراتيجية اتصالية وتركت الأمر لاجتهادات فردية مما ولد حالة من الفوضى وتضارب التفسيرات والأخبار على عكس مثلا الخيار الفرنسي حين صرح الرئيس الفرنسي ايمونيل ماكرون في صيف 2022 موجها خطابه إلى الفرنسيين بأن عصر الوفرة انتهى واستعدوا للمقبل من الأيام فأعدهم نفسيا لتقبل ما يحصل الآن، لكن نحن في تونس هناك عدم وضوح رؤية وآخرها ما حصل في أزمة الوقود، فالمواطن لم يجد إجابة شافية كافية عما يحصل، فتعددت التأويلات بين نقص في المخزون الاستراتيجي من المحروقات نتيجة نقص في السيولة المالية للدولة التونسية، وبين اختلاط الأمر على التونسيين بين أزمة المحروقات في فرنسا نتيجة إضراب العاملين في مصافي النفط واعتقادهم أن الأزمة في فرنسا ستكون لها تبعات على تونس مما جعلهم يتهافتون على شراء المحروقات وهو ما أخل في التوازن بين العرض والطلب ،وبين من يقول أن الدولة اختارت سياسة التقشف فى المحروقات مما انعكس على تزويد السوق المحلية تمهيدا للترفيع في سعر هذه المحروقات، وبين هذا وذاك وجد المواطن / الجمهور نفسه يعيش أزمة لم يفهمها ولم يقدموا له تفسيرا مقنعا لها وهو ما يزيد في حيرة التونسيين والتونسيات وينعكس على المزاج العام لهذا الشعب الذي أصبح يعاني حالة نفسية صعبة .
يكتبها : محمد معمري
الاستثناء التونسي الذي طالما تمّ التسويق لم يعد أمرا قابلا للتصديق من أكثر الناس غباء ،بل تونس مثل غيرها من الدول أو ربما أكثر من غيرها من الدول تعاني مخلفات الأزمة الاقتصادية ما بعد كوفيد -19 وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية التي ألقت بضلالها على الاقتصاد العالمي في مجالي الطاقة والغذاء .
تونس لم تشكل الاستثناء في الأضرار التي لحقتها من تبعات هذه الأزمات لكنها تضررت أكثر من غيرها بسبب سوء إدارة الأزمة والمخلفات التي أنجرت عنها، فلم يجد المواطن التونسي لدى القائمين عليه رؤية واضحة تحدد خارطة طريق مستقبلية للخروج من الأزمة الحالية، كما لم تنجح الحكومة التونسية في ضبط استراتيجية اتصالية لهذه الأزمة ،استراتيجية تحاول تقديم أجوبة مقنعة للمواطن (وهو الجمهور المستهدف في هذه الحالة ) أجوبة تفسر له وتُفهمه ما يجري داخليا وخارجيا .
إدارة الأزمة اتصاليا كان مفقودا/ موجودا، وقبل الخوض في الموضوع وجب التذكير بأن تعريف الاتصال متعدد ولا يوجد ذلك التعريف الجامع المانع كما يقول الجرجاني في كتاب "التعريفات" بل هناك عديد التعريفات، لكن لنكتفي أن الاتصال ثلاثة أنواع ،اتصال شخصي/ أو جماعي ،اتصال المنتج (communication produit ) والهدف منه تثمين منتجا ما وهو أقرب إلى التسويق ،اتصال مؤسساتي (communication institutionnelle ) ويهدف إلى إبراز صورة المؤسسة وتثمينها ومنحها قيمة اعتبارية.
وسنتحدث هنا عن الاتصال المؤسساتي الذي يُفترض أن يؤسس لنفسه استراتيجية تبنى على ثلاث محاور رئيسية أولها أهداف متعددة وثانيها جمهور متعدد وثالثها تقنيات اتصال متعددة ، ويصبح الاتصال المؤسساتي في وقت الأزمات ضرورة ملحة بل أساسية حتى يمكن السيطرة على الإشاعات والأخبار الزائفة والمضللة التي تكثر في فترة الأزمات حيث يتم عادة تشكيل خلية أزمة تتولى وضع إستراتيجية اتصال أزمة أو أزماتي الغاية منها طمأنة الجمهور المستهدف والنأي به عن كل فوضى متوقعة .
فهل نملك نحن الآن في تونس اتصال أزمة أو أزماتي رغم أننا نعيش عديد الأزمات سياسية واجتماعية واقتصادية ،الجواب لا ونعم .
الجواب نعم إذا اعتبرنا أن الحكومة التونسية والقائمين على الشأن العام في تونس اختاروا إستراتيجية اتصالية فى الأزمات التي نعيشها مبنية على إستراتيجية الإنكار وهي إنكار أننا نعيش أزمة وان كل ما يحصل هو انحرافات قام بها أشخاص أو جماعات لا يتم ذكرهم صراحة لكن تتم الإشارة إليهم بصيغة المبني للمجهول، أي أن هناك إقرارا معلوما بوجود فواعل وراء ما يحصل لكن الإشارة إليهم تتم بصيغة المبني للمجهول وهو ما يولد لخبطة وخلطا وانقساما لدى الجمهور المستهدف ولا يتمّ توجيه أصابع إلى طرف معين تسبب في الأزمة حتى لا يصبح المطلوب عندها معالجة الأزمة من خلال تطبيق القانون على المتسبب فيها ،وحالة الضبابية هي حالة تستفيد منها عديد الأطراف فلا يتم الاعتراف بوجود أزمة ولا تتمّ معالجتها لتصبح من قبيل الأمر الواقع الواجب التعايش معه وهو ما يمكنني تسميته التسليم بالأمر (vulgarisation) والتعايش معه (coexistence) .
الجواب لا إذا اعتبرنا أن الحكومة لم تعتمد أي استراتيجية اتصالية وتركت الأمر لاجتهادات فردية مما ولد حالة من الفوضى وتضارب التفسيرات والأخبار على عكس مثلا الخيار الفرنسي حين صرح الرئيس الفرنسي ايمونيل ماكرون في صيف 2022 موجها خطابه إلى الفرنسيين بأن عصر الوفرة انتهى واستعدوا للمقبل من الأيام فأعدهم نفسيا لتقبل ما يحصل الآن، لكن نحن في تونس هناك عدم وضوح رؤية وآخرها ما حصل في أزمة الوقود، فالمواطن لم يجد إجابة شافية كافية عما يحصل، فتعددت التأويلات بين نقص في المخزون الاستراتيجي من المحروقات نتيجة نقص في السيولة المالية للدولة التونسية، وبين اختلاط الأمر على التونسيين بين أزمة المحروقات في فرنسا نتيجة إضراب العاملين في مصافي النفط واعتقادهم أن الأزمة في فرنسا ستكون لها تبعات على تونس مما جعلهم يتهافتون على شراء المحروقات وهو ما أخل في التوازن بين العرض والطلب ،وبين من يقول أن الدولة اختارت سياسة التقشف فى المحروقات مما انعكس على تزويد السوق المحلية تمهيدا للترفيع في سعر هذه المحروقات، وبين هذا وذاك وجد المواطن / الجمهور نفسه يعيش أزمة لم يفهمها ولم يقدموا له تفسيرا مقنعا لها وهو ما يزيد في حيرة التونسيين والتونسيات وينعكس على المزاج العام لهذا الشعب الذي أصبح يعاني حالة نفسية صعبة .