إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي..الإعلام والاتصال: من القبيلة العشائرية إلى القبيلة الالكترونية

بقلم: د. الصحراوي قمعون (*)

لم يكن يدور بخلد يوهانس غوتمبارغ حين اخترع المطبعة عام 1450 أن العالم سيتحول بفضل اختراعه إلي "قرية كونية" تشبه الدشرة أو البلدة، كل الناس فيها يعرفون بعضهم ويتواصلون بسهولة ودون حواجز .

   كما لم يتصور عالم الاتصال الكندي مارشال ماكلوهان حجم تلك التطورات السريعة، وهو صاحب نظرية "القرية الكونية" التي أبانها في كتابه الصادر عام 1962 تحت عنوان " كوكب غوتنبارغ" واعتبر فيه أن اكتشاف غوتمبارغ للمطبعة نقل الإنسانية إلى كوكب أخر غير هذه الأرض، سمته الاتصال. ولم يدر أيضا بخلد ماكلوهان أن تتطور علاقات الاتصال بين البشر إلى درجة أن يصبح متلقي الرسالة الإعلامية، مع قدوم الانترنات وشبكات التواصل الاجتماعية ، هو نفسه باثًّا لرسالة إعلامية إلى الآخرين دون حدود فاصلة سابقا بين الباث والمتلقي للميديا الجديدة التي خرجت من تحت سيطرة الإعلاميين والصحافيين حملة الأقلام والميكروفون وأصحاب الميدان وحراس البوابة، ليصبح الجميع باثا وماسكا لصولجان الإرسال والبث والتأثير بالتالي على الرأي العام.

سوق عكاظ والمربد للإعلام والاتصال

 لقد انتفت الفوارق بين الصحفي المحترف والصحفي المتطفل صانع المحتوي التلقائي المطلوب أحيانا بإلحاح على شبكات التواصل الاجتماعي، التي اختلط فيها الحابل بالنابل وتحولت إلى سوق أسبوعية مثل سوق عكاظ في الجاهلية أو سوق المربد في صدر الإسلام يلتقي فيها الشعراء والفقهاء والمفكرون والتجار وبائعو الدواب والحجامون وقالعو الأسنان والسحرة ولاعبو القردة والثعابين. وفيها يجتمع الصالح بالطالح والثَّرَى بالثُّريا والغثّ بالسمين .

هكذا هي الصورة الجديدة للاتصال الإنساني، الذي كان في السابق اتصالا بين أفراد القبيلة العشائرية لدى العرب وغيرهم من الأقوام، وأصبح اليوم بين أفراد القبيلة الالكترونية التي تتحكم فيها اليوم الخوارزميات الدقيقة لابي عبد الله الخوارزمي، المحدد وحده لمسار الأفكار الرائجة والمحتوى الإعلامي شكلا ومضمونا. وهي خوارزميات متحكم فيها عن بعد من طرف قوى المال والنفوذ المادي والفكري، تحدد مسار الإنسانية في عشرياتها وقرونها القادمة، وتزيد في احتمالات استمرار هيمنة المتحكمين، إلى حين، في مصائر الشعوب والحضارات طوال القرون الماضية والمتمثلة في الغرب الصناعي وغرب الذكاء الاصطناعي. وظهرت مؤشرات إزاحة الغرب الاستعماري عن دفة تسيير الكوكب، بعد أن أصبحت تكنولوجيات التحكم في أيدي دول أخرى ذات إرث حضاري تملك ناصية العلوم الذكية مثل الصين والهند وإفريقيا والعرب، لينتهي في المستقبل المنظور، بزوال القطب الغربي الواحد الأوحد، الذي ظل مهيمنا على العالم بكل وسائل القوة الخشنة والناعمة منذ 1492 تاريخ اكتشاف أمريكا وسقوط غرناطة الإسلامية وقبلها بنصف قرن اكتشاف المطبعة وصعود الغرب.

هكذا شهدت البشرية تطورا حاسما طوال مسيرتها من البداوة إلى الحضارة، ومن الشفوية إلى المكتوب، ومن الرعوية إلى الفلاحة، ومن الصناعة إلى الذكاء الاصطناعي الحالي. وفي غضون ذلك شهدت تطورا في أساليب التواصل فيما بين الأفراد أو مع الآخرين، بوسائل هي نفسها، ولكنها تطورت مع الزمن خلال مختلف الفترات التاريخية إلى الفترة الراهنة، المتميزة بكونها تحت سيطرة أدوات الإعلام والاتصال ومجتمع المعلومات الذي حول العالم إلى عالم صغير أعاد مسار تشكل الاتصال الإنساني من القبيلة العشائرية في الماضي إلى القبيلة الالكترونية حاضرا ومستقبلا. ولم تبارح الإنسانية عقلية القبلية وعصبيتها المقيتة التي تظهر عارية قبيحة زمن الأزمات والحروب والحملات الانتخابية في الديمقراطيات "العريقة".

  ويعتقد جمهور خبراء الاتصال بمختلف فروعه التقليدية أو المعاصرة ومختلف مدارسه النقدية أو الوظيفية، أن مهام الاتصال والإعلام التي وجدت في المجتمعات القديمة، هي نفسها تقريبا الموجودة اليوم في عصرنا الحديث رغم تبدل الآليات المستحدثة في كل مرحلة من تاريخ الإنسانية. ولكن الفرق الوحيد بينهما أنها أصبحت تؤدي اليوم بشكل جماهيري واسع وأساليب حديثة وأدوات مبتكرة، تطورت مع الزمن منذ اكتشاف المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي.

ومنذ دخول الصحيفة المكتوبة مجال الاتصال الشعبي الجماهيري بظهور الصحف المطبوعة في القرن السابع عشر مع صحيفة "لاغازيت" الفرنسية عام 1631 لباعثها تيوفراست رينودو، ثم ظهور وكالات الأنباء الإخبارية عام 1830  مع رويتر وهافاس،  أصبحت وسائل الإعلام التقليدية تصل إلى عدد غير محدود من المتلقين بعد أن كانت تصل بشكل محدود إلى المثقفين من النخبة أو صفوة القوم في المجتمعات القديمة. وتحولت وسائل الإعلام والاتصال التي كانت ذات تأثير محدود في القبيلة أو العشيرة أو الأمة نفسها، إلي قوة هائلة في المجتمع، حيث أصبحت ذات تأثير غير محدود تستطيع أن تصل إلى كل سكان العالم وتؤثر على أراء الناس وتفكيرهم وتصرفاتهم وأسلوب عيشهم.

من عالم النساخين والوراقين اليدويين إلى المطبعة الميكانيكية

في الماضي كان الكتاب الذي يصدر يقع نسخه في عدد محدود من النسخ ويهدى إلى الملك أو الخليفة، ولا تطلع عليه إلا نخبة من العلماء، مثل كتاب " الأغاني" للأصفهاني الذي نسخ في خمسة ألاف صفحة ببغداد وأهديت النسخة الوحيدة إلي الخليفة، كما تذكر المصادر التاريخية. وكان جيش من النساخين والوراقين يشتغل بكل همة ليلا نهارا، لانجاز كتاب منسوخ جديد في بغداد العباسية أو قرطبة الأموية أو في القيروان الأغلبية في "بيت الحكمة" بعاصمة الأغالبة، كما يذكر المؤرخ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه "ورقات عن الحضارة العربية في افريقية".

   ولكن ومنذ ظهور المطبعة في ألمانيا وتوسعها إلى ممالك أوروبا أصبح الكتاب يقرأه ملايين البشر عبر العالم. وتحول العالم من الاتصال النخبوي المحدود إلى الاتصال الجماهيري اللامحدود بفضل الصحف والمجلات الشعبية في متناول القراء، وكذلك الكتب الشعبية وهي "كتب الجيب" صغيرة الحجم. ثم جاء الراديو بداية القرن الماضي العشرين ثم التلفزيون منتصف القرن العشرين وأخيرا الانترنات نهاية القرن الماضي ومعها استحداثاتها المبتكرة. وتحول الاتصال التقليدي الجامد إلى اتصال مفتوح بالكامل وتفاعلي في كل الاتجاهات بفضل الإعلام الالكتروني والكتاب الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنات مما شكل ثورة غير مسبوقة في تاريخ البشرية نقلتها إلي كوكب آخر سريالي واقعي.

   بيد أن عملية نقل الأخبار والإعلام والاتصال تبقى تخضع لنفس آليات الإرسال والتلقي والتأثير متعدد الأبعاد في مختلف المجتمعات بسياقاتها المتنوعة سواء في المجتمعات التقليدية للميديا القديمة أو الميديا الجديدة أو "ما بعد الميديا"، كما يحلو للبعض تسميته على غرار "ما بعد الحداثة"، و"ما بعد الصناعة" في ظل تطور الأزمان والوسائط المستحدثة، لأن الإنسان يبقي جوهر الرسالة الإعلامية والاتصالية، كما بينته مختلف الدراسات العلمية التي اشتغلت على صيرورة العملية الإخبارية والإعلامية الاتصالية وجدلية الوسيلة والمضمون فيها عبر التاريخ القديم والحديث، وصولا إلى الوسائل المستحدثة للميديا الاجتماعية الجديدة، حين تحول المتلقي للرسالة الإعلامية إلي باث تفاعلي لرسالة إعلامية مضادة وصانعٍ من صناع الأخبار والأفكار والآراء في فضاء إعلامي عمومي مفتوح أمام الغث والسمين دون حسيب ولا رقيب. وقد دعمت وسائل التواصل الشعبية والشبكات الاجتماعية الظاهرة القبلية في التواصل الدقيق والموجه بين أفراد المجتمعات، وغذت فيهم النزعة العشائرية والجهوية والمناطقية جاعلة من هذا الكوكب، ليس قرية كما تنبأ ماكلوهان، بل قبيلة من قبائل المجتمعات البدائية والجاهلية المتسلحة بأدوات وأسلحة فتاكة للذكاء الصناعي من أخر صيحة تتحكم فيها الخوارزميات الذكية .   

 ويتطلب ذلك بالمقابل خوارزميات ترشيد مضادة للتعديل الذاتي ولمنع التجاوزات المخلة بواجبات الحوار وأخلاقيات المهنة الصحفية، وفي سبيل إشاعة قيم السلم والتسامح بين البشر في هذا الفضاء العمومي المفتوح.

  • صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
رأي..الإعلام والاتصال: من القبيلة العشائرية إلى القبيلة الالكترونية

بقلم: د. الصحراوي قمعون (*)

لم يكن يدور بخلد يوهانس غوتمبارغ حين اخترع المطبعة عام 1450 أن العالم سيتحول بفضل اختراعه إلي "قرية كونية" تشبه الدشرة أو البلدة، كل الناس فيها يعرفون بعضهم ويتواصلون بسهولة ودون حواجز .

   كما لم يتصور عالم الاتصال الكندي مارشال ماكلوهان حجم تلك التطورات السريعة، وهو صاحب نظرية "القرية الكونية" التي أبانها في كتابه الصادر عام 1962 تحت عنوان " كوكب غوتنبارغ" واعتبر فيه أن اكتشاف غوتمبارغ للمطبعة نقل الإنسانية إلى كوكب أخر غير هذه الأرض، سمته الاتصال. ولم يدر أيضا بخلد ماكلوهان أن تتطور علاقات الاتصال بين البشر إلى درجة أن يصبح متلقي الرسالة الإعلامية، مع قدوم الانترنات وشبكات التواصل الاجتماعية ، هو نفسه باثًّا لرسالة إعلامية إلى الآخرين دون حدود فاصلة سابقا بين الباث والمتلقي للميديا الجديدة التي خرجت من تحت سيطرة الإعلاميين والصحافيين حملة الأقلام والميكروفون وأصحاب الميدان وحراس البوابة، ليصبح الجميع باثا وماسكا لصولجان الإرسال والبث والتأثير بالتالي على الرأي العام.

سوق عكاظ والمربد للإعلام والاتصال

 لقد انتفت الفوارق بين الصحفي المحترف والصحفي المتطفل صانع المحتوي التلقائي المطلوب أحيانا بإلحاح على شبكات التواصل الاجتماعي، التي اختلط فيها الحابل بالنابل وتحولت إلى سوق أسبوعية مثل سوق عكاظ في الجاهلية أو سوق المربد في صدر الإسلام يلتقي فيها الشعراء والفقهاء والمفكرون والتجار وبائعو الدواب والحجامون وقالعو الأسنان والسحرة ولاعبو القردة والثعابين. وفيها يجتمع الصالح بالطالح والثَّرَى بالثُّريا والغثّ بالسمين .

هكذا هي الصورة الجديدة للاتصال الإنساني، الذي كان في السابق اتصالا بين أفراد القبيلة العشائرية لدى العرب وغيرهم من الأقوام، وأصبح اليوم بين أفراد القبيلة الالكترونية التي تتحكم فيها اليوم الخوارزميات الدقيقة لابي عبد الله الخوارزمي، المحدد وحده لمسار الأفكار الرائجة والمحتوى الإعلامي شكلا ومضمونا. وهي خوارزميات متحكم فيها عن بعد من طرف قوى المال والنفوذ المادي والفكري، تحدد مسار الإنسانية في عشرياتها وقرونها القادمة، وتزيد في احتمالات استمرار هيمنة المتحكمين، إلى حين، في مصائر الشعوب والحضارات طوال القرون الماضية والمتمثلة في الغرب الصناعي وغرب الذكاء الاصطناعي. وظهرت مؤشرات إزاحة الغرب الاستعماري عن دفة تسيير الكوكب، بعد أن أصبحت تكنولوجيات التحكم في أيدي دول أخرى ذات إرث حضاري تملك ناصية العلوم الذكية مثل الصين والهند وإفريقيا والعرب، لينتهي في المستقبل المنظور، بزوال القطب الغربي الواحد الأوحد، الذي ظل مهيمنا على العالم بكل وسائل القوة الخشنة والناعمة منذ 1492 تاريخ اكتشاف أمريكا وسقوط غرناطة الإسلامية وقبلها بنصف قرن اكتشاف المطبعة وصعود الغرب.

هكذا شهدت البشرية تطورا حاسما طوال مسيرتها من البداوة إلى الحضارة، ومن الشفوية إلى المكتوب، ومن الرعوية إلى الفلاحة، ومن الصناعة إلى الذكاء الاصطناعي الحالي. وفي غضون ذلك شهدت تطورا في أساليب التواصل فيما بين الأفراد أو مع الآخرين، بوسائل هي نفسها، ولكنها تطورت مع الزمن خلال مختلف الفترات التاريخية إلى الفترة الراهنة، المتميزة بكونها تحت سيطرة أدوات الإعلام والاتصال ومجتمع المعلومات الذي حول العالم إلى عالم صغير أعاد مسار تشكل الاتصال الإنساني من القبيلة العشائرية في الماضي إلى القبيلة الالكترونية حاضرا ومستقبلا. ولم تبارح الإنسانية عقلية القبلية وعصبيتها المقيتة التي تظهر عارية قبيحة زمن الأزمات والحروب والحملات الانتخابية في الديمقراطيات "العريقة".

  ويعتقد جمهور خبراء الاتصال بمختلف فروعه التقليدية أو المعاصرة ومختلف مدارسه النقدية أو الوظيفية، أن مهام الاتصال والإعلام التي وجدت في المجتمعات القديمة، هي نفسها تقريبا الموجودة اليوم في عصرنا الحديث رغم تبدل الآليات المستحدثة في كل مرحلة من تاريخ الإنسانية. ولكن الفرق الوحيد بينهما أنها أصبحت تؤدي اليوم بشكل جماهيري واسع وأساليب حديثة وأدوات مبتكرة، تطورت مع الزمن منذ اكتشاف المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي.

ومنذ دخول الصحيفة المكتوبة مجال الاتصال الشعبي الجماهيري بظهور الصحف المطبوعة في القرن السابع عشر مع صحيفة "لاغازيت" الفرنسية عام 1631 لباعثها تيوفراست رينودو، ثم ظهور وكالات الأنباء الإخبارية عام 1830  مع رويتر وهافاس،  أصبحت وسائل الإعلام التقليدية تصل إلى عدد غير محدود من المتلقين بعد أن كانت تصل بشكل محدود إلى المثقفين من النخبة أو صفوة القوم في المجتمعات القديمة. وتحولت وسائل الإعلام والاتصال التي كانت ذات تأثير محدود في القبيلة أو العشيرة أو الأمة نفسها، إلي قوة هائلة في المجتمع، حيث أصبحت ذات تأثير غير محدود تستطيع أن تصل إلى كل سكان العالم وتؤثر على أراء الناس وتفكيرهم وتصرفاتهم وأسلوب عيشهم.

من عالم النساخين والوراقين اليدويين إلى المطبعة الميكانيكية

في الماضي كان الكتاب الذي يصدر يقع نسخه في عدد محدود من النسخ ويهدى إلى الملك أو الخليفة، ولا تطلع عليه إلا نخبة من العلماء، مثل كتاب " الأغاني" للأصفهاني الذي نسخ في خمسة ألاف صفحة ببغداد وأهديت النسخة الوحيدة إلي الخليفة، كما تذكر المصادر التاريخية. وكان جيش من النساخين والوراقين يشتغل بكل همة ليلا نهارا، لانجاز كتاب منسوخ جديد في بغداد العباسية أو قرطبة الأموية أو في القيروان الأغلبية في "بيت الحكمة" بعاصمة الأغالبة، كما يذكر المؤرخ حسن حسني عبد الوهاب في كتابه "ورقات عن الحضارة العربية في افريقية".

   ولكن ومنذ ظهور المطبعة في ألمانيا وتوسعها إلى ممالك أوروبا أصبح الكتاب يقرأه ملايين البشر عبر العالم. وتحول العالم من الاتصال النخبوي المحدود إلى الاتصال الجماهيري اللامحدود بفضل الصحف والمجلات الشعبية في متناول القراء، وكذلك الكتب الشعبية وهي "كتب الجيب" صغيرة الحجم. ثم جاء الراديو بداية القرن الماضي العشرين ثم التلفزيون منتصف القرن العشرين وأخيرا الانترنات نهاية القرن الماضي ومعها استحداثاتها المبتكرة. وتحول الاتصال التقليدي الجامد إلى اتصال مفتوح بالكامل وتفاعلي في كل الاتجاهات بفضل الإعلام الالكتروني والكتاب الالكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنات مما شكل ثورة غير مسبوقة في تاريخ البشرية نقلتها إلي كوكب آخر سريالي واقعي.

   بيد أن عملية نقل الأخبار والإعلام والاتصال تبقى تخضع لنفس آليات الإرسال والتلقي والتأثير متعدد الأبعاد في مختلف المجتمعات بسياقاتها المتنوعة سواء في المجتمعات التقليدية للميديا القديمة أو الميديا الجديدة أو "ما بعد الميديا"، كما يحلو للبعض تسميته على غرار "ما بعد الحداثة"، و"ما بعد الصناعة" في ظل تطور الأزمان والوسائط المستحدثة، لأن الإنسان يبقي جوهر الرسالة الإعلامية والاتصالية، كما بينته مختلف الدراسات العلمية التي اشتغلت على صيرورة العملية الإخبارية والإعلامية الاتصالية وجدلية الوسيلة والمضمون فيها عبر التاريخ القديم والحديث، وصولا إلى الوسائل المستحدثة للميديا الاجتماعية الجديدة، حين تحول المتلقي للرسالة الإعلامية إلي باث تفاعلي لرسالة إعلامية مضادة وصانعٍ من صناع الأخبار والأفكار والآراء في فضاء إعلامي عمومي مفتوح أمام الغث والسمين دون حسيب ولا رقيب. وقد دعمت وسائل التواصل الشعبية والشبكات الاجتماعية الظاهرة القبلية في التواصل الدقيق والموجه بين أفراد المجتمعات، وغذت فيهم النزعة العشائرية والجهوية والمناطقية جاعلة من هذا الكوكب، ليس قرية كما تنبأ ماكلوهان، بل قبيلة من قبائل المجتمعات البدائية والجاهلية المتسلحة بأدوات وأسلحة فتاكة للذكاء الصناعي من أخر صيحة تتحكم فيها الخوارزميات الذكية .   

 ويتطلب ذلك بالمقابل خوارزميات ترشيد مضادة للتعديل الذاتي ولمنع التجاوزات المخلة بواجبات الحوار وأخلاقيات المهنة الصحفية، وفي سبيل إشاعة قيم السلم والتسامح بين البشر في هذا الفضاء العمومي المفتوح.

  • صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة