إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

توجهات غامضة لمشروع قانون المالية وضبط توازنات المالية العمومية للعام المقبل

تونس- الصباح

رغم اقتراب نهاية السنة الإدارية وحلول آجال المصادقة على مشروعي مرسومي قانون المالية والميزانية العامة للسنة المقبلة، إلا أن الحكومة لم تعلن بعد عن أية معطيات تهم التوجهات الكبرى لقانون المالية والإجراءات التي ستتخذها لضبط التوازنات المالية العمومية للدولة.

كما لم تكشف الحكومة عن خططها لتعديل قانون المالية للسنة الجارية الذي تجاوزته جل المؤشرات والأرقام والفرضيات التي بني عليها قبل نهاية السنة الماضية، على اعتبار أن ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية في السوق العالمية فضلا عن تواصل انزلاق الدينار مقابل العملات الأجنبية الرئيسية وخاصة منها الدولار، وارتفاع الإنفاق الحكومي العمومي طيلة السنة ساهم في انخرام التوازنات المالية وارتفاع العجز المالية العمومية إلى مستويات قياسية..

ويبدو أن الحكومة تنتظر نتائج مفاوضات الوفد الرسمي الذي سافر لواشنطن قبل أيام من أجل المشاركة في لقاءات الخريف من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق لتمويل عاجل لخطة إصلاحية شاملة اقترحتها الحكومة على خبراء الصندوق تتضمن أيضا تمويلات لميزانية الدولة. اتفاق قد يفتح الباب أيضا أمام الحكومة للبحث عن موارد مالية خارجية من هبات وقروض هي في حاجة إليها لتمويل الميزانية من مصادر أخرى مثل التعاون الدولي الثنائي أو من مؤسسات تمويل دولية، وتحسين ترتيب تونس في التقارير السنوية لوكالات التصنيف الدولية..

لكن التأخر في ضبط السياسيات العامة للميزانية والكشف عن الإجراءات التعديلية للتوازنات المالية للسنة الجارية، ساهم في تخوف المجتمع المدني وتوجس النقابات والغرف المهنية والمنظمات الوطنية كاتحاد الشغل واتحاد الأعراف، وأيضا خبراء الاقتصاد من أن تلجأ الحكومة إلى حلول قاسية لتوفير موارد مالية جديدة مثل إقرار ضرائب جديدة أو الترفيع في أسعار بعض الأداءات أو القيام بتنفيذ بعض الإجراءات في إطار تنفيذها لمشاريع الإصلاحات الهيكلية المقترحة على صندوق النقد الدولي على غرار خطة "توجيه الدعم إلى مستحقيه" التي تتضمن الرفع التدريجي والمرحلي عن دعم أسعار بعض المواد الأساسية مقابل تعويضات مالية لفائدة العائلات الفقيرة والمعوزة، وذلك دون تكون تلك الإجراءات محل نقاشات مسبقة ومشاورات تمهيدية..

ومن المقرر أن يتم للسنة الثانية على التوالي إصدار مشاريع قانوني المالية والميزانية الدولة للسنة المقبلة، فضلا عن قانون المالية التكميلي عبر مراسيم رئاسية في غياب لمؤسسة ديسمبر المقبل، البرلمان التي لن تشرع في عملها ونشاطها رغم انتخابات 17 ديسمبر إلا مع بداية السنة المقبلة.

خبراء يحذرون

وكان خبراء في الاقتصاد والمالية قد حذروا في مناسبات سابقة من مغبة التأخر في تعديل قانون المالية للسنة الحالية، أو ضبط التوجهات الكبرى لميزانية الدولية للسنة المقبلة. على غرار وزير التجارة الأسبق والخبير الاقتصادي محسن حسن، الذي أكد أن الدولة في حاجة اليوم لقانون مالية تكميلي لسنة 2022، مشددا على أن الفرضيات التي تم على أساسها صياغة قانون المالية الأصلي لسنة 2022، لم تعد ذات جدوى.

وأوضح حسن أن عدم التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الى جانب ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات على الصعيد العالمي، تضع تونس اليوم أمام حاجة ملحة لصياغة قانون مالية تكميلي. وأشار الى أن حاجة ميزانية الدولة للتمويل، من المتوقع أن ترتفع الى 26 مليار دينار نظرا لعجز الدولة عن توفير تمويلات مالية خارجية.

يذكر أن صندوق النقد الدولي توقع في أحدث تقرير له، نمو اقتصاد تونس بنسبة 2.2 بالمائة على امتداد سنة 2022 على أن تنخفض النسبة إلى مستوى 1.6 بالمائة سنة 2023 في وقت يعمل فيه وفد حكومي تونسي، في واشنطن، على وضع اللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاق مالي.

بدوره، أكد الخبير في المالية العمومية والحوكمة الرشيدة أنيس الوهابي في تصريح إعلامي، أن الحلول لإصلاح المالية العمومية في تونس تحتاج برنامجا متكاملا. وأوضح أن صندوق النقد الدولي ينتظر تونس لتقدم برنامجها ومن بين نقاطه الأساسية إصلاح المالية العمومية، مؤكدا أن البرنامج الذي قيل أن تونس قدمته لم يخرج للعموم ويبدو أنه ليس برنامجا متكاملا وواضحا.

وقال إن ميزانية تونس تقدر بـ57 مليار دينار والدولة ليست قادرة إلا على توفير 30 مليار دينار منها متأتية من الجباية وبعض المداخيل الأخرى وكان على تونس أن تقترض 20 مليار دينار قبل أن تتفاقم الأزمة مع حرب أوكرانيا.

وأكد الوهابي أن تونس اليوم تواجه تحديات من أهمها كيفية إنهاء العام في ظل عجز الميزانية الحاصل مؤكدا أن الدولة لجأت للاقتراض من البنوك وكان ذلك على حساب الاستثمار حيث لم تعد البنوك قادرة على تمويل المؤسسات الخاصة.

وفي سياق متصل، استغرب الأستاذ والخبير الاقتصادي فتحي النوري في تصريح إعلامي سابق لفائدة راديو موازييك، ما وصفه بالتعتيم المتعلق بملامح وفرضيات ميزانية 2023 وغياب المعلومة بخصوص إمكانية وجود قانون مالية تكميلي للسنة الحالية.

وقال:"المتعارف عليه ان يكون هناك نسخة أولية للميزانية الجديدة منذ شهر سبتمبر ويتم التداول فيها في مجلس الوزراء".

وانتقد النوري بشدة التعتيم بخصوص الفرضيات التي سيبنى عليها مشروع الميزانية المتعلقة بنسبة العجز والحاجة الى الاقتراض وكل الحاجيات لتمويل الميزانية، كذلك المتعلقة بفرضية أسعار النفط في ظل الوضع العالمي المتغير والحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى نسبة النمو المتوقعة خاصة وأن ثلث دول العالم تشهد ركودا اقتصاديا وسجلت نسب نمو سلبية وفق معطيات صندوق النقد الدولي والذي يتوقع كذلك تواصل الركود الاقتصادي لتواصل ارتفاع نسب التضخم ونسب الفائدة. كما يتطلب مشروع قانون المالية وجود توقعات لسعر العملة خاصة مع الارتفاع المتواصل لسعر الدولار ووجود حرب عملة عالمية.

وأضاف أن الصمت التام من طرف السلطة وغياب النقاش العام خاصة وان حوالي شهرين فقط تفصلنا على دخول سنة إدارية جديدة مضر بكل التوجهات الاقتصادية، مؤكدا أن المستثمر في حاجة إلى رؤية واضحة لتحديد توجهه ومشاريعه المستقبلية وفي غيابها يحدث تراجع وهو ما يتسبب في نكسة للاقتصاد.

وبين النوري أنه في ظل غياب ملامح الميزانية لا يمكن معرفة حجم الدعم وكم سيوفر التقليص منه لفائدة الميزانية بما ان الحكومة تتجه نحو الرفع التدريجي للدعم وللاقتراب من الأسعار الحقيقية للمواد، كذلك لا توجد المعطيات المتعلقة بحجم الدعم النقدي المباشر ولا عدد المستفيدين منه رغم انه حديث الساعة لدى الجميع.

جدير بالذكر أن الحكومة اقتربت من حصولها على موافقة طال انتظارها من صندوق النقد الدولي لتمويل برنامج جديد من الإصلاحات الهيكلية كان موضوع مشاورات ومفاوضات مضنية وطويلة مع خبراء المؤسسة المالية الدولية منذ أشهر عديدة، وذلك بعد نجاح المفاوضات الاجتماعية التي تمت بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والتي توجت خلال الأسبوع المنقضي بتوقيع اتفاق للزيادة في الأجور خلال السنوات الثلاث المقبلة، بعلم وموافقة من صندوق النقد.

ويقدّر العجز المتوقع في قانون المالية لسنة 2022، بحوالي 8900 مليون دينار، وهو عجز لا يأخذ بعين الاعتبار الضغوطات الجديدة على الميزانية والمتأتية أساسا من ارتفاع سعر برميل النفط وسعر الحبوب وانخفاض نسبة النمو وتدهور سعر صرف الدينار مقارنة بالدولار.

الملفت للانتباه أن كل فرضيات إعداد ميزانية الدولة لسنة 2022 تغيّرت أو لم يتم إنجاز بعضها، مثل عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل موفى مارس 2022 والقيام بإصلاحات اقتصادية، دون أن تلجأ الحكومة أو تعلن عزمها عن إصدار مرسوم مالية تعديلي يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المتغيّرات..

منشور حكومي

وفي سياق متصل، كشفت أرقام نشرتها مؤخرا وزارة المالية عن تقدم تنفيذ الميزانية إلى غاية السداسي الأول من السنة الجارية، عن حاجة البلاد إلى أن تضع ميزانية تكميلية لإعادة ضبط التوازنات ومعرفة مقدار الحاجة الى موارد الاقتراض الفعلية.

وكشف تقرير وزارة المالية، عن أن الحكومة قامت بتعبئة 8.738 مليار دينار تتوزع الى 3.345 مليار دينار إقراض من السوق الداخلية و5.393 اقتراض خارجي خلال الأشهر الستة الفارطة، وبينت أنه ما زال عليها تعبئة قرابة 10 مليار دينار إضافية وفق تقديراتها السابقة، وربما أكثر بكثير في صورة تحيين أرقام الميزانية.

وفي هذا الصدد حذّر عدد من خبراء الاقتصاد من مغبّة عدم تدارك الأمور وتصحيح التوجهات والسياسات المالية للدولة، عبر الإسراع بسن مرسوم مالية تكميلي، وفتح النقاش العام بخصوص كيفية إدارة الأزمة المالية في ظل شح الموارد وغياب اتفاق مع صندوق النقد، وتكرر غياب المواد والسلع الأساسية في السوق المحلية.

وكانت رئيسة الحكومة حكومة نجلاء بودن، قد اقترحت "إجراءات عاجلة ضمن ميزانية 2023، للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجيات المتأكدة.

واعتبرت في منشور حول إعداد ميزانية الدولة للسنة المقبلة وجهته الى الوزراء ورؤساء الهياكل والهيئات الدستورية المستقلة والولاة ورؤساء البرامج، صدر في شهر ماي 2022، أن نفقات الأجور، وصلت الى مستوى قياسي خلال سنة 2022 في حدود 15,6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 10 بالمائة سنة 2010 وهو ما قلص من الاعتمادات ذات الصبغة التنموية وحدّ من قدرة الميزانية على تعزيز الاستثمار العمومي.

ويعد التخفيض من كتلة الأجور، أحد ابرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي تونس حتى تتمكن من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات، الى جانب الحد من نفقات الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية وإصلاح المنظومة الجبائية.

واقترحت الحكومة في ميزانية 2023، حصر الانتدابات في الحاجيات المتأكدة وذات الأولوية القصوى مع التخفيض التدريجي في عدد خريجي مدارس التكوين خاصة بالنسبة إلى وزارات الدفاع والداخلية والعدل و يتم ضبط تراخيص التكوين والعدد الجملي للانتدابات للفترة 2023-2025 من قبل مجلس وزاري يعقد للغرض.

كما تتمثل الإجراءات المقترحة في "تحديد نسبة الترقيات العادية بـ20 بالمائة الى جانب عدم تعويض الشغورات والسعي الى تغطية الحاجيات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة، فضلا عن مزيد التحكم في ساعات العمل الإضافية وإسناد استراحة تعويضية في حالة القيام فعليا بساعات اضافية".

رفيق

 

 

 

 

 

توجهات غامضة لمشروع قانون المالية وضبط توازنات المالية العمومية للعام المقبل

تونس- الصباح

رغم اقتراب نهاية السنة الإدارية وحلول آجال المصادقة على مشروعي مرسومي قانون المالية والميزانية العامة للسنة المقبلة، إلا أن الحكومة لم تعلن بعد عن أية معطيات تهم التوجهات الكبرى لقانون المالية والإجراءات التي ستتخذها لضبط التوازنات المالية العمومية للدولة.

كما لم تكشف الحكومة عن خططها لتعديل قانون المالية للسنة الجارية الذي تجاوزته جل المؤشرات والأرقام والفرضيات التي بني عليها قبل نهاية السنة الماضية، على اعتبار أن ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية في السوق العالمية فضلا عن تواصل انزلاق الدينار مقابل العملات الأجنبية الرئيسية وخاصة منها الدولار، وارتفاع الإنفاق الحكومي العمومي طيلة السنة ساهم في انخرام التوازنات المالية وارتفاع العجز المالية العمومية إلى مستويات قياسية..

ويبدو أن الحكومة تنتظر نتائج مفاوضات الوفد الرسمي الذي سافر لواشنطن قبل أيام من أجل المشاركة في لقاءات الخريف من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الصندوق لتمويل عاجل لخطة إصلاحية شاملة اقترحتها الحكومة على خبراء الصندوق تتضمن أيضا تمويلات لميزانية الدولة. اتفاق قد يفتح الباب أيضا أمام الحكومة للبحث عن موارد مالية خارجية من هبات وقروض هي في حاجة إليها لتمويل الميزانية من مصادر أخرى مثل التعاون الدولي الثنائي أو من مؤسسات تمويل دولية، وتحسين ترتيب تونس في التقارير السنوية لوكالات التصنيف الدولية..

لكن التأخر في ضبط السياسيات العامة للميزانية والكشف عن الإجراءات التعديلية للتوازنات المالية للسنة الجارية، ساهم في تخوف المجتمع المدني وتوجس النقابات والغرف المهنية والمنظمات الوطنية كاتحاد الشغل واتحاد الأعراف، وأيضا خبراء الاقتصاد من أن تلجأ الحكومة إلى حلول قاسية لتوفير موارد مالية جديدة مثل إقرار ضرائب جديدة أو الترفيع في أسعار بعض الأداءات أو القيام بتنفيذ بعض الإجراءات في إطار تنفيذها لمشاريع الإصلاحات الهيكلية المقترحة على صندوق النقد الدولي على غرار خطة "توجيه الدعم إلى مستحقيه" التي تتضمن الرفع التدريجي والمرحلي عن دعم أسعار بعض المواد الأساسية مقابل تعويضات مالية لفائدة العائلات الفقيرة والمعوزة، وذلك دون تكون تلك الإجراءات محل نقاشات مسبقة ومشاورات تمهيدية..

ومن المقرر أن يتم للسنة الثانية على التوالي إصدار مشاريع قانوني المالية والميزانية الدولة للسنة المقبلة، فضلا عن قانون المالية التكميلي عبر مراسيم رئاسية في غياب لمؤسسة ديسمبر المقبل، البرلمان التي لن تشرع في عملها ونشاطها رغم انتخابات 17 ديسمبر إلا مع بداية السنة المقبلة.

خبراء يحذرون

وكان خبراء في الاقتصاد والمالية قد حذروا في مناسبات سابقة من مغبة التأخر في تعديل قانون المالية للسنة الحالية، أو ضبط التوجهات الكبرى لميزانية الدولية للسنة المقبلة. على غرار وزير التجارة الأسبق والخبير الاقتصادي محسن حسن، الذي أكد أن الدولة في حاجة اليوم لقانون مالية تكميلي لسنة 2022، مشددا على أن الفرضيات التي تم على أساسها صياغة قانون المالية الأصلي لسنة 2022، لم تعد ذات جدوى.

وأوضح حسن أن عدم التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي الى جانب ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات على الصعيد العالمي، تضع تونس اليوم أمام حاجة ملحة لصياغة قانون مالية تكميلي. وأشار الى أن حاجة ميزانية الدولة للتمويل، من المتوقع أن ترتفع الى 26 مليار دينار نظرا لعجز الدولة عن توفير تمويلات مالية خارجية.

يذكر أن صندوق النقد الدولي توقع في أحدث تقرير له، نمو اقتصاد تونس بنسبة 2.2 بالمائة على امتداد سنة 2022 على أن تنخفض النسبة إلى مستوى 1.6 بالمائة سنة 2023 في وقت يعمل فيه وفد حكومي تونسي، في واشنطن، على وضع اللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاق مالي.

بدوره، أكد الخبير في المالية العمومية والحوكمة الرشيدة أنيس الوهابي في تصريح إعلامي، أن الحلول لإصلاح المالية العمومية في تونس تحتاج برنامجا متكاملا. وأوضح أن صندوق النقد الدولي ينتظر تونس لتقدم برنامجها ومن بين نقاطه الأساسية إصلاح المالية العمومية، مؤكدا أن البرنامج الذي قيل أن تونس قدمته لم يخرج للعموم ويبدو أنه ليس برنامجا متكاملا وواضحا.

وقال إن ميزانية تونس تقدر بـ57 مليار دينار والدولة ليست قادرة إلا على توفير 30 مليار دينار منها متأتية من الجباية وبعض المداخيل الأخرى وكان على تونس أن تقترض 20 مليار دينار قبل أن تتفاقم الأزمة مع حرب أوكرانيا.

وأكد الوهابي أن تونس اليوم تواجه تحديات من أهمها كيفية إنهاء العام في ظل عجز الميزانية الحاصل مؤكدا أن الدولة لجأت للاقتراض من البنوك وكان ذلك على حساب الاستثمار حيث لم تعد البنوك قادرة على تمويل المؤسسات الخاصة.

وفي سياق متصل، استغرب الأستاذ والخبير الاقتصادي فتحي النوري في تصريح إعلامي سابق لفائدة راديو موازييك، ما وصفه بالتعتيم المتعلق بملامح وفرضيات ميزانية 2023 وغياب المعلومة بخصوص إمكانية وجود قانون مالية تكميلي للسنة الحالية.

وقال:"المتعارف عليه ان يكون هناك نسخة أولية للميزانية الجديدة منذ شهر سبتمبر ويتم التداول فيها في مجلس الوزراء".

وانتقد النوري بشدة التعتيم بخصوص الفرضيات التي سيبنى عليها مشروع الميزانية المتعلقة بنسبة العجز والحاجة الى الاقتراض وكل الحاجيات لتمويل الميزانية، كذلك المتعلقة بفرضية أسعار النفط في ظل الوضع العالمي المتغير والحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى نسبة النمو المتوقعة خاصة وأن ثلث دول العالم تشهد ركودا اقتصاديا وسجلت نسب نمو سلبية وفق معطيات صندوق النقد الدولي والذي يتوقع كذلك تواصل الركود الاقتصادي لتواصل ارتفاع نسب التضخم ونسب الفائدة. كما يتطلب مشروع قانون المالية وجود توقعات لسعر العملة خاصة مع الارتفاع المتواصل لسعر الدولار ووجود حرب عملة عالمية.

وأضاف أن الصمت التام من طرف السلطة وغياب النقاش العام خاصة وان حوالي شهرين فقط تفصلنا على دخول سنة إدارية جديدة مضر بكل التوجهات الاقتصادية، مؤكدا أن المستثمر في حاجة إلى رؤية واضحة لتحديد توجهه ومشاريعه المستقبلية وفي غيابها يحدث تراجع وهو ما يتسبب في نكسة للاقتصاد.

وبين النوري أنه في ظل غياب ملامح الميزانية لا يمكن معرفة حجم الدعم وكم سيوفر التقليص منه لفائدة الميزانية بما ان الحكومة تتجه نحو الرفع التدريجي للدعم وللاقتراب من الأسعار الحقيقية للمواد، كذلك لا توجد المعطيات المتعلقة بحجم الدعم النقدي المباشر ولا عدد المستفيدين منه رغم انه حديث الساعة لدى الجميع.

جدير بالذكر أن الحكومة اقتربت من حصولها على موافقة طال انتظارها من صندوق النقد الدولي لتمويل برنامج جديد من الإصلاحات الهيكلية كان موضوع مشاورات ومفاوضات مضنية وطويلة مع خبراء المؤسسة المالية الدولية منذ أشهر عديدة، وذلك بعد نجاح المفاوضات الاجتماعية التي تمت بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والتي توجت خلال الأسبوع المنقضي بتوقيع اتفاق للزيادة في الأجور خلال السنوات الثلاث المقبلة، بعلم وموافقة من صندوق النقد.

ويقدّر العجز المتوقع في قانون المالية لسنة 2022، بحوالي 8900 مليون دينار، وهو عجز لا يأخذ بعين الاعتبار الضغوطات الجديدة على الميزانية والمتأتية أساسا من ارتفاع سعر برميل النفط وسعر الحبوب وانخفاض نسبة النمو وتدهور سعر صرف الدينار مقارنة بالدولار.

الملفت للانتباه أن كل فرضيات إعداد ميزانية الدولة لسنة 2022 تغيّرت أو لم يتم إنجاز بعضها، مثل عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل موفى مارس 2022 والقيام بإصلاحات اقتصادية، دون أن تلجأ الحكومة أو تعلن عزمها عن إصدار مرسوم مالية تعديلي يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المتغيّرات..

منشور حكومي

وفي سياق متصل، كشفت أرقام نشرتها مؤخرا وزارة المالية عن تقدم تنفيذ الميزانية إلى غاية السداسي الأول من السنة الجارية، عن حاجة البلاد إلى أن تضع ميزانية تكميلية لإعادة ضبط التوازنات ومعرفة مقدار الحاجة الى موارد الاقتراض الفعلية.

وكشف تقرير وزارة المالية، عن أن الحكومة قامت بتعبئة 8.738 مليار دينار تتوزع الى 3.345 مليار دينار إقراض من السوق الداخلية و5.393 اقتراض خارجي خلال الأشهر الستة الفارطة، وبينت أنه ما زال عليها تعبئة قرابة 10 مليار دينار إضافية وفق تقديراتها السابقة، وربما أكثر بكثير في صورة تحيين أرقام الميزانية.

وفي هذا الصدد حذّر عدد من خبراء الاقتصاد من مغبّة عدم تدارك الأمور وتصحيح التوجهات والسياسات المالية للدولة، عبر الإسراع بسن مرسوم مالية تكميلي، وفتح النقاش العام بخصوص كيفية إدارة الأزمة المالية في ظل شح الموارد وغياب اتفاق مع صندوق النقد، وتكرر غياب المواد والسلع الأساسية في السوق المحلية.

وكانت رئيسة الحكومة حكومة نجلاء بودن، قد اقترحت "إجراءات عاجلة ضمن ميزانية 2023، للتحكم في كتلة الأجور وترشيدها من خلال تجميد الانتدابات وحصرها في الحاجيات المتأكدة.

واعتبرت في منشور حول إعداد ميزانية الدولة للسنة المقبلة وجهته الى الوزراء ورؤساء الهياكل والهيئات الدستورية المستقلة والولاة ورؤساء البرامج، صدر في شهر ماي 2022، أن نفقات الأجور، وصلت الى مستوى قياسي خلال سنة 2022 في حدود 15,6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 10 بالمائة سنة 2010 وهو ما قلص من الاعتمادات ذات الصبغة التنموية وحدّ من قدرة الميزانية على تعزيز الاستثمار العمومي.

ويعد التخفيض من كتلة الأجور، أحد ابرز الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي تونس حتى تتمكن من إبرام اتفاق معه والحصول على تمويلات، الى جانب الحد من نفقات الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية وإصلاح المنظومة الجبائية.

واقترحت الحكومة في ميزانية 2023، حصر الانتدابات في الحاجيات المتأكدة وذات الأولوية القصوى مع التخفيض التدريجي في عدد خريجي مدارس التكوين خاصة بالنسبة إلى وزارات الدفاع والداخلية والعدل و يتم ضبط تراخيص التكوين والعدد الجملي للانتدابات للفترة 2023-2025 من قبل مجلس وزاري يعقد للغرض.

كما تتمثل الإجراءات المقترحة في "تحديد نسبة الترقيات العادية بـ20 بالمائة الى جانب عدم تعويض الشغورات والسعي الى تغطية الحاجيات المتأكدة بإعادة توظيف الموارد البشرية المتوفرة، فضلا عن مزيد التحكم في ساعات العمل الإضافية وإسناد استراحة تعويضية في حالة القيام فعليا بساعات اضافية".

رفيق