إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس ثرية بالطاقة والأزمات سببها غياب الاستراتيجيات... واللوبيات !!

الحلول أسهل مما يتصوّرون...

بقلم: د.ريم الخذيري

لاشك أن الطاقة عصب الحياة في كل دول العالم والحروب والصراعات التي تخاض اليوم إنما هي طاقية بالأساس. حتى أن التحولات العالمية الكبرى تبنى على هذا الأساس وكأن الحرب الاوكرانية الروسية جاءت لتؤكد هشاشة العالم في هذا المجال ما جعل عددا من الدول تسارع الخطى لوضع استراتيجيات عاجلة واخرى آجلة للتخلي عن كابوس الطاقة الذي بدأ يشكل عبئا على الدول الموردة لهذه المادة الحيوية.

ومن المعروف أن مصادر الطاقة البديلة منها الطبيعي كالشمس والرياح وحتى الأمطار ومنها المتجدد كالطاقة النووية هي الطاقة التي يتم توليدها عن طريق التحكم في تفاعلات انشطار أو اندماج الذرة.( تستغل هذه الطاقة في محطات توليد الكهرباء النووية، حيث يسخن الماء لإنتاج بخار الماء الذي يستخدم بعد ذلك لتحريك زعنفات لإنتاج الكهرباء. ففي 2009،مثلا شكلت نسبة الكهرباء المنتجة من الطاقة النووية بنحو 13-14% من إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة في العالم.(

ولأن الطاقة النووية مكلفة فقد اتجهت أغلب الدول الى انتاج الطاقة الطبيعية و التي هي أقلّ تكلفة و أكثر نجاعة وديمومة.وتعتبر الدول المشمسة أكثر أيام السنة و المتميزة بالرياح هي الثريّة في مجال الطاقة الطبيعية .و بهذا المقياس تعدّ تونس من البلدان الثرية حيث أن الشمس لاتغيبعنها لما يناهز 300يوما في السنة بالإضافة الى مناخها المتوسطي الملائم لنشاط الرياح لما يقرب من 100يوم في السنة.

الثروة المهدورة واللوبيات المتنفّذة

يبقى السؤال الاكثر الحاحا والذي سنحاول الاجابة عنه لاحقا هو لماذا لم تلتحق تونس بركب الدول المنتجة للطاقة الشمسية ؟

من المنتظر أن تبلغ فاتورة شراء الغاز الطبيعي المحلي والأجنبي هذا العام إلى نحو 2.6 مليار دولار، مقارنة مع 1.5 مليار العام الماضي، ما يعني نسبة زيادة تبلغ أكثر من 73%.

وعموما تورّد تونس في تونس 48% من حاجياتها من مصادر الطاقة الأولية لتلبية حاجيات الإقتصاد المحلي، وهو ما يعرّض المالية العمومية إلى مخاطر تقلبات الأسعار العالمية خاصةً على اعتبار أن فرضية سعر برميل النفط المعتمدة في ميزانية 2022 والمقدرة بـ75 دولار بعيدة كل البعد عن واقع الأسعار اليوم وهو ما جعل التضخّم يبلغ مستويات قياسية.

هذه الحكومة كباقي الحكومات التي سبقتها لم تقم بأي خطوة لمواجهة أزمة الطاقة واكتفت بالحلول السهلة وهو الترفيع في سعر المحروقات الذي يمس المواطن دون سواه حيث أن الشركات العمومية لا تقوم بتسديد فواتيرها وتراكم ديونها لدى الشركة التونسية للأنشطة البترولية و يؤثّر على الاقتصاد ككل .

اذ أن قيمة الديون المتخلدة بذمة المؤسسات العمومية، لفائدة المؤسسة قد تجاوزت 2000 مليار أغلبها لدى الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لصناعات التكرير.هذا بالاضافة لشركات النقل و اسطول سيارات الوزارات التدهور الكبير .

وهو ما فاقم الوضعية المالية الصعبة التي تشهدها المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في ظل عدم استخلاص ديونها، ما جعلها عاجزة عن الايفاء بديونها تجاه شركائها الاجانب، وهو ما يفسّر في جزء مهم تعثر التوريد و تأخر تزويد المحطات بالوقود مثلما حدث نهاية الأسبوع وهو سيناريو متوقع الحدوث كل شهر مرة على الأقل.

ومن الثابت أن هذه الوضعية المتأزمة للشركة التونسية للأنشطة البترولية هي نتاج تحكّم لوبيات في قطاع الطاقة تعّودت التمعش من هذه الأزمة في حين أن الحلول لتفاديها متوفّرة وسهلة وأوّلها :

*رفع الحكومة يدها على قطاع الطاقة أو على الأقل اشراك الخواص و المستثمرين من الخارج والداخل فيه حيث أنه ثبت فشل سياسة كل الحكومات في هذا المجال واكتفائها بالتوريد دون وضع أية استراتيجيات للحد من نزيف التعويل على الطاقة التقليدية وأهمّها انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية. وهنا لابد من ضرورة رفع النقابيين يدهم على الشركة التونسية للكهرباء و الغاز وهم الذين عطّلوا ويعطّلون أي انفتاح للشركة على الخواص والمستثمرين الأجانب بحجة خطا لتكريرالتفويت في المؤسسات العمومية وهي كلمة الحق التي يراد بها باطلا حيث أن كل الشركات و المؤسسات العمومية محكوم عليها بالإعدام ما لم تجدّد نفسها و تنفتح على الاخرين عبر شراكات واضحة ومفيدة.

ثانيها: اطلاق الحكومة طلب عروض عالمي لإنشاء محطات توليد للطاقة الشمسية في الصحراء التونسية وتكون عبر الاستثمار المباشر أو عبر الاستغلال بالشراكة.أو بأي شكل لن يكلّف الدولة مليما واحدا وسيكون مردوده مذهلا .والتجارب المقارنة في المغرب وجنوب افريقيا و حتى في اليمن ومالي تؤكّد ذلك.

ثالثا: الارادة والشجاعة الحكومية في المرور من دور رجل المطافئ الى دور العالم المستنبط للحلول .حيث أن هذه الحكومات والتي تستمدّ قوتها من رئيس الجمهورية مباشرة أمام فرصة تاريخية لتدخل التاريخ عبر قرارات ثورية نحو تحقيق الاستقلال الطاقي وعبر وضع استراتيجية لامكان فيها للوبيات والنقابات والمتمعشين من ملف الطاقة في تونس منذ عقود.والذي يشكلون دولة موازية تعرقل كل عملية اصلاح وتفشل كل الاستراتيجيات حيث انهم لايمكن أن يكونوا جزءا من الحل وهو اكبر جزء من المشكل.

التجربة المغربية

دخلت المغرب تجربة توليد الطاقة الشمسية مبكّرا وهي اليوم تملك أحد أعلى معدلات الإشعاع في العالم فتعرض أغلب البلد لأكثر من 3,000 ساعة في السنة وقد تصل إلى 3,600 ساعة في الصحراء. وحديثا قامت المغرب ببناء محطة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم بتكلفة وصلت لحوالي 9 مليار دولار. وتولّد هذه المحطة أكثر من 2,000 ميغاوات .كما تمّ الانتهاء من بناء خمس محطات للطاقة الشمسية تشمل محطات خلايا شمسية ومحطات للطاقة الشمسية المركزة.

وبهذا نجحت المغرب في تخفيض صادراتها من الطاقة والتي كانت في السابق تصل الى 90 بالمائة من الاحتياجات فضلا عن وضع استراتيجية للتحكم في استعمال الطاقة .

وقدتم تكوين الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازن)، ملكية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص للإشراف على المشروع. تم الانتهاء من المحطة الأولى في عام 2015، بينما تمّ الانتهاء من باقي المشروع في عام 2020. وأعلنت الوكالة أن المشروع سيوفر 38% من احتياج المغرب السنوي للكهرباء.

وتعتبر المغرب هي البلد الأفريقي الوحيد المتصلة شبكيا بأوروبا بواسطة مشروع ديزرتيك.

و"ديزيرتيك"، هو أضخم مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، انطلاقا من استغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ونقل قسم منها إلى أوروبا وسينتهي في غضون عام 2050 لكن تونس غائبة عنه وهو ما سيجعلها خارج العصر الطاقي الجديد.

 

 

 

 

 

 

تونس ثرية بالطاقة والأزمات سببها غياب الاستراتيجيات... واللوبيات !!

الحلول أسهل مما يتصوّرون...

بقلم: د.ريم الخذيري

لاشك أن الطاقة عصب الحياة في كل دول العالم والحروب والصراعات التي تخاض اليوم إنما هي طاقية بالأساس. حتى أن التحولات العالمية الكبرى تبنى على هذا الأساس وكأن الحرب الاوكرانية الروسية جاءت لتؤكد هشاشة العالم في هذا المجال ما جعل عددا من الدول تسارع الخطى لوضع استراتيجيات عاجلة واخرى آجلة للتخلي عن كابوس الطاقة الذي بدأ يشكل عبئا على الدول الموردة لهذه المادة الحيوية.

ومن المعروف أن مصادر الطاقة البديلة منها الطبيعي كالشمس والرياح وحتى الأمطار ومنها المتجدد كالطاقة النووية هي الطاقة التي يتم توليدها عن طريق التحكم في تفاعلات انشطار أو اندماج الذرة.( تستغل هذه الطاقة في محطات توليد الكهرباء النووية، حيث يسخن الماء لإنتاج بخار الماء الذي يستخدم بعد ذلك لتحريك زعنفات لإنتاج الكهرباء. ففي 2009،مثلا شكلت نسبة الكهرباء المنتجة من الطاقة النووية بنحو 13-14% من إجمالي الطاقة الكهربية المنتجة في العالم.(

ولأن الطاقة النووية مكلفة فقد اتجهت أغلب الدول الى انتاج الطاقة الطبيعية و التي هي أقلّ تكلفة و أكثر نجاعة وديمومة.وتعتبر الدول المشمسة أكثر أيام السنة و المتميزة بالرياح هي الثريّة في مجال الطاقة الطبيعية .و بهذا المقياس تعدّ تونس من البلدان الثرية حيث أن الشمس لاتغيبعنها لما يناهز 300يوما في السنة بالإضافة الى مناخها المتوسطي الملائم لنشاط الرياح لما يقرب من 100يوم في السنة.

الثروة المهدورة واللوبيات المتنفّذة

يبقى السؤال الاكثر الحاحا والذي سنحاول الاجابة عنه لاحقا هو لماذا لم تلتحق تونس بركب الدول المنتجة للطاقة الشمسية ؟

من المنتظر أن تبلغ فاتورة شراء الغاز الطبيعي المحلي والأجنبي هذا العام إلى نحو 2.6 مليار دولار، مقارنة مع 1.5 مليار العام الماضي، ما يعني نسبة زيادة تبلغ أكثر من 73%.

وعموما تورّد تونس في تونس 48% من حاجياتها من مصادر الطاقة الأولية لتلبية حاجيات الإقتصاد المحلي، وهو ما يعرّض المالية العمومية إلى مخاطر تقلبات الأسعار العالمية خاصةً على اعتبار أن فرضية سعر برميل النفط المعتمدة في ميزانية 2022 والمقدرة بـ75 دولار بعيدة كل البعد عن واقع الأسعار اليوم وهو ما جعل التضخّم يبلغ مستويات قياسية.

هذه الحكومة كباقي الحكومات التي سبقتها لم تقم بأي خطوة لمواجهة أزمة الطاقة واكتفت بالحلول السهلة وهو الترفيع في سعر المحروقات الذي يمس المواطن دون سواه حيث أن الشركات العمومية لا تقوم بتسديد فواتيرها وتراكم ديونها لدى الشركة التونسية للأنشطة البترولية و يؤثّر على الاقتصاد ككل .

اذ أن قيمة الديون المتخلدة بذمة المؤسسات العمومية، لفائدة المؤسسة قد تجاوزت 2000 مليار أغلبها لدى الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة التونسية لصناعات التكرير.هذا بالاضافة لشركات النقل و اسطول سيارات الوزارات التدهور الكبير .

وهو ما فاقم الوضعية المالية الصعبة التي تشهدها المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية في ظل عدم استخلاص ديونها، ما جعلها عاجزة عن الايفاء بديونها تجاه شركائها الاجانب، وهو ما يفسّر في جزء مهم تعثر التوريد و تأخر تزويد المحطات بالوقود مثلما حدث نهاية الأسبوع وهو سيناريو متوقع الحدوث كل شهر مرة على الأقل.

ومن الثابت أن هذه الوضعية المتأزمة للشركة التونسية للأنشطة البترولية هي نتاج تحكّم لوبيات في قطاع الطاقة تعّودت التمعش من هذه الأزمة في حين أن الحلول لتفاديها متوفّرة وسهلة وأوّلها :

*رفع الحكومة يدها على قطاع الطاقة أو على الأقل اشراك الخواص و المستثمرين من الخارج والداخل فيه حيث أنه ثبت فشل سياسة كل الحكومات في هذا المجال واكتفائها بالتوريد دون وضع أية استراتيجيات للحد من نزيف التعويل على الطاقة التقليدية وأهمّها انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية. وهنا لابد من ضرورة رفع النقابيين يدهم على الشركة التونسية للكهرباء و الغاز وهم الذين عطّلوا ويعطّلون أي انفتاح للشركة على الخواص والمستثمرين الأجانب بحجة خطا لتكريرالتفويت في المؤسسات العمومية وهي كلمة الحق التي يراد بها باطلا حيث أن كل الشركات و المؤسسات العمومية محكوم عليها بالإعدام ما لم تجدّد نفسها و تنفتح على الاخرين عبر شراكات واضحة ومفيدة.

ثانيها: اطلاق الحكومة طلب عروض عالمي لإنشاء محطات توليد للطاقة الشمسية في الصحراء التونسية وتكون عبر الاستثمار المباشر أو عبر الاستغلال بالشراكة.أو بأي شكل لن يكلّف الدولة مليما واحدا وسيكون مردوده مذهلا .والتجارب المقارنة في المغرب وجنوب افريقيا و حتى في اليمن ومالي تؤكّد ذلك.

ثالثا: الارادة والشجاعة الحكومية في المرور من دور رجل المطافئ الى دور العالم المستنبط للحلول .حيث أن هذه الحكومات والتي تستمدّ قوتها من رئيس الجمهورية مباشرة أمام فرصة تاريخية لتدخل التاريخ عبر قرارات ثورية نحو تحقيق الاستقلال الطاقي وعبر وضع استراتيجية لامكان فيها للوبيات والنقابات والمتمعشين من ملف الطاقة في تونس منذ عقود.والذي يشكلون دولة موازية تعرقل كل عملية اصلاح وتفشل كل الاستراتيجيات حيث انهم لايمكن أن يكونوا جزءا من الحل وهو اكبر جزء من المشكل.

التجربة المغربية

دخلت المغرب تجربة توليد الطاقة الشمسية مبكّرا وهي اليوم تملك أحد أعلى معدلات الإشعاع في العالم فتعرض أغلب البلد لأكثر من 3,000 ساعة في السنة وقد تصل إلى 3,600 ساعة في الصحراء. وحديثا قامت المغرب ببناء محطة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم بتكلفة وصلت لحوالي 9 مليار دولار. وتولّد هذه المحطة أكثر من 2,000 ميغاوات .كما تمّ الانتهاء من بناء خمس محطات للطاقة الشمسية تشمل محطات خلايا شمسية ومحطات للطاقة الشمسية المركزة.

وبهذا نجحت المغرب في تخفيض صادراتها من الطاقة والتي كانت في السابق تصل الى 90 بالمائة من الاحتياجات فضلا عن وضع استراتيجية للتحكم في استعمال الطاقة .

وقدتم تكوين الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازن)، ملكية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص للإشراف على المشروع. تم الانتهاء من المحطة الأولى في عام 2015، بينما تمّ الانتهاء من باقي المشروع في عام 2020. وأعلنت الوكالة أن المشروع سيوفر 38% من احتياج المغرب السنوي للكهرباء.

وتعتبر المغرب هي البلد الأفريقي الوحيد المتصلة شبكيا بأوروبا بواسطة مشروع ديزرتيك.

و"ديزيرتيك"، هو أضخم مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، انطلاقا من استغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ونقل قسم منها إلى أوروبا وسينتهي في غضون عام 2050 لكن تونس غائبة عنه وهو ما سيجعلها خارج العصر الطاقي الجديد.