إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الحرب الروسية الأوكرانية: معركة ضائعة أم نحت ملامح عالم جديد ؟

 

 

بقلم: نوفل سلامة

هل خذل الغرب ومن ورائه حلف الناتو أوكرانيا ؟ وهل تلاعبت أمريكا بحليفها الرئيس الأوكراني زيلنسكي حينما جرته إلى حرب مقابل وعد بانضمامه إلى حلف الناتو واليوم لم تفعل له شيئا أمام قرار رفض انضمام أوكرانيا إلى هذا الحلف ولم تسند رغبة الشعب الأوكراني الالتحاق بالمنظومة الأوروبية وحلفها العسكري لتصبح عضوا في هذا الحلف وبذلك تفك ارتباطها عن روسيا وتفشل حلم الرئيس بوتين استعادة مجد روسيا التاريخي بضم الكثير من البلدان التي كانت في الماضي ضمن حدودها التاريخية و اليوم هي خارجة عنه وتود الدخول في منظومة الاتحاد الاوروبي وحلفها العسكري بصفة فعلية ودائمة .

وهل خذل الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أوكرانيا حينما لم يقدرا أن يفعلا شيئا لرئيسها ويمنعا ما قام به الرئيس بوتين من اقتطاع لأربع مناطق أوكرانية وضمها نهائيا إلى روسيا بصفة أحادية منفردة ؟ وهل شعر زيلنسكي بأنه تم خذلانه حينما تم جره إلى حرب مدمرة مع وعده بالوقوف إلى جانبه عسكريا وماليا ولم يتم قبول عضوية بلاده في الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو ما جعله يصرح بكل مرارة وبكثير من الحسرة أن الحقيقة اليوم والتي وجب على أوكرانيا الاعتراف بها هي أن الخطاب الذي سمعناها لسنوات عديدة من أن أبواب أوروبا مفتوحة لأوكرانيا لم تكن صادقة وأن الحقيقة الواضحة هي أن أوروبا قد رفضت طلب انضمام أوكرانيا إليها " وهنا يطرح السؤال لماذا دخلت أوكرانيا في حرب مع روسيا ولماذا تواصل فيها إذا لم يتحقق الوعد الغربي بانضمامها الى الحلف الأطلسي ؟ ولماذا جرت أمريكيا أوكرانيا إلى حرب مدمرة وهي تعلم أنها لن تقدر أن تسندها وتفرض دخولها في المنظومة الأوروبية ؟ وإذا لم تكن هذه الحرب من أجل أوكرانيا ومن أجل الوقوف معها وقبولها عضوا في المنتظم الأوروبي فلماذا قامت الحرب إذن ؟ وكيف أقنعت أمريكا وأوروبا زيلنسكي بالدخول في حرب لن تجني منها أوكرانيا في الأخير إلا الخراب والمزيد من المخاطر ؟

مع تقدم المعارك وتقدم الحرب بدأت الصورة لكل الأطراف تتضح أكثر وهي أن مخاطر هذا الصراع المدمر هي أعلى بكثير من الانتكاسات التي قد تحصل وأن ما يحصل قد يكون معركة ضائعة لن يجنى منها شيئا غير التقهقر والخسارة المتعددة الأبعاد والخسائر المادية والبشرية وما يحصل من تغيرات حادة ومؤثرة على الشعوب والتي عادة ما تعقب وترافق فترات ما بعد الحرب في علاقة بالتحولات والتغييرات الداخلية التي تظهر خلال نهاية الأزمات الحادة خاصة وأن الخسائر والمكاسب لا أحد بمقدوره ان يتكهن بها بعد أن عرفت المعارك على أرض الميدان تقلبات وتطورات لصالح الجيش الأوكراني الذي يكبد من يوم إلى آخر الجيش الروسي خسائر معتبرة في الأرواح والمعدات وبدأ في استرجاع العديد من المدن والقرى التي استولى عليها الجيش الروسي خلال الأيام الأولى للحرب وبدأ يتراجع وينسحب من الكثير من المناطق الأوكرانية .

الحرب تتجاوز المسألة الأوكرانية :

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر أن الحرب التى يخوضها اليوم هي ليست حربا من أجل احتلال أوكرانيا وإرجاعها إلى محيطها الجغرافي القديم وقطع الطريق أمام هذا البلد الراغب في الانضمام إلى الحلف الأطلسي و الذي كان قبل تفكك الاتحاد السوفياتي من ضمن حدود روسيا التاريخية التي يحلم بوتين باستعادتها ولا من أجل حماية أمن روسيا القومي الذي يتم تهديده من خلال حث أوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي بما يهدد اقتصاده و امداداته من الغاز الطبيعي للغرب التي تمر عبر الأراضي الأوكرانية ، وإنما الحرب التي يخوضها على الأراضي الاوكرانية هي في حقيقتها وجوهرها حرب ضد الغرب وضد القوى التي تهيمن اليوم وتريد أن تتواصل هيمنتها على بقية دول وشعوب العالم حيث وصف بوتين في خطاب له يوم 21 سبتمبر 2022 أن العملية العسكرية الخاصة التي تقودها جيوشه في أوكرانيا هي حرب مع الغرب " بما يعني أن أهداف روسيا تتجاوز مسألة أوكرانيا ومسألة الحدود معها وقضية أنابيب الغاز الطبيعي التي تمر إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية إلى مسائل أكبر وأعمق وهي التخلص من الهيمنة الأطلسية والتخلص من وضعية السيطرة الأمريكية على العالم والخروج من دائرة الغرب وفك الارتباط مع النظام العالمي الذي يحكم العالم وتقوده أمريكا وحلفائها الأوروبيين وقد سبق لبوتين أن كشف عن حقيقة الحرب الدائرة اليوم حينما صرح بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الدول الساعية إلى سيادتها هي دول عدوة لها وخصما بما يعني أن الحرب في نظر بوتين هي من أجل افتكاك السيادة الوطنية التي سلبتها الامبريالية الأمريكية ومن أجل استرجاع القرار السيادي للكثير من الدول لذي حسب بوتين اغتصبه الغرب .

ما بعد أوكرانيا :

هذه الحرب التي أرادها بوتين خاطفة وقصيرة في الزمن يحقق بها أهدافه الآنية والإستراتيجية وتريدها امريكا وحلفائها طويلة ومستنزفة لقوى روسيا وقدراتها العسكرية هي في الحقيقة حرب تتجاوز الصراع على مصادر الطاقة ومسألة تزويد أوربا بالغاز الطبيعي و مسألة من يتحكم في إمداد أوربا بما تحتاجه من غاز طبيعي للاستعمال المنزلي والصناعي رغم أن هذا المطمح موجود في أسباب الصراع المباشرة إلى حرب كسر عظام وحرب من أجل تغيير المعادلة السياسية العالمية وتغيير التوازنات القائمة وتغيير مواقع النفوذ والقوة وهي حرب لن تمر من دون حصول خسائر في الأرواح والمباني ومن دون حصول تداعيات على النظام العالمي الحالي وعلى حياة الشعوب وخاصة الشعوب الأوروبية التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز الطبيعي الروسي الذي توقفت امداداته نتيجة الحرب ومساندة الدول الاوروبية لأوكرانيا.

لقد اتضح اليوم أن ما تعمل أمريكيا على كشفه من وراء هذه الحرب هو اثبات أكذوبة القوة العسكرية الروسية والتعرف على حقيقة القدرات الحربية التي يمتلكها بوتين حيث بدأ الحديث في وسائل الإعلام الغربية عن هملية تضليل إعلامي تقوم به روسيا بخصوص قدراتها الحربية التي بدأت تتهاوى مع الوقت بتراجع الجنود الروس عن المواقع التي سيطر عليها ونتيجة لما يقوم به القوات الأوكرانية من استرجاع للكثير من المناطق التي دخلها الجيش الروسي كما بدأ الحديث عن خسائر فادحة في المعدات التقليدية الثقيلة والجنود الروس الأمر الذي اضطر القيادة السياسية والعسكرية الروسية إلى استدعاء جنود الاحتياط والتلويح باستخدام السلاح النووي الأمر الذي إذا ما تجاوز مجرد التخويف إلى الفعل الحقيقي فإنه سوف يجر أوروبا إلى حرب عالمية ثالثة قد تنفلت حساباتها ومآلأتها وتهدد السلم العالمي وخاصة ما سينجر عنها من تدمير كامل للبنية التحتية الاقتصادية الأوروبية المكسب الذي تفتخر به أوروبا وتدمير في أنظمة الطاقة والاتصالات والنقل وتعطل كامل للمرافق الحيوية للمواطن الأوروبي.

العالم يتغير :

 كل الدراسات التي تولت رصد الحرب الروسية الأوكرانية وتطوراتها الحاصلة وما يمكن أن ينجر عنها من تداعيات قد أكدت على حقيقة أن العالم يمر اليوم بانعطافة كبيرة وهو قادم على تحولات مؤثرة وتغيرات جذرية في علاقة بطبيعة التحالفات السياسية والاقتصادية الجديدة وفي علاقة بمراكز النفوذ والقوة التي بدأت تتشكل في اتجاه الخروج عن مراكز القوة التقليدية والتي هيمنت ولا تزال خلال حقبة كاملة بعد الحرب العالمية الثانية الأمر الذي سوف يخلق صورة جديدة للعالم ومشهدا جديدا للنظام العالمي الحالي ويؤثث لنظام جديد بتوازنات جديدة وقوى أخرى نحو كسر النظام الحالي القائم على فكرة القطب الواحد وإنشاء نظام بديل متعدد الاقطاب قد تصل إلى خمس أقطاب ولكنها غير متصارعة وما يؤكد هذا التحليل وهذا الاستشراف للمستقبل ما نشاهده من بداية انهيار القوى التقليدية ومراكز نفوذها ( فرنسا في إفريقيا ) وتعويضها بقوى أخرى صاعدة جديدة بدأت تحتل مواقع ومراكز جديدة ( روسيا والصين وبنسبة أقل اليابان ) .

ما هو مفيد أن الحرب في أوكرانيا هي في هذا الاتجاه الذي يعرفه العالم بخصوص الصراع حول مواقع النفوذ والصراع من أجل تغيير معادلة النظام العالمي والتحرر من هيمنة المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية .

نحت ملامح مرحلة عالمية جديدة :

كل الدراسات اليوم تذهب إلى أن نتائج الحرب ستساهم في نحت ملامح المرحلة المقبلة وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بالقارة الإفريقية وبالقوى المؤثرة فيها علما وأن الموقف الغالب في دول القارة السمراء أصبح رافضا بقوة لتواجد قوى الاستعمار القديم وراغبا ومتجها نحو القوى التي تصارع الغرب اليوم وتسعى للتخلص من المنظومة العالمية المتحكمة وأن التوجه نحو الصين وروسيا واليابان وهو مسار يتكثف ويتعزز من يوم إلى آخر وأن الصراع على النفوذ في إفريقيا يمر حتما عبر مآل الحرب الروسية ونتائجها على النظام العالمي المتحكم والمسيطر .

ما تم رصده في مختلف الدراسات الإستشرافية أن الغرب اليوم في حالة ضعف وهو غير قادر على حماية نظامه العالمي وعاجز عن الحفاظ على مراكز نفوذه الاقتصادية والعسكرية في العالم خاصة في إفريقيا وغير قادر على مواجهة القوى الصاعدة وهو اليوم يخوض معارك وهمية مع المحور الروسي الصيني وغير قادر على منع روسيا من ضم أراض شاسعة من أوكرانيا إلى حدوده واعتبارها ضمن روسيا التاريخية وروسيا الكبرى.

في كلمته التي ألقاها في جامعة جورج واشنطن يوم 26 ماي 2022 صرح وزير الخارجية الأمريكي " انتوني بلينكن " بأن أمريكا تخوض حربا منافسة قوية مع الصين من أجل الحفاظ على النظام الدولي الحالي وأن الصين تشكل أخطر تهديد على المدى الطويل للنظام العالمي وهي الدولة الوحيدة التي تمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والتكنولوجية المؤهلة للقيام بذلك .. وأضاف بأن أمريكا والغرب عاجزان عن تغيير مسار الصين وطموحات الزعيم الصيني " شي جين بينغ " وأن أمريكا تعمل على تفكيك البنية الاستراتيجية حول الصين على نحو يعزز رؤيتها لنظام دولي مفتوح وشامل من دون خوض حرب باردة جديدة ".

 

الحرب الروسية الأوكرانية: معركة ضائعة أم نحت ملامح عالم جديد ؟

 

 

بقلم: نوفل سلامة

هل خذل الغرب ومن ورائه حلف الناتو أوكرانيا ؟ وهل تلاعبت أمريكا بحليفها الرئيس الأوكراني زيلنسكي حينما جرته إلى حرب مقابل وعد بانضمامه إلى حلف الناتو واليوم لم تفعل له شيئا أمام قرار رفض انضمام أوكرانيا إلى هذا الحلف ولم تسند رغبة الشعب الأوكراني الالتحاق بالمنظومة الأوروبية وحلفها العسكري لتصبح عضوا في هذا الحلف وبذلك تفك ارتباطها عن روسيا وتفشل حلم الرئيس بوتين استعادة مجد روسيا التاريخي بضم الكثير من البلدان التي كانت في الماضي ضمن حدودها التاريخية و اليوم هي خارجة عنه وتود الدخول في منظومة الاتحاد الاوروبي وحلفها العسكري بصفة فعلية ودائمة .

وهل خذل الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أوكرانيا حينما لم يقدرا أن يفعلا شيئا لرئيسها ويمنعا ما قام به الرئيس بوتين من اقتطاع لأربع مناطق أوكرانية وضمها نهائيا إلى روسيا بصفة أحادية منفردة ؟ وهل شعر زيلنسكي بأنه تم خذلانه حينما تم جره إلى حرب مدمرة مع وعده بالوقوف إلى جانبه عسكريا وماليا ولم يتم قبول عضوية بلاده في الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو ما جعله يصرح بكل مرارة وبكثير من الحسرة أن الحقيقة اليوم والتي وجب على أوكرانيا الاعتراف بها هي أن الخطاب الذي سمعناها لسنوات عديدة من أن أبواب أوروبا مفتوحة لأوكرانيا لم تكن صادقة وأن الحقيقة الواضحة هي أن أوروبا قد رفضت طلب انضمام أوكرانيا إليها " وهنا يطرح السؤال لماذا دخلت أوكرانيا في حرب مع روسيا ولماذا تواصل فيها إذا لم يتحقق الوعد الغربي بانضمامها الى الحلف الأطلسي ؟ ولماذا جرت أمريكيا أوكرانيا إلى حرب مدمرة وهي تعلم أنها لن تقدر أن تسندها وتفرض دخولها في المنظومة الأوروبية ؟ وإذا لم تكن هذه الحرب من أجل أوكرانيا ومن أجل الوقوف معها وقبولها عضوا في المنتظم الأوروبي فلماذا قامت الحرب إذن ؟ وكيف أقنعت أمريكا وأوروبا زيلنسكي بالدخول في حرب لن تجني منها أوكرانيا في الأخير إلا الخراب والمزيد من المخاطر ؟

مع تقدم المعارك وتقدم الحرب بدأت الصورة لكل الأطراف تتضح أكثر وهي أن مخاطر هذا الصراع المدمر هي أعلى بكثير من الانتكاسات التي قد تحصل وأن ما يحصل قد يكون معركة ضائعة لن يجنى منها شيئا غير التقهقر والخسارة المتعددة الأبعاد والخسائر المادية والبشرية وما يحصل من تغيرات حادة ومؤثرة على الشعوب والتي عادة ما تعقب وترافق فترات ما بعد الحرب في علاقة بالتحولات والتغييرات الداخلية التي تظهر خلال نهاية الأزمات الحادة خاصة وأن الخسائر والمكاسب لا أحد بمقدوره ان يتكهن بها بعد أن عرفت المعارك على أرض الميدان تقلبات وتطورات لصالح الجيش الأوكراني الذي يكبد من يوم إلى آخر الجيش الروسي خسائر معتبرة في الأرواح والمعدات وبدأ في استرجاع العديد من المدن والقرى التي استولى عليها الجيش الروسي خلال الأيام الأولى للحرب وبدأ يتراجع وينسحب من الكثير من المناطق الأوكرانية .

الحرب تتجاوز المسألة الأوكرانية :

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبر أن الحرب التى يخوضها اليوم هي ليست حربا من أجل احتلال أوكرانيا وإرجاعها إلى محيطها الجغرافي القديم وقطع الطريق أمام هذا البلد الراغب في الانضمام إلى الحلف الأطلسي و الذي كان قبل تفكك الاتحاد السوفياتي من ضمن حدود روسيا التاريخية التي يحلم بوتين باستعادتها ولا من أجل حماية أمن روسيا القومي الذي يتم تهديده من خلال حث أوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي بما يهدد اقتصاده و امداداته من الغاز الطبيعي للغرب التي تمر عبر الأراضي الأوكرانية ، وإنما الحرب التي يخوضها على الأراضي الاوكرانية هي في حقيقتها وجوهرها حرب ضد الغرب وضد القوى التي تهيمن اليوم وتريد أن تتواصل هيمنتها على بقية دول وشعوب العالم حيث وصف بوتين في خطاب له يوم 21 سبتمبر 2022 أن العملية العسكرية الخاصة التي تقودها جيوشه في أوكرانيا هي حرب مع الغرب " بما يعني أن أهداف روسيا تتجاوز مسألة أوكرانيا ومسألة الحدود معها وقضية أنابيب الغاز الطبيعي التي تمر إلى أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية إلى مسائل أكبر وأعمق وهي التخلص من الهيمنة الأطلسية والتخلص من وضعية السيطرة الأمريكية على العالم والخروج من دائرة الغرب وفك الارتباط مع النظام العالمي الذي يحكم العالم وتقوده أمريكا وحلفائها الأوروبيين وقد سبق لبوتين أن كشف عن حقيقة الحرب الدائرة اليوم حينما صرح بأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الدول الساعية إلى سيادتها هي دول عدوة لها وخصما بما يعني أن الحرب في نظر بوتين هي من أجل افتكاك السيادة الوطنية التي سلبتها الامبريالية الأمريكية ومن أجل استرجاع القرار السيادي للكثير من الدول لذي حسب بوتين اغتصبه الغرب .

ما بعد أوكرانيا :

هذه الحرب التي أرادها بوتين خاطفة وقصيرة في الزمن يحقق بها أهدافه الآنية والإستراتيجية وتريدها امريكا وحلفائها طويلة ومستنزفة لقوى روسيا وقدراتها العسكرية هي في الحقيقة حرب تتجاوز الصراع على مصادر الطاقة ومسألة تزويد أوربا بالغاز الطبيعي و مسألة من يتحكم في إمداد أوربا بما تحتاجه من غاز طبيعي للاستعمال المنزلي والصناعي رغم أن هذا المطمح موجود في أسباب الصراع المباشرة إلى حرب كسر عظام وحرب من أجل تغيير المعادلة السياسية العالمية وتغيير التوازنات القائمة وتغيير مواقع النفوذ والقوة وهي حرب لن تمر من دون حصول خسائر في الأرواح والمباني ومن دون حصول تداعيات على النظام العالمي الحالي وعلى حياة الشعوب وخاصة الشعوب الأوروبية التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز الطبيعي الروسي الذي توقفت امداداته نتيجة الحرب ومساندة الدول الاوروبية لأوكرانيا.

لقد اتضح اليوم أن ما تعمل أمريكيا على كشفه من وراء هذه الحرب هو اثبات أكذوبة القوة العسكرية الروسية والتعرف على حقيقة القدرات الحربية التي يمتلكها بوتين حيث بدأ الحديث في وسائل الإعلام الغربية عن هملية تضليل إعلامي تقوم به روسيا بخصوص قدراتها الحربية التي بدأت تتهاوى مع الوقت بتراجع الجنود الروس عن المواقع التي سيطر عليها ونتيجة لما يقوم به القوات الأوكرانية من استرجاع للكثير من المناطق التي دخلها الجيش الروسي كما بدأ الحديث عن خسائر فادحة في المعدات التقليدية الثقيلة والجنود الروس الأمر الذي اضطر القيادة السياسية والعسكرية الروسية إلى استدعاء جنود الاحتياط والتلويح باستخدام السلاح النووي الأمر الذي إذا ما تجاوز مجرد التخويف إلى الفعل الحقيقي فإنه سوف يجر أوروبا إلى حرب عالمية ثالثة قد تنفلت حساباتها ومآلأتها وتهدد السلم العالمي وخاصة ما سينجر عنها من تدمير كامل للبنية التحتية الاقتصادية الأوروبية المكسب الذي تفتخر به أوروبا وتدمير في أنظمة الطاقة والاتصالات والنقل وتعطل كامل للمرافق الحيوية للمواطن الأوروبي.

العالم يتغير :

 كل الدراسات التي تولت رصد الحرب الروسية الأوكرانية وتطوراتها الحاصلة وما يمكن أن ينجر عنها من تداعيات قد أكدت على حقيقة أن العالم يمر اليوم بانعطافة كبيرة وهو قادم على تحولات مؤثرة وتغيرات جذرية في علاقة بطبيعة التحالفات السياسية والاقتصادية الجديدة وفي علاقة بمراكز النفوذ والقوة التي بدأت تتشكل في اتجاه الخروج عن مراكز القوة التقليدية والتي هيمنت ولا تزال خلال حقبة كاملة بعد الحرب العالمية الثانية الأمر الذي سوف يخلق صورة جديدة للعالم ومشهدا جديدا للنظام العالمي الحالي ويؤثث لنظام جديد بتوازنات جديدة وقوى أخرى نحو كسر النظام الحالي القائم على فكرة القطب الواحد وإنشاء نظام بديل متعدد الاقطاب قد تصل إلى خمس أقطاب ولكنها غير متصارعة وما يؤكد هذا التحليل وهذا الاستشراف للمستقبل ما نشاهده من بداية انهيار القوى التقليدية ومراكز نفوذها ( فرنسا في إفريقيا ) وتعويضها بقوى أخرى صاعدة جديدة بدأت تحتل مواقع ومراكز جديدة ( روسيا والصين وبنسبة أقل اليابان ) .

ما هو مفيد أن الحرب في أوكرانيا هي في هذا الاتجاه الذي يعرفه العالم بخصوص الصراع حول مواقع النفوذ والصراع من أجل تغيير معادلة النظام العالمي والتحرر من هيمنة المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية .

نحت ملامح مرحلة عالمية جديدة :

كل الدراسات اليوم تذهب إلى أن نتائج الحرب ستساهم في نحت ملامح المرحلة المقبلة وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بالقارة الإفريقية وبالقوى المؤثرة فيها علما وأن الموقف الغالب في دول القارة السمراء أصبح رافضا بقوة لتواجد قوى الاستعمار القديم وراغبا ومتجها نحو القوى التي تصارع الغرب اليوم وتسعى للتخلص من المنظومة العالمية المتحكمة وأن التوجه نحو الصين وروسيا واليابان وهو مسار يتكثف ويتعزز من يوم إلى آخر وأن الصراع على النفوذ في إفريقيا يمر حتما عبر مآل الحرب الروسية ونتائجها على النظام العالمي المتحكم والمسيطر .

ما تم رصده في مختلف الدراسات الإستشرافية أن الغرب اليوم في حالة ضعف وهو غير قادر على حماية نظامه العالمي وعاجز عن الحفاظ على مراكز نفوذه الاقتصادية والعسكرية في العالم خاصة في إفريقيا وغير قادر على مواجهة القوى الصاعدة وهو اليوم يخوض معارك وهمية مع المحور الروسي الصيني وغير قادر على منع روسيا من ضم أراض شاسعة من أوكرانيا إلى حدوده واعتبارها ضمن روسيا التاريخية وروسيا الكبرى.

في كلمته التي ألقاها في جامعة جورج واشنطن يوم 26 ماي 2022 صرح وزير الخارجية الأمريكي " انتوني بلينكن " بأن أمريكا تخوض حربا منافسة قوية مع الصين من أجل الحفاظ على النظام الدولي الحالي وأن الصين تشكل أخطر تهديد على المدى الطويل للنظام العالمي وهي الدولة الوحيدة التي تمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والتكنولوجية المؤهلة للقيام بذلك .. وأضاف بأن أمريكا والغرب عاجزان عن تغيير مسار الصين وطموحات الزعيم الصيني " شي جين بينغ " وأن أمريكا تعمل على تفكيك البنية الاستراتيجية حول الصين على نحو يعزز رؤيتها لنظام دولي مفتوح وشامل من دون خوض حرب باردة جديدة ".