إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رياح موسومية "تحت تأثير منشطات"

بقلم :طاهر حسين أنداربي

 يعرف أن الرياح الموسمية الصيفية في شبه قارة جنوب آسيا تُنعش الحياة. وإن الترحيب بهذه الأمطار الموسمية من خلال إقامة الاحتفالات جزء مهم من الفولكلور الباكستاني،حيث برز العديد من ألوان الفنون الموسيقىة والطبيخ والآداب للاحتفاء بقدوم هذه الرياح الموسمية. أما اليوم، فقد أصبحت هذه الظاهرة المناخية ذات الأهمية الكبرى خارجة عن السيطرة ومدمرة بشكل متزايد.

 ففي هذه الصائفة، تضاعف متوسط هطول الأمطار الموسمية في باكستان ثلاث أو أربع مرات بين يوليو وسبتمبر. وكان جنوب ووسط باكستان الأكثر تضررا، حيث استقبلت مقاطعتي السند وبلوشستان 8.3 و 6.9 أضعاف متوسط الأمطار الموسمية على التوالي. وقد نعتها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بحق بأن هذه الرياح الموسمية أصبحت وكأنها تقع"تحت تأثير منشطات".

 تسببت هذه الأمطار غيرالمسبوقة في حدوث فيضانات غزيرة في السندوبلوشستان وجنوب البنجاب وشمال خيبر بختونخواوالأجزاء المجاورة من جيلجيتبالتستان (GB). وهكذا تم تصنيف 84 منطقة في البلاد كمناطق منكوبة مؤهلة للحصول على مساعدات الطوارئ. وقد تضرر حوالي 33 مليون شخص، من بينهم 16 مليون طفل، وتشرد 7.9 مليون ساكن بشكل مؤقت بسبب الفيضانات التي طالت مساحات شاسعة من الأراضي، في حين أنه تم الإعلان عن فقدان 1700 من الأرواح البشرية الغالية. علاوة على ذلك، فقد تضرر مليوني منزل و13000 كيلومترات من الطرق المعبدة و410 جسرا و1894 منشأة صحية و22189 مدرسة عمومية. كما أدت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتيةإلى إعاقة إجلاء المتضررين وإيصال إمدادات الإغاثة. وبشكل عام، فقد تسببت هذه الفيضانات في تهديد الأمن الغذائي لـما يقارب من 14.6 مليون نسمة فيما دفعت حوالي 15.4 مليون شخص إلى هوة الفقر. وتفيد الإحصاءات بأن إجمالي الخسائرالاقتصادية تقدر بحوالي 30 ملياردولارأمريكي حسب التقديرات الأولية.

ولمجابهة هذه الأوضاع، فقد بادرت الحكومة الباكستانية إلى إنشاء مركز لتنسيق علميات الإغاثة الوطنية (NFRCC) وذلك لتوحيد جهود الاستجابة الوطنية والإشراف عليها. فقد تم تكريس جميع الموارد الحكومية وتسخيرها لمساعدة ضحايا الفيضانات، حيث قامت الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث (NDMA)،بفروعهاالإقليمية (PDMA) بتنسيق عمليات الإغاثة. كما شارك المجتمع المدني والمنظمات الخيرية الباكستانيةالنشطة في معضادة تلك الجهود. وهكذا،ولغاية 30 سبتمبر، تم توزيع 636477 خيمة ، مليوني طرد غذائي، 775 طنًا من المياه الصالحة للشراب وذلك في محاولة مستميتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح البشرية. كما وزعت الحكومة منحًا نقدية بقيمة 250 مليون دولار أمريكي على 2.2 مليون أسرة متضررة (25000 روبية لكل أسرة) ،بينما يجري حاليًا توزيع شريحة أخرى بقيمة 68 مليون دولارأمريكي في المناطق المتضررة.

وفي سياق طلب الإغاثة من المجتمع الدولي،أطلقت باكستان،بالتعاون مع الأمم المتحدة، نداءعاجلاً طارئًا في 30 أغسطس لجمع 160.3 مليون دولار. ولغاية 30 سبتمبر تمجمع 54 ٪ فقط من هذه الاعتمادت المطلوبة. ومع مزيد اتضاح حجم الأضرار التي لحقت بالبلاد، فقد أطلقت الأمم المتحدة للتو نداءًا عاجلا في 4 أكتوبر لجمع 816 مليون دولار أمريكي لتوفير الإغاثة الأساسية الحياتيةلـ9.5 مليون نسمة. ويعتبر جمع هذه الأموال أمرا ضرورياً لإعادة تأهيل البلاد وإعادة بنائها.

تعتبر الرياح الموسمية الشديدة الخارجة عن السيطرة مظهرًا ملموسًا لتغيرالمناخ. وقد أشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيرالمناخ (IPCC) ، وهي هيئة مُفوَّضة من الأمم المتحدة، في تقريره التقييمي تغيرالمناخ العالمي العام الماضي، إلى أن الرياح الموسمية في شبه القارة الآسيوية الجنوبية من المرجح أن يكون لها تواتر أعلى يتميز بهطول أمطار في أوقات متفرقة وذلك بالتناوب مع فترات أطول من الجفاف. ففي عام 2022، تلاقى هذان السيناريوهان المروعان معا في باكستان. ففي حين كانت الرياح الموسمية في السندوبلوشستان عنيفة، تلقت ازادجام ووكشمير (AJK) والمناطق المجاورة لوادينهرجيلوم كميات أقل من الأمطار بنسبة 20-30 ٪ بالتوازي مع فترات أطول من الجفاف أثرت على المنشأات الزراعية، وبخاصة مزارعي الأرز.

بالنسبة لباكستان، فإن المشاكل الخطيرة الناجمة عن الاحتباس الحراري وتغير المناخ لاتؤدي إلى تغييرأنماط الرياح الموسمية فقط، ولكنها تؤدي أيضًا إلى تقليص حجم الأسطح الجليدية في الهيمالايا التي تغذي نظام نهر السند العظيم لدينا. تؤدي الزيادة السريعة في درجات الحرارة في الربيع إلى المضاعفة في معدل انكماش حجم الأسطح الجليدية في الهيمالايا. ففي هذا العام، كان متوسط درجات الحرارة المسجلة في أفريل وماي في جيلجيتبالتستان (GB) وآزادجامووكشمير (AJK) أعلى من المعتاد بمقدار 6-7 درجات مائوية، مما أدى إلى فيضانات متفرقة بسبب تصدع الجليد. وعلى الرغم من أن العام الحالي كان غير معتاد،إلا أن الاحتباس الحراري المتواتر قد حال دون تعافي الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا على نحو مرضي خلال أشهر الشتاء – ومن ثم تقلص أكبرفي حجم الرواسب الجليدية في العالم بقطع النظر عن قبعات الثلج القطبية .

 تساهم باكستان بأقل من 1٪ في انبعاث غازات الاحتباس الحراري العالمية ،بينما تعد واحدة من أكثرالبلدان عرضة لتغير المناخ. من الواضح أننا ندفع ثمن خطايا الآخرين. وتونس هي الأخرى، مثل باكستان، منتج ضئيل للغازات الدفيئة،لكنها تواجه تهديدات متعددة في شكل ارتفاع منسوب مياه البحر وهطول الأمطار غير المنتظم مما يؤثرعلى الأمن الغذائي للبلاد. هذه "المظلمة المناخية" تطال أيضًا بلدان انامية أخرى. يشير تقرير للبنك الدولي إلى أن دول منطقة الساحل في إفريقيا قد تفقد مابين 7 و 12٪ من ناتجها المحلي الإجمالي خلال العقدين المقبلين بسبب تغيرالمناخ.

 إن مساعدة البلدان والأقاليم على محاربة هذه "المظلمة المناخية" أوالتعامل مع مظاهر الدمار المناخي مثل الرياح الموسمية التي تخالها تقع تحت "تأثير منشطات" ليست من باب الصدقة بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي. بالإضافة إلى المساعدة المباشرة ،فإن مثل هذا الأمر يُبرر أيضًا أهمية تدابير الدعم الاقتصادي طويلة الأمد مثل تعليق خدمة الديون وتمويل التنمية للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف اتفاقية باريس. ويتعين على الدول الصناعية الكبرى،التي تعد من البلدان الملوثة الرئيسية ، بذل جهود جادة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والوفاء بوعدها بتقديم أكثرمن 100 مليار دولار أمريكي سنويًا لتمويل برامج مكافحة تغير المناخ.

إن أزمةالمناخحقيقيةولها أبعاد مؤلمةللغاية. لميعدالوقت سانحا للخطابة، والمطلوب الآن هو الإسراع باتخاذالتدابيرالعملية اللازمة.

سفير باكستان لدى الجمهورية التونسية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رياح موسومية "تحت تأثير منشطات"

بقلم :طاهر حسين أنداربي

 يعرف أن الرياح الموسمية الصيفية في شبه قارة جنوب آسيا تُنعش الحياة. وإن الترحيب بهذه الأمطار الموسمية من خلال إقامة الاحتفالات جزء مهم من الفولكلور الباكستاني،حيث برز العديد من ألوان الفنون الموسيقىة والطبيخ والآداب للاحتفاء بقدوم هذه الرياح الموسمية. أما اليوم، فقد أصبحت هذه الظاهرة المناخية ذات الأهمية الكبرى خارجة عن السيطرة ومدمرة بشكل متزايد.

 ففي هذه الصائفة، تضاعف متوسط هطول الأمطار الموسمية في باكستان ثلاث أو أربع مرات بين يوليو وسبتمبر. وكان جنوب ووسط باكستان الأكثر تضررا، حيث استقبلت مقاطعتي السند وبلوشستان 8.3 و 6.9 أضعاف متوسط الأمطار الموسمية على التوالي. وقد نعتها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بحق بأن هذه الرياح الموسمية أصبحت وكأنها تقع"تحت تأثير منشطات".

 تسببت هذه الأمطار غيرالمسبوقة في حدوث فيضانات غزيرة في السندوبلوشستان وجنوب البنجاب وشمال خيبر بختونخواوالأجزاء المجاورة من جيلجيتبالتستان (GB). وهكذا تم تصنيف 84 منطقة في البلاد كمناطق منكوبة مؤهلة للحصول على مساعدات الطوارئ. وقد تضرر حوالي 33 مليون شخص، من بينهم 16 مليون طفل، وتشرد 7.9 مليون ساكن بشكل مؤقت بسبب الفيضانات التي طالت مساحات شاسعة من الأراضي، في حين أنه تم الإعلان عن فقدان 1700 من الأرواح البشرية الغالية. علاوة على ذلك، فقد تضرر مليوني منزل و13000 كيلومترات من الطرق المعبدة و410 جسرا و1894 منشأة صحية و22189 مدرسة عمومية. كما أدت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتيةإلى إعاقة إجلاء المتضررين وإيصال إمدادات الإغاثة. وبشكل عام، فقد تسببت هذه الفيضانات في تهديد الأمن الغذائي لـما يقارب من 14.6 مليون نسمة فيما دفعت حوالي 15.4 مليون شخص إلى هوة الفقر. وتفيد الإحصاءات بأن إجمالي الخسائرالاقتصادية تقدر بحوالي 30 ملياردولارأمريكي حسب التقديرات الأولية.

ولمجابهة هذه الأوضاع، فقد بادرت الحكومة الباكستانية إلى إنشاء مركز لتنسيق علميات الإغاثة الوطنية (NFRCC) وذلك لتوحيد جهود الاستجابة الوطنية والإشراف عليها. فقد تم تكريس جميع الموارد الحكومية وتسخيرها لمساعدة ضحايا الفيضانات، حيث قامت الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث (NDMA)،بفروعهاالإقليمية (PDMA) بتنسيق عمليات الإغاثة. كما شارك المجتمع المدني والمنظمات الخيرية الباكستانيةالنشطة في معضادة تلك الجهود. وهكذا،ولغاية 30 سبتمبر، تم توزيع 636477 خيمة ، مليوني طرد غذائي، 775 طنًا من المياه الصالحة للشراب وذلك في محاولة مستميتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح البشرية. كما وزعت الحكومة منحًا نقدية بقيمة 250 مليون دولار أمريكي على 2.2 مليون أسرة متضررة (25000 روبية لكل أسرة) ،بينما يجري حاليًا توزيع شريحة أخرى بقيمة 68 مليون دولارأمريكي في المناطق المتضررة.

وفي سياق طلب الإغاثة من المجتمع الدولي،أطلقت باكستان،بالتعاون مع الأمم المتحدة، نداءعاجلاً طارئًا في 30 أغسطس لجمع 160.3 مليون دولار. ولغاية 30 سبتمبر تمجمع 54 ٪ فقط من هذه الاعتمادت المطلوبة. ومع مزيد اتضاح حجم الأضرار التي لحقت بالبلاد، فقد أطلقت الأمم المتحدة للتو نداءًا عاجلا في 4 أكتوبر لجمع 816 مليون دولار أمريكي لتوفير الإغاثة الأساسية الحياتيةلـ9.5 مليون نسمة. ويعتبر جمع هذه الأموال أمرا ضرورياً لإعادة تأهيل البلاد وإعادة بنائها.

تعتبر الرياح الموسمية الشديدة الخارجة عن السيطرة مظهرًا ملموسًا لتغيرالمناخ. وقد أشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيرالمناخ (IPCC) ، وهي هيئة مُفوَّضة من الأمم المتحدة، في تقريره التقييمي تغيرالمناخ العالمي العام الماضي، إلى أن الرياح الموسمية في شبه القارة الآسيوية الجنوبية من المرجح أن يكون لها تواتر أعلى يتميز بهطول أمطار في أوقات متفرقة وذلك بالتناوب مع فترات أطول من الجفاف. ففي عام 2022، تلاقى هذان السيناريوهان المروعان معا في باكستان. ففي حين كانت الرياح الموسمية في السندوبلوشستان عنيفة، تلقت ازادجام ووكشمير (AJK) والمناطق المجاورة لوادينهرجيلوم كميات أقل من الأمطار بنسبة 20-30 ٪ بالتوازي مع فترات أطول من الجفاف أثرت على المنشأات الزراعية، وبخاصة مزارعي الأرز.

بالنسبة لباكستان، فإن المشاكل الخطيرة الناجمة عن الاحتباس الحراري وتغير المناخ لاتؤدي إلى تغييرأنماط الرياح الموسمية فقط، ولكنها تؤدي أيضًا إلى تقليص حجم الأسطح الجليدية في الهيمالايا التي تغذي نظام نهر السند العظيم لدينا. تؤدي الزيادة السريعة في درجات الحرارة في الربيع إلى المضاعفة في معدل انكماش حجم الأسطح الجليدية في الهيمالايا. ففي هذا العام، كان متوسط درجات الحرارة المسجلة في أفريل وماي في جيلجيتبالتستان (GB) وآزادجامووكشمير (AJK) أعلى من المعتاد بمقدار 6-7 درجات مائوية، مما أدى إلى فيضانات متفرقة بسبب تصدع الجليد. وعلى الرغم من أن العام الحالي كان غير معتاد،إلا أن الاحتباس الحراري المتواتر قد حال دون تعافي الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا على نحو مرضي خلال أشهر الشتاء – ومن ثم تقلص أكبرفي حجم الرواسب الجليدية في العالم بقطع النظر عن قبعات الثلج القطبية .

 تساهم باكستان بأقل من 1٪ في انبعاث غازات الاحتباس الحراري العالمية ،بينما تعد واحدة من أكثرالبلدان عرضة لتغير المناخ. من الواضح أننا ندفع ثمن خطايا الآخرين. وتونس هي الأخرى، مثل باكستان، منتج ضئيل للغازات الدفيئة،لكنها تواجه تهديدات متعددة في شكل ارتفاع منسوب مياه البحر وهطول الأمطار غير المنتظم مما يؤثرعلى الأمن الغذائي للبلاد. هذه "المظلمة المناخية" تطال أيضًا بلدان انامية أخرى. يشير تقرير للبنك الدولي إلى أن دول منطقة الساحل في إفريقيا قد تفقد مابين 7 و 12٪ من ناتجها المحلي الإجمالي خلال العقدين المقبلين بسبب تغيرالمناخ.

 إن مساعدة البلدان والأقاليم على محاربة هذه "المظلمة المناخية" أوالتعامل مع مظاهر الدمار المناخي مثل الرياح الموسمية التي تخالها تقع تحت "تأثير منشطات" ليست من باب الصدقة بل هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي. بالإضافة إلى المساعدة المباشرة ،فإن مثل هذا الأمر يُبرر أيضًا أهمية تدابير الدعم الاقتصادي طويلة الأمد مثل تعليق خدمة الديون وتمويل التنمية للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف اتفاقية باريس. ويتعين على الدول الصناعية الكبرى،التي تعد من البلدان الملوثة الرئيسية ، بذل جهود جادة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والوفاء بوعدها بتقديم أكثرمن 100 مليار دولار أمريكي سنويًا لتمويل برامج مكافحة تغير المناخ.

إن أزمةالمناخحقيقيةولها أبعاد مؤلمةللغاية. لميعدالوقت سانحا للخطابة، والمطلوب الآن هو الإسراع باتخاذالتدابيرالعملية اللازمة.

سفير باكستان لدى الجمهورية التونسية