إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سعيّد يقرّر تعديل المرسوم الانتخابي.. كيف.. لماذا وفي أي اتجاه؟

 

 

تونس- الصباح

بعد ثلاثة أسابيع فقط من إصداره بالرائد الرسمي وذلك بتاريخ 15 سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الجهورية قيس سعيد خلال لقائه مساء أول أمس رئيسة الحكومة نجلاء بودن عن توجهه نحو تعديل المرسوم عدد 55، الذي كان محل جدل سياسي ونقاش قانوني، ورفضته عديد الأحزاب السياسية في البلاد بعد أن قررت مقاطعة المشاركة في الانتخابات..

وتعرض اللقاء بين سعيد وبودن وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية إلى "مسألة التلاعب بالتزكيات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، حيث أكد رئيس الجمهورية على ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة ووضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات، خاصة بعد أن تبين أن عدداً من أعضاء المجالس المحلية لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانوناً وصارت التزكيات سوقاً تباع فيها الذمم وتُشترى".

وأكد سعيد بحسب نفس البيان أنه "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة".

ويأتي تأكيد الرئيس سعيد عزمه تعديل المرسوم الانتخابي المنظم للانتخابات التشريعية المقررة ليوم 17 ديسمبر المقبل، في فترة بلغت فيها هيئة الانتخابات أشواطا متقدمة من التحضير للانتخابات، وبعد أيام من وضعها لرزنامة الانتخابات، ما يطرح تساؤلات بخصوص كيفية تعامل الهيئة مع التعديلات المنتظرة على أحكام المرسوم الانتخابي وما إذا تم إحاطتها علما بما سيتم تنقيحه من فصول أو التنسيق المسبق معها؟

ولم يصدر عن هيئة الانتخابات حتى يوم أمس أي تفاعل رسمي مع توجهات تعديل المرسوم الانتخابي، في انتظار أن يحدث ذلك خلال الساعات المقبلة، علما أن التعديل سيكون له دون شك تداعيات على الرزنامة الانتخابية وعلى القرار الترتيبي الصادر بتاريخ 26 سبتمبر الماضي المتعلق بشروط و قواعد الترشح للتشريعية.

الملفت للانتباه، أن إعلان رئاسة الجمهورية عن تعديل القانون الانتخابي جاء في خضم الفترة الانتخابية التي تحتسب قانونيا قبل ثلاثة أشهر من موعد الاقتراع وبعد صدور الأمر الرئاسي لدعوة الناخبين، كما تزامن مع اقتراب موعد الحملة الانتخابية لانتخابات البرلمانية المقررة ليوم 17 ديسمبر المقبل، وبعد وضع هيئة الانتخابات رزنامة المسار الانتخابي بناء على المسوم عدد 55 المتعلق بالقانون الانتخابي وما تضمنه من أحكام تنظم طريقة الاقتراع وشروط الترشح..

ومهما يكن من أمر، فإن ما يمكن الإشارة إليه في علاقة بقرار التعديل، لا يمكن فهمه إلا من خلال إشارات صدرت عبر هيئة الانتخابات نفسها من خلال تصريحات أعضاء مجلسها وقراراتها، وأيضا من خلال ما صدر عن رئاسة الجمهورية من بلاغات رسمية أشارت بوضوح إلى وجود نية لتعديل المرسوم الانتخابي.

هذه الإشارات التمهيدية، يمكن ربطها مع ما حدث من إشكاليات برزت أمام هيئة الانتخابات وهي إشكاليات لها أبعاد قانونية وإجرائية وترتيبية في علاقة بتأويل الأحكام المتعلقة بتنظيم العملية الانتخابية وشروط الترشح منها ما يهم مسألة مشاركة الأحزاب من عدمها في العملية الانتخابية، والتعامل مع شرط التزكيات الواجبة على كل مترشح.. مثل ما ينص عليه المرسوم الانتخابي.

 وخلّفت هاتان المسألتان، أي مسألة التزكيات وكيفية الحصول عليها والتثبت منها والإشكاليات المترتبة عن التعريف بالإمضاء، وأيضا مسألة الغموض المتعلقة بمشاركة الأحزاب التي قررت المشاركة في الانتخابات عبر ترشيح أفراد في دوائر انتخابية، جدلا سياسيا وإعلاميا واسعا خاصة مع بروز تضارب في التصريحات وفي تأويل القانون الانتخابي بين أعضاء مجلس هيئة الانتخابات بخصوص كيفية مشاركة الأحزاب في الحملة الانتخابية عبر مرشحيها، وأيضا في طريقة جمع التزكيات التي أظهرت ثغرات ساهمت في بروز ممارسات غير قانونية لها علاقة بالمال السياسي والتشجيع على ظاهرة شراء أسماء المزكين..

أي توجه للتعديلات ولماذا الآن؟

وفي هذا السياق تحركت رئاسة الجمهورية في هذا الاتجاه، وأكدت في بلاغ صادر عنها بتاريخ 5 أكتوبر الجاري، بمناسبة لقاء الرئيس سعيد مع رئيسة الحكومة بودن، أن اللقاء تناول "جملة من مشاريع مراسيم وأوامر رئاسية متعلقة بانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب".

بمعنى أن الأمر لا يتعلق فقط بتعديل واحد قد يشمل بعض أحكام المرسوم الانتخابي، بل هي مشاريع تعديلات وأوامر متعلقة بالمسار الانتخابي، وقد يتم عرضها على مجلس وزاري قريبا للمصادقة عليها ونشرها بالرائد الرسمي..

خاصة أن نفس البلاغ ذكر أنه "تم التركيز في هذا الاجتماع خاصة على ضرورة فرض احترام المرسوم المتعلق بالانتخابات على الجميع حتى تكون الانتخابات القادمة معبرة بالفعل عن إرادة الشعب التونسي وتقطع نهائيا مع ما كان سائدا بمناسبة أي موعد انتخابي".

مبدئيا، هناك نية لتعديل الفصول المتعلقة بشروط الترشح خاصة ما يهم شرط جمع التزكيات التي أثارت الكثير من اللغط والجدل وخاصة ما راج عن وجود تجاوزات قانونية في علاقة بانتشار ظاهرة شراء الذمم والتزكيات لجمع أكبر عدد ممكن منها..

كما يفهم من بلاغات رئاسة الجمهورية، أن هناك توجها للتوسع في الأشخاص الممنوعين من الترشح لتشمل التنقيح الفصل 20 جديد من المرسوم 55، بإضافة أعضاء المجالس البلدية في قائمة الممنوعين، وهذا الأمر توضح أكثر في البلاغ الصادر أول أمس حيث حمّل الرئيس وفق ما ورد في البلاغ المسؤولية لأعضاء المجالس المحلية واتهمهم بأنهم "لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانوناً وصارت التزكيات سوقاً تباع فيها الذمم وتُشترى".

ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا ستهتم التشريعات الجديدة التي تمت الإشارة إليها في بلاغ رئاسة الجمهورية، بالحملة الانتخابية فقط أم أنها ستشمل – ربما – تنقيحات أخرى لفصول المرسوم الانتخابي، مثل توضيح مشاركة الأحزاب في العملية الانتخابية، أو إعادة الاعتبار لدورة المرأة في العملية الانتخابية بعد أن تم حذف شرط التناصف أثناء تقديم الترشحات، أو مراجعة منع التونسيين مزدوجي الجنسية من الترشح على الدوائر الانتخابية بالداخل..

كما من غير المستبعد أن يصدر رئيس الجمهورية مرسوما يتعلق بتركيبة هيئة الانتخابات نفسها التي تعتبر في شكلها الحالي مخالفة لما نص عليه دستور جويلية 2022، إذ ينص الفصل 134 عن أن تركيبة هيئة الانتخابات تتكون من تسعة أعضاء، في حين أن الهيئة الحالية تحتكم إلى المرسوم 22 المؤرخ في 21 أفريل 2022 تضم سبعة أعضاء فقط من بينهم عضو مستقيل، وعضو في وضعية معلقة بعد أن اتخذ فيه مجلس الهيئة قرارا بالعزل.

تجاوزات وشراء ذمم

جدير بالذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أكدت أنها تفطنت إلى ما قالت أنها "محاولات بعض الراغبين في الترشح للانتخابات التشريعية الحصول على تزكيات بطريقة غير قانونية وذلك إما باستعمال الوسائل والموارد العمومية أو بتقديم مقابل نقدي أو عيني للحصول على تلك التزكيات".

وأفادت في بلاغ لها نشرته أول أمس 6 أكتوبر، بأن النيابة العمومية تعهدت ببعض تلك الحالات وأذنت بفتح أبحاث والاحتفاظ بالمشتبه بهم. ونبهت الهيئة بمقتضيات الفصل 161 جديد من القانون الانتخابي الذي يُجرم تقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب.

وكانت هيئة الانتخابات قد كشفت عن نيتها إصدار قرارات ترتيبية جديدة في علاقة بتوضيح مسألة مشاركة الأحزاب السياسية في الحملة الانتخابية، وأيضا في تشديد الإجراءات المتعلقة بجمع التزكيات والتثبت فيها، وفي هذا الصدد أعلن الناطق الرسمي للهيئة محمد التليلي المنصري مؤخرا أن مجلس الهيئة بصدد تحضير لقرارات ترتيبية مزيد الإيضاحات والتفسير للقانون الانتخابي، على غرار القرار الترتيبي الخاص بمرحلة الحملة الانتخابية، وفق ما ورد في بلاغ سابق صدر عن هيئة الانتخابات..

وكان المنصري قد أكد في تصريحات إعلامية سابقة أنه تم تسجيل تجاوزات ترقى إلى مستوى "جرائم انتخابية" في علاقة بجمع التزكيات من أجل الترشح للانتخابات التشريعي. متهما "رؤساء وأعضاء مجالس بلدية يستغلون صفتهم سواء بالتأثير على موظفيهم للتزكية لفائدتهم أو بتعطيل التزكية لبعض المترشحين الآخرين"، أو عبر "تقديم إعانات نقدية وعينية من أجل الحصول على تزكيات".

في المقابل، نفى رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية عدنان بوعصيدة، ترشح أيّ رئيس لمجلس بلدي للانتخابات التشريعية أو وجود نية بذلك.

تعديل مخالف للمعايير الفضلى

وتعليقا على التوجه لتعديل المرسوم الانتخابي، قال بسام معطر رئيس جمعية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) أمس في تصريح لإذاعة "موزاييك"، إن إدخال تغييرات على القانون الانتخابي في هذه الفترة وبعد انطلاق المسار مخالف للمعايير الفضلى للانتخابات ويمس بمبادئ النزاهة والشفافية والديمقراطية.

وقال:” من المفروض أن يكون تنقيح القانون الانتخابي حسب المعايير الفضلى المتعارف عليها قبل سنة من موعد الانتخابات ونحن اليوم لنا تنقيح للقانون الانتخابي بموجب المرسوم عدد 55 شمل عدة نقاط كان من المفروض ألا يتم في شانها أي تنقيح إلا قبل سنة وزد على ذلك أعلن أول أمس رئيس الجمهورية حسب بلاغ رئاسة الجمهورية انه سيدخل تنقيحا جديدا على المرسوم 55 مع العلم أن المسار الانتخابي انطلق وكل هذا يعتبر مخالفا للمعايير الفضلى للانتخابات وماسا بمبادئ النزاهة والشفافية والديمقراطية".

وأضاف ” للأسف رئيس الجمهورية اختار مسارا انفراديا لا تشاركيا نحن بصدد مشاهدة تبعاته.. وإحدى هذه التبعات الحديث عن إدخال تنقيح على التنقيح وأريد أن أقول أن التبريرات في حد ذاتها تبدو في جزء منها مفتعلة ..”

وفي سياق متصل، انتقدت رئيسة شبكة "مراقبون" الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، رجاء الجبري، وقالت إن الهيئة لا تطبق القانون وحرمت المجتمع المدني من حق النفاذ إلى المعلومة وعدم نشرها تفاصيل الناخبين وتوزيعهم على الدوائر الانتخابية .

وبينت الجبري في ندوة صحفية عقدتها شبكة "مراقبون" بالعاصمة أن الإشكالات المطروحة اليوم في مسار الانتخابات مرده عدم انصات الهيئة لمقترحات المجتمع المدني وزادت من صعوبة العملية الانتخابية بتجميع التزكيات ومسألة التناصف وفئة الشباب في التزكيات مما سيخلق إشكالات عديدة خاصة بعزوف الناخبين عن التزكيات..

تحركات احتجاجية وعريضة قضائية

ونفّذت أول أمس الجمعيات المنضوية تحت الديناميكية النسوية تحرّكا احتجاجيا، أمام المقرّ المركزي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تنديدا بما اعتبرته "تواصل التمييز والعنف ونسف حقّ النساء في المشاركة في الحياة السياسية وإدارة الشأن العام عبر المرسوم عدد 55 المنقح للقانون الانتخابي".

وطالب الديناميكية النسوية خلال الوقفة الاحتجاجية بسحب القانون عدد 55 المنقح للقانون الانتخابي، باعتبار أنّه قانون لا يعطي فرصة لا للنساء ولا للشباب ولذوي الإعاقة في المشتركة الفعالة في الحياة السياسية.

وفي نفس الإطار، أعلنت منظمة “أنا يقظ” أول أمس عن إيداع مطلب لدى المحكمة الإدارية اليوم في تأجيل وإيقاف تنفيذ قرار الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات عدد 25 المؤرخ في 26 سبتمبر المنقضي والمتعلّق بقواعد وإجراءات الترشّح للانتخابات التشريعية القادمة داعية المحكمة الإدارية إلى احترام الآجال القانونية للبت في الطعون.

واعتبرت المنظمة في بلاغ صادر عنها أن القرار المعطون فيه “تضمن إخلالات جوهرية قالت إنها تتعلّق أساسا بخرق القانون عدد 103 لسنة 1994 المؤرّخ في 1 أوت 1994 والمتعلّق بتنظيم التّعريف بالإمضاء والإشهاد بمطابقة النّسخ للأصل وبخرق الهيئة الواجبات المحمولة عليها قانونا في ضمان انتخابات واستفتاءات ديمقراطية وحرّة وتعددية ونزيهة وشفّافة وتهاونها في وضع آليات التّنظيم والإدارة والرّقابة الضّامنة لنزاهة الانتخابات والاستفتاءات وشفافيتها وأيضا في خرق مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المترشّحين".

رفيق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سعيّد يقرّر تعديل المرسوم الانتخابي.. كيف.. لماذا وفي أي اتجاه؟

 

 

تونس- الصباح

بعد ثلاثة أسابيع فقط من إصداره بالرائد الرسمي وذلك بتاريخ 15 سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الجهورية قيس سعيد خلال لقائه مساء أول أمس رئيسة الحكومة نجلاء بودن عن توجهه نحو تعديل المرسوم عدد 55، الذي كان محل جدل سياسي ونقاش قانوني، ورفضته عديد الأحزاب السياسية في البلاد بعد أن قررت مقاطعة المشاركة في الانتخابات..

وتعرض اللقاء بين سعيد وبودن وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية إلى "مسألة التلاعب بالتزكيات لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، حيث أكد رئيس الجمهورية على ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة ووضع حد لهذه الظاهرة المتعلقة بالمال الفاسد، وتعديل المرسوم المتعلق بالانتخابات، خاصة بعد أن تبين أن عدداً من أعضاء المجالس المحلية لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانوناً وصارت التزكيات سوقاً تباع فيها الذمم وتُشترى".

وأكد سعيد بحسب نفس البيان أنه "إذا كان التشريع الحالي لم يحقق أهدافه فالواجب الوطني المقدس يقتضي تعديله للحد من هذه الظاهرة المشينة".

ويأتي تأكيد الرئيس سعيد عزمه تعديل المرسوم الانتخابي المنظم للانتخابات التشريعية المقررة ليوم 17 ديسمبر المقبل، في فترة بلغت فيها هيئة الانتخابات أشواطا متقدمة من التحضير للانتخابات، وبعد أيام من وضعها لرزنامة الانتخابات، ما يطرح تساؤلات بخصوص كيفية تعامل الهيئة مع التعديلات المنتظرة على أحكام المرسوم الانتخابي وما إذا تم إحاطتها علما بما سيتم تنقيحه من فصول أو التنسيق المسبق معها؟

ولم يصدر عن هيئة الانتخابات حتى يوم أمس أي تفاعل رسمي مع توجهات تعديل المرسوم الانتخابي، في انتظار أن يحدث ذلك خلال الساعات المقبلة، علما أن التعديل سيكون له دون شك تداعيات على الرزنامة الانتخابية وعلى القرار الترتيبي الصادر بتاريخ 26 سبتمبر الماضي المتعلق بشروط و قواعد الترشح للتشريعية.

الملفت للانتباه، أن إعلان رئاسة الجمهورية عن تعديل القانون الانتخابي جاء في خضم الفترة الانتخابية التي تحتسب قانونيا قبل ثلاثة أشهر من موعد الاقتراع وبعد صدور الأمر الرئاسي لدعوة الناخبين، كما تزامن مع اقتراب موعد الحملة الانتخابية لانتخابات البرلمانية المقررة ليوم 17 ديسمبر المقبل، وبعد وضع هيئة الانتخابات رزنامة المسار الانتخابي بناء على المسوم عدد 55 المتعلق بالقانون الانتخابي وما تضمنه من أحكام تنظم طريقة الاقتراع وشروط الترشح..

ومهما يكن من أمر، فإن ما يمكن الإشارة إليه في علاقة بقرار التعديل، لا يمكن فهمه إلا من خلال إشارات صدرت عبر هيئة الانتخابات نفسها من خلال تصريحات أعضاء مجلسها وقراراتها، وأيضا من خلال ما صدر عن رئاسة الجمهورية من بلاغات رسمية أشارت بوضوح إلى وجود نية لتعديل المرسوم الانتخابي.

هذه الإشارات التمهيدية، يمكن ربطها مع ما حدث من إشكاليات برزت أمام هيئة الانتخابات وهي إشكاليات لها أبعاد قانونية وإجرائية وترتيبية في علاقة بتأويل الأحكام المتعلقة بتنظيم العملية الانتخابية وشروط الترشح منها ما يهم مسألة مشاركة الأحزاب من عدمها في العملية الانتخابية، والتعامل مع شرط التزكيات الواجبة على كل مترشح.. مثل ما ينص عليه المرسوم الانتخابي.

 وخلّفت هاتان المسألتان، أي مسألة التزكيات وكيفية الحصول عليها والتثبت منها والإشكاليات المترتبة عن التعريف بالإمضاء، وأيضا مسألة الغموض المتعلقة بمشاركة الأحزاب التي قررت المشاركة في الانتخابات عبر ترشيح أفراد في دوائر انتخابية، جدلا سياسيا وإعلاميا واسعا خاصة مع بروز تضارب في التصريحات وفي تأويل القانون الانتخابي بين أعضاء مجلس هيئة الانتخابات بخصوص كيفية مشاركة الأحزاب في الحملة الانتخابية عبر مرشحيها، وأيضا في طريقة جمع التزكيات التي أظهرت ثغرات ساهمت في بروز ممارسات غير قانونية لها علاقة بالمال السياسي والتشجيع على ظاهرة شراء أسماء المزكين..

أي توجه للتعديلات ولماذا الآن؟

وفي هذا السياق تحركت رئاسة الجمهورية في هذا الاتجاه، وأكدت في بلاغ صادر عنها بتاريخ 5 أكتوبر الجاري، بمناسبة لقاء الرئيس سعيد مع رئيسة الحكومة بودن، أن اللقاء تناول "جملة من مشاريع مراسيم وأوامر رئاسية متعلقة بانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب".

بمعنى أن الأمر لا يتعلق فقط بتعديل واحد قد يشمل بعض أحكام المرسوم الانتخابي، بل هي مشاريع تعديلات وأوامر متعلقة بالمسار الانتخابي، وقد يتم عرضها على مجلس وزاري قريبا للمصادقة عليها ونشرها بالرائد الرسمي..

خاصة أن نفس البلاغ ذكر أنه "تم التركيز في هذا الاجتماع خاصة على ضرورة فرض احترام المرسوم المتعلق بالانتخابات على الجميع حتى تكون الانتخابات القادمة معبرة بالفعل عن إرادة الشعب التونسي وتقطع نهائيا مع ما كان سائدا بمناسبة أي موعد انتخابي".

مبدئيا، هناك نية لتعديل الفصول المتعلقة بشروط الترشح خاصة ما يهم شرط جمع التزكيات التي أثارت الكثير من اللغط والجدل وخاصة ما راج عن وجود تجاوزات قانونية في علاقة بانتشار ظاهرة شراء الذمم والتزكيات لجمع أكبر عدد ممكن منها..

كما يفهم من بلاغات رئاسة الجمهورية، أن هناك توجها للتوسع في الأشخاص الممنوعين من الترشح لتشمل التنقيح الفصل 20 جديد من المرسوم 55، بإضافة أعضاء المجالس البلدية في قائمة الممنوعين، وهذا الأمر توضح أكثر في البلاغ الصادر أول أمس حيث حمّل الرئيس وفق ما ورد في البلاغ المسؤولية لأعضاء المجالس المحلية واتهمهم بأنهم "لم يقوموا بالدور الموكول لهم قانوناً وصارت التزكيات سوقاً تباع فيها الذمم وتُشترى".

ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا ستهتم التشريعات الجديدة التي تمت الإشارة إليها في بلاغ رئاسة الجمهورية، بالحملة الانتخابية فقط أم أنها ستشمل – ربما – تنقيحات أخرى لفصول المرسوم الانتخابي، مثل توضيح مشاركة الأحزاب في العملية الانتخابية، أو إعادة الاعتبار لدورة المرأة في العملية الانتخابية بعد أن تم حذف شرط التناصف أثناء تقديم الترشحات، أو مراجعة منع التونسيين مزدوجي الجنسية من الترشح على الدوائر الانتخابية بالداخل..

كما من غير المستبعد أن يصدر رئيس الجمهورية مرسوما يتعلق بتركيبة هيئة الانتخابات نفسها التي تعتبر في شكلها الحالي مخالفة لما نص عليه دستور جويلية 2022، إذ ينص الفصل 134 عن أن تركيبة هيئة الانتخابات تتكون من تسعة أعضاء، في حين أن الهيئة الحالية تحتكم إلى المرسوم 22 المؤرخ في 21 أفريل 2022 تضم سبعة أعضاء فقط من بينهم عضو مستقيل، وعضو في وضعية معلقة بعد أن اتخذ فيه مجلس الهيئة قرارا بالعزل.

تجاوزات وشراء ذمم

جدير بالذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أكدت أنها تفطنت إلى ما قالت أنها "محاولات بعض الراغبين في الترشح للانتخابات التشريعية الحصول على تزكيات بطريقة غير قانونية وذلك إما باستعمال الوسائل والموارد العمومية أو بتقديم مقابل نقدي أو عيني للحصول على تلك التزكيات".

وأفادت في بلاغ لها نشرته أول أمس 6 أكتوبر، بأن النيابة العمومية تعهدت ببعض تلك الحالات وأذنت بفتح أبحاث والاحتفاظ بالمشتبه بهم. ونبهت الهيئة بمقتضيات الفصل 161 جديد من القانون الانتخابي الذي يُجرم تقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب.

وكانت هيئة الانتخابات قد كشفت عن نيتها إصدار قرارات ترتيبية جديدة في علاقة بتوضيح مسألة مشاركة الأحزاب السياسية في الحملة الانتخابية، وأيضا في تشديد الإجراءات المتعلقة بجمع التزكيات والتثبت فيها، وفي هذا الصدد أعلن الناطق الرسمي للهيئة محمد التليلي المنصري مؤخرا أن مجلس الهيئة بصدد تحضير لقرارات ترتيبية مزيد الإيضاحات والتفسير للقانون الانتخابي، على غرار القرار الترتيبي الخاص بمرحلة الحملة الانتخابية، وفق ما ورد في بلاغ سابق صدر عن هيئة الانتخابات..

وكان المنصري قد أكد في تصريحات إعلامية سابقة أنه تم تسجيل تجاوزات ترقى إلى مستوى "جرائم انتخابية" في علاقة بجمع التزكيات من أجل الترشح للانتخابات التشريعي. متهما "رؤساء وأعضاء مجالس بلدية يستغلون صفتهم سواء بالتأثير على موظفيهم للتزكية لفائدتهم أو بتعطيل التزكية لبعض المترشحين الآخرين"، أو عبر "تقديم إعانات نقدية وعينية من أجل الحصول على تزكيات".

في المقابل، نفى رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية عدنان بوعصيدة، ترشح أيّ رئيس لمجلس بلدي للانتخابات التشريعية أو وجود نية بذلك.

تعديل مخالف للمعايير الفضلى

وتعليقا على التوجه لتعديل المرسوم الانتخابي، قال بسام معطر رئيس جمعية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) أمس في تصريح لإذاعة "موزاييك"، إن إدخال تغييرات على القانون الانتخابي في هذه الفترة وبعد انطلاق المسار مخالف للمعايير الفضلى للانتخابات ويمس بمبادئ النزاهة والشفافية والديمقراطية.

وقال:” من المفروض أن يكون تنقيح القانون الانتخابي حسب المعايير الفضلى المتعارف عليها قبل سنة من موعد الانتخابات ونحن اليوم لنا تنقيح للقانون الانتخابي بموجب المرسوم عدد 55 شمل عدة نقاط كان من المفروض ألا يتم في شانها أي تنقيح إلا قبل سنة وزد على ذلك أعلن أول أمس رئيس الجمهورية حسب بلاغ رئاسة الجمهورية انه سيدخل تنقيحا جديدا على المرسوم 55 مع العلم أن المسار الانتخابي انطلق وكل هذا يعتبر مخالفا للمعايير الفضلى للانتخابات وماسا بمبادئ النزاهة والشفافية والديمقراطية".

وأضاف ” للأسف رئيس الجمهورية اختار مسارا انفراديا لا تشاركيا نحن بصدد مشاهدة تبعاته.. وإحدى هذه التبعات الحديث عن إدخال تنقيح على التنقيح وأريد أن أقول أن التبريرات في حد ذاتها تبدو في جزء منها مفتعلة ..”

وفي سياق متصل، انتقدت رئيسة شبكة "مراقبون" الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، رجاء الجبري، وقالت إن الهيئة لا تطبق القانون وحرمت المجتمع المدني من حق النفاذ إلى المعلومة وعدم نشرها تفاصيل الناخبين وتوزيعهم على الدوائر الانتخابية .

وبينت الجبري في ندوة صحفية عقدتها شبكة "مراقبون" بالعاصمة أن الإشكالات المطروحة اليوم في مسار الانتخابات مرده عدم انصات الهيئة لمقترحات المجتمع المدني وزادت من صعوبة العملية الانتخابية بتجميع التزكيات ومسألة التناصف وفئة الشباب في التزكيات مما سيخلق إشكالات عديدة خاصة بعزوف الناخبين عن التزكيات..

تحركات احتجاجية وعريضة قضائية

ونفّذت أول أمس الجمعيات المنضوية تحت الديناميكية النسوية تحرّكا احتجاجيا، أمام المقرّ المركزي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تنديدا بما اعتبرته "تواصل التمييز والعنف ونسف حقّ النساء في المشاركة في الحياة السياسية وإدارة الشأن العام عبر المرسوم عدد 55 المنقح للقانون الانتخابي".

وطالب الديناميكية النسوية خلال الوقفة الاحتجاجية بسحب القانون عدد 55 المنقح للقانون الانتخابي، باعتبار أنّه قانون لا يعطي فرصة لا للنساء ولا للشباب ولذوي الإعاقة في المشتركة الفعالة في الحياة السياسية.

وفي نفس الإطار، أعلنت منظمة “أنا يقظ” أول أمس عن إيداع مطلب لدى المحكمة الإدارية اليوم في تأجيل وإيقاف تنفيذ قرار الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات عدد 25 المؤرخ في 26 سبتمبر المنقضي والمتعلّق بقواعد وإجراءات الترشّح للانتخابات التشريعية القادمة داعية المحكمة الإدارية إلى احترام الآجال القانونية للبت في الطعون.

واعتبرت المنظمة في بلاغ صادر عنها أن القرار المعطون فيه “تضمن إخلالات جوهرية قالت إنها تتعلّق أساسا بخرق القانون عدد 103 لسنة 1994 المؤرّخ في 1 أوت 1994 والمتعلّق بتنظيم التّعريف بالإمضاء والإشهاد بمطابقة النّسخ للأصل وبخرق الهيئة الواجبات المحمولة عليها قانونا في ضمان انتخابات واستفتاءات ديمقراطية وحرّة وتعددية ونزيهة وشفّافة وتهاونها في وضع آليات التّنظيم والإدارة والرّقابة الضّامنة لنزاهة الانتخابات والاستفتاءات وشفافيتها وأيضا في خرق مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين المترشّحين".

رفيق