إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

القوى اليسارية مجددا في "زاوية ضيقة"

 تونس – الصباح

هل يسقط "اليسار" ضحية حركة النهضة مرة أخرى في مرحلة سياسية هامة في تاريخ تونس بعد الهبوط السريع في المحطات الانتخابية في العشرية الماضية وخاصة الخسارة التي مني بها في انتخابات 2019 لاسيما منها التشريعية؟

 فبعد تأكيد أكثر من جهة دخول عدد من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات، لاسيما حركة النهضة وغيرها من القوى السياسية الأخرى، على خط التحضير والاستعداد لخوض الاستحقاق المرتقب في 17 ديسمبر المقبل، بأشكال مختلفة بهدف المحافظة على بقائها في دائرة القرار ومنظومة الحكم، انصبت الاستفهامات حول مصير القوى السياسية الأخرى التي اختارت الاصطفاف وراء حركة النهضة والجهات التي تتحرك في فلكها خاصة منها الأحزاب والتيارات اليسارية، لأن هذه القوى ضلت طريقها في المرحلة الماضية ولم تستطع المحافظة على ما حققته في انتخابات 2014 بعد فوز الجبهة الشعبية بـ16 مقعدا في البرلمان لكن سريعا ما انفرط عقد الجبهة التي ضمت أحزابا يسارية لأسباب عديدة.

 وراهنت بعض الجهات المنتمية لهذه التيارات على مرحلة ما بعد 25 جويلية التي فتحت نافذة من الأمل للملمة ما يمكن تداركه بعد الفشل الذريع في الانتخابات السابقة، على نحو يتم استغلال تلك الفرصة من طرف القوى والتيارات والأحزاب اليسارية ذات النفس الشعبي والاجتماعي بالأساس لإعادة ترتيب بيته وتوزيع أوراقه من جديد على نحو يحقق الاستفادة من نكسة انتخابات 2019 بمراجعة الخيارات والأخطاء وقراءة المشهد والأوضاع جيدا بما يمكن هذه القوى من العودة إلى مربع القوة المنافسة على الحكم والفاعلة فيه. فبعد دخول المسار الذي يقوده سعيد حيز التنفيذ تعالت عدة أصوات من داخل العائلة اليسارية لتجميعها وتكوين تحالف وطني شعبي لضمان النقاش السياسي والاجتماعي الموسع والتعبئة المطلوبة وضبط خطاب تحشيدي مؤثر مبني على مواقف موحدة. وبدأ الحديث في الأوساط السياسية عن انطلاق الحوار بين أبناء العائلة اليسارية على غرار الوطد الديمقراطي الموحد والمسار والحزب الاشتراكي وحركة تونس إلى الأمام وغيرها.

 لكن يبدو أن ما ذهب إليه البعض ظل مجرد تخمينات بعد أن وجدت جملة من العقبات وغياب الإرادة العملية لليسار التونسي للدخول في تحالف من جديد بعد فشل تجربة الجبهة الشعبية، وهي نفس ما النتيجة التي آلت لها كل مبادرات تجميع هذه القوى ومحاولات تكوين جبهة يسارية أخرى في الوقت الذي دخلت فيه أغلب القوى السياسية في تونس في التحالف والتوجه الجبهوي لمواجهة سياسية سعيد، وذلك بعد أن حالت نفس الأسباب التي أدت إلى حل الجبهة الشعبية سابقا والصراع على الزعماتية وغياب رؤية واضحة وعدم قبول البعض بما يعتبره البعض الآخر مراجعات. ثم التناقض الذي سقطت فيه بعض هذه الأحزاب أساسا منه حزب العمال والمواقف المتقلبة لأمينه العام حمه الهمامي وانسياقه وراء أحزاب كانت قبل تلك المرحلة تطالب رئيس الجمهورية بـتفعيل صواريخه لإنهاء المنظومة التي تكونها وأهمها حركة النهضة. ليطل في مرحلة لاحقة بمواقف تتطابق معها في توصيف المسار بـ"الانقلاب" لتتعداه إلى تحركه في فضاءات كانت محسوبة على حركة النهضة وأهمها قناة "الجزيرة" وهو تحرك اعتبره البعض بمثابة سحل سياسي ليس لحمه الهمامي فحسب بل لحزب العمال وشق من الأحزاب اليسارية في فترة كانت تتجه فيها الأنظار إلى ظهور جديد لهذه القوى يضمن امتدادها القاعدي من ناحية وتقديمها خطاب وتوجه وأداء يقطع مع السابق ويؤسس لمشروع متجدد يتماشى ومتغيرات المرحلة ومتطلباتها.

 فلم يعد خافيا على أحد تحرك قيادات حركة النهضة وفي مقدمتها رئيس الحركة راشد الغنوشي ميدانيا وتنظيم الاجتماعات واللقاءات التشاورية مع أبناء الحركة داخل الجمهورية من أجل محافظة الحركة على قواعدها والاستعداد للمحطة الانتخابية القادمة حتى وإن تطلب الأمر خوضها بأسماء ومتحزبين من غير الصفوف الأمامية بما يفتح المجال لأجيال جديدة من أبناء الحركة لدخول الحياة السياسية. فالنهضة التي تصدرت وقادت جبهة المعارضة للمسار ما بعد 25 جويلية 2021 ودخلت قبل ذلك التاريخ في منافسة وصراع مع رئيس الجمهورية حول الصلاحيات ساهمت في تعكير الأجواء السياسية والجميع يذكر تداعيات ذلك على الدولة في مستويات مختلفة. ولم يتوقف الأمر على حركة النهضة وحدها بل بدأت بعض الأسماء التي تنتمي لأحزاب سياسية كانت شريكة للنهضة في الحكم في نفس الفترة، في الاستعداد لخوض الاستحقاق الانتخابي وهي أسماء كانت من ضمن تركيبة البرلمان المنحل من حزب "تحيا تونس" مثلا وغيرها خاصة أن أحزابها اختارت الابتعاد عن دائرة التحرك وغياب مواقفها منذ دخول بلادنا مرحلة التدابير الاستثنائية.

وإذا كانت حركة تونس إلى الأمام كما التيار الشعبي قوى اختارت نهج مختلف عن البقية منذ البداية بعدم تفويت الفرصة والمشاركة في الانتخابات، فإن حزب العمال بالأساس قد وضع نفسه في زاوية ضيقة من خلال اصطفافه في خط المعارضة دفاعا عن مطالب وأهداف أحزاب من كان يصنفهم في السابق "أعداء لا يمكن الالتقاء معهم" وهو الخيار الذي تسبب في خلق تصدعات في ما بقي من الحزب والعائلة اليسارية. ليضع بذلك حزب العمال وبعض القوى اليسارية في مفترق طرق مرة أخرى.

نزيهة الغضباني

 

القوى اليسارية مجددا في "زاوية ضيقة"

 تونس – الصباح

هل يسقط "اليسار" ضحية حركة النهضة مرة أخرى في مرحلة سياسية هامة في تاريخ تونس بعد الهبوط السريع في المحطات الانتخابية في العشرية الماضية وخاصة الخسارة التي مني بها في انتخابات 2019 لاسيما منها التشريعية؟

 فبعد تأكيد أكثر من جهة دخول عدد من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات، لاسيما حركة النهضة وغيرها من القوى السياسية الأخرى، على خط التحضير والاستعداد لخوض الاستحقاق المرتقب في 17 ديسمبر المقبل، بأشكال مختلفة بهدف المحافظة على بقائها في دائرة القرار ومنظومة الحكم، انصبت الاستفهامات حول مصير القوى السياسية الأخرى التي اختارت الاصطفاف وراء حركة النهضة والجهات التي تتحرك في فلكها خاصة منها الأحزاب والتيارات اليسارية، لأن هذه القوى ضلت طريقها في المرحلة الماضية ولم تستطع المحافظة على ما حققته في انتخابات 2014 بعد فوز الجبهة الشعبية بـ16 مقعدا في البرلمان لكن سريعا ما انفرط عقد الجبهة التي ضمت أحزابا يسارية لأسباب عديدة.

 وراهنت بعض الجهات المنتمية لهذه التيارات على مرحلة ما بعد 25 جويلية التي فتحت نافذة من الأمل للملمة ما يمكن تداركه بعد الفشل الذريع في الانتخابات السابقة، على نحو يتم استغلال تلك الفرصة من طرف القوى والتيارات والأحزاب اليسارية ذات النفس الشعبي والاجتماعي بالأساس لإعادة ترتيب بيته وتوزيع أوراقه من جديد على نحو يحقق الاستفادة من نكسة انتخابات 2019 بمراجعة الخيارات والأخطاء وقراءة المشهد والأوضاع جيدا بما يمكن هذه القوى من العودة إلى مربع القوة المنافسة على الحكم والفاعلة فيه. فبعد دخول المسار الذي يقوده سعيد حيز التنفيذ تعالت عدة أصوات من داخل العائلة اليسارية لتجميعها وتكوين تحالف وطني شعبي لضمان النقاش السياسي والاجتماعي الموسع والتعبئة المطلوبة وضبط خطاب تحشيدي مؤثر مبني على مواقف موحدة. وبدأ الحديث في الأوساط السياسية عن انطلاق الحوار بين أبناء العائلة اليسارية على غرار الوطد الديمقراطي الموحد والمسار والحزب الاشتراكي وحركة تونس إلى الأمام وغيرها.

 لكن يبدو أن ما ذهب إليه البعض ظل مجرد تخمينات بعد أن وجدت جملة من العقبات وغياب الإرادة العملية لليسار التونسي للدخول في تحالف من جديد بعد فشل تجربة الجبهة الشعبية، وهي نفس ما النتيجة التي آلت لها كل مبادرات تجميع هذه القوى ومحاولات تكوين جبهة يسارية أخرى في الوقت الذي دخلت فيه أغلب القوى السياسية في تونس في التحالف والتوجه الجبهوي لمواجهة سياسية سعيد، وذلك بعد أن حالت نفس الأسباب التي أدت إلى حل الجبهة الشعبية سابقا والصراع على الزعماتية وغياب رؤية واضحة وعدم قبول البعض بما يعتبره البعض الآخر مراجعات. ثم التناقض الذي سقطت فيه بعض هذه الأحزاب أساسا منه حزب العمال والمواقف المتقلبة لأمينه العام حمه الهمامي وانسياقه وراء أحزاب كانت قبل تلك المرحلة تطالب رئيس الجمهورية بـتفعيل صواريخه لإنهاء المنظومة التي تكونها وأهمها حركة النهضة. ليطل في مرحلة لاحقة بمواقف تتطابق معها في توصيف المسار بـ"الانقلاب" لتتعداه إلى تحركه في فضاءات كانت محسوبة على حركة النهضة وأهمها قناة "الجزيرة" وهو تحرك اعتبره البعض بمثابة سحل سياسي ليس لحمه الهمامي فحسب بل لحزب العمال وشق من الأحزاب اليسارية في فترة كانت تتجه فيها الأنظار إلى ظهور جديد لهذه القوى يضمن امتدادها القاعدي من ناحية وتقديمها خطاب وتوجه وأداء يقطع مع السابق ويؤسس لمشروع متجدد يتماشى ومتغيرات المرحلة ومتطلباتها.

 فلم يعد خافيا على أحد تحرك قيادات حركة النهضة وفي مقدمتها رئيس الحركة راشد الغنوشي ميدانيا وتنظيم الاجتماعات واللقاءات التشاورية مع أبناء الحركة داخل الجمهورية من أجل محافظة الحركة على قواعدها والاستعداد للمحطة الانتخابية القادمة حتى وإن تطلب الأمر خوضها بأسماء ومتحزبين من غير الصفوف الأمامية بما يفتح المجال لأجيال جديدة من أبناء الحركة لدخول الحياة السياسية. فالنهضة التي تصدرت وقادت جبهة المعارضة للمسار ما بعد 25 جويلية 2021 ودخلت قبل ذلك التاريخ في منافسة وصراع مع رئيس الجمهورية حول الصلاحيات ساهمت في تعكير الأجواء السياسية والجميع يذكر تداعيات ذلك على الدولة في مستويات مختلفة. ولم يتوقف الأمر على حركة النهضة وحدها بل بدأت بعض الأسماء التي تنتمي لأحزاب سياسية كانت شريكة للنهضة في الحكم في نفس الفترة، في الاستعداد لخوض الاستحقاق الانتخابي وهي أسماء كانت من ضمن تركيبة البرلمان المنحل من حزب "تحيا تونس" مثلا وغيرها خاصة أن أحزابها اختارت الابتعاد عن دائرة التحرك وغياب مواقفها منذ دخول بلادنا مرحلة التدابير الاستثنائية.

وإذا كانت حركة تونس إلى الأمام كما التيار الشعبي قوى اختارت نهج مختلف عن البقية منذ البداية بعدم تفويت الفرصة والمشاركة في الانتخابات، فإن حزب العمال بالأساس قد وضع نفسه في زاوية ضيقة من خلال اصطفافه في خط المعارضة دفاعا عن مطالب وأهداف أحزاب من كان يصنفهم في السابق "أعداء لا يمكن الالتقاء معهم" وهو الخيار الذي تسبب في خلق تصدعات في ما بقي من الحزب والعائلة اليسارية. ليضع بذلك حزب العمال وبعض القوى اليسارية في مفترق طرق مرة أخرى.

نزيهة الغضباني