إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة .. فرنسوا ليوتار وما بعد القمامة

يكتبها: محمد معمري

لعل البعض لا يعلم أن من أصعب الأشياء بالنسبة للصحفي أن يكتب في صحافة الرأي، وأن يكتب أسبوعيا عمودا في صحيفة يومية، فتراه يبحث عن موضوع يتميز بالطرافة والجدية في شكل سردي مغر لمن يقرأه، وكان هذا حالي كل أسبوع أبحث عن موضوع فيه طرافة وإضافة. وقد ارتأيت هذا الأسبوع أن أتحدث عن فيلسوف وعالم اجتماع وناقد أدبي فرنسي هو جون فرنسوا ليوتار Jean-Francois Lyotard 1924-1998 وحديثه عن الحداثة وما بعدها في العديد من كتبه ومقالاته، فالرجل يعد من محدثي مصطلح ما بعد الحداثة الذي يؤرخ به للعصر ما بعد الصناعي الذي عرفته أوروبا، ويعلن فيه انتهاء الايدولوجيا التي فشلت سردياتها في توفير السعادة للإنسان مبرزا التحولات الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات الغربية بعد ظهور التكنولوجيات الحديثة.

ليوتار كتب عن كل ذلك في فترة السبعينات محاولا فهم وتفسير التحولات المجتمعية من خلال التحولات التي عرفتها أنساق الإنتاج، كنت ارغب في الحديث عن كل ذلك بأكثر عمق محاولا تنزيل مفاهيم ما بعد الحداثة في السياق التونسي لكن.

اللعنة على أداة الاستدراك هذه التي تقبح كل ما هو جميل، لكن وأنا في الطريق إلى عيادة أحد الأطباء في المنار أمس الخميس حصل ما جعلني أسخر من نفسي ومن الحديث عن الحداثة وما بعدها وقررت الحديث عما بعد القمامة، فقد شاهدت ما يخجل المرء من اعتداءات على الطبيعة بشكل يندى له الجبين في طرقاتنا، فقد كانت تسير أمامي سيارة من الأنواع الفاخرة تحمل عائلة وإذا بقشور الموز وعلب الياغورت فارغة بدأت تتناثر من نافذتها في الطريق، والغريب أن المرأة التي تجلس في الكرسي الأمامي هي من كانت تلقي ببقايا ما أكل الطفل الجالس في الكرسي الخلفي دون مبالاة بأننا في طريق عام وأن ما تقوم به سلوك غير حضاري يُفترض أن يتعرض من يقوم به إلى العقاب.

فخجلت من نفسي وقلت أية حداثة وما بعدها ستتحدث عنها وتنزلها في السياق التونسي؟، فنحن نستفيد بما أنتجته الحداثة أي العصر الصناعي من سيارات فارهة ومنتوجات غذائية صناعية غير صحية ومع ذلك لم نتخطى بعد مرحلة البداوة والبدواة هنا لا بمعنى القيمي بل البداوة بمعنى أنها لحظة في مسار تتطور الشعوب من البداوة إلى التحضر. وهنا وجدت نفسي مضطرا إلى العودة إلى كتابات المغربي عبد الله العروي ومنهجه التاريخاني الذي بين أن التاريخ له قوانين تحكم تطوره بعد أن يتمّ الإشباع في كل مرحلة تاريخية، فلا يمكن مثلا المرور من مرحلة إلى أخرى إلا بعد تحقق الإشباع في المرحلة التي سبقتها أي لا يمكن المرور من الإقطاع كنظام اقتصادي اجتماعي سياسي له انتاجات رمزية إلى نظام برجوازي له انتاجاته الرمزية وأنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا بتحقق الإشباع في المرحلة التي سبقت لأن مسار التاريخ يتميز بوحدة خطه أي أنه مسار من الماضي نحو المستقبل.

ويبدو لي أن عملية الإشباع في المراحل التاريخية التي مرت بها بعض الشعوب ومنها تونس لم تتحقق لذلك تحصل عمليات قفز في التاريخ دون احترام لمساره الطبيعي مما ينتج عنه العيش في حقبة تاريخية بآليات مادية لحقبة أخرى دون تمكن من ثقافة تلك الحقبة الذي يُنتج نوعا من المراكمة الثقافية تتحول إلى سلوكيات وآليات تفكير تحكم المجتمع، فنحن نعيش مرحلة الحداثة بثقافة وآليات مرحلة البداوة مما ينتج عن ذلك تشوها في السلوك والتفكير نفقد معه الرؤية الصحيحة والممارسة الثقافية التي تتجانس وطبيعة المنتوجات المادية التي نستعملها أي هناك في اعتقادي وهو رأي قابل للدحض قطيعة ما بين المنتوج المادي الذي نستورده ونستعمله والثقافة التي تحكم سلوكياتنا وآليات تفكيرنا.

صباح الجمعة .. فرنسوا ليوتار وما بعد القمامة

يكتبها: محمد معمري

لعل البعض لا يعلم أن من أصعب الأشياء بالنسبة للصحفي أن يكتب في صحافة الرأي، وأن يكتب أسبوعيا عمودا في صحيفة يومية، فتراه يبحث عن موضوع يتميز بالطرافة والجدية في شكل سردي مغر لمن يقرأه، وكان هذا حالي كل أسبوع أبحث عن موضوع فيه طرافة وإضافة. وقد ارتأيت هذا الأسبوع أن أتحدث عن فيلسوف وعالم اجتماع وناقد أدبي فرنسي هو جون فرنسوا ليوتار Jean-Francois Lyotard 1924-1998 وحديثه عن الحداثة وما بعدها في العديد من كتبه ومقالاته، فالرجل يعد من محدثي مصطلح ما بعد الحداثة الذي يؤرخ به للعصر ما بعد الصناعي الذي عرفته أوروبا، ويعلن فيه انتهاء الايدولوجيا التي فشلت سردياتها في توفير السعادة للإنسان مبرزا التحولات الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات الغربية بعد ظهور التكنولوجيات الحديثة.

ليوتار كتب عن كل ذلك في فترة السبعينات محاولا فهم وتفسير التحولات المجتمعية من خلال التحولات التي عرفتها أنساق الإنتاج، كنت ارغب في الحديث عن كل ذلك بأكثر عمق محاولا تنزيل مفاهيم ما بعد الحداثة في السياق التونسي لكن.

اللعنة على أداة الاستدراك هذه التي تقبح كل ما هو جميل، لكن وأنا في الطريق إلى عيادة أحد الأطباء في المنار أمس الخميس حصل ما جعلني أسخر من نفسي ومن الحديث عن الحداثة وما بعدها وقررت الحديث عما بعد القمامة، فقد شاهدت ما يخجل المرء من اعتداءات على الطبيعة بشكل يندى له الجبين في طرقاتنا، فقد كانت تسير أمامي سيارة من الأنواع الفاخرة تحمل عائلة وإذا بقشور الموز وعلب الياغورت فارغة بدأت تتناثر من نافذتها في الطريق، والغريب أن المرأة التي تجلس في الكرسي الأمامي هي من كانت تلقي ببقايا ما أكل الطفل الجالس في الكرسي الخلفي دون مبالاة بأننا في طريق عام وأن ما تقوم به سلوك غير حضاري يُفترض أن يتعرض من يقوم به إلى العقاب.

فخجلت من نفسي وقلت أية حداثة وما بعدها ستتحدث عنها وتنزلها في السياق التونسي؟، فنحن نستفيد بما أنتجته الحداثة أي العصر الصناعي من سيارات فارهة ومنتوجات غذائية صناعية غير صحية ومع ذلك لم نتخطى بعد مرحلة البداوة والبدواة هنا لا بمعنى القيمي بل البداوة بمعنى أنها لحظة في مسار تتطور الشعوب من البداوة إلى التحضر. وهنا وجدت نفسي مضطرا إلى العودة إلى كتابات المغربي عبد الله العروي ومنهجه التاريخاني الذي بين أن التاريخ له قوانين تحكم تطوره بعد أن يتمّ الإشباع في كل مرحلة تاريخية، فلا يمكن مثلا المرور من مرحلة إلى أخرى إلا بعد تحقق الإشباع في المرحلة التي سبقتها أي لا يمكن المرور من الإقطاع كنظام اقتصادي اجتماعي سياسي له انتاجات رمزية إلى نظام برجوازي له انتاجاته الرمزية وأنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا بتحقق الإشباع في المرحلة التي سبقت لأن مسار التاريخ يتميز بوحدة خطه أي أنه مسار من الماضي نحو المستقبل.

ويبدو لي أن عملية الإشباع في المراحل التاريخية التي مرت بها بعض الشعوب ومنها تونس لم تتحقق لذلك تحصل عمليات قفز في التاريخ دون احترام لمساره الطبيعي مما ينتج عنه العيش في حقبة تاريخية بآليات مادية لحقبة أخرى دون تمكن من ثقافة تلك الحقبة الذي يُنتج نوعا من المراكمة الثقافية تتحول إلى سلوكيات وآليات تفكير تحكم المجتمع، فنحن نعيش مرحلة الحداثة بثقافة وآليات مرحلة البداوة مما ينتج عن ذلك تشوها في السلوك والتفكير نفقد معه الرؤية الصحيحة والممارسة الثقافية التي تتجانس وطبيعة المنتوجات المادية التي نستعملها أي هناك في اعتقادي وهو رأي قابل للدحض قطيعة ما بين المنتوج المادي الذي نستورده ونستعمله والثقافة التي تحكم سلوكياتنا وآليات تفكيرنا.