من الوجاهة بمكان أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت. ومن القيم السّمحة أن نرفع القبّعة احتراما وإجلالا لمن قام بعمل فأتقنه. فذاك أمر محمود يبعث في المجتهد طاقة لا حدّ لها تجعله أكثر تعلّقا بعمله مصرّا على مزيد التّألق والألق.
عوّدنا الصّحافي حمزة البلومي وكامل فريق برنامج "الحقائق الأربع" على التميّز شكلا ومضمونا في إثارة المواضيع والقضايا المهمّة والحسّاسة إعدادا وتقديما. وجاءت الحلقة المعروضة مساء الأحد 2 أكتوبر 2022 لتدعم هذا التقييم.
وقد شدّت انتباهنا بالخصوص فقرة "مليارات الرّفض" المتعلّقة بملفّ الحصول على تأشيرة السّفر إلى فرنسا بالتّحديد. وساءنا ما يمرّ به التونسيّون والتونسيّات في سبيل الحصول على ورقة العبور إلى فرنسا. جهود معنوية وخاصّة ماديّة مضنية تسلخ من حياة المواطن أياما وأسابيع وقد تصل إلى شهور. وطوابير ممتدّة أمام شركة إسداء الخدمات الدبلوماسية، وهي الشركة الوسيطة الوحيدة بين طالب التأشيرة والقنصليّة، من أجل إيداع الملفات وإرسالها إلى القنصليّة الفرنسيّة. أكوام من الوثائق يُلزم العازم على السّفر على سحبها من عديد المؤسسات والمصالح الإدارية تثبت وضعه الاجتماعي والمهني وما يتبع ذلك من طباعة واستخراج نسخ مطابقة للأصل وتعريف بالإمضاء. فضلا عن الاستظهار بحجوزات النّزل وتذكرة الطائرة وتوفير مقدار كبير من المال يُعدّ بمئات الآلاف من الدّنانير يزداد عند اللّجوء إلى خدمة الامتياز التي تقتصر آجال الانتظار من أشهر إلى أيام معدودات. وبعد الانتظار المضني قد يُقبل مطلب الحصول على التأشيرة وقد يُمنى بالرّفض وإن استجاب المطلب وصاحبه لكافة الشروط دون التّصريح بأسباب الرّفض وتعليلها وإعادة معلوم إيداع المطالب إلى أصحابها. وهكذا تضيع الأموال الطائلة هباء منثورا وكأنّ صاحبها ألقى بها في لحظة من الزمن في البحر. وتذهب مصالح النّاس أدراج الرّياح ومن ذلك حرمان زوجين من السّفر إلى ابنتهما من أجل الوقوف إلى جانبها أثناء فترة الولادة وحرمان طالبة تحصّلت على شهادة الباكالوريا بامتياز من الالتحاق بجامعة السربون بعد أن تعهّدت وزارة التعليم العالي بالتّكفل بمصاريف دراستها حسب ما تمّ عرضه من شهادات في برنامج الحقائق الأربع.
ونحن إذ نُشاطر الّصحافيّ حمزة البلومي في قوله إنّ البلد المضيف حرّ في قبول مطلب الحصول على التأشيرة أو رفضه، ولو أنّ القانون مطلقا يكفل لكلّ مواطن مهما كان جنسه أو لونه أو عرقه أو معتقده حق التنقل في كلّ أرجاء العالم، فإنّنا نتساءل كيف لدولة رائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ عليها تُعرف ببلد الأنوار أن تسلب النّاس أوقاتهم وأموالهم وتُقدّم الأمر على أنه عاديّ طبيعيّ؟
إنّ ما يتعرّض له المواطن التونسي من تعسّف وقهر سافرين في مسألة طلب الحصول على تأشيرة السفر إلى فرنسا بالتحديد يجعلنا نوقن أنّ فرنسا ومؤسساتها مازالت تحنّ إلى سياسة الاستعمار المبنيّة على النّهب والتّعدّي على ملك الآخر وكرامته، فهي تمارسها ضاربة عرض الحائط بالمواثيق الدّولية التي تنصّ على احترام الآخر وإعطاء كلّ ذي حقّ حقه. ومن جانب آخر، فإنّ سكوت سلط وزارة الخارجية المعنيّة يجعلها شريكة في التنكيل بالمواطنين والمواطنات إذ إنّها بقيت إلى حدّ الساعة مكتوفة الأيدي لا تحرّك ساكنا ومنظوروها يتعرّضون لتجاوزات تنغّص عيشهم وتقضّ مضاجعهم. ففي الوقت الذي تتغيّب فيه الخارجية التونسيّة عن الدّفاع عن حقوق المواطنين وإيقاف ما يطولهم من مظالم ومعاملات لا ترتقي إلى احترام الذات البشرية، يبقى التونسيّون والتونسيّات غرباء في بلادهم ǃ
أستاذ متقاعد
بقلم: مصدق الشريف(*)
من الوجاهة بمكان أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت. ومن القيم السّمحة أن نرفع القبّعة احتراما وإجلالا لمن قام بعمل فأتقنه. فذاك أمر محمود يبعث في المجتهد طاقة لا حدّ لها تجعله أكثر تعلّقا بعمله مصرّا على مزيد التّألق والألق.
عوّدنا الصّحافي حمزة البلومي وكامل فريق برنامج "الحقائق الأربع" على التميّز شكلا ومضمونا في إثارة المواضيع والقضايا المهمّة والحسّاسة إعدادا وتقديما. وجاءت الحلقة المعروضة مساء الأحد 2 أكتوبر 2022 لتدعم هذا التقييم.
وقد شدّت انتباهنا بالخصوص فقرة "مليارات الرّفض" المتعلّقة بملفّ الحصول على تأشيرة السّفر إلى فرنسا بالتّحديد. وساءنا ما يمرّ به التونسيّون والتونسيّات في سبيل الحصول على ورقة العبور إلى فرنسا. جهود معنوية وخاصّة ماديّة مضنية تسلخ من حياة المواطن أياما وأسابيع وقد تصل إلى شهور. وطوابير ممتدّة أمام شركة إسداء الخدمات الدبلوماسية، وهي الشركة الوسيطة الوحيدة بين طالب التأشيرة والقنصليّة، من أجل إيداع الملفات وإرسالها إلى القنصليّة الفرنسيّة. أكوام من الوثائق يُلزم العازم على السّفر على سحبها من عديد المؤسسات والمصالح الإدارية تثبت وضعه الاجتماعي والمهني وما يتبع ذلك من طباعة واستخراج نسخ مطابقة للأصل وتعريف بالإمضاء. فضلا عن الاستظهار بحجوزات النّزل وتذكرة الطائرة وتوفير مقدار كبير من المال يُعدّ بمئات الآلاف من الدّنانير يزداد عند اللّجوء إلى خدمة الامتياز التي تقتصر آجال الانتظار من أشهر إلى أيام معدودات. وبعد الانتظار المضني قد يُقبل مطلب الحصول على التأشيرة وقد يُمنى بالرّفض وإن استجاب المطلب وصاحبه لكافة الشروط دون التّصريح بأسباب الرّفض وتعليلها وإعادة معلوم إيداع المطالب إلى أصحابها. وهكذا تضيع الأموال الطائلة هباء منثورا وكأنّ صاحبها ألقى بها في لحظة من الزمن في البحر. وتذهب مصالح النّاس أدراج الرّياح ومن ذلك حرمان زوجين من السّفر إلى ابنتهما من أجل الوقوف إلى جانبها أثناء فترة الولادة وحرمان طالبة تحصّلت على شهادة الباكالوريا بامتياز من الالتحاق بجامعة السربون بعد أن تعهّدت وزارة التعليم العالي بالتّكفل بمصاريف دراستها حسب ما تمّ عرضه من شهادات في برنامج الحقائق الأربع.
ونحن إذ نُشاطر الّصحافيّ حمزة البلومي في قوله إنّ البلد المضيف حرّ في قبول مطلب الحصول على التأشيرة أو رفضه، ولو أنّ القانون مطلقا يكفل لكلّ مواطن مهما كان جنسه أو لونه أو عرقه أو معتقده حق التنقل في كلّ أرجاء العالم، فإنّنا نتساءل كيف لدولة رائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ عليها تُعرف ببلد الأنوار أن تسلب النّاس أوقاتهم وأموالهم وتُقدّم الأمر على أنه عاديّ طبيعيّ؟
إنّ ما يتعرّض له المواطن التونسي من تعسّف وقهر سافرين في مسألة طلب الحصول على تأشيرة السفر إلى فرنسا بالتحديد يجعلنا نوقن أنّ فرنسا ومؤسساتها مازالت تحنّ إلى سياسة الاستعمار المبنيّة على النّهب والتّعدّي على ملك الآخر وكرامته، فهي تمارسها ضاربة عرض الحائط بالمواثيق الدّولية التي تنصّ على احترام الآخر وإعطاء كلّ ذي حقّ حقه. ومن جانب آخر، فإنّ سكوت سلط وزارة الخارجية المعنيّة يجعلها شريكة في التنكيل بالمواطنين والمواطنات إذ إنّها بقيت إلى حدّ الساعة مكتوفة الأيدي لا تحرّك ساكنا ومنظوروها يتعرّضون لتجاوزات تنغّص عيشهم وتقضّ مضاجعهم. ففي الوقت الذي تتغيّب فيه الخارجية التونسيّة عن الدّفاع عن حقوق المواطنين وإيقاف ما يطولهم من مظالم ومعاملات لا ترتقي إلى احترام الذات البشرية، يبقى التونسيّون والتونسيّات غرباء في بلادهم ǃ