ما يحصل اليوم في إيران ليس هو الاحتجاج الأول الذي تعرفه مدنها.. كما أن المظاهرات التي تندلع في مدن عديدة في إيران ليست هي الأولى التي تعرفها الجمهورية الاسلامية حيث عرف الشارع الإيراني في السنوات الأخيرة عديد الاحتجاجات الشارعية ضد السلطة لأسباب عديدة منها الاجتماعي ومنها السياسي بل لا تكاد تمر سنة من دون أن تعرف المدن الإيرانية احتجاجات أو مظاهرات أو تنديدا أو رفضا أو مطالبة بحق من الحقوق التي يراها الفرد الايراني منتهكة.. لكن الجديد هذه المرة في الاحتجاج الأخير الذي اشتعل في الشارع الإيراني ولا يزال متواصلا في كونه جاء من المرأة الإيرانية وتقوده فئة النساء اللاتي ساندن بقوة الثورة الايرانية في أواخر سبعينات القرن الماضي ضد حكم الشاه ونظامه الديكتاتوري واليوم نجدها تخرج إلى الشارع ضد نفس النظام الذي ساندنه للتعبير على رفضهن تطبيق تعاليم الاسلام بالقوة والإكراه وذلك على خلفية مقتل الشابة "مهسا أميني" ذات العشرين عاما على يد عناصر من شرطة حماية الأخلاق أو ما يسمى بدوريات الإرشاد على إثر اعتقالها واقتيادها إلى مركز الشرطة أين تعرضت إلى الضرب الشديد على مستوى الرأس ما تسبب لها في نزيف حاد أودى بحياتها بتهمة عدم تغطية رأسها بالشكل الكامل ما شكل المنعرج الكبير فيما تعرفه إيران من احتجاجات ومظاهرات في السنوات الأخيرة. فعلى خلاف ما كان يحصل في السابق لم تكن المظاهرات الحالية لأسباب اجتماعية والمطالبة بتحسين المعيشة كما لم تكن من وراء مطالب سياسية تعارض نظام الحكم وطريقة ممارسة السلطة وإنما الذي يحصل هذه المرة بعد مقتل مهسا كان خروجا للشارع لأسباب حقوقية واحتجاجا على التضييق الذي تمارسه الدولة في إيران على الحريات الشخصية والفردية باسم سلطة الدين وتحت مبرر احترام المبادئ الاسلامية التي تفرضها الجمهورية الاسلامية في إيران على المجتمع في الفضاءات العامة.
الاحتجاجات الأخيرة كانت منعرجا لأنها على خلاف سابقتها هي انتفاضة نسائية وخروج المرأة الايرانية إلى الشارع للمطالبة بحقوقها ورفضها أسلوب الإكراه الذي يمارس عليها لتطبيق تعاليم الدين في علاقة بفرض السلطة الإيرانية ارتداء الحجاب على النساء والفتيات في الفضاءات العامة فما يحصل اليوم يكتسي خطورة كبيرة على النظام الإيراني الذي يعرف لأول مرة رفضا شعبيا لتطبيق تعاليم الدين الفكرة التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية بطريقة علنية وبصوت عال ودون خوف.. ما يحصل اليوم هو اعتراض المرأة الإيرانية على عملية الإجبار وأسلوب الإكراه الذي تمارسه السلطات الإيرانية لإجبارها على تغطية شعر رأسها كاملا والمطالبة بحرية ارتداء الحجاب وترك الناس أحرارا في الالتزام بتطبيق تعاليم الإسلام كما يراها النظام وتروج لها السلطة.. الجديد هذه المرة أن الاحتجاج ومعارضة النظام الحاكم يأتي من قبل النساء ومن المرأة الإيرانية وبظهور العنصر النسائي بشكل بارز في الاحتجاجات الشارعية التي تقاوم فرض القوانين بالقوة على جزء من المجتمع الرافض لها.
إن اللافت في الحركة الاحتجاجية التي تقودها المرأة الإيرانية أن الاحتجاج كما عبرت عنه الكثير من النساء ليس موجها ضد الدين ولا رفضا لتعاليم الإسلام وليس ضد ارتداء الحجاب لمن تريد أن تلبسه وإنما التظاهر جاء من أجل المطالبة بالحرية الدينية ومن أجل التراجع على فرض تطبيق تعاليم الإسلام بالقوة وفي علاقة بتغطية الرأس فإن الحركة النسائية أو انتفاضة النساء كما تسمى تطالب بمنح النساء الحرية في تغطية الرأس من عدمه والتخلي عن فرض ارتداء الحجاب في الفضاء العام فالاعتراض النسوي هذه المرة لم يكن ضد رمزية الحجاب الدينية وإنما اعتراضا على تحويله إلى رمز السلطة وعنوان ولاء للدولة وتحويله من شعيرة دينية تتعبد بها المرأة عن حرية وطواعية إلى شعار للنظام والدولة وعنوان الولاء للحكم وللجمهورية الإسلامية.. الاحتجاج النسوي جاء رافضا بعد أن تحول الحجاب إلى طابع مقدس للحكم يعرّض من يخرج عنه للمساءلة القانونية لا الدينية على اعتبار أن الاسلام كما عبرت عنه الكثير من النساء الإيرانيات يضمن حماية الإيمان ويحمي معتقدات الناس ولا يكره أو يجبر أحدا على الالتزام بتعاليم الدين طالما أنه يعيش في دولة إسلامية تقوم على شعار "لا إكراه في الدين" ولا إجبار لأحد على تطبيق تعاليمه طالما أن الاسلام قد ضمن الحرية الشخصية للأفراد في الإيمان.. الحركة الاحتجاجية النسوية هي اليوم ضد تحويل الحجاب من رمز تعبدي الى رمز للولاء للنظام الايراني يسمح له بقمع الناس وإجبارهم على تطبيق تعاليمه حتى وإن كانوا غير مؤمنين ولا راضين بها خاصة بعد وصول المحافظين المتشددين إلى الحكم والسلطة الذين ضيقوا الخناق على الحريات الفردية والشخصية التي جاء بها الإسلام وفرضوا نموذجا للحكم يعود بإيران إلى عصور الاستبداد والقهر الديني الذي عرفته البشرية حينما تحكم رجال الدين في كل شيء.
المفيد في انتفاضة المرأة الإيرانية ضد سياسة فرض تطبيق تعاليم الإسلام بالقوة على الأفراد أنها فتحت النقاش حول مآل هذه الاحتجاجات هذه المرة بعد أن اجهضت غيرها في السابق ومدى قدرة الشارع على مواصلة التعبئة والصمود وحمل النظام على التراجع على سياسته القمعية وتغيير سلوكه والتخفيف من حدة المنع المسلط على المجتمع بإسم الدين وباسم احترام قيم الجمهورية الايرانية.. المفيد هذه المرة فيما يحصل من حركة احتجاجية متواصلة تنديدا بوفاة الشابة مهسا بسبب عدم التزامها بتغطية كامل شعرها وارتدائها للحجاب كاملا قد فتح النقاش حول مسألة قديمة جديدة تتعلق بطبيعة الدولة التي تقوم على أساس عقائدي منغلق ومشكلة النظام السياسي المؤسس على الايدولوجيا المنغلقة حيث أعادت هذه الحادثة الأليمة إلى الأذهان خطورة أنظمة الحكم التي تبنى على أساس الفكر المطلق والعقيدة المنغلقة أيا كانت هذه العقيدة وخاصة لما تكون دينية على أساس أن التجربة التاريخية قد اثبتت أنه كلما وجدت دولة أو نظام حكم يقوم على أساس معتقد ديني فإنه ينعكس بالضرورة على واقع الحريات الشخصية للأفراد وينسحب على تقييد المجتمع بجملة من القوانين التي تحد من حرية أفراده باسم احترام تعاليم المقدس التي تتحول إلى قوانين للدولة وهذه الملاحظة ليست حكرا على التجربة الإسلامية وإنما هي ملاحظة عامة تنسحب على كل الأنظمة التي تأسست عبر التاريخ على أساس دين أو عقيدة أو ايديولوجيا أيا كانت سماوية أو من صنع البشر كما هو الحال والشأن في التاريخ المسيحي أو اليهودي حينما تحكمت هذه الديانات وسيطرت على المجتمع ووجهت الدولة والحكم أو كانت فلسفات أو عقائد بشرية كما هو الحال عند التعصب الهندوسي والبوذي في علاقة بالأقليات المسلمة أو الأنظمة الشيوعية الماركسية المنغلقة التي لا تقبل بالآخر والتعايش مع المختلف كما هو الحال مع النظام الصيني الشيوعي و"شعب الإيغور" المسلم الذي ينكل به باسم احترام قوانين الدولة الشيوعية.
إن الدرس المستفاد من موت الشابة مهسا هو أن دولة العقيدة وأنظمة الحكم التي تقوم على الفكر المنغلق والإيمان والاعتقاد المطلق فيما يحصل من انعكاس سلبي لها على حريات الأفراد الشخصية وفيما يفرض عليهم من قيود باسم حماية المجتمع من السلوكيات المعادية للنظام والمخالفة للتعاليم المقدسة التي تتحول إلى مقدسات النظام.. كما أن الدرس الآخر هو أن الايمان والاعتقاد والالتزام بالتشريعات الدينية لا يمكن أن تفرض بالقوة وأن دعوة الناس للالتزام بتعاليم الدين في دولة تتبنى الاسلام لا يمكن أن يكون بالإكراه وبالغصب وإلا خرج الناس على هذه التعاليم وعلى الدولة التي تفرضها.. الدرس الكبير هو أنه كلما ضيقنا على الناس حرياتهم وكلما أجبرناهم على تطبيق القوانين بالقوة والإكراه وكلما فرضنا الإيمان والعقيدة وأجبرناهم على تطبيق الأوامر والنواهي إلا وسرعنا الانتفاض والاحتجاج والخروج عليها حتى وإن كان الذي يحتج ضده هو الدين الإسلامي.
المهم في هذه الحادثة هو أن الدولة لا يمكن أن تفرض على جزء من مواطنيها ومن لا يدينون بعقيدتها الالتزام بتعاليم دينها بالإكراه.. المهم اليوم فيما يحصل في العالم الاسلامي وما تعرفه الكثير من الحركات الإسلامية من تبن للقيم الديمقراطية ومن مراجعات بخصوص ضخ جرعة إصلاحية في الخطاب الديني نحو تبني أنظمة حكم ديمقراطية اتضح اليوم أنها هي وحدها على هناتها وكل ما فيها من مآخذ الضامن الوحيد للتعايش السلمي والتعايش المشترك والقبول بالآخر المختلف وأنها النظام الوحيد الذي يضمن الحريات الفردية والشخصية للمؤمن وغير المؤمن.
حقوقي وناشط في المجتمع المدني
بقلم: نوفل سلامة (*)
ما يحصل اليوم في إيران ليس هو الاحتجاج الأول الذي تعرفه مدنها.. كما أن المظاهرات التي تندلع في مدن عديدة في إيران ليست هي الأولى التي تعرفها الجمهورية الاسلامية حيث عرف الشارع الإيراني في السنوات الأخيرة عديد الاحتجاجات الشارعية ضد السلطة لأسباب عديدة منها الاجتماعي ومنها السياسي بل لا تكاد تمر سنة من دون أن تعرف المدن الإيرانية احتجاجات أو مظاهرات أو تنديدا أو رفضا أو مطالبة بحق من الحقوق التي يراها الفرد الايراني منتهكة.. لكن الجديد هذه المرة في الاحتجاج الأخير الذي اشتعل في الشارع الإيراني ولا يزال متواصلا في كونه جاء من المرأة الإيرانية وتقوده فئة النساء اللاتي ساندن بقوة الثورة الايرانية في أواخر سبعينات القرن الماضي ضد حكم الشاه ونظامه الديكتاتوري واليوم نجدها تخرج إلى الشارع ضد نفس النظام الذي ساندنه للتعبير على رفضهن تطبيق تعاليم الاسلام بالقوة والإكراه وذلك على خلفية مقتل الشابة "مهسا أميني" ذات العشرين عاما على يد عناصر من شرطة حماية الأخلاق أو ما يسمى بدوريات الإرشاد على إثر اعتقالها واقتيادها إلى مركز الشرطة أين تعرضت إلى الضرب الشديد على مستوى الرأس ما تسبب لها في نزيف حاد أودى بحياتها بتهمة عدم تغطية رأسها بالشكل الكامل ما شكل المنعرج الكبير فيما تعرفه إيران من احتجاجات ومظاهرات في السنوات الأخيرة. فعلى خلاف ما كان يحصل في السابق لم تكن المظاهرات الحالية لأسباب اجتماعية والمطالبة بتحسين المعيشة كما لم تكن من وراء مطالب سياسية تعارض نظام الحكم وطريقة ممارسة السلطة وإنما الذي يحصل هذه المرة بعد مقتل مهسا كان خروجا للشارع لأسباب حقوقية واحتجاجا على التضييق الذي تمارسه الدولة في إيران على الحريات الشخصية والفردية باسم سلطة الدين وتحت مبرر احترام المبادئ الاسلامية التي تفرضها الجمهورية الاسلامية في إيران على المجتمع في الفضاءات العامة.
الاحتجاجات الأخيرة كانت منعرجا لأنها على خلاف سابقتها هي انتفاضة نسائية وخروج المرأة الايرانية إلى الشارع للمطالبة بحقوقها ورفضها أسلوب الإكراه الذي يمارس عليها لتطبيق تعاليم الدين في علاقة بفرض السلطة الإيرانية ارتداء الحجاب على النساء والفتيات في الفضاءات العامة فما يحصل اليوم يكتسي خطورة كبيرة على النظام الإيراني الذي يعرف لأول مرة رفضا شعبيا لتطبيق تعاليم الدين الفكرة التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية بطريقة علنية وبصوت عال ودون خوف.. ما يحصل اليوم هو اعتراض المرأة الإيرانية على عملية الإجبار وأسلوب الإكراه الذي تمارسه السلطات الإيرانية لإجبارها على تغطية شعر رأسها كاملا والمطالبة بحرية ارتداء الحجاب وترك الناس أحرارا في الالتزام بتطبيق تعاليم الإسلام كما يراها النظام وتروج لها السلطة.. الجديد هذه المرة أن الاحتجاج ومعارضة النظام الحاكم يأتي من قبل النساء ومن المرأة الإيرانية وبظهور العنصر النسائي بشكل بارز في الاحتجاجات الشارعية التي تقاوم فرض القوانين بالقوة على جزء من المجتمع الرافض لها.
إن اللافت في الحركة الاحتجاجية التي تقودها المرأة الإيرانية أن الاحتجاج كما عبرت عنه الكثير من النساء ليس موجها ضد الدين ولا رفضا لتعاليم الإسلام وليس ضد ارتداء الحجاب لمن تريد أن تلبسه وإنما التظاهر جاء من أجل المطالبة بالحرية الدينية ومن أجل التراجع على فرض تطبيق تعاليم الإسلام بالقوة وفي علاقة بتغطية الرأس فإن الحركة النسائية أو انتفاضة النساء كما تسمى تطالب بمنح النساء الحرية في تغطية الرأس من عدمه والتخلي عن فرض ارتداء الحجاب في الفضاء العام فالاعتراض النسوي هذه المرة لم يكن ضد رمزية الحجاب الدينية وإنما اعتراضا على تحويله إلى رمز السلطة وعنوان ولاء للدولة وتحويله من شعيرة دينية تتعبد بها المرأة عن حرية وطواعية إلى شعار للنظام والدولة وعنوان الولاء للحكم وللجمهورية الإسلامية.. الاحتجاج النسوي جاء رافضا بعد أن تحول الحجاب إلى طابع مقدس للحكم يعرّض من يخرج عنه للمساءلة القانونية لا الدينية على اعتبار أن الاسلام كما عبرت عنه الكثير من النساء الإيرانيات يضمن حماية الإيمان ويحمي معتقدات الناس ولا يكره أو يجبر أحدا على الالتزام بتعاليم الدين طالما أنه يعيش في دولة إسلامية تقوم على شعار "لا إكراه في الدين" ولا إجبار لأحد على تطبيق تعاليمه طالما أن الاسلام قد ضمن الحرية الشخصية للأفراد في الإيمان.. الحركة الاحتجاجية النسوية هي اليوم ضد تحويل الحجاب من رمز تعبدي الى رمز للولاء للنظام الايراني يسمح له بقمع الناس وإجبارهم على تطبيق تعاليمه حتى وإن كانوا غير مؤمنين ولا راضين بها خاصة بعد وصول المحافظين المتشددين إلى الحكم والسلطة الذين ضيقوا الخناق على الحريات الفردية والشخصية التي جاء بها الإسلام وفرضوا نموذجا للحكم يعود بإيران إلى عصور الاستبداد والقهر الديني الذي عرفته البشرية حينما تحكم رجال الدين في كل شيء.
المفيد في انتفاضة المرأة الإيرانية ضد سياسة فرض تطبيق تعاليم الإسلام بالقوة على الأفراد أنها فتحت النقاش حول مآل هذه الاحتجاجات هذه المرة بعد أن اجهضت غيرها في السابق ومدى قدرة الشارع على مواصلة التعبئة والصمود وحمل النظام على التراجع على سياسته القمعية وتغيير سلوكه والتخفيف من حدة المنع المسلط على المجتمع بإسم الدين وباسم احترام قيم الجمهورية الايرانية.. المفيد هذه المرة فيما يحصل من حركة احتجاجية متواصلة تنديدا بوفاة الشابة مهسا بسبب عدم التزامها بتغطية كامل شعرها وارتدائها للحجاب كاملا قد فتح النقاش حول مسألة قديمة جديدة تتعلق بطبيعة الدولة التي تقوم على أساس عقائدي منغلق ومشكلة النظام السياسي المؤسس على الايدولوجيا المنغلقة حيث أعادت هذه الحادثة الأليمة إلى الأذهان خطورة أنظمة الحكم التي تبنى على أساس الفكر المطلق والعقيدة المنغلقة أيا كانت هذه العقيدة وخاصة لما تكون دينية على أساس أن التجربة التاريخية قد اثبتت أنه كلما وجدت دولة أو نظام حكم يقوم على أساس معتقد ديني فإنه ينعكس بالضرورة على واقع الحريات الشخصية للأفراد وينسحب على تقييد المجتمع بجملة من القوانين التي تحد من حرية أفراده باسم احترام تعاليم المقدس التي تتحول إلى قوانين للدولة وهذه الملاحظة ليست حكرا على التجربة الإسلامية وإنما هي ملاحظة عامة تنسحب على كل الأنظمة التي تأسست عبر التاريخ على أساس دين أو عقيدة أو ايديولوجيا أيا كانت سماوية أو من صنع البشر كما هو الحال والشأن في التاريخ المسيحي أو اليهودي حينما تحكمت هذه الديانات وسيطرت على المجتمع ووجهت الدولة والحكم أو كانت فلسفات أو عقائد بشرية كما هو الحال عند التعصب الهندوسي والبوذي في علاقة بالأقليات المسلمة أو الأنظمة الشيوعية الماركسية المنغلقة التي لا تقبل بالآخر والتعايش مع المختلف كما هو الحال مع النظام الصيني الشيوعي و"شعب الإيغور" المسلم الذي ينكل به باسم احترام قوانين الدولة الشيوعية.
إن الدرس المستفاد من موت الشابة مهسا هو أن دولة العقيدة وأنظمة الحكم التي تقوم على الفكر المنغلق والإيمان والاعتقاد المطلق فيما يحصل من انعكاس سلبي لها على حريات الأفراد الشخصية وفيما يفرض عليهم من قيود باسم حماية المجتمع من السلوكيات المعادية للنظام والمخالفة للتعاليم المقدسة التي تتحول إلى مقدسات النظام.. كما أن الدرس الآخر هو أن الايمان والاعتقاد والالتزام بالتشريعات الدينية لا يمكن أن تفرض بالقوة وأن دعوة الناس للالتزام بتعاليم الدين في دولة تتبنى الاسلام لا يمكن أن يكون بالإكراه وبالغصب وإلا خرج الناس على هذه التعاليم وعلى الدولة التي تفرضها.. الدرس الكبير هو أنه كلما ضيقنا على الناس حرياتهم وكلما أجبرناهم على تطبيق القوانين بالقوة والإكراه وكلما فرضنا الإيمان والعقيدة وأجبرناهم على تطبيق الأوامر والنواهي إلا وسرعنا الانتفاض والاحتجاج والخروج عليها حتى وإن كان الذي يحتج ضده هو الدين الإسلامي.
المهم في هذه الحادثة هو أن الدولة لا يمكن أن تفرض على جزء من مواطنيها ومن لا يدينون بعقيدتها الالتزام بتعاليم دينها بالإكراه.. المهم اليوم فيما يحصل في العالم الاسلامي وما تعرفه الكثير من الحركات الإسلامية من تبن للقيم الديمقراطية ومن مراجعات بخصوص ضخ جرعة إصلاحية في الخطاب الديني نحو تبني أنظمة حكم ديمقراطية اتضح اليوم أنها هي وحدها على هناتها وكل ما فيها من مآخذ الضامن الوحيد للتعايش السلمي والتعايش المشترك والقبول بالآخر المختلف وأنها النظام الوحيد الذي يضمن الحريات الفردية والشخصية للمؤمن وغير المؤمن.