إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ترشيد السياسات قبل ترشيد الاستهلاك

بقلم: محمد صالح جنادي(*)

أصبحت الحكومة تعتقد أن ترديد بعض الشعارات الاتصالية هو الكفيل بحل المشاكل المتراكمة والتي تزداد خطورة. فقد رفعت كلمة "الاحتكار" لتفسير حالة الاضطراب التي شهدها السوق أدت إلى غياب عدد من المواد الأساسية دون أن تتوصل عمليا إلى حل المشكل. ولجأت حاليا إلى الحديث عن ترشيد التوريد كشعار قادر حسب رأيها على الحد من العجز التجاري ومن نقص السيولة الأجنبية.

هذا الشعار يخفي توجها خاطئا لأنه سيرفع عمليا نسبة التضخم في ظل عجز المصانع التونسية على توفير متطلباتها من السوق المحلية وسيعمق اللجوء إلى التوريد العشوائي وفي السوق الموازية وهو ما يعني على ارض الواقع فتح الباب أمام الفساد الإداري خاصة في مستوى وزارة التجارة في علاقة بإسناد الرخص. ولا ننسى هنا أن الإدارة غير محايدة ويلعب فيها الانتماء الحزبي دورا هاما. وفي ظل هيمنة شركات كبرى فإن عدم الامتثال للقانون والتراتيب الجاري بها العمل سيزداد وسينعكس ذلك سلبيا على المؤسسات الصغرى التي هي حاليا في أشد الحاجة للاستثمار واسترجاع الأنفاس عقب الخسائر التي تكبدتها نتيجة وباء كوفيد. ترشيد التوريد بطريقة عشوائية سيؤدي إلى تراجع مداخيل الدولة من الاداءات القمرقية والجبائية وهذا ما يؤكده تراجع الحكومات السابقة عن بعض إجراءات ترشيد التوريد لأن النتائج كانت عكسية.

الحل الأمثل في واقع الحال هو توفير المواد الأولية بأقل كلفة وإعادة تنشيط مصانع إنتاج المواد الأولية ودعمها ومساعدتها والاعتماد على دور السوق في تعديل الأسعار من خلال آلية العرض والطلب وتحرير الاقتصاد لخلق المنافسة الشريفة.

ترشيد التوريد دون رؤية وإجراءات حقيقية يمكن أن يكون سببا للتأثير السلبي على علاقة تونس مع بعض الدول الشقيقة والصديقة ويمكن أن يؤدي إلى إغلاق الباب أمام ترويج البضائع التونسية في أسواق هذه الدول وهذا ما يزيد من صعوباتنا علاوة على أن ترشيد التوريد يمكن أن يتناقض مع تعهدات تونس في مجال تحرير التجارة. ولا بد من التذكير أن التداين المفرط هو سبب تدهور قيمة الدينار وأن الحل الحقيقي هو التصدي للعجز الطاقي من خلال الزيادة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي والاعتماد على الطاقات البديلة والمتجددة. لا وجود لاقتصاد دون توريد لان التوريد يعدل السوق ويساهم في تنشيط قطاعات مهمة كالنقل واللوجستيك .

ولا شك أن القرارات المتسرعة هي وليدة غياب الاعتماد على الكفاءات واللجان التي تضم مقاربات مختلفة والحلول لا تأتي بها القرارات المسقطة ولا الميزانيات التي يقع إعدادها اعتباطيا كقانون المالية الأخير الذي رفع من نسبة الأداء على القيمة المضافة عند التصدير وهو ما أعاق عمليات التصدير خاصة وأن الشركات المصدرة تدفع اداءات في الأسواق التي تصدر لها.

  • خبير اقتصادي
ترشيد السياسات قبل ترشيد الاستهلاك

بقلم: محمد صالح جنادي(*)

أصبحت الحكومة تعتقد أن ترديد بعض الشعارات الاتصالية هو الكفيل بحل المشاكل المتراكمة والتي تزداد خطورة. فقد رفعت كلمة "الاحتكار" لتفسير حالة الاضطراب التي شهدها السوق أدت إلى غياب عدد من المواد الأساسية دون أن تتوصل عمليا إلى حل المشكل. ولجأت حاليا إلى الحديث عن ترشيد التوريد كشعار قادر حسب رأيها على الحد من العجز التجاري ومن نقص السيولة الأجنبية.

هذا الشعار يخفي توجها خاطئا لأنه سيرفع عمليا نسبة التضخم في ظل عجز المصانع التونسية على توفير متطلباتها من السوق المحلية وسيعمق اللجوء إلى التوريد العشوائي وفي السوق الموازية وهو ما يعني على ارض الواقع فتح الباب أمام الفساد الإداري خاصة في مستوى وزارة التجارة في علاقة بإسناد الرخص. ولا ننسى هنا أن الإدارة غير محايدة ويلعب فيها الانتماء الحزبي دورا هاما. وفي ظل هيمنة شركات كبرى فإن عدم الامتثال للقانون والتراتيب الجاري بها العمل سيزداد وسينعكس ذلك سلبيا على المؤسسات الصغرى التي هي حاليا في أشد الحاجة للاستثمار واسترجاع الأنفاس عقب الخسائر التي تكبدتها نتيجة وباء كوفيد. ترشيد التوريد بطريقة عشوائية سيؤدي إلى تراجع مداخيل الدولة من الاداءات القمرقية والجبائية وهذا ما يؤكده تراجع الحكومات السابقة عن بعض إجراءات ترشيد التوريد لأن النتائج كانت عكسية.

الحل الأمثل في واقع الحال هو توفير المواد الأولية بأقل كلفة وإعادة تنشيط مصانع إنتاج المواد الأولية ودعمها ومساعدتها والاعتماد على دور السوق في تعديل الأسعار من خلال آلية العرض والطلب وتحرير الاقتصاد لخلق المنافسة الشريفة.

ترشيد التوريد دون رؤية وإجراءات حقيقية يمكن أن يكون سببا للتأثير السلبي على علاقة تونس مع بعض الدول الشقيقة والصديقة ويمكن أن يؤدي إلى إغلاق الباب أمام ترويج البضائع التونسية في أسواق هذه الدول وهذا ما يزيد من صعوباتنا علاوة على أن ترشيد التوريد يمكن أن يتناقض مع تعهدات تونس في مجال تحرير التجارة. ولا بد من التذكير أن التداين المفرط هو سبب تدهور قيمة الدينار وأن الحل الحقيقي هو التصدي للعجز الطاقي من خلال الزيادة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي والاعتماد على الطاقات البديلة والمتجددة. لا وجود لاقتصاد دون توريد لان التوريد يعدل السوق ويساهم في تنشيط قطاعات مهمة كالنقل واللوجستيك .

ولا شك أن القرارات المتسرعة هي وليدة غياب الاعتماد على الكفاءات واللجان التي تضم مقاربات مختلفة والحلول لا تأتي بها القرارات المسقطة ولا الميزانيات التي يقع إعدادها اعتباطيا كقانون المالية الأخير الذي رفع من نسبة الأداء على القيمة المضافة عند التصدير وهو ما أعاق عمليات التصدير خاصة وأن الشركات المصدرة تدفع اداءات في الأسواق التي تصدر لها.

  • خبير اقتصادي