تولى رئيس الجمهورية قيس سعيد شخصيا، مهمة الإشراف على الجلسة التمهيدية لتأسيس الشركة الأهلية المحلية للتصرف في أراضي مجموعة بني خيار نهاية الأسبوع الماضي. باعتبار انه يعتبرها احد ابرز المقترحات التي يمكن أن تمثل الحل الأنجع لمعضلة تفاقم مشكلة البطالة والفقر والتفاوت الجهوي وحتى النمو الاقتصادي.. فضلا عن أنها صنف جديد من الشركات سيعيد الأملاك إلى الشعب.
ويضع قيس سعيد الشركات الأهلية في مشروعه، كأحد الآليات التي سيقع عبرها نقل السلطة المالية والثروة من الفاسدين إلى الشعب، باعتماد قانون الصلح الجزائي وما سيدره على صندوق الدعم من أموال.
ولم يتأخر قيس سعيد كثيرا في إصدار المرسوم المنظم لهذه الشركات الأهلية، التي تباينت حولها المواقف والقراءات بين من اعتبرها، من مناصري الرئيس، كأحد وجوه تغيير المنوال التنموي ومسارات تحقيق العدالة الاجتماعية وخلق الثروة.. وبين من رأى، من معارضيه أو خبراء الاقتصاد، إنها شكل جديد من أشكال إعادة إنتاج اقتصاد الريعي خاصة عبر الفصول التي تعمدت الإبقاء على خيار تبعية الشركات الأهلية للسلطة التنفيذية والتي خصت بباب كامل وهو الباب السادس "الإحاطة بالشركات الأهلية والإشراف عليها" أين استبعد مبدأ الاستقلالية في التسيير وأعطى أحقية لوالي الجهة أو وزير الاقتصاد بالتدخل في تسيير الشركات الأهلية وقراراتها.
وحسب المرسوم عدد 15 المنظم للشركات الأهلية الصادر يوم 20 مارس 2022، هي شركات بذوات معنوية يتم بعثها من طرف أهالي جهة أو منطقة معينة، شركات محلية أو جهوية، تعمل على تأسيس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية للنشاط الاقتصادي. ويكون هدفها كما "تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها"، وتتكون من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن 50 شخصا وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية. ولا يمكن أن يقل رأس مال الشركة الأهلية المحلية عن عشرة آلاف دينار وإذا كانت الشركة الأهلية جهوية فإن رأس مالها لا يمكن أن يقل عن عشرين ألف دينار.
وعلى عكس ما كان متوقعا اسقط المرسوم في أحكامه العامة عند التنصيص على مهام الشركات الأهلية مسالة التصرف في الأراضي الدولية، واكتفى بإشارة عامة في فصله الخامس والنقطة الثالثة منه، إلى "إمكانية التصرف في الأراضي الاشتراكية، في إطار التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية وبناء على قرار مجلس التصرف".
ويقف مرسوم الشركات الأهلية حسب أكثر من قراءة، في منتصف الطريق بين قانون الاقتصاد التضامني وتجربة التعاضد. فرغم انه مرسوم أراد الرئيس أن ينزل الشركات الأهلية في سياق تجربة واحة جمنة كأحد التجارب التي بنيت عليها فكرة الاقتصاد التضامني، لم يمكنها من استقلاليتها المالية والتسييرية بل تركها مربوطة بالسلطة التنفيذية على غرار تجربة التعاضد، التي كانت احد أسباب فشلها ارتباطها بالدولة وعدم قدرتها على التطور والتحول إلى قوة اقتصادية.
ولا تعتبر اغلب القراءات الاقتصادية لمرسوم الشركات الأهلية انه قادر على إيجاد حلول لمشكلة البطالة أو الفقر أو التنمية الجهوية والعدالة الاجتماعية، في ظل حصره لمصادر التمويل في موارد الصلح الجزائي وإبقاءه على هيمنة السلطة التنفيذية.
كما يتجه مرسوم الشركات الأهلية فيما يهم العلاقة بالنشاط السياسي، نحو المنع والتجريم أكثر منه نحو تنظيمها وتوضيحها. فيقول في الفصل التاسع "يمنع على الشركات الأهلية ممارسة أي نشاط سياسي أو الانخراط في مسارات سياسية أو تمويلها"، وهو ما يجعل مساحات التأويل أوسع تشرعن لإلغاء كل أشكال التعبير السياسي إذ بإمكان المواقف والمقترحات والتدوينات والمداولات والنقاشات واختلافات الآراء والتصورات أن تصبح تعبيرا عن “الانخراط في مسارات سياسية” وبالتالي تكون مجرمة بالمرسوم.
ويخشى خبراء الاقتصاد، من استنساخ الرئيس قيس سعيد لتجارب فاشلة لحل معضلة البطالة والفقر والتوازن بين الجهات، خاصة أن تجربة الشركات الأهلية ستكون تجربة غير مسبوقة بالشكل الذي أتى به المرسوم والذي مازال يحمل عديد التساؤلات حول طبيعة هذه الشركات وما المنفعة التي يمكن أن تأتي بها.
ويعتبر الخبير الاقتصادي آرام بالحاج في تصريح إعلامي سابق، أن ربط إحداث الشركات الأهلية بتمويلات بالصلح الجزائي قد يؤخر الحلول المطروحة لسنوات إضافية مؤكدا أن اختصار الطريق يمكن أن يتم عبر تفعيل القانون المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني وإصدار النصوص الترتيبية الخاصة به.
في نفس الوقت يقول فوزي عبد الرحمان، وزير التشغيل السابق، أن عملية نقل الثروة من الأغنياء الفاسدين إلى الشعب عبر بعث الشركات الأهلية مشروع "هلامي" غير قابل للتحقيق. واعتبر أن الرئيس كان بإمكانه اعتماد أرضية قانونية جاهزة لاستيعاب العاطلين عن العمل عبر تفعيل قانون الاقتصاد التضامني والاجتماعي وإصدار أوامره الترتيبية، بدل الذهاب إلى إقرار آلية جديد يسيطر عليها عدم الوضوح. وأشار إلى أن قانون الاقتصاد التضامني والاجتماعي يمكن أن يساهم في سنواته الأولى بنحو 5 بالمائة في الناتج الداخلي الخام في حال انخراط الجهاز المصرفي في تمويله، مشيرا إلى أن العقلانية والواقعية تفرض على الرئيس وعلى حكومته النظر إلى هذا القانون قبل الشروع في تجارب غير محمودة العواقب.
وأضاف وزير التشغيل السابق في حديثه لأحد الصحف الالكترونية، أن تونس تحتاج اليوم إلى كل إمكانياتها لخلق ديناميكية في سوق العمل عبر السياسات النشيطة للتشغيل وتحسين القدرة التشغيلية لطالبي العمل وتحفيز المؤسسات الاقتصادية لتوظيف حاملي الشهادات العليا بشكل خاص باعتبار أنهم يمثلون النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل.
ريم سوودي
تونس- الصباح
تولى رئيس الجمهورية قيس سعيد شخصيا، مهمة الإشراف على الجلسة التمهيدية لتأسيس الشركة الأهلية المحلية للتصرف في أراضي مجموعة بني خيار نهاية الأسبوع الماضي. باعتبار انه يعتبرها احد ابرز المقترحات التي يمكن أن تمثل الحل الأنجع لمعضلة تفاقم مشكلة البطالة والفقر والتفاوت الجهوي وحتى النمو الاقتصادي.. فضلا عن أنها صنف جديد من الشركات سيعيد الأملاك إلى الشعب.
ويضع قيس سعيد الشركات الأهلية في مشروعه، كأحد الآليات التي سيقع عبرها نقل السلطة المالية والثروة من الفاسدين إلى الشعب، باعتماد قانون الصلح الجزائي وما سيدره على صندوق الدعم من أموال.
ولم يتأخر قيس سعيد كثيرا في إصدار المرسوم المنظم لهذه الشركات الأهلية، التي تباينت حولها المواقف والقراءات بين من اعتبرها، من مناصري الرئيس، كأحد وجوه تغيير المنوال التنموي ومسارات تحقيق العدالة الاجتماعية وخلق الثروة.. وبين من رأى، من معارضيه أو خبراء الاقتصاد، إنها شكل جديد من أشكال إعادة إنتاج اقتصاد الريعي خاصة عبر الفصول التي تعمدت الإبقاء على خيار تبعية الشركات الأهلية للسلطة التنفيذية والتي خصت بباب كامل وهو الباب السادس "الإحاطة بالشركات الأهلية والإشراف عليها" أين استبعد مبدأ الاستقلالية في التسيير وأعطى أحقية لوالي الجهة أو وزير الاقتصاد بالتدخل في تسيير الشركات الأهلية وقراراتها.
وحسب المرسوم عدد 15 المنظم للشركات الأهلية الصادر يوم 20 مارس 2022، هي شركات بذوات معنوية يتم بعثها من طرف أهالي جهة أو منطقة معينة، شركات محلية أو جهوية، تعمل على تأسيس العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية للنشاط الاقتصادي. ويكون هدفها كما "تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها"، وتتكون من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن 50 شخصا وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية. ولا يمكن أن يقل رأس مال الشركة الأهلية المحلية عن عشرة آلاف دينار وإذا كانت الشركة الأهلية جهوية فإن رأس مالها لا يمكن أن يقل عن عشرين ألف دينار.
وعلى عكس ما كان متوقعا اسقط المرسوم في أحكامه العامة عند التنصيص على مهام الشركات الأهلية مسالة التصرف في الأراضي الدولية، واكتفى بإشارة عامة في فصله الخامس والنقطة الثالثة منه، إلى "إمكانية التصرف في الأراضي الاشتراكية، في إطار التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية وبناء على قرار مجلس التصرف".
ويقف مرسوم الشركات الأهلية حسب أكثر من قراءة، في منتصف الطريق بين قانون الاقتصاد التضامني وتجربة التعاضد. فرغم انه مرسوم أراد الرئيس أن ينزل الشركات الأهلية في سياق تجربة واحة جمنة كأحد التجارب التي بنيت عليها فكرة الاقتصاد التضامني، لم يمكنها من استقلاليتها المالية والتسييرية بل تركها مربوطة بالسلطة التنفيذية على غرار تجربة التعاضد، التي كانت احد أسباب فشلها ارتباطها بالدولة وعدم قدرتها على التطور والتحول إلى قوة اقتصادية.
ولا تعتبر اغلب القراءات الاقتصادية لمرسوم الشركات الأهلية انه قادر على إيجاد حلول لمشكلة البطالة أو الفقر أو التنمية الجهوية والعدالة الاجتماعية، في ظل حصره لمصادر التمويل في موارد الصلح الجزائي وإبقاءه على هيمنة السلطة التنفيذية.
كما يتجه مرسوم الشركات الأهلية فيما يهم العلاقة بالنشاط السياسي، نحو المنع والتجريم أكثر منه نحو تنظيمها وتوضيحها. فيقول في الفصل التاسع "يمنع على الشركات الأهلية ممارسة أي نشاط سياسي أو الانخراط في مسارات سياسية أو تمويلها"، وهو ما يجعل مساحات التأويل أوسع تشرعن لإلغاء كل أشكال التعبير السياسي إذ بإمكان المواقف والمقترحات والتدوينات والمداولات والنقاشات واختلافات الآراء والتصورات أن تصبح تعبيرا عن “الانخراط في مسارات سياسية” وبالتالي تكون مجرمة بالمرسوم.
ويخشى خبراء الاقتصاد، من استنساخ الرئيس قيس سعيد لتجارب فاشلة لحل معضلة البطالة والفقر والتوازن بين الجهات، خاصة أن تجربة الشركات الأهلية ستكون تجربة غير مسبوقة بالشكل الذي أتى به المرسوم والذي مازال يحمل عديد التساؤلات حول طبيعة هذه الشركات وما المنفعة التي يمكن أن تأتي بها.
ويعتبر الخبير الاقتصادي آرام بالحاج في تصريح إعلامي سابق، أن ربط إحداث الشركات الأهلية بتمويلات بالصلح الجزائي قد يؤخر الحلول المطروحة لسنوات إضافية مؤكدا أن اختصار الطريق يمكن أن يتم عبر تفعيل القانون المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني وإصدار النصوص الترتيبية الخاصة به.
في نفس الوقت يقول فوزي عبد الرحمان، وزير التشغيل السابق، أن عملية نقل الثروة من الأغنياء الفاسدين إلى الشعب عبر بعث الشركات الأهلية مشروع "هلامي" غير قابل للتحقيق. واعتبر أن الرئيس كان بإمكانه اعتماد أرضية قانونية جاهزة لاستيعاب العاطلين عن العمل عبر تفعيل قانون الاقتصاد التضامني والاجتماعي وإصدار أوامره الترتيبية، بدل الذهاب إلى إقرار آلية جديد يسيطر عليها عدم الوضوح. وأشار إلى أن قانون الاقتصاد التضامني والاجتماعي يمكن أن يساهم في سنواته الأولى بنحو 5 بالمائة في الناتج الداخلي الخام في حال انخراط الجهاز المصرفي في تمويله، مشيرا إلى أن العقلانية والواقعية تفرض على الرئيس وعلى حكومته النظر إلى هذا القانون قبل الشروع في تجارب غير محمودة العواقب.
وأضاف وزير التشغيل السابق في حديثه لأحد الصحف الالكترونية، أن تونس تحتاج اليوم إلى كل إمكانياتها لخلق ديناميكية في سوق العمل عبر السياسات النشيطة للتشغيل وتحسين القدرة التشغيلية لطالبي العمل وتحفيز المؤسسات الاقتصادية لتوظيف حاملي الشهادات العليا بشكل خاص باعتبار أنهم يمثلون النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل.