يبدو أنّ الثقافة الوطنية خلت طريقها وتراجعت منذ ثورة الخراب وما تلاها، حيث أضحت تنزل وتنزل إلى أن أصبحت رتيبة وبطيئة وذلك راجع إلى تحديد الحكومات وعدم إيمانها بالثقافة أصلا وبأهدافها وفلسفتها ودورها في المجتمع باعتبارها تخلق التّوازن لدى أفراده وتحرّرهم من ضواغط الحياة وقسوتها وتسلحهم بقيم أبناءه تجعلهم يعملون ويعيشون حياة ملؤها السعادة والطمأنينة وتأمين مستقبل آمن لهم ولكن غياب الإيمان بذلك جعل الثقافة تتعثّر وتتراجع، فخلال أكثر من عشرية لا نرى إنتاجا ذا بال وإبداعات خالدة وصار الوزراء يحاولون التكيف مع واقع البلاد غير المستقر والمتقلّب وفيهم من استسلم للعمل اليومي ودفع الحياة الثقافيّة دفعا بلا مخطّطات وتصميم أو تقييم ليعبد نفسه وقد انتهت مدّته وتغيّر لتتغيّر التوجّهات وهكذا الحالة. ووزارة الثقافة فيها ملفّات حارقه وكبيرة تتحكّم فيها لوبيات وجماعات ونقابات بعثت أخيرا لتزيد الطّين بلّة وبقيت دار لقمان على حالها ولم تعرف الوزارة وزيرا جريئا يحمل مشروعا رائدا يعمل على القطع مع الماضي ويجعل حدّا للتجاوزات الكثيرة والاخلالات المتعدّدة اذ صارت الترضيات ودخول السياسة عالم الثقافة من المبادئ التي يعمل بها كل وزير للثقافة وأصبحنا كمبدعين ومثقفين نحن إلى عهدي الشاذلي القليبي ومحمود المسعدي ذلك الرائدان واللذان أصّلا الثقافة وجعلاها موازية للتربية وتركت أثرها في شعب متعطش للمعرفة والثقافة، وأصبحت الدّولة الفتيّة تونس وقتها تبني مجدها التّربوي والثقافي وتكسب الرّهان عربيّا وإفريقيّا ومتوسطيا في تأصيل وطني مكين وتفتح في كلّ الاتجاهات فبعثت في كلّ بقاع الجمهوريّة مهرجانات محليّة ذات خصوصيّة تتوافق ومخزون الجهة الثقافي يرتبط بتقاليدها وارثها الحضاري والتاريخي الذي ينصهر كلّه في المنظومة الحضاريّة للبلاد التونسيّة، ولكن المهرجانات اليوم التّي تعدّدت بتعدّد الجمعيّات الثقافيّة واليوم أصبحت البلاد تغرق في خضم متلاطم للمهرجانات التّي أسندت كلّها إلى هيئات لجمعيات لم تتمثل إلى اليوم مسارات الثقافة وخصوصياتها ومتطلبات الجمهور التّونسية وحتى المهرجانات الدولية العريقة والتي التحقت بها بعض المهرجانات الجهوية لتنتزع صفه الدولة وهي الدولية وهي بعيده عن الصفة التي تريد أن تنازع فيها قرطاج والحمامات وغيرهما وهي قلّة حازت هذه من الصفة لأنّها عاشت حينا من الدّهر في المجد وتفوّقت حتى على بعض المهرجانات العالميّة. ولكنّنا في هذه السّنة لمسنا هبوطا لأقدم هذه المهرجانات لأنّها بمسيريها الحاليين الذين تنقصهم الخبرة والإبداع وأسرار التسيير جعلتهم يخرجون علينا ببرامج فجة وسطحية فقدت النكهة والطرافة والتمييز وأصبح التعاقد مع فرق وأشخاص فشلوا في تحقيق الأهداف الثقافية من إمتاع وتمرير رسائل تكون خادمة لغايات مجتمعية وإصلاحية وتحافظ على الذوق العام في غير إثاره أو تعد على القيم الجماعية والفردية وتنشئ الجمهور على حبّ الثقافة واعتناقها وتبنيها باعتبارها الجمال والأصالة والتفتح صارت هذه النتائج سلبية ومسيئة للجماهير والأفراد لتحطّ بهم في دوائر الإسفاف والترذيل في استبلاه للمجموعة وجري منتفع وراء التحصيل المادي للشخص الذي سيقوم بالعمل أو الفريق أو الوسيط والمنظم والمبرمج عند ذلك ضاع جوهر العمل الثقافي وتدحرج الإنتاج وهوى إلى سقوط مدو. وهذا كلّه في حضرة المسؤولين عن الثقافة وطنيا أو جهويا ولم تفتح هذه الملفات بجديّة كما أسلفنا ذلك وحتى إن حاول البعض ممن أرادوا الإصلاح فبقيت محاولاتهم قشرية وسطحية وفي تداول عديد الوزراء على هذه الوزارة ظلّت النّتائج تراوح مكانها وسارت نحو الانحدار وأذكر أنّ من أوائل وزراء الترويكا والذي كلّف بهذا المنصب من ذلك الذي أجهز على اللّجان الثقافيّة بجرّة قلم واستأصلها من المنظومة الثقافيّة بدعوى الفساد الذي كانت عليه ولم يدر أنّ الجمعيّات التّي بعثت هي أدعى للفساد ولعدم الهام أفرادها بخصوصيات العمليّة الثقافيّة وغياب برامجها وأصبحت هذه الجمعيّات لا رقيب لها ولا نذير لديها، مستقلّة لا تجتمع وليس لها منخرطون ولا يراقبها مؤطرون حسبها أن تبرمج ما تشاء ومتى تشاء في غياب لضوابط العمل وبرامجه المحليّه والجهويّه وتسعى الى المندوب الجهوي للشؤون الثقافيّة طالبة منه داعما ماديّا في برامج منتفخة لا دخل له فيها ولا في مضامينها وتقوم الجمعيّة بالبرنامج المزعوم لها في جمهور قليل قد تم اختياره واستدعاؤه وهو ضئيل فلا تفاعل مع هذه المضامين إن وجدت وهكذا دواليك، فإلى هذا الحدّ نزلت الثقافة وصارت عند غير المبدعين من أساسيّات يسيّرها شعراء الجرائد وقصائد تافهة حتى لفروع اتحاد الكتّاب بعديد الجهاد (قفصه نموذجا) وينال هذا الفرع رضا الهيكل الوطني رغم بقائه خارج تحديد مكتبه لخمس سنوات وقد أغمضت الهيئة المركزية بالعاصمة عينيها عن تجاوزات هذا الفرع وإخلالاته وهذا من جملة ما وصل إليه العمل الجمعياتي يجب أن يكون ويبقى نبيلا والمطلوب إعادة هيكلة عديد القطاعات الثقافية تكوينا وعملا وممارسة، وإرساء هياكل محلية وجهوية ووطنية بإعادة اللجان الثقافية وإعطاء صلاحيات لها أوسع، ومراقبتها وتأطيرها حتى يكون لمدير دار الثقافة دور إداري وتنشيطي وكذلك المندوب الجهوي للشؤون الثقافية فيبقى منسقا بين اللجان وإدارييه حتى تنكبّ هذه اللجان على بعث المشاريع الثقافية وبرمجتها وتبويبها وتجسيمها ومتابعتها وما على هؤلاء المديرين إلا أن يوفروا الأدوات والإمكانات اللوجستية والفضاءات والانصهار في هذه الأنشطة والتفتح على المحيط المدرسي والتلميذي في جلّ المؤسسات التربويّة في النصف الأخير من كل أسبوع وبعث نوادي ثقافيّة لاكتشاف البراعم لصقلها والإحاطة بها بالاستعانة بأساتذة التربية الموسيقية والتربية المسرحية والتربية التشكيلية لخلق التنافس بين هذه المؤسسات وانتقاء انتاجاتها وإبرازها للعموم من مربين وأولياء ورواد هذه الدور وخلق مباريات في نهاية كلّ ثلاثية مدرسيّة لتتوّج بدورة نهائيّة في آخر السنة وخلق نخبة متميزة تكون قادرة على الإبداع وإيجاد مبدعين في كلّ المجالات الثقافية عند ذلك تكون المؤسسة التربوية خير سند لدور الثقافة وخير صانعة لأجيال من المبدعين في كلّ الفنون وخير سند للمشاريع الثقافية والمهرجانات المحلية والجهوية والوطنية وقد استأنس الجميع بالممارسة الثقافية الحقّة فتصبح البلاد تعيش حقا تعبئة ثقافية تكون الجهات خلايا إبداع ناجح متأصل ومنفتح يقطع مع الارتجال والرداءة والأمية الثقافية التي خلقت فراغا استغلته قوى الإرهاب باستعماله الأطفال والشباب وبثهم في بؤر الفساد والجنوح والانحراف وتعبئتهم لتهديم أوطانهم والإساءة إليها باستمرار.
- إعلامي وكاتب - المتلوي
بقلم: المنصف الحميدي
يبدو أنّ الثقافة الوطنية خلت طريقها وتراجعت منذ ثورة الخراب وما تلاها، حيث أضحت تنزل وتنزل إلى أن أصبحت رتيبة وبطيئة وذلك راجع إلى تحديد الحكومات وعدم إيمانها بالثقافة أصلا وبأهدافها وفلسفتها ودورها في المجتمع باعتبارها تخلق التّوازن لدى أفراده وتحرّرهم من ضواغط الحياة وقسوتها وتسلحهم بقيم أبناءه تجعلهم يعملون ويعيشون حياة ملؤها السعادة والطمأنينة وتأمين مستقبل آمن لهم ولكن غياب الإيمان بذلك جعل الثقافة تتعثّر وتتراجع، فخلال أكثر من عشرية لا نرى إنتاجا ذا بال وإبداعات خالدة وصار الوزراء يحاولون التكيف مع واقع البلاد غير المستقر والمتقلّب وفيهم من استسلم للعمل اليومي ودفع الحياة الثقافيّة دفعا بلا مخطّطات وتصميم أو تقييم ليعبد نفسه وقد انتهت مدّته وتغيّر لتتغيّر التوجّهات وهكذا الحالة. ووزارة الثقافة فيها ملفّات حارقه وكبيرة تتحكّم فيها لوبيات وجماعات ونقابات بعثت أخيرا لتزيد الطّين بلّة وبقيت دار لقمان على حالها ولم تعرف الوزارة وزيرا جريئا يحمل مشروعا رائدا يعمل على القطع مع الماضي ويجعل حدّا للتجاوزات الكثيرة والاخلالات المتعدّدة اذ صارت الترضيات ودخول السياسة عالم الثقافة من المبادئ التي يعمل بها كل وزير للثقافة وأصبحنا كمبدعين ومثقفين نحن إلى عهدي الشاذلي القليبي ومحمود المسعدي ذلك الرائدان واللذان أصّلا الثقافة وجعلاها موازية للتربية وتركت أثرها في شعب متعطش للمعرفة والثقافة، وأصبحت الدّولة الفتيّة تونس وقتها تبني مجدها التّربوي والثقافي وتكسب الرّهان عربيّا وإفريقيّا ومتوسطيا في تأصيل وطني مكين وتفتح في كلّ الاتجاهات فبعثت في كلّ بقاع الجمهوريّة مهرجانات محليّة ذات خصوصيّة تتوافق ومخزون الجهة الثقافي يرتبط بتقاليدها وارثها الحضاري والتاريخي الذي ينصهر كلّه في المنظومة الحضاريّة للبلاد التونسيّة، ولكن المهرجانات اليوم التّي تعدّدت بتعدّد الجمعيّات الثقافيّة واليوم أصبحت البلاد تغرق في خضم متلاطم للمهرجانات التّي أسندت كلّها إلى هيئات لجمعيات لم تتمثل إلى اليوم مسارات الثقافة وخصوصياتها ومتطلبات الجمهور التّونسية وحتى المهرجانات الدولية العريقة والتي التحقت بها بعض المهرجانات الجهوية لتنتزع صفه الدولة وهي الدولية وهي بعيده عن الصفة التي تريد أن تنازع فيها قرطاج والحمامات وغيرهما وهي قلّة حازت هذه من الصفة لأنّها عاشت حينا من الدّهر في المجد وتفوّقت حتى على بعض المهرجانات العالميّة. ولكنّنا في هذه السّنة لمسنا هبوطا لأقدم هذه المهرجانات لأنّها بمسيريها الحاليين الذين تنقصهم الخبرة والإبداع وأسرار التسيير جعلتهم يخرجون علينا ببرامج فجة وسطحية فقدت النكهة والطرافة والتمييز وأصبح التعاقد مع فرق وأشخاص فشلوا في تحقيق الأهداف الثقافية من إمتاع وتمرير رسائل تكون خادمة لغايات مجتمعية وإصلاحية وتحافظ على الذوق العام في غير إثاره أو تعد على القيم الجماعية والفردية وتنشئ الجمهور على حبّ الثقافة واعتناقها وتبنيها باعتبارها الجمال والأصالة والتفتح صارت هذه النتائج سلبية ومسيئة للجماهير والأفراد لتحطّ بهم في دوائر الإسفاف والترذيل في استبلاه للمجموعة وجري منتفع وراء التحصيل المادي للشخص الذي سيقوم بالعمل أو الفريق أو الوسيط والمنظم والمبرمج عند ذلك ضاع جوهر العمل الثقافي وتدحرج الإنتاج وهوى إلى سقوط مدو. وهذا كلّه في حضرة المسؤولين عن الثقافة وطنيا أو جهويا ولم تفتح هذه الملفات بجديّة كما أسلفنا ذلك وحتى إن حاول البعض ممن أرادوا الإصلاح فبقيت محاولاتهم قشرية وسطحية وفي تداول عديد الوزراء على هذه الوزارة ظلّت النّتائج تراوح مكانها وسارت نحو الانحدار وأذكر أنّ من أوائل وزراء الترويكا والذي كلّف بهذا المنصب من ذلك الذي أجهز على اللّجان الثقافيّة بجرّة قلم واستأصلها من المنظومة الثقافيّة بدعوى الفساد الذي كانت عليه ولم يدر أنّ الجمعيّات التّي بعثت هي أدعى للفساد ولعدم الهام أفرادها بخصوصيات العمليّة الثقافيّة وغياب برامجها وأصبحت هذه الجمعيّات لا رقيب لها ولا نذير لديها، مستقلّة لا تجتمع وليس لها منخرطون ولا يراقبها مؤطرون حسبها أن تبرمج ما تشاء ومتى تشاء في غياب لضوابط العمل وبرامجه المحليّه والجهويّه وتسعى الى المندوب الجهوي للشؤون الثقافيّة طالبة منه داعما ماديّا في برامج منتفخة لا دخل له فيها ولا في مضامينها وتقوم الجمعيّة بالبرنامج المزعوم لها في جمهور قليل قد تم اختياره واستدعاؤه وهو ضئيل فلا تفاعل مع هذه المضامين إن وجدت وهكذا دواليك، فإلى هذا الحدّ نزلت الثقافة وصارت عند غير المبدعين من أساسيّات يسيّرها شعراء الجرائد وقصائد تافهة حتى لفروع اتحاد الكتّاب بعديد الجهاد (قفصه نموذجا) وينال هذا الفرع رضا الهيكل الوطني رغم بقائه خارج تحديد مكتبه لخمس سنوات وقد أغمضت الهيئة المركزية بالعاصمة عينيها عن تجاوزات هذا الفرع وإخلالاته وهذا من جملة ما وصل إليه العمل الجمعياتي يجب أن يكون ويبقى نبيلا والمطلوب إعادة هيكلة عديد القطاعات الثقافية تكوينا وعملا وممارسة، وإرساء هياكل محلية وجهوية ووطنية بإعادة اللجان الثقافية وإعطاء صلاحيات لها أوسع، ومراقبتها وتأطيرها حتى يكون لمدير دار الثقافة دور إداري وتنشيطي وكذلك المندوب الجهوي للشؤون الثقافية فيبقى منسقا بين اللجان وإدارييه حتى تنكبّ هذه اللجان على بعث المشاريع الثقافية وبرمجتها وتبويبها وتجسيمها ومتابعتها وما على هؤلاء المديرين إلا أن يوفروا الأدوات والإمكانات اللوجستية والفضاءات والانصهار في هذه الأنشطة والتفتح على المحيط المدرسي والتلميذي في جلّ المؤسسات التربويّة في النصف الأخير من كل أسبوع وبعث نوادي ثقافيّة لاكتشاف البراعم لصقلها والإحاطة بها بالاستعانة بأساتذة التربية الموسيقية والتربية المسرحية والتربية التشكيلية لخلق التنافس بين هذه المؤسسات وانتقاء انتاجاتها وإبرازها للعموم من مربين وأولياء ورواد هذه الدور وخلق مباريات في نهاية كلّ ثلاثية مدرسيّة لتتوّج بدورة نهائيّة في آخر السنة وخلق نخبة متميزة تكون قادرة على الإبداع وإيجاد مبدعين في كلّ المجالات الثقافية عند ذلك تكون المؤسسة التربوية خير سند لدور الثقافة وخير صانعة لأجيال من المبدعين في كلّ الفنون وخير سند للمشاريع الثقافية والمهرجانات المحلية والجهوية والوطنية وقد استأنس الجميع بالممارسة الثقافية الحقّة فتصبح البلاد تعيش حقا تعبئة ثقافية تكون الجهات خلايا إبداع ناجح متأصل ومنفتح يقطع مع الارتجال والرداءة والأمية الثقافية التي خلقت فراغا استغلته قوى الإرهاب باستعماله الأطفال والشباب وبثهم في بؤر الفساد والجنوح والانحراف وتعبئتهم لتهديم أوطانهم والإساءة إليها باستمرار.