إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

هل تم قبر توصيات هيئة الحقيقة والكرامة.. وطي ملف العدالة الانتقالية نهائيا؟

تونس-الصباح:

بعد مرور أكثر من أربع سنوات عن انطلاق عمل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، وعن صدور الأمر الترتيبي المتعلق بإحداث صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد، وأكثر من سنتين عن تاريخ نشر التقرير الختامي الشامل لهيئة الحقيقة والكرامة، يتساءل المعنيون بملف العدالة الانتقالية هل يتجه رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى طمس مسار العدالة الانتقالية نهائيا؟ لأن دستور 25 جويلية الجديد لم يتعرض إلى هذا المسار بل أنه ألغى ما جاء في باب الأحكام الانتقالية بدستور 2014 من إلزام للدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها وفي المدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها ومن رفض الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن..  ولأن الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية لم تبت إلى حد الآن في أي ملف من الملفات المعروضة على أنظارها.. ولأن الفصل 70  من القانون الأساسي عدد 53 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها لم ينفذ، وهو فصل ألزم الحكومة بإعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات الواردة  في التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة وأوكل لمجلس نواب الشعب مهمة مراقبة مدى تنفيذ تلك الخطة وبرنامج العمل.. وليس هذا فقط بل لأنه لم يقع استكمال الإجراءات الخاصة بصندوق الكرامة ورد الاعتبار المحدث بمقتضى الفصل 93 من قانون المالية لسنة 2014 والذي نص على أن تتكون موارد الصندوق من نسبة من الأموال الراجعة لميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة بمقتضى الفصل 45 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، وتضبط هذه النسبة بقرار من رئيس الحكومة، وتتأتى موارد الصندوق كذلك من الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة، وكل المصادر الأخرى التي يمكن رصدها لفائدته ونص قانون المالية المذكور على أن ترصد إعتمادات من ميزانية الدولة عند فتح الصندوق في حدود 10 مليون دينار وعلى أن يتولى الصندوق المساهمة في جبر الضرر والتكفل بالتعويض لضحايا الاستبداد.

أسامة بوعجيلة المسؤول عن المناصرة والحملات بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب قال في تصريح لـ"الصباح" إنه لا يمكن الحديث عن مسار العدالة الانتقالية وعن الدوائر القضائية المتخصصة وعن مآل تقرير هيئة الحقيقة والكرامة بمعزل عن سياق  سياسي كامل تعيشه البلاد،  وأضاف أنه لا يمكن تغييب ملف الحركة القضائية ، وحملات التشويه المتواصلة التي تقوم بها السلطة السياسية القائمة تجاه القضاة والسلطة القضائية بشكل عام، وتوجهاتها البعيدة كل البعد عن ضمانات استقلال القضاء من جهة وضمانات حقوق المتقاضين من جهة أخرى. وأشار إلى أنه في هذا السياق نفسه توجد اليوم عدة ملفات أمام الدوائر القضائية المتخصصة مثل ملفات نبيل بركاتي ورشاد جعيدان والحركة اليوسفية وأحداث الخبز وغيرها، وكل ما يريده المجتمع المدني والمعنيون بالعدالة الانتقالية هو أن تصدر هذه الدوائر أحكامها، وأضاف أنهم يدينون أي تدخل سياسي في العمل القضائي فهذا التدخل مرفوض من الناحية المبدئية ومرفوض لأنه يجعل عمل الدوائر المتخصصة عسيرا. ولاحظ أنه منذ انطلاق مسار 25 جويلية 2021 أصبحت الدوائر المتخصصة تعمل في سياق سياسي صعب. وذكر أنه لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى سحب العدالة الانتقالية من الدستور الجديد، فدستور 25 جويلية خال من عبارة عدالة انتقالية وهو ما يكشف موقف السلطة الحالية المناهض للعدالة الانتقالية والحال أن العدالة الانتقالية هي مسار متكامل ومترابط الحلقات ينطلق من كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان مرورا بمساءلة مرتكبيها ومحاسبتهم فجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم وكذلك إصلاح المؤسسات بطريقة تشاركية وبالاستئناس بخبرات أهل الاختصاص وذلك لتلافي عودة المؤسسات إلى ارتكاب نفس الانتهاكات ووصولا إلى المصالحة الحقيقية.

وأشار بوعيجلة إلى أنه إضافة إلى إلغاء العدالة الانتقالية من الدستور الجديد هناك عدة مؤشرات توحي بأن النظام في تونس هو نظام ضد مسار العدالة الانتقالية وأهمها المرسوم المقترح من قبل رئيس الجمهورية والمتعلق بالصلح الجزائي. واستدرك موضحا أن الخطر المحدق بالعدالة الانتقالية كان قائما قبل 25 جويلية وتواصل بعد 25 جويلية، وذكر أنه تكفي الإشارة إلى أن الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية انطلقت في أعمالها منذ سنة 2018 وهي منذ ذلك التاريخ تواجه العراقيل والمشاكل من قبيل عدم تبليغ الاستدعاءات للمسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات وكذلك دعوات بعض النقابات الأمنية إلى مقاطعة مسار العدالة الانتقالية، والأخطر من كل هذا ما يحدث اليوم من تدخل في الشأن القضائي واستهداف للمعارضين لاستهداف السلطة القضائية والقضاة على غرار رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي الذي تم مؤخرا رفع الحصانة عنه.

وقال المسؤول عن المناصرة والحملات بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إن القضاء يعيش اليوم أسوء حالاته، وأضاف مبينا أن الجميع متفقون على ضرورة إصلاح القضاء ولكن لا بد من التسلح بالأدوات اللازمة للإصلاح لعل أهمها اعتماد مبادئ الشفافية والتشاركية مع الأطراف المعنية باستقلالية القضاء.

وبين بوعجيلة أنه من المؤشرات الأخرى على غياب الإرادة السياسية في المضي في استكمال مسار العدالة الانتقالية، تجاهل مخرجات تقرير هيئة الحقيقة والكرامة.. فهذا التقرير بما تضمنه من توصيات بقي حبرا على ورق لأن الإرادة السياسية لتفعيله غير موجودة، وهذه الإرادة لم تكن موجودة قبل 25 جويلية لأنه كانت هناك حالة من التعفن السياسي وطغيان للحسابات السياسية الضيقة وحتى بعد 25 جويلية فإن التدخل الذي تم لم يكن لغاية الإصلاح وإنما كان بهدف استهداف المعارضين، وأشار إلى أنه بعد 25 جويلية بدا واضحا للعيان أن هناك إحجام عن الخوض في مسألة الإفلات من العقاب بهدف وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان. ويعتبر المسؤول عن المناصرة والحملات بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب أن إبقاء تقرير هيئة الحقيقة والكرامة الصادر بالرائد الرسمي في الرفوف رغم تضمنه العديد من التوصيات المتعلقة بكيفية إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية والاقتصادية والمالية والتوصيات المتعلقة بملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مؤسف، وذكر أنه من غير المنطقي أن يترك النظام  الحالي كل هذه المقترحات العملية الهادفة إلى إصلاح المؤسسات جانبا ويتوخى مقاربة اقصائية أحادية نتائجها واضحة مسبقا.

انتكاسة

أما مكرم الحجري الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية لمناضلي اليسار فأشار إلى أنه لا يمكن الحديث اليوم عن العدالة الانتقالية في ظل الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والذي يقتضي جعله في صدارة الأولويات من أجل إنقاذ تونس من المخاطر المحدقة بها وفي مقدمتها عودة الديكتاتورية ومنظومة الاستبداد. وذكر أنه لا يمكن التغاضي عما حدث منذ 25 جويلية 2021 من استشارة وطنية واستفتاء ومراسيم ومن جنوح إلى الحكم الفردي ومن تضييق على الحقوق والحريات فالأولوية إذن، حسب رأيه هي صد هذا التيار الجارف من أجل أن تعود الأمور إلى نصابها ومن أجل استئناف مسار العدالة الانتقالية المعطل وتنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة.

كما أشار الحجري إلى أن الجمعيات والمنظمات المعنية بالعدالة الانتقالية مازالت تواصل الاشتغال مع بعضها البعض على ملف العدالة الانتقالية إذ يوجد ائتلاف مدني معني بالعدالة الانتقالية وهو متمسك بمسار العدالة الانتقالية و لن يتنازل عن حقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وأضاف محدثنا أنه إضافة إلى استنكار عدم تفعيل توصيات هيئة الحقيقة والكرامة فإن المشمولين بالعدالة الانتقالية قلقون جدا لما يتعرض له قضاة الدوائر القضائية المتخصصة من تضييقات وضغوطات فضلا عن النقل لأنه في كل سنة قضائية يقع تكوين قضاة هذه الدوائر في مجالات العدالة الانتقالية ولكن بعد التكوين وبمجرد انطلاقهم في العمل سرعان ما تأتي الحركة القضائية بقضاة جدد لهذه الدوائر أما القضاة القدامى الذين تم تكوينهم فيقع نقلهم إلى محاكم أخرى.

وقال الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية لمناضلي اليسار إن الأمر لا يقتصر على مشكلة عدم الاستقرار في تركيبة الدوائر الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية نتيجة الحركة القضائية السنوية، وإنما يتجاوزه إلى مشكل أعمق مرده رفض أغلب المنسوب إليهم الانتهاكات الامتثال أمام القضاء وخاصة المنتسبين منهم للأسلاك الأمنية، وهو ما يدل على وجود إرادة واضحة للإفلات من العقاب وأكبر مثال على ذلك عدم البت في أي قضية إلى حد الآن رغم مرور أكثر من أربع سنوات عن انطلاق أعمال الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية وفي مقدمتها قضية الشهيد نبيل بركاتي.. وذكر أنه يتمنى أن يصدر ولو حكم واحد بإدانة من قتلوا أناس تحت التعذيب ونكلوا بهم ولكن حتى هذه الأمنية باتت صعبة التحقيق أمام وجود سياسة دولة تكرس الإفلات من العقاب وأمام وجود إعلام يفتح المنابر لأناس يتطاولون على المناضلين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأمام وجود ضغوطات على القضاء.

وباستفساره عن مسألة التعويضات التي تحصل عليها المشمولون بالعدالة الانتقالية أجاب مكرم الحجري أنه لا بد من وضع حد نهائي للمغالطات، ولا بد من كشف الحقيقة لأن التعويضات على حد وصفه كذبة. وفسر أن هناك من تحصلوا فعلا عن طريق بعض الجمعيات على مساعدات لكن لا توجد تعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الاستبداد تمت بطرق قانونية، وذكر أنه في فترة حكم الترويكا ولما كان سمير ديلو وزيرا لحقوق الانسان تم صرف مساعدات مالية في شكل تسبقة وتم القيام بانتدابات في الوظيفة العمومية لكن هذا الأمر شمل أناس دون آخرين أي أن القرار الذي تم اتخاذه وقتها لم يشمل جميع الضحايا وإنما استفادت منه فئة معينة.

سعيدة بوهلال

هل تم قبر توصيات هيئة الحقيقة والكرامة.. وطي ملف العدالة الانتقالية نهائيا؟

تونس-الصباح:

بعد مرور أكثر من أربع سنوات عن انطلاق عمل الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، وعن صدور الأمر الترتيبي المتعلق بإحداث صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد، وأكثر من سنتين عن تاريخ نشر التقرير الختامي الشامل لهيئة الحقيقة والكرامة، يتساءل المعنيون بملف العدالة الانتقالية هل يتجه رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى طمس مسار العدالة الانتقالية نهائيا؟ لأن دستور 25 جويلية الجديد لم يتعرض إلى هذا المسار بل أنه ألغى ما جاء في باب الأحكام الانتقالية بدستور 2014 من إلزام للدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها وفي المدة الزمنية المحددة بالتشريع المتعلق بها ومن رفض الدفع بعدم رجعية القوانين أو بوجود عفو سابق أو بحجية اتصال القضاء أو بسقوط الجريمة أو العقاب بمرور الزمن..  ولأن الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية لم تبت إلى حد الآن في أي ملف من الملفات المعروضة على أنظارها.. ولأن الفصل 70  من القانون الأساسي عدد 53 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها لم ينفذ، وهو فصل ألزم الحكومة بإعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات الواردة  في التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة وأوكل لمجلس نواب الشعب مهمة مراقبة مدى تنفيذ تلك الخطة وبرنامج العمل.. وليس هذا فقط بل لأنه لم يقع استكمال الإجراءات الخاصة بصندوق الكرامة ورد الاعتبار المحدث بمقتضى الفصل 93 من قانون المالية لسنة 2014 والذي نص على أن تتكون موارد الصندوق من نسبة من الأموال الراجعة لميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة بمقتضى الفصل 45 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، وتضبط هذه النسبة بقرار من رئيس الحكومة، وتتأتى موارد الصندوق كذلك من الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة، وكل المصادر الأخرى التي يمكن رصدها لفائدته ونص قانون المالية المذكور على أن ترصد إعتمادات من ميزانية الدولة عند فتح الصندوق في حدود 10 مليون دينار وعلى أن يتولى الصندوق المساهمة في جبر الضرر والتكفل بالتعويض لضحايا الاستبداد.

أسامة بوعجيلة المسؤول عن المناصرة والحملات بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب قال في تصريح لـ"الصباح" إنه لا يمكن الحديث عن مسار العدالة الانتقالية وعن الدوائر القضائية المتخصصة وعن مآل تقرير هيئة الحقيقة والكرامة بمعزل عن سياق  سياسي كامل تعيشه البلاد،  وأضاف أنه لا يمكن تغييب ملف الحركة القضائية ، وحملات التشويه المتواصلة التي تقوم بها السلطة السياسية القائمة تجاه القضاة والسلطة القضائية بشكل عام، وتوجهاتها البعيدة كل البعد عن ضمانات استقلال القضاء من جهة وضمانات حقوق المتقاضين من جهة أخرى. وأشار إلى أنه في هذا السياق نفسه توجد اليوم عدة ملفات أمام الدوائر القضائية المتخصصة مثل ملفات نبيل بركاتي ورشاد جعيدان والحركة اليوسفية وأحداث الخبز وغيرها، وكل ما يريده المجتمع المدني والمعنيون بالعدالة الانتقالية هو أن تصدر هذه الدوائر أحكامها، وأضاف أنهم يدينون أي تدخل سياسي في العمل القضائي فهذا التدخل مرفوض من الناحية المبدئية ومرفوض لأنه يجعل عمل الدوائر المتخصصة عسيرا. ولاحظ أنه منذ انطلاق مسار 25 جويلية 2021 أصبحت الدوائر المتخصصة تعمل في سياق سياسي صعب. وذكر أنه لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى سحب العدالة الانتقالية من الدستور الجديد، فدستور 25 جويلية خال من عبارة عدالة انتقالية وهو ما يكشف موقف السلطة الحالية المناهض للعدالة الانتقالية والحال أن العدالة الانتقالية هي مسار متكامل ومترابط الحلقات ينطلق من كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان مرورا بمساءلة مرتكبيها ومحاسبتهم فجبر ضرر الضحايا ورد الاعتبار لهم وكذلك إصلاح المؤسسات بطريقة تشاركية وبالاستئناس بخبرات أهل الاختصاص وذلك لتلافي عودة المؤسسات إلى ارتكاب نفس الانتهاكات ووصولا إلى المصالحة الحقيقية.

وأشار بوعيجلة إلى أنه إضافة إلى إلغاء العدالة الانتقالية من الدستور الجديد هناك عدة مؤشرات توحي بأن النظام في تونس هو نظام ضد مسار العدالة الانتقالية وأهمها المرسوم المقترح من قبل رئيس الجمهورية والمتعلق بالصلح الجزائي. واستدرك موضحا أن الخطر المحدق بالعدالة الانتقالية كان قائما قبل 25 جويلية وتواصل بعد 25 جويلية، وذكر أنه تكفي الإشارة إلى أن الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية انطلقت في أعمالها منذ سنة 2018 وهي منذ ذلك التاريخ تواجه العراقيل والمشاكل من قبيل عدم تبليغ الاستدعاءات للمسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات وكذلك دعوات بعض النقابات الأمنية إلى مقاطعة مسار العدالة الانتقالية، والأخطر من كل هذا ما يحدث اليوم من تدخل في الشأن القضائي واستهداف للمعارضين لاستهداف السلطة القضائية والقضاة على غرار رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي الذي تم مؤخرا رفع الحصانة عنه.

وقال المسؤول عن المناصرة والحملات بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إن القضاء يعيش اليوم أسوء حالاته، وأضاف مبينا أن الجميع متفقون على ضرورة إصلاح القضاء ولكن لا بد من التسلح بالأدوات اللازمة للإصلاح لعل أهمها اعتماد مبادئ الشفافية والتشاركية مع الأطراف المعنية باستقلالية القضاء.

وبين بوعجيلة أنه من المؤشرات الأخرى على غياب الإرادة السياسية في المضي في استكمال مسار العدالة الانتقالية، تجاهل مخرجات تقرير هيئة الحقيقة والكرامة.. فهذا التقرير بما تضمنه من توصيات بقي حبرا على ورق لأن الإرادة السياسية لتفعيله غير موجودة، وهذه الإرادة لم تكن موجودة قبل 25 جويلية لأنه كانت هناك حالة من التعفن السياسي وطغيان للحسابات السياسية الضيقة وحتى بعد 25 جويلية فإن التدخل الذي تم لم يكن لغاية الإصلاح وإنما كان بهدف استهداف المعارضين، وأشار إلى أنه بعد 25 جويلية بدا واضحا للعيان أن هناك إحجام عن الخوض في مسألة الإفلات من العقاب بهدف وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان. ويعتبر المسؤول عن المناصرة والحملات بالمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب أن إبقاء تقرير هيئة الحقيقة والكرامة الصادر بالرائد الرسمي في الرفوف رغم تضمنه العديد من التوصيات المتعلقة بكيفية إصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية والاقتصادية والمالية والتوصيات المتعلقة بملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مؤسف، وذكر أنه من غير المنطقي أن يترك النظام  الحالي كل هذه المقترحات العملية الهادفة إلى إصلاح المؤسسات جانبا ويتوخى مقاربة اقصائية أحادية نتائجها واضحة مسبقا.

انتكاسة

أما مكرم الحجري الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية لمناضلي اليسار فأشار إلى أنه لا يمكن الحديث اليوم عن العدالة الانتقالية في ظل الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والذي يقتضي جعله في صدارة الأولويات من أجل إنقاذ تونس من المخاطر المحدقة بها وفي مقدمتها عودة الديكتاتورية ومنظومة الاستبداد. وذكر أنه لا يمكن التغاضي عما حدث منذ 25 جويلية 2021 من استشارة وطنية واستفتاء ومراسيم ومن جنوح إلى الحكم الفردي ومن تضييق على الحقوق والحريات فالأولوية إذن، حسب رأيه هي صد هذا التيار الجارف من أجل أن تعود الأمور إلى نصابها ومن أجل استئناف مسار العدالة الانتقالية المعطل وتنفيذ توصيات هيئة الحقيقة والكرامة.

كما أشار الحجري إلى أن الجمعيات والمنظمات المعنية بالعدالة الانتقالية مازالت تواصل الاشتغال مع بعضها البعض على ملف العدالة الانتقالية إذ يوجد ائتلاف مدني معني بالعدالة الانتقالية وهو متمسك بمسار العدالة الانتقالية و لن يتنازل عن حقوق ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وأضاف محدثنا أنه إضافة إلى استنكار عدم تفعيل توصيات هيئة الحقيقة والكرامة فإن المشمولين بالعدالة الانتقالية قلقون جدا لما يتعرض له قضاة الدوائر القضائية المتخصصة من تضييقات وضغوطات فضلا عن النقل لأنه في كل سنة قضائية يقع تكوين قضاة هذه الدوائر في مجالات العدالة الانتقالية ولكن بعد التكوين وبمجرد انطلاقهم في العمل سرعان ما تأتي الحركة القضائية بقضاة جدد لهذه الدوائر أما القضاة القدامى الذين تم تكوينهم فيقع نقلهم إلى محاكم أخرى.

وقال الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية لمناضلي اليسار إن الأمر لا يقتصر على مشكلة عدم الاستقرار في تركيبة الدوائر الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية نتيجة الحركة القضائية السنوية، وإنما يتجاوزه إلى مشكل أعمق مرده رفض أغلب المنسوب إليهم الانتهاكات الامتثال أمام القضاء وخاصة المنتسبين منهم للأسلاك الأمنية، وهو ما يدل على وجود إرادة واضحة للإفلات من العقاب وأكبر مثال على ذلك عدم البت في أي قضية إلى حد الآن رغم مرور أكثر من أربع سنوات عن انطلاق أعمال الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية وفي مقدمتها قضية الشهيد نبيل بركاتي.. وذكر أنه يتمنى أن يصدر ولو حكم واحد بإدانة من قتلوا أناس تحت التعذيب ونكلوا بهم ولكن حتى هذه الأمنية باتت صعبة التحقيق أمام وجود سياسة دولة تكرس الإفلات من العقاب وأمام وجود إعلام يفتح المنابر لأناس يتطاولون على المناضلين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأمام وجود ضغوطات على القضاء.

وباستفساره عن مسألة التعويضات التي تحصل عليها المشمولون بالعدالة الانتقالية أجاب مكرم الحجري أنه لا بد من وضع حد نهائي للمغالطات، ولا بد من كشف الحقيقة لأن التعويضات على حد وصفه كذبة. وفسر أن هناك من تحصلوا فعلا عن طريق بعض الجمعيات على مساعدات لكن لا توجد تعويضات لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الاستبداد تمت بطرق قانونية، وذكر أنه في فترة حكم الترويكا ولما كان سمير ديلو وزيرا لحقوق الانسان تم صرف مساعدات مالية في شكل تسبقة وتم القيام بانتدابات في الوظيفة العمومية لكن هذا الأمر شمل أناس دون آخرين أي أن القرار الذي تم اتخاذه وقتها لم يشمل جميع الضحايا وإنما استفادت منه فئة معينة.

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews