إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. التطرف لا جغرافية له

يكتبها: محمد معمري

هل كان فوز اليمين المتطرف بقيادة حزب "إخوة إيطاليا " (Fratelli d’italia ) مفاجئا للمتابعين للشأن السياسي الدولي؟، أعتقد لا، فالمتابع القريب للأدبيات السياسية في العالم الغربي يلاحظ صعودا للأحزاب الشعبوية والأحزاب اليمينية المتطرفة وقد يُفسر ذلك بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وحالة عدم الأمن والاطمئنان التي يعيشها سكان المعمورة شمالا وجنوبا، فهذه الأزمة ولدت حالة من القلق الاجتماعي لم تنجح الطبقة السياسية التقليدية في امتصاصه لتتحول الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب ذات النزعة الشعبوية من الهامش في سنوات التسعينات وحتى بداية الألفية الجديدة إلى قطب العملية السياسية في السنوات الأخيرة معتمدة على مقولات أساسية تجد ترحابا لدى فئة هامة من الناخبين تحاول البحث عن تفسير للوضع الذي تعيشه، لتجد هذا التفسير لدى هذه الأحزاب المعادية للأجانب وللهجرة معتبرة إياهم السبب الرئيسي في البطالة التي تعرفها دولة الرفاه التي يعيشون فيها وسببا في انتشار الجريمة، وهو شعور يولد حالة من الانكماش على الذات ومحاولة صونها من كل دخيل لذلك تركز هذه الأحزاب على الصفاء الاثني المهدد من الاثنيات الزاحفة في حركة هجرة غير نظامية كبيرة، يضاف إلى ذلك المعطى الديني فهذه الأحزاب ترى أن المسيحية مهددة من قبل الإسلام الزاحف مع المهاجرين غير النظاميين .

هذه المعطيات يمكن استنتاجها من تعريف زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" جورجيا ميلوني التي تقدم نفسها في كتابها "أنا جورجيا جذوري وأفكاري" (Io sono Giorgia ,Le mie radici ,Le mie idee ) بالتأكيد على أنها امرأة وأم وايطالية مسيحية معتزة بايطاليتها وبتاريخها بما فيه تاريخ موسوليني الذي يعتبره البعض نقطة سوداء فى تاريخ ايطاليا، وهي تحرص على تحشيد أنصارها من خلال الدعوة إلى بناء ايطاليا قوية مثلما كانت في تاريخها قبل أن يتولى إدارتها بعض السياسيين الفاشلين ،خطاب يلقى صدى لدى الايطاليين لينجح هذا الحزب في الفوز بالانتخابات التشريعية الايطالية لسنة 2022 بعد أن كان في آخر انتخابات لا يتعدى ثقله الانتخابي 1.3 بالمائة من أًصوات الناخبين وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول هذه التحولات الكبرى والتي من المنتظر أن تعرفها بعض الدول الأوروبية الأخرى وخاصة فرنسا وبلجيكا .

ردة الفعل التونسية على هذا الفوز تتمثل في بعض التخوفات من ارتدادات هذا التحول السياسي الايطالي على تونس خاصة وأن إيطاليا تعد شريكا اقتصاديا هاما، وأعتقد أن هذه التخوفات في الجانب الاقتصادي مبالغ فيها بل على عكس أنتظر شخصيا انتعاشة في التبادلات الاقتصادية التونسية الايطالية لأن مثل هذه الأحزاب اليمينية تؤمن بفكرة ضرورة ضمان الاستقرار للدول المجاورة تجنبا لتبعات كل اضطرابات ممكنة قد ترفع من منسوب الهجرة غير النظامية بشكل كبير .

ولندع اليمين المتطرف في ايطاليا وما يحمله من أفكار معادية للمهاجرين تصل إلى حدّ العنصرية ونطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل نحن أو البعض منا نحب الأجانب المقيمين في تونس؟ وهل نحن أو البعض منا  لسنا عنصريين؟ الجواب لا، لأنه رغم أن تونس ألغت العبودية سنة 1846 عن طريق قانون أحمد باشا باي لكن ثقافيا ظلت هناك ترسبات للثقافة العنصرية تبرز لدى البعض منا فى تعاملهم مع المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء ،كما برزت خلال لقاء كرة القدم بين تونس والبرازيل هذا الأسبوع وتلك الحادثة المخزية المتمثلة في رمي لاعب برازيلي بقشرة موز تشبيها له بالقرد، الطريف في الأمر أن سعر الموز في تونس ثمانية دنانير وأن جلّ التونسيين يتمنون إسعاد أبنائهم برطل منه ولا يستطيعون .

التغيير يجب أن يكون ثقافيا في جنوب المتوسط كما في شماله فالتطرف لا تحيز جغرافي له، وليس بسن القوانين نقاومه فالتخلص من الأفكار المتطرفة يمينا أو يسارا يتطلب عملا في عمق الشخصية يبدأ من التربية الأسرية وصولا إلى مراكز التعليم وغيرها من البضائع الرمزية مثل الأعمال الروائية والمسرحية والسينمائية والدرامية ...

صباح الجمعة.. التطرف لا جغرافية له

يكتبها: محمد معمري

هل كان فوز اليمين المتطرف بقيادة حزب "إخوة إيطاليا " (Fratelli d’italia ) مفاجئا للمتابعين للشأن السياسي الدولي؟، أعتقد لا، فالمتابع القريب للأدبيات السياسية في العالم الغربي يلاحظ صعودا للأحزاب الشعبوية والأحزاب اليمينية المتطرفة وقد يُفسر ذلك بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وحالة عدم الأمن والاطمئنان التي يعيشها سكان المعمورة شمالا وجنوبا، فهذه الأزمة ولدت حالة من القلق الاجتماعي لم تنجح الطبقة السياسية التقليدية في امتصاصه لتتحول الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب ذات النزعة الشعبوية من الهامش في سنوات التسعينات وحتى بداية الألفية الجديدة إلى قطب العملية السياسية في السنوات الأخيرة معتمدة على مقولات أساسية تجد ترحابا لدى فئة هامة من الناخبين تحاول البحث عن تفسير للوضع الذي تعيشه، لتجد هذا التفسير لدى هذه الأحزاب المعادية للأجانب وللهجرة معتبرة إياهم السبب الرئيسي في البطالة التي تعرفها دولة الرفاه التي يعيشون فيها وسببا في انتشار الجريمة، وهو شعور يولد حالة من الانكماش على الذات ومحاولة صونها من كل دخيل لذلك تركز هذه الأحزاب على الصفاء الاثني المهدد من الاثنيات الزاحفة في حركة هجرة غير نظامية كبيرة، يضاف إلى ذلك المعطى الديني فهذه الأحزاب ترى أن المسيحية مهددة من قبل الإسلام الزاحف مع المهاجرين غير النظاميين .

هذه المعطيات يمكن استنتاجها من تعريف زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" جورجيا ميلوني التي تقدم نفسها في كتابها "أنا جورجيا جذوري وأفكاري" (Io sono Giorgia ,Le mie radici ,Le mie idee ) بالتأكيد على أنها امرأة وأم وايطالية مسيحية معتزة بايطاليتها وبتاريخها بما فيه تاريخ موسوليني الذي يعتبره البعض نقطة سوداء فى تاريخ ايطاليا، وهي تحرص على تحشيد أنصارها من خلال الدعوة إلى بناء ايطاليا قوية مثلما كانت في تاريخها قبل أن يتولى إدارتها بعض السياسيين الفاشلين ،خطاب يلقى صدى لدى الايطاليين لينجح هذا الحزب في الفوز بالانتخابات التشريعية الايطالية لسنة 2022 بعد أن كان في آخر انتخابات لا يتعدى ثقله الانتخابي 1.3 بالمائة من أًصوات الناخبين وهو ما يطرح عديد التساؤلات حول هذه التحولات الكبرى والتي من المنتظر أن تعرفها بعض الدول الأوروبية الأخرى وخاصة فرنسا وبلجيكا .

ردة الفعل التونسية على هذا الفوز تتمثل في بعض التخوفات من ارتدادات هذا التحول السياسي الايطالي على تونس خاصة وأن إيطاليا تعد شريكا اقتصاديا هاما، وأعتقد أن هذه التخوفات في الجانب الاقتصادي مبالغ فيها بل على عكس أنتظر شخصيا انتعاشة في التبادلات الاقتصادية التونسية الايطالية لأن مثل هذه الأحزاب اليمينية تؤمن بفكرة ضرورة ضمان الاستقرار للدول المجاورة تجنبا لتبعات كل اضطرابات ممكنة قد ترفع من منسوب الهجرة غير النظامية بشكل كبير .

ولندع اليمين المتطرف في ايطاليا وما يحمله من أفكار معادية للمهاجرين تصل إلى حدّ العنصرية ونطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل نحن أو البعض منا نحب الأجانب المقيمين في تونس؟ وهل نحن أو البعض منا  لسنا عنصريين؟ الجواب لا، لأنه رغم أن تونس ألغت العبودية سنة 1846 عن طريق قانون أحمد باشا باي لكن ثقافيا ظلت هناك ترسبات للثقافة العنصرية تبرز لدى البعض منا فى تعاملهم مع المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء ،كما برزت خلال لقاء كرة القدم بين تونس والبرازيل هذا الأسبوع وتلك الحادثة المخزية المتمثلة في رمي لاعب برازيلي بقشرة موز تشبيها له بالقرد، الطريف في الأمر أن سعر الموز في تونس ثمانية دنانير وأن جلّ التونسيين يتمنون إسعاد أبنائهم برطل منه ولا يستطيعون .

التغيير يجب أن يكون ثقافيا في جنوب المتوسط كما في شماله فالتطرف لا تحيز جغرافي له، وليس بسن القوانين نقاومه فالتخلص من الأفكار المتطرفة يمينا أو يسارا يتطلب عملا في عمق الشخصية يبدأ من التربية الأسرية وصولا إلى مراكز التعليم وغيرها من البضائع الرمزية مثل الأعمال الروائية والمسرحية والسينمائية والدرامية ...

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews