إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التونسيون اكتووا من غلاء الأسعار.. المضاربة.. والاحتكار

تونس- الصباح

أمام الزيادات المشطة في أسعار المواد الاستهلاكية بمختلف أنواعها، وتواصل المضاربة والاحتكار يتساءل الكثير من التونسيين من يحمي المستهلك؟ ولماذا نجد منظمات الدفاع عن المستهلك في الكثير من بلدان العالم تزلزل الأرض تحت أقدام الحكومات والشركات والمؤسسات كلما تعلق الأمر بانتهاك أبسط حقوق المستهلك؟ أما في تونس فإن المستهلك يعاني الأمرين وهو الذي يدفع فاتورة السياسات المجحفة والقرارات اللاشعبية والإجراءات الجائرة التي تضمنتها قوانين المالية للحكومات المتعاقبة، والمستهلك هو الذي يتحمل تبعات عجز هياكل الدولة عن مقاومة الحيتان الكبيرة من لوبيات الفساد وأباطرة مسالك التوزيع وشبكات التهريب، والمستهلك في النهاية هو الذي يكتوي من غلاء الأسعار وما يترتب عنه من تدهور غير مسبوق لمقدرته الشرائية وهو الذي لم يعد قادرا حتى على توفير الضروريات الحياتية، وليس هذا فحسب، بل لم يعد باستطاعته الوصول إلى هذه الضروريات وذلك بسبب فقدان مواد أساسية من المحلات التجارية والمساحات الكبرى أو عدم الانتظام في توزيعها أو بيعها المشروط دون حسيب أو رقيب، والسؤال الحارق الذي يتبادر إلى الأذهان أين منظمة الدفاع عن المستهلك من كل هذا؟

وعن هذا السؤال، أجابنا عمار ضية رئيس المنظمة، وقال إن منظمة الدفاع عن المستهلك بلغ عمرها الآن 34 سنة، ويفترض أنها وصلت إلى أوج قوتها وحققت أهدافها وذلك بفضل ما راكمته من خبرات وتجارب ودراية بمختلف القطاعات والمجالات التي تهم المستهلك، وذكر أن الأهداف التي بعثت من أجلها المنظمة هي بالأساس الدفاع عن حقوق المستهلك وتثقيفه وإطلاعه على قواعد جميع المعاملات من حقوق وواجبات وشروط متعلقة بالجودة والسلامة، إلى جانب نشر الثقافة الاستهلاكية على نطاق واسع. وأضاف أن هذه الأهداف التي بعثت من أجلها المنظمة لم يقع ضبطها من فراغ بل تم ذلك استنادا إلى القيم التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة، لأن حقوق المستهلك هي من جملة حقوق الإنسان وحقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية وحقوقه في أن يختار، وأن يجد خدمات ذات جودة.

وردا على سؤال آخر حول ما إذا كانت المنظمة حسب تقديره تلعب هذا الدور المناط بعهدتها لتحقيق الأهداف التي بعثت من أجلها أم أنها أخلت به؟ أشار عمار ضية في تصريح لـ"الصباح" إلى أن المنظمة عندما وضعت تلك الأهداف كانت إلى غاية سنة 2011 تتلقى الدعم من الدولة، وكانت لها ميزانية كبيرة ومقرات وموظفين وهياكل وفروع ناشطة في كل الولايات وفي كل المعتمديات، كما كان للمنظمة موقع الكتروني وكانت لديها نشرية دورية، وكانت تنتج الكثير من المحامل التثقيفية الموجهة إلى مختلف الفئات، لكنها وضعت منذ سنة 2011 تحت تصرف قيادة معينة غير منتخبة، وظلت على تلك الحالة فترة طويلة ثم عادت إلى إطارها القانوني الذي يقضي بانتخاب هياكلها ولكن المعضلة الكبرى هي أنه في الأثناء تم تسريح الموظفين والإداريين والصحفيين العاملين فيها، كما أنه ومنذ سنة 2019 لم تعد المنظمة تتمتع بدعم الدولة على الإطلاق، وظلت تعيش صعوبات مادية كبيرة، وتفاقم هذا الوضع أكثر فأكثر بسبب جائحة كورونا مما أكرهها على تأجيل عقد مؤتمرها مرتين، وفي الخامس والسادس من شهر نوفمبر 2021 تولت تنظيم المؤتمر السابع الذي أفرز مكتبا وطنيا جديدا.

كما أشار محدثنا إلى أن المكتب الوطني الجديد لمنظمة الدفاع عن المستهلك، وانطلاقا من تقييم ما حصل في السابق، وبناء على توصيات المؤتمرين، وضع خطة عمل خماسية تمتد على فترة 2022ـ 2027 وتحتوي هذه الخطة على برامج متنوعة، لكن بالنظر إلى ما يتسم به الوضع الراهن في تونس من غياب الاتصال بشكل واضح، تم التركيز بالخصوص على تنفيذ خطة اتصالية عنوانها المستهلك الواعي المسؤول.

ولبلوغ الأهداف التي وضعتها منظمة الدفاع عن المستهلك، أشار رئيس المنظمة عمار ضية إلى السعي إلى تغيير سلوك المستهلك، ولكن التوجه إلى الجمهور العريض حسب قوله يتطلب موارد مالية كبيرة وهو ما لا تستطيع المنظمة توفيره، ولهذا السبب وربحا للوقت فإنها توجهت إلى فئة الشباب في المؤسسات التربوية وساهمت في إرساء نوادي الثقافة الاستهلاكية رغبة منها في تربية جيل جديد يدرك حقوقه الاستهلاكية ويدافع عنها ويعرف كيف يحمي نفسه بنفسه من الانتهاكات التي تطاله من لوبيات الفساد والمحتكرين والمضاربين كما أن التلميذ الذي ينشط في النادي يمكن أن يساهم هو الآخر في تغيير سلوك بقية أفراد أسرته، وأضاف الأستاذ ضية أن منظمة الدفاع عن المستهلك تجتهد رغم أنه يوجد لديها صفر مليم ورغم أنها تمر بمشاكل مادية عويصة فهي غير قادرة حتى على خلاص فاتورة استهلاك الكهرباء ويضطر أعضاء المكتب الوطني والمتطوعون في المنظمة إلى الإنفاق من أموالهم الخاصة لمساعدة المنظمة على الاستمرار..

مكان شاغر

لم يخف عمار ضية استياءه من الوضع الصعب الذي وصلت إليه منظمة الدفاع عن المستهلك جراء حجب الدعم الموجه لها من ميزانية الدولة، وبين في هذا السياق أنه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة التي تعيشها تونس بقي مكان المنظمة شاغرا والحال أنه كان بإمكانها أن تلعب دورا كبيرا يساعد على التخفيف من وطأة الأزمة على المستهلك ويساهم في تعزيز جهود الإدارة في التصدي للفساد والاحتكار والمضاربة إن كانت الإدارة فعلا تؤمن بدور المجتمع المدني. وذكر أن المنظمة موجودة، وهي قائمة الذات وفيها متطوعون يتقدون نشاطا وهم جادون في الرغبة في إصلاح ثقافة المستهلك حتى يكون هو نفسه الذي يتصدى لكل ما يمس بحقوقه، لكن المنظمة للأسف لا تلعب الدور الذي يجب أن تقوم به لافتقارها للموارد المالية الضرورية من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنها لا تجد التجاوب المنتظر من الإدارة، فهي تريد أن تبلّغ صوت المستهلك وتطالب بأن يقع تشريكها في تحديد السياسات والخيارات الكبرى لأنه يوجد لديها خبراء في مختلف المجالات يمكنهم أن يقدموا الإضافة لكن هذا المطلب لم يؤخذ بعين الاعتبار، وتدخلها أصبح ما بعدي فهي ترصد الإشكاليات والاخلالات وترفعها إلى الإدارات المعنية ثم تقوم بمتابعة مآلاتها ولكن هذا الدور لئن كان مهما، فإنه ليس هو الذي تتطلع إليه منظمة الدفاع عن المستهلك حسب ما أشار إليه عمار ضية، إذ قال إنهم في المنظمة يريدون العمل على تغيير السلوكيات الاستهلاكية، لأن السوق في تونس بموجب التشريعات النافذة المفعول، أصبحت سوقا مفتوحة وبالتالي لا بد من التفكير معا في كيفية تغيير السلوكيات في اتجاه يجعل المستهلك يتصدى من تلقاء نفسه للانتهاكات التي تطاله وتستهدفه، كما يجب التفكير معا في تحسين مسالك التوزيع لأن تحسين هذه المسالك أفضل بكثير من مراقبة المخالفين في مرحلة لاحقة.

وأشار ضية إلى أن منظمة الدفاع عن المستهلك رغم حرمانها من الدعم لم تبق مكتوفة الأيدي وفي موقع المتفرج بل حاولت بكل ما لديها من جهود حلحلة بعض المشاكل التي يتعرض لها المستهلك مع البنوك وشركات التأمين وغيرها من القطاعات فهي تهتم بكل قطاع على حدة.

أولويات المنظمة

إجابة عن استفسار حول أولويات منظمة الدفاع عن المستهلك في الوقت الراهن، قال عمار ضية إن المنظمة انشغلت في الفترة الأخيرة بالإشكاليات التي رافقت العودة المدرسية، وهي اليوم تنكب على دراسة ملف التجارة الالكترونية وما يطرحه من إخلالات ومخالفات لأن المنظمة تلقت العديد من الشكاوى في هذا المضمار، فهناك من يقتنون مشتريات عبر صفحات موجودة في مواقع التواصل الاجتماعي ويقومون بخلاصها ولكنهم سرعان ما يتفطنون إلى أنه تم الحيل عليهم ومغالطتهم، ولمزيد التعمق في دراسة هذا الملف، أشار إلى أن المنظمة خيرت التوجه إلى كلية الحقوق وكذلك إلى المدرسة العليا للتجارة قصد تحليل المسائل المطروحة مع مختصين في المجالين القانوني والتجاري وتم في الغرض اقتراح محاور بحث يقع تناولها في مستوى الإجازة وأخرى يتم تناولها في مستوى الماجستير وهي في مجالات تهم التجارة الالكترونية، وفسر محدثنا أن المنظمة تريد التعاطي مع الملف بالجدية العلمية المطلوبة وهي تستعد إلى تنظيم ندوة حول التجارة الالكترونية وستقوم بتشريك المختصين في هذا المجال، وذكر أنه سبق لها أن نظمت خلال شهر ماي الماضي ندوة حول التضخم وتأثيره على الطاقة الشرائية للمواطن، كما أنها ستعمل على فتح حوار مع البنك المركزي التونسي للخوض في الإشكاليات التي يواجهها المستهلك في تعاملاته مع البنوك.

وبخصوص مدى استفادة المنظمة من فرص التواصل مع المستهلك التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتيك توك أشار عمار ضية إلى أنه واع بأن هذه المنصات يمكن أن تعول عليها المنظمات والجمعيات الفقيرة لنشر أفكارها وفي هذا الإطار فإن المنظمة توجهت إلى مكتب التشغيل رغبة منها في العثور على شبان متمكنين من التقنيات الحديثة للاتصال لتكليفهم بانجاز صفحات خاصة بالمنظمة على منصات التواصل الاجتماعي ومتابعة هذه الصفحات وتحيينها لكن للأسف لم يتحقق مرادها وهي بمجهوداتها الذاتية أنشأت صفحة خاصة بالمكتب الوطني للمنظمة ويقوم رئيس المنظمة نفسه كل ليلة بتلقي الشكايات والملاحظات والإجابة عن بعضها لأن المنظمة ليست لها إدارة، ولأن أعضاء مكتبها الوطني متطوعون وهم إطارات سامية يشتغلون طيلة اليوم، وخلص إلى أن موطن عجز المنظمة عن القيام بالأدوار التي تنشدها مرده بالأساس عجزها المالي حتى على انتداب أعوان إدارة. وذكر أن رئيسة الحكومة وعدته منذ شهر جانفي الماضي بإرجاع التمويل العمومي لمنظمة الدفاع عن المستهلك لكن هذا لم يحدث، وقد تولت المنظمة مراسلة رئاسة الحكومة لتذكيرها بالوعود التي قدمتها رئيسة الحكومة لها لكن إلى غاية اليوم لم تتلق أي رد وهي تنتظر عودة الدعم لأنها لم تتمكن حتى من عقد مجلسها الوطني في الآجال القانونية إذ ليست لديها الإمكانيات التي تسمح لها بكراء قاعة وتوفير ما يلزم لعقد هذا الاجتماع، وفسر أنه من المهم جدا أن تفهم الحكومة أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به منظمة الدفاع عن المستهلك في البلاد، لأن السوق في تونس سوق مفتوحة ولأنه لا يمكن لهياكل الدولة تأمين مراقبتها فهي لا تستطيع تعيين عون مراقبة على كل متجر وبالتالي من مصلحتها أن تكون منظمة الدفاع عن المستهلك قوية وفاعلة ومؤثرة لأن المنظمة موجودة في كل الولايات ومنتشرة ميدانيا في كل المعتمديات ويكفي فقط دعمها ماديا لكي تستعيد فاعليتها.

سعيدة بوهلال           

                  

التونسيون اكتووا من غلاء الأسعار.. المضاربة.. والاحتكار

تونس- الصباح

أمام الزيادات المشطة في أسعار المواد الاستهلاكية بمختلف أنواعها، وتواصل المضاربة والاحتكار يتساءل الكثير من التونسيين من يحمي المستهلك؟ ولماذا نجد منظمات الدفاع عن المستهلك في الكثير من بلدان العالم تزلزل الأرض تحت أقدام الحكومات والشركات والمؤسسات كلما تعلق الأمر بانتهاك أبسط حقوق المستهلك؟ أما في تونس فإن المستهلك يعاني الأمرين وهو الذي يدفع فاتورة السياسات المجحفة والقرارات اللاشعبية والإجراءات الجائرة التي تضمنتها قوانين المالية للحكومات المتعاقبة، والمستهلك هو الذي يتحمل تبعات عجز هياكل الدولة عن مقاومة الحيتان الكبيرة من لوبيات الفساد وأباطرة مسالك التوزيع وشبكات التهريب، والمستهلك في النهاية هو الذي يكتوي من غلاء الأسعار وما يترتب عنه من تدهور غير مسبوق لمقدرته الشرائية وهو الذي لم يعد قادرا حتى على توفير الضروريات الحياتية، وليس هذا فحسب، بل لم يعد باستطاعته الوصول إلى هذه الضروريات وذلك بسبب فقدان مواد أساسية من المحلات التجارية والمساحات الكبرى أو عدم الانتظام في توزيعها أو بيعها المشروط دون حسيب أو رقيب، والسؤال الحارق الذي يتبادر إلى الأذهان أين منظمة الدفاع عن المستهلك من كل هذا؟

وعن هذا السؤال، أجابنا عمار ضية رئيس المنظمة، وقال إن منظمة الدفاع عن المستهلك بلغ عمرها الآن 34 سنة، ويفترض أنها وصلت إلى أوج قوتها وحققت أهدافها وذلك بفضل ما راكمته من خبرات وتجارب ودراية بمختلف القطاعات والمجالات التي تهم المستهلك، وذكر أن الأهداف التي بعثت من أجلها المنظمة هي بالأساس الدفاع عن حقوق المستهلك وتثقيفه وإطلاعه على قواعد جميع المعاملات من حقوق وواجبات وشروط متعلقة بالجودة والسلامة، إلى جانب نشر الثقافة الاستهلاكية على نطاق واسع. وأضاف أن هذه الأهداف التي بعثت من أجلها المنظمة لم يقع ضبطها من فراغ بل تم ذلك استنادا إلى القيم التي وضعتها منظمة الأمم المتحدة، لأن حقوق المستهلك هي من جملة حقوق الإنسان وحقوق المواطن الاقتصادية والاجتماعية وحقوقه في أن يختار، وأن يجد خدمات ذات جودة.

وردا على سؤال آخر حول ما إذا كانت المنظمة حسب تقديره تلعب هذا الدور المناط بعهدتها لتحقيق الأهداف التي بعثت من أجلها أم أنها أخلت به؟ أشار عمار ضية في تصريح لـ"الصباح" إلى أن المنظمة عندما وضعت تلك الأهداف كانت إلى غاية سنة 2011 تتلقى الدعم من الدولة، وكانت لها ميزانية كبيرة ومقرات وموظفين وهياكل وفروع ناشطة في كل الولايات وفي كل المعتمديات، كما كان للمنظمة موقع الكتروني وكانت لديها نشرية دورية، وكانت تنتج الكثير من المحامل التثقيفية الموجهة إلى مختلف الفئات، لكنها وضعت منذ سنة 2011 تحت تصرف قيادة معينة غير منتخبة، وظلت على تلك الحالة فترة طويلة ثم عادت إلى إطارها القانوني الذي يقضي بانتخاب هياكلها ولكن المعضلة الكبرى هي أنه في الأثناء تم تسريح الموظفين والإداريين والصحفيين العاملين فيها، كما أنه ومنذ سنة 2019 لم تعد المنظمة تتمتع بدعم الدولة على الإطلاق، وظلت تعيش صعوبات مادية كبيرة، وتفاقم هذا الوضع أكثر فأكثر بسبب جائحة كورونا مما أكرهها على تأجيل عقد مؤتمرها مرتين، وفي الخامس والسادس من شهر نوفمبر 2021 تولت تنظيم المؤتمر السابع الذي أفرز مكتبا وطنيا جديدا.

كما أشار محدثنا إلى أن المكتب الوطني الجديد لمنظمة الدفاع عن المستهلك، وانطلاقا من تقييم ما حصل في السابق، وبناء على توصيات المؤتمرين، وضع خطة عمل خماسية تمتد على فترة 2022ـ 2027 وتحتوي هذه الخطة على برامج متنوعة، لكن بالنظر إلى ما يتسم به الوضع الراهن في تونس من غياب الاتصال بشكل واضح، تم التركيز بالخصوص على تنفيذ خطة اتصالية عنوانها المستهلك الواعي المسؤول.

ولبلوغ الأهداف التي وضعتها منظمة الدفاع عن المستهلك، أشار رئيس المنظمة عمار ضية إلى السعي إلى تغيير سلوك المستهلك، ولكن التوجه إلى الجمهور العريض حسب قوله يتطلب موارد مالية كبيرة وهو ما لا تستطيع المنظمة توفيره، ولهذا السبب وربحا للوقت فإنها توجهت إلى فئة الشباب في المؤسسات التربوية وساهمت في إرساء نوادي الثقافة الاستهلاكية رغبة منها في تربية جيل جديد يدرك حقوقه الاستهلاكية ويدافع عنها ويعرف كيف يحمي نفسه بنفسه من الانتهاكات التي تطاله من لوبيات الفساد والمحتكرين والمضاربين كما أن التلميذ الذي ينشط في النادي يمكن أن يساهم هو الآخر في تغيير سلوك بقية أفراد أسرته، وأضاف الأستاذ ضية أن منظمة الدفاع عن المستهلك تجتهد رغم أنه يوجد لديها صفر مليم ورغم أنها تمر بمشاكل مادية عويصة فهي غير قادرة حتى على خلاص فاتورة استهلاك الكهرباء ويضطر أعضاء المكتب الوطني والمتطوعون في المنظمة إلى الإنفاق من أموالهم الخاصة لمساعدة المنظمة على الاستمرار..

مكان شاغر

لم يخف عمار ضية استياءه من الوضع الصعب الذي وصلت إليه منظمة الدفاع عن المستهلك جراء حجب الدعم الموجه لها من ميزانية الدولة، وبين في هذا السياق أنه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة التي تعيشها تونس بقي مكان المنظمة شاغرا والحال أنه كان بإمكانها أن تلعب دورا كبيرا يساعد على التخفيف من وطأة الأزمة على المستهلك ويساهم في تعزيز جهود الإدارة في التصدي للفساد والاحتكار والمضاربة إن كانت الإدارة فعلا تؤمن بدور المجتمع المدني. وذكر أن المنظمة موجودة، وهي قائمة الذات وفيها متطوعون يتقدون نشاطا وهم جادون في الرغبة في إصلاح ثقافة المستهلك حتى يكون هو نفسه الذي يتصدى لكل ما يمس بحقوقه، لكن المنظمة للأسف لا تلعب الدور الذي يجب أن تقوم به لافتقارها للموارد المالية الضرورية من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنها لا تجد التجاوب المنتظر من الإدارة، فهي تريد أن تبلّغ صوت المستهلك وتطالب بأن يقع تشريكها في تحديد السياسات والخيارات الكبرى لأنه يوجد لديها خبراء في مختلف المجالات يمكنهم أن يقدموا الإضافة لكن هذا المطلب لم يؤخذ بعين الاعتبار، وتدخلها أصبح ما بعدي فهي ترصد الإشكاليات والاخلالات وترفعها إلى الإدارات المعنية ثم تقوم بمتابعة مآلاتها ولكن هذا الدور لئن كان مهما، فإنه ليس هو الذي تتطلع إليه منظمة الدفاع عن المستهلك حسب ما أشار إليه عمار ضية، إذ قال إنهم في المنظمة يريدون العمل على تغيير السلوكيات الاستهلاكية، لأن السوق في تونس بموجب التشريعات النافذة المفعول، أصبحت سوقا مفتوحة وبالتالي لا بد من التفكير معا في كيفية تغيير السلوكيات في اتجاه يجعل المستهلك يتصدى من تلقاء نفسه للانتهاكات التي تطاله وتستهدفه، كما يجب التفكير معا في تحسين مسالك التوزيع لأن تحسين هذه المسالك أفضل بكثير من مراقبة المخالفين في مرحلة لاحقة.

وأشار ضية إلى أن منظمة الدفاع عن المستهلك رغم حرمانها من الدعم لم تبق مكتوفة الأيدي وفي موقع المتفرج بل حاولت بكل ما لديها من جهود حلحلة بعض المشاكل التي يتعرض لها المستهلك مع البنوك وشركات التأمين وغيرها من القطاعات فهي تهتم بكل قطاع على حدة.

أولويات المنظمة

إجابة عن استفسار حول أولويات منظمة الدفاع عن المستهلك في الوقت الراهن، قال عمار ضية إن المنظمة انشغلت في الفترة الأخيرة بالإشكاليات التي رافقت العودة المدرسية، وهي اليوم تنكب على دراسة ملف التجارة الالكترونية وما يطرحه من إخلالات ومخالفات لأن المنظمة تلقت العديد من الشكاوى في هذا المضمار، فهناك من يقتنون مشتريات عبر صفحات موجودة في مواقع التواصل الاجتماعي ويقومون بخلاصها ولكنهم سرعان ما يتفطنون إلى أنه تم الحيل عليهم ومغالطتهم، ولمزيد التعمق في دراسة هذا الملف، أشار إلى أن المنظمة خيرت التوجه إلى كلية الحقوق وكذلك إلى المدرسة العليا للتجارة قصد تحليل المسائل المطروحة مع مختصين في المجالين القانوني والتجاري وتم في الغرض اقتراح محاور بحث يقع تناولها في مستوى الإجازة وأخرى يتم تناولها في مستوى الماجستير وهي في مجالات تهم التجارة الالكترونية، وفسر محدثنا أن المنظمة تريد التعاطي مع الملف بالجدية العلمية المطلوبة وهي تستعد إلى تنظيم ندوة حول التجارة الالكترونية وستقوم بتشريك المختصين في هذا المجال، وذكر أنه سبق لها أن نظمت خلال شهر ماي الماضي ندوة حول التضخم وتأثيره على الطاقة الشرائية للمواطن، كما أنها ستعمل على فتح حوار مع البنك المركزي التونسي للخوض في الإشكاليات التي يواجهها المستهلك في تعاملاته مع البنوك.

وبخصوص مدى استفادة المنظمة من فرص التواصل مع المستهلك التي تتيحها شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتيك توك أشار عمار ضية إلى أنه واع بأن هذه المنصات يمكن أن تعول عليها المنظمات والجمعيات الفقيرة لنشر أفكارها وفي هذا الإطار فإن المنظمة توجهت إلى مكتب التشغيل رغبة منها في العثور على شبان متمكنين من التقنيات الحديثة للاتصال لتكليفهم بانجاز صفحات خاصة بالمنظمة على منصات التواصل الاجتماعي ومتابعة هذه الصفحات وتحيينها لكن للأسف لم يتحقق مرادها وهي بمجهوداتها الذاتية أنشأت صفحة خاصة بالمكتب الوطني للمنظمة ويقوم رئيس المنظمة نفسه كل ليلة بتلقي الشكايات والملاحظات والإجابة عن بعضها لأن المنظمة ليست لها إدارة، ولأن أعضاء مكتبها الوطني متطوعون وهم إطارات سامية يشتغلون طيلة اليوم، وخلص إلى أن موطن عجز المنظمة عن القيام بالأدوار التي تنشدها مرده بالأساس عجزها المالي حتى على انتداب أعوان إدارة. وذكر أن رئيسة الحكومة وعدته منذ شهر جانفي الماضي بإرجاع التمويل العمومي لمنظمة الدفاع عن المستهلك لكن هذا لم يحدث، وقد تولت المنظمة مراسلة رئاسة الحكومة لتذكيرها بالوعود التي قدمتها رئيسة الحكومة لها لكن إلى غاية اليوم لم تتلق أي رد وهي تنتظر عودة الدعم لأنها لم تتمكن حتى من عقد مجلسها الوطني في الآجال القانونية إذ ليست لديها الإمكانيات التي تسمح لها بكراء قاعة وتوفير ما يلزم لعقد هذا الاجتماع، وفسر أنه من المهم جدا أن تفهم الحكومة أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به منظمة الدفاع عن المستهلك في البلاد، لأن السوق في تونس سوق مفتوحة ولأنه لا يمكن لهياكل الدولة تأمين مراقبتها فهي لا تستطيع تعيين عون مراقبة على كل متجر وبالتالي من مصلحتها أن تكون منظمة الدفاع عن المستهلك قوية وفاعلة ومؤثرة لأن المنظمة موجودة في كل الولايات ومنتشرة ميدانيا في كل المعتمديات ويكفي فقط دعمها ماديا لكي تستعيد فاعليتها.

سعيدة بوهلال