انتقد المشاركون في الندوة الوطنية المنعقدة أمس بالعاصمة ببادرة من مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات والتحولات الديمقراطية المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والمرسوم عدد 55 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، وتحدثوا عن مخاطر المرسومين على الحقوق والحريات والديمقراطية وطالبت رئيسة المرصد علا بن نجمة بمراجعتهما بصفة معمقة في أسرع وقت ممكن. ففي ما يتعلق الانتخابي فقد تمت الإشارة بالخصوص إلى أنه لا يستجيب للمعايير الدولية ويحمل دلالات واضحة عن الرغبة في إضعاف الأحزاب وفي جعل نائب الشعب تحت إمرة ناخبيه وذلك بالنظر إلى آليتي التزكية و سحب الوكالة ، أما المرسوم الثاني فإنه حسب تعبيرهم مثير للفزع بل يضرب حرية الصحافة والتعبير في مقتل كما قال الصحفي فطين حفصية.
وأشار حفصية إلى أن المرسوم عدد 54 استبطن الغريزة الرقابية المسبقة، وبين أنه من حيث المبدأ لا بد من سن إطار قانوني جديد لوضع حد للفوضى الموجودة حاليا لكن النوايا الطيبة يمكن أن تنحرف مائة وتسعين درجة عندما يتعلق الأمر بالمساس بحرية الإعلام. وفي قراءة لأحكام المرسوم أشار إلى أنه تضمن مفاهيم فضفاضة من قبيل الإشاعة والأخبار الزائفة وخطاب الكراهية كما ذهب في اتجاه تشديد العقوبات نحو اعتماد العقوبة الأقصى والأخطر من ذلك أنه أتاح للسلطة الأمنية والسلطة القضائية حرية تكييف التجاوزات كما تريد وتشتهي وجاء ليشيطن الصحفيين والمؤسسات الإعلامية ومصادر الخبر وكل الأطراف المتداخلة في العملية الإعلامية وليستبطن الغريزة الرقابية المسبقة لأن كل من يريد نشر معلومة أو الإفصاح عن معلومة يخاف من العقوبات الزجرية التي تصل إلى عشر سنوات بالسجن، وقال حفصية إن الصحفي أصبح في ظل المرسوم عدد 54 في فوهة بركان، وذكر أنه بهذا المرسوم سيتم الرجوع إلى مربع التعتيم وغياب المعلومة التي هي اليوم غائبة أصلا لصعوبة النفاذ إليها. وفي مقارنة للمرسوم الجديد بالتشريعات المماثلة في الدول الأخرى أكد فطين حفصية أن النص التونسي قاس جدا مقارنة بالنصوص القانونية الموجودة في العالم ولكل هذه الأسباب يجب على حد تأكيده مراجعته في متسع من الوقت وعلى أرضية المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة والنشر والمرسوم 116 المتعلق بالاتصال السمعي والبصري وهيئة الاتصال السمعي والبصري.
أين المعايير الدولية؟
وفي علاقة بالمرسوم الثاني المتعلق بالانتخابات وهو المرسوم عدد 55 تحدث الأستاذ شكري عزوز المختص في القانون العام عن المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية، وفسر أن الانتخابات الديمقراطية هي جملة الإجراءات التي ترمي إلى مشاركة اكبر طيف ممكن من الموجودين في الدولة في تسيير الشأن العام في الدولة ونبه إلى وجود خلط بين المعايير الدولية والنظام القانوني للانتخابات لأن النظام القانوني قد يبدو في الظاهر انه يضمن الحد الأدنى من السير الأمثل للعملية الانتخابية كما كان عليه الحال في تونس قبل 2011 لكنه لا يؤدي إلى نظام حكم ديمقراطي.. وذكر أن المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية يقصد بها ضمان حق كل مواطن في تسيير الشأن العام وفق مبادئ المساواة والإنصاف وتتعلق هذه المعايير بالناخب وكيفية وصوله إلى صندوق الاقتراع وحقه في المشاركة في إدارة الشأن العام من خلال الاقتراع، وتتطلب ممارسة حق الانتخاب الترسيم في القائمات الانتخابية، والتثبت من هذا الترسيم، وليس هذا فقط بل لا بد من ضمان كل الشروط لوصول المواطن إلى صندوق الاقتراع وهو ما يعني أن السلط العمومية مطالبة بتوفير مكتب اقتراع قريب من الناخب حتى يتمكن من ممارسة حقه بيسر وسلاسة وحرية وسرية وحتى يدلي بصوته بعيدا عن كل الضغوط والتأثيرات الخارجية.. وإضافة إلى المعايير المتصلة بالناخب تحدث عزوز عن معايير خاصة بالمترشح وشكل الترشح سواء كان ذلك بصفة فردية أو جماعية فشكل الترشح مهم وحاسم وكذلك حق المترشح في التنقل داخل البلاد بيسر وحرية حتى يتصل بالجمهور ويقدم له برنامجه الانتخابي وحقه في الوصول الى الاعلام ووسائل الاتصال مثله مثل أي مترشح آخر. وذكر المختص في القانون أن هناك معايير أخرى تتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية وهي مهمة للغاية وليست مسألة ثانوية كما يعتقد البعض لأنه عندما يتم التقسيم بشكل يضرب التمثيل فإن ذلك لا يمس نزاهة العملية الانتخابية فقط بل يضرب النظام الجمهوري برمته..، ولاحظ عزوز أنه بالنظر إلى التقسيم الترابي المطروح في المرسوم الانتخابي الجديد يمكن ملاحظة غياب أساس التمثيل، ولدى حديثه عن المبادئ المتعلقة بدور الدولة ومسؤولياتها فأشار إلى أنها تتمثل في إتاحة المشاركة السياسية الموسعة لأن الدولة إذا أرادت أن توصف الانتخابات فيها بالانتخابات الديمقراطية فعليها أن توفر ظروف مشاركة سياسية موسعة وحرة وذلك ليس من خلال النصوص القانونية فقط بل وأيضا من خلال المناخ الإداري والسياسي، وخلص الخبير إلى أن دور المعايير الدولية هو تكريس ثقافة الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة واحترام الآخر لكن تونس اليوم وحسب رأيه أبعد ما يكون عن هذه المعايير الدولية وعن تكريس ثقافة الديمقراطية..
إضعاف الأحزاب
إضافة إلى عدم تلاؤمه مع المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية حمل المرسوم الانتخابي الجديد بنظام الاقتراع الذي اقترحه وآلية سحب الوكالة دلالات سياسية واضحة على الرغبة في اضعف الأحزاب السياسية وفي هذا السياق قال محمد السياري أستاذ التعليم العالي في القانون العام إن المرسوم جاء بتعديلين مهمين وهما تغيير نظام اقتراع مجلس نواب الشعب ليصبح على الأفراد وسحب الوكالة من النائب، وذكر أننا بموجبه أصبحنا في أطر غير معهودة في النظام القانوني لتونس وهي ترتبط بتصور واضع النص أي رئيس الجمهورية الذي يرى أن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تمثل الأفراد لا الأحزاب وبالتالي كان المرسوم محاولة لإضعاف هذه الأحزاب.. وبين أنه في نفس الاتجاه نص الفصل 61 من الدستور على أن وكالة النائب قابلة للسحب أي أن دور الناخب لا ينتهي بانتخاب النائب بل يتواصل طيلة المدة النيابية وهو ما يفقد النائب استقلاليته. وأشار الجامعي إلى أن المرسوم فيه محاولة للحد من هيمنة الأحزاب السياسية من خلال تغيير الاقتراع على القائمات بالاقتراع على الأفراد وأيضا من خلال تقسيم الدوائر، إذ أنه من المفروض أن يقوم التقسيم على مبدأ المساواة حتى لا تكون أصوات الناخبين في دائرة أكبر وزنا منها في دائرة أخرى لكن لا توجد دلالات على انه تم التقيد بهذا المبدأ في المرسوم ونبه إلى أن اعتماد الدوائر الضيقة يطرح إشكاليات عديدة منها الضغط على الناخبين والفساد وشراء الأصوات إضافة إلى أن المترشح يصبح حبيس مصالح محلية ضيقة كما أن الدوائر الصغيرة تتيح فرصا أكبر لأصحاب الوجاهة والمال خاصة وقد تم إلغاء التمويل العمومي. وحسب رأي الجامعي، يصعب في ظل هذه الإشكاليات لمترشح فرد خوض غمار الانتخابات دون دعم حزب سياسي والسؤال المطروح هل أن الأحزاب التي أعلنت أنها ستقاطع الانتخابات ستقاطعها فعلا أم أنها ستدعم مترشحين بصفة مقنعة وستقوم بتحالفات بين بعضها البعض ولكن إن تمسكت الأحزاب بالمقاطعة فان المشهد السياسي سيتسم بالتششت والضبابية. وأشار إلى أن المرسوم اوجد صورة جديدة من صور فقدان العضوية وهي سحب الوكالة وهذه الآلية موجودة في بعض الدول والهدف منها تسليط الرقابة على المنتخب لكن هناك من يرى أن هذه الآلية يمكن أن تتحول إلى وسيلة للابتزاز، وفسر الخبير أن سحب الوكالة نظريا يمكن أن يكون علاجا ضروريا للديمقراطية التمثيلية لكن أغلب الدول تعتبر أن النائب هو نائب الأمة جمعاء ولا يأتمر بأوامر ناخبين أما على مستوى الواقع فمن خلال المرسوم يصعب إثبات تحقق الأسباب التي تسمح بحسب الوكالة من النائب فالإجراءات المنصوص عليها المرسوم تجعل انه من المستحيل سحب الوكالة. وخلص إلى وجود خيط ناظم بين الاقتراع على الأفراد وسحب الوكالة وهو التصدي للأحزاب ولكن في صورة مقاطعة الأحزاب للانتخابات فانه سيتم الإبقاء على حالة هيمنة رئيس الجمهورية على المشهد السياسي.
إنزلاقات خطيرة
أما عبد الرزاق المختار أستاذ التعليم العالي في القانون العام ومدرس النظم الانتخابية، فحاول الإجابة عن سؤال مفاده هل أن المرسوم يوفر الحرية ويضمن المشاركة في الحياة السياسية، وبين أن واضع المرسوم لم يستشر حتى الخلص الأطهار واقتصر على استشارة هيئة الانتخابات ليلة إصداره وبالتالي فهو منذ البداية أعرج لأنه لم يكن إفرازا قانونيا تشاركيا تداوليا ولم يقع البت في دستوريته هيئة تراقب الدستورية، وتحدث الجامعي عن شروط الترشح وكيف أن الحديث عن حرية الترشح المتاحة للجميع الذي سبق وضع المرسوم يندرج في خانة الإيهام بالحرية لأن المرسوم في حقيقة الأمر جاء بشروط إقصائية تضييقية وغير معقولة وهي عدم حمل جنسية أخرى وهو مخالف للمقتضيات الدستورية وخاصة الفصل 58 والفصل 23 ونقاوة السوابق العدلية فهذا الشرط يمكن أن يكون مدخلا للإقصاء السياسي ثم الإقامة في الدائرة الانتخابية، وأشار إلى أن شرط الإقامة في الدائرة الانتخابية مرتبط بتقديم برنامج انتخابي وتزكيات وهو ما سيؤدي إلى الانزلاق إلى المحلي، ولاحظ أن الهوية السياسية للمترشح أصبحت غير واضحة ويمكن أن يكون غواصة وفضلا عن ذلك فهو مرتبط بالمحلي. وذكر المختار انه من المفروض أن العقل التشريعي الذي أعطى الطابع الوطني للنائب أن لا يجعله مرتبطا بالمحلي.. وتطرق الجامعي إثر ذلك إلى تهافت معقولية المرسوم مستعيرا في ذلك عبارة تهافت التهافت وذكر أنه لا يفهم لماذا تم منع أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين ولم يقع منع أعضاء الدواوين وما المانع من ترشح هؤلاء وهل هناك رغبة في تلافي رائحة السياسي أين هبت ودبت، ونفس الشيء بالنسبة إلى الأئمة ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية فقد تم منعهم من الترشح ولكن في المقابل لم يقع منع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وحسب رأيه هناك جرعة شعبوية في النص من خلال محاولة اللعب على أوتار المسألة الدينية والرياضة. وفي علاقة بتغيير طريقة الاقتراع أشار إلى أن تغيير هذه الطريقة أمر خطير بالنظر إلى انزلاقاته المتمثلة أولا في وجود إرادة في إماتة السياسي وقتل رموز السياسة أما المنزلق الثاني فهو الانكفاء إلى المحلي وذلك بحذف البعد الوطني، وتساءل هل أن الانتخابات التي ستتم على الأفراد ستكون انتخابات على تنظيمات سرية أي أنه عوضا عن دخول الأحزاب إلى البرلمان بشكل واضح سنجد أحزابا تتسلل إلى البرلمان. وأضاف أنه ستكون هناك حرية ترشح لكن لن يكون هناك نساء وشباب وذوي احتياجات خصوصية في مجلس نواب الشعب القادم وهو ما لا يتلاءم مع الأهداف التي عبر عنها دستور 25 جويلية. وذكر أن شروط الترشح فيها ما هو معقول لكن شرط التزكيات شرط تعجيزي ويفتح الباب لأصحاب المال والسلطة والوجاهة ويغذي العشائرية فضلا عن التعقيدات الإدارية التي يطرحها على هيئة الانتخابات.
وقدم الهادي الطرابلسي الخبير في الشأن الانتخابي قراءة تقنية في تقسيم الدوائر الانتخابية خلص من خلالها إلى أنه من الناحية المبدئية هناك انحراف عن المعايير الدولية لأن التقسيم لم يراع مسألة الآجال واستقلالية الجهة التي تقوم بهذا التقسيم وشرط تفويضها للقيام بهذه المهمة، ولاحظ أن التقسيم تم من خلال دمج طريقة إتباع الحدود الإدارية وفي نفس الوقت رسم دوائر انتخابية غير إدارية وهو مربك للعمليات الانتخابية، وأضاف أنه تم حذف التنفيل والتمييز الايجابي الذي كان موجودا في السابق ولاحظ أن حالات عدم المساواة في التمثيل داخل كل ولاية تتجاوز المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال. وفي حصيلة لهذه الدراسة أشار الخبير إلى أنه لا توجد مؤشرات متضافرة على ممارسة تلاعب تقني بعملية التقسيم لغايات انتخابية لكن الأمر يحتاج إلى مزيد الدراسة والتحليل.
النزاع الانتخابي
أما منير العربي مندوب دولة عام بالمحكمة الإدارية فتحدث عن جديد النزاع الانتخابي في المرسوم عدد 55 ولاحظ أنه تمت المحافظة على اختصاص القاضي العدلي في النظر في نزاع الترسيم وبالنسبة إلى قاضي محكمة المحاسبات فإنه لم يعد ينظر في مسالة التمويل العمومي لأنه تم إلغاء التمويل العمومي للحملة وبالتالي لم تعد هناك مشكلة لكن الإشكالية المطروحة على محكمة المحاسبات هي في علاقة بفقدان العضوية والحرمان من الترشح لانتخابات لاحقة لأنها هي التي تثبت من التمويل الأجنبي والتمويل مجهول المصدر للحملة.. وأضاف العربي أن المرسوم وسع مجال القاضي الانتخابي واستحدث صنفا جديدا من النزاعات الانتخابية وهي تتعلق بالطعن في قرارات هيئة الانتخابات بخصوص عريضة حسب الوكالة والطعن في نتائج التصويت على عريضة سحب الوكالة..
ولاحظ مندوب الدولة العام بالمحكمة الإدارية صعوبة في النظر في الطعون من جهة الشكل واستحالة البت فيها من حيث الأصل وأشار بالخصوص إلى تبعات التقليص في آجال الطعن، وتغيير القواعد العامة في احتساب الآجال، وذكر أنه في ما يتعلق بالعريضة، فقد تمت إضافة شرط إرفاق العريضة الورقية بنسخة الكترونية والمطلوب هو أن لا يتم تقديمها في شكل "بي دي اف" حتى يقع استعمالها فعلا.
سعيدة بوهلال
تونس: الصباح
انتقد المشاركون في الندوة الوطنية المنعقدة أمس بالعاصمة ببادرة من مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات والتحولات الديمقراطية المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والمرسوم عدد 55 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، وتحدثوا عن مخاطر المرسومين على الحقوق والحريات والديمقراطية وطالبت رئيسة المرصد علا بن نجمة بمراجعتهما بصفة معمقة في أسرع وقت ممكن. ففي ما يتعلق الانتخابي فقد تمت الإشارة بالخصوص إلى أنه لا يستجيب للمعايير الدولية ويحمل دلالات واضحة عن الرغبة في إضعاف الأحزاب وفي جعل نائب الشعب تحت إمرة ناخبيه وذلك بالنظر إلى آليتي التزكية و سحب الوكالة ، أما المرسوم الثاني فإنه حسب تعبيرهم مثير للفزع بل يضرب حرية الصحافة والتعبير في مقتل كما قال الصحفي فطين حفصية.
وأشار حفصية إلى أن المرسوم عدد 54 استبطن الغريزة الرقابية المسبقة، وبين أنه من حيث المبدأ لا بد من سن إطار قانوني جديد لوضع حد للفوضى الموجودة حاليا لكن النوايا الطيبة يمكن أن تنحرف مائة وتسعين درجة عندما يتعلق الأمر بالمساس بحرية الإعلام. وفي قراءة لأحكام المرسوم أشار إلى أنه تضمن مفاهيم فضفاضة من قبيل الإشاعة والأخبار الزائفة وخطاب الكراهية كما ذهب في اتجاه تشديد العقوبات نحو اعتماد العقوبة الأقصى والأخطر من ذلك أنه أتاح للسلطة الأمنية والسلطة القضائية حرية تكييف التجاوزات كما تريد وتشتهي وجاء ليشيطن الصحفيين والمؤسسات الإعلامية ومصادر الخبر وكل الأطراف المتداخلة في العملية الإعلامية وليستبطن الغريزة الرقابية المسبقة لأن كل من يريد نشر معلومة أو الإفصاح عن معلومة يخاف من العقوبات الزجرية التي تصل إلى عشر سنوات بالسجن، وقال حفصية إن الصحفي أصبح في ظل المرسوم عدد 54 في فوهة بركان، وذكر أنه بهذا المرسوم سيتم الرجوع إلى مربع التعتيم وغياب المعلومة التي هي اليوم غائبة أصلا لصعوبة النفاذ إليها. وفي مقارنة للمرسوم الجديد بالتشريعات المماثلة في الدول الأخرى أكد فطين حفصية أن النص التونسي قاس جدا مقارنة بالنصوص القانونية الموجودة في العالم ولكل هذه الأسباب يجب على حد تأكيده مراجعته في متسع من الوقت وعلى أرضية المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة والنشر والمرسوم 116 المتعلق بالاتصال السمعي والبصري وهيئة الاتصال السمعي والبصري.
أين المعايير الدولية؟
وفي علاقة بالمرسوم الثاني المتعلق بالانتخابات وهو المرسوم عدد 55 تحدث الأستاذ شكري عزوز المختص في القانون العام عن المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية، وفسر أن الانتخابات الديمقراطية هي جملة الإجراءات التي ترمي إلى مشاركة اكبر طيف ممكن من الموجودين في الدولة في تسيير الشأن العام في الدولة ونبه إلى وجود خلط بين المعايير الدولية والنظام القانوني للانتخابات لأن النظام القانوني قد يبدو في الظاهر انه يضمن الحد الأدنى من السير الأمثل للعملية الانتخابية كما كان عليه الحال في تونس قبل 2011 لكنه لا يؤدي إلى نظام حكم ديمقراطي.. وذكر أن المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية يقصد بها ضمان حق كل مواطن في تسيير الشأن العام وفق مبادئ المساواة والإنصاف وتتعلق هذه المعايير بالناخب وكيفية وصوله إلى صندوق الاقتراع وحقه في المشاركة في إدارة الشأن العام من خلال الاقتراع، وتتطلب ممارسة حق الانتخاب الترسيم في القائمات الانتخابية، والتثبت من هذا الترسيم، وليس هذا فقط بل لا بد من ضمان كل الشروط لوصول المواطن إلى صندوق الاقتراع وهو ما يعني أن السلط العمومية مطالبة بتوفير مكتب اقتراع قريب من الناخب حتى يتمكن من ممارسة حقه بيسر وسلاسة وحرية وسرية وحتى يدلي بصوته بعيدا عن كل الضغوط والتأثيرات الخارجية.. وإضافة إلى المعايير المتصلة بالناخب تحدث عزوز عن معايير خاصة بالمترشح وشكل الترشح سواء كان ذلك بصفة فردية أو جماعية فشكل الترشح مهم وحاسم وكذلك حق المترشح في التنقل داخل البلاد بيسر وحرية حتى يتصل بالجمهور ويقدم له برنامجه الانتخابي وحقه في الوصول الى الاعلام ووسائل الاتصال مثله مثل أي مترشح آخر. وذكر المختص في القانون أن هناك معايير أخرى تتعلق بتقسيم الدوائر الانتخابية وهي مهمة للغاية وليست مسألة ثانوية كما يعتقد البعض لأنه عندما يتم التقسيم بشكل يضرب التمثيل فإن ذلك لا يمس نزاهة العملية الانتخابية فقط بل يضرب النظام الجمهوري برمته..، ولاحظ عزوز أنه بالنظر إلى التقسيم الترابي المطروح في المرسوم الانتخابي الجديد يمكن ملاحظة غياب أساس التمثيل، ولدى حديثه عن المبادئ المتعلقة بدور الدولة ومسؤولياتها فأشار إلى أنها تتمثل في إتاحة المشاركة السياسية الموسعة لأن الدولة إذا أرادت أن توصف الانتخابات فيها بالانتخابات الديمقراطية فعليها أن توفر ظروف مشاركة سياسية موسعة وحرة وذلك ليس من خلال النصوص القانونية فقط بل وأيضا من خلال المناخ الإداري والسياسي، وخلص الخبير إلى أن دور المعايير الدولية هو تكريس ثقافة الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة واحترام الآخر لكن تونس اليوم وحسب رأيه أبعد ما يكون عن هذه المعايير الدولية وعن تكريس ثقافة الديمقراطية..
إضعاف الأحزاب
إضافة إلى عدم تلاؤمه مع المعايير الدولية للانتخابات الديمقراطية حمل المرسوم الانتخابي الجديد بنظام الاقتراع الذي اقترحه وآلية سحب الوكالة دلالات سياسية واضحة على الرغبة في اضعف الأحزاب السياسية وفي هذا السياق قال محمد السياري أستاذ التعليم العالي في القانون العام إن المرسوم جاء بتعديلين مهمين وهما تغيير نظام اقتراع مجلس نواب الشعب ليصبح على الأفراد وسحب الوكالة من النائب، وذكر أننا بموجبه أصبحنا في أطر غير معهودة في النظام القانوني لتونس وهي ترتبط بتصور واضع النص أي رئيس الجمهورية الذي يرى أن الديمقراطية الحقيقية يجب أن تمثل الأفراد لا الأحزاب وبالتالي كان المرسوم محاولة لإضعاف هذه الأحزاب.. وبين أنه في نفس الاتجاه نص الفصل 61 من الدستور على أن وكالة النائب قابلة للسحب أي أن دور الناخب لا ينتهي بانتخاب النائب بل يتواصل طيلة المدة النيابية وهو ما يفقد النائب استقلاليته. وأشار الجامعي إلى أن المرسوم فيه محاولة للحد من هيمنة الأحزاب السياسية من خلال تغيير الاقتراع على القائمات بالاقتراع على الأفراد وأيضا من خلال تقسيم الدوائر، إذ أنه من المفروض أن يقوم التقسيم على مبدأ المساواة حتى لا تكون أصوات الناخبين في دائرة أكبر وزنا منها في دائرة أخرى لكن لا توجد دلالات على انه تم التقيد بهذا المبدأ في المرسوم ونبه إلى أن اعتماد الدوائر الضيقة يطرح إشكاليات عديدة منها الضغط على الناخبين والفساد وشراء الأصوات إضافة إلى أن المترشح يصبح حبيس مصالح محلية ضيقة كما أن الدوائر الصغيرة تتيح فرصا أكبر لأصحاب الوجاهة والمال خاصة وقد تم إلغاء التمويل العمومي. وحسب رأي الجامعي، يصعب في ظل هذه الإشكاليات لمترشح فرد خوض غمار الانتخابات دون دعم حزب سياسي والسؤال المطروح هل أن الأحزاب التي أعلنت أنها ستقاطع الانتخابات ستقاطعها فعلا أم أنها ستدعم مترشحين بصفة مقنعة وستقوم بتحالفات بين بعضها البعض ولكن إن تمسكت الأحزاب بالمقاطعة فان المشهد السياسي سيتسم بالتششت والضبابية. وأشار إلى أن المرسوم اوجد صورة جديدة من صور فقدان العضوية وهي سحب الوكالة وهذه الآلية موجودة في بعض الدول والهدف منها تسليط الرقابة على المنتخب لكن هناك من يرى أن هذه الآلية يمكن أن تتحول إلى وسيلة للابتزاز، وفسر الخبير أن سحب الوكالة نظريا يمكن أن يكون علاجا ضروريا للديمقراطية التمثيلية لكن أغلب الدول تعتبر أن النائب هو نائب الأمة جمعاء ولا يأتمر بأوامر ناخبين أما على مستوى الواقع فمن خلال المرسوم يصعب إثبات تحقق الأسباب التي تسمح بحسب الوكالة من النائب فالإجراءات المنصوص عليها المرسوم تجعل انه من المستحيل سحب الوكالة. وخلص إلى وجود خيط ناظم بين الاقتراع على الأفراد وسحب الوكالة وهو التصدي للأحزاب ولكن في صورة مقاطعة الأحزاب للانتخابات فانه سيتم الإبقاء على حالة هيمنة رئيس الجمهورية على المشهد السياسي.
إنزلاقات خطيرة
أما عبد الرزاق المختار أستاذ التعليم العالي في القانون العام ومدرس النظم الانتخابية، فحاول الإجابة عن سؤال مفاده هل أن المرسوم يوفر الحرية ويضمن المشاركة في الحياة السياسية، وبين أن واضع المرسوم لم يستشر حتى الخلص الأطهار واقتصر على استشارة هيئة الانتخابات ليلة إصداره وبالتالي فهو منذ البداية أعرج لأنه لم يكن إفرازا قانونيا تشاركيا تداوليا ولم يقع البت في دستوريته هيئة تراقب الدستورية، وتحدث الجامعي عن شروط الترشح وكيف أن الحديث عن حرية الترشح المتاحة للجميع الذي سبق وضع المرسوم يندرج في خانة الإيهام بالحرية لأن المرسوم في حقيقة الأمر جاء بشروط إقصائية تضييقية وغير معقولة وهي عدم حمل جنسية أخرى وهو مخالف للمقتضيات الدستورية وخاصة الفصل 58 والفصل 23 ونقاوة السوابق العدلية فهذا الشرط يمكن أن يكون مدخلا للإقصاء السياسي ثم الإقامة في الدائرة الانتخابية، وأشار إلى أن شرط الإقامة في الدائرة الانتخابية مرتبط بتقديم برنامج انتخابي وتزكيات وهو ما سيؤدي إلى الانزلاق إلى المحلي، ولاحظ أن الهوية السياسية للمترشح أصبحت غير واضحة ويمكن أن يكون غواصة وفضلا عن ذلك فهو مرتبط بالمحلي. وذكر المختار انه من المفروض أن العقل التشريعي الذي أعطى الطابع الوطني للنائب أن لا يجعله مرتبطا بالمحلي.. وتطرق الجامعي إثر ذلك إلى تهافت معقولية المرسوم مستعيرا في ذلك عبارة تهافت التهافت وذكر أنه لا يفهم لماذا تم منع أعضاء الحكومة ورؤساء الدواوين ولم يقع منع أعضاء الدواوين وما المانع من ترشح هؤلاء وهل هناك رغبة في تلافي رائحة السياسي أين هبت ودبت، ونفس الشيء بالنسبة إلى الأئمة ورؤساء الهياكل والجمعيات الرياضية فقد تم منعهم من الترشح ولكن في المقابل لم يقع منع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وحسب رأيه هناك جرعة شعبوية في النص من خلال محاولة اللعب على أوتار المسألة الدينية والرياضة. وفي علاقة بتغيير طريقة الاقتراع أشار إلى أن تغيير هذه الطريقة أمر خطير بالنظر إلى انزلاقاته المتمثلة أولا في وجود إرادة في إماتة السياسي وقتل رموز السياسة أما المنزلق الثاني فهو الانكفاء إلى المحلي وذلك بحذف البعد الوطني، وتساءل هل أن الانتخابات التي ستتم على الأفراد ستكون انتخابات على تنظيمات سرية أي أنه عوضا عن دخول الأحزاب إلى البرلمان بشكل واضح سنجد أحزابا تتسلل إلى البرلمان. وأضاف أنه ستكون هناك حرية ترشح لكن لن يكون هناك نساء وشباب وذوي احتياجات خصوصية في مجلس نواب الشعب القادم وهو ما لا يتلاءم مع الأهداف التي عبر عنها دستور 25 جويلية. وذكر أن شروط الترشح فيها ما هو معقول لكن شرط التزكيات شرط تعجيزي ويفتح الباب لأصحاب المال والسلطة والوجاهة ويغذي العشائرية فضلا عن التعقيدات الإدارية التي يطرحها على هيئة الانتخابات.
وقدم الهادي الطرابلسي الخبير في الشأن الانتخابي قراءة تقنية في تقسيم الدوائر الانتخابية خلص من خلالها إلى أنه من الناحية المبدئية هناك انحراف عن المعايير الدولية لأن التقسيم لم يراع مسألة الآجال واستقلالية الجهة التي تقوم بهذا التقسيم وشرط تفويضها للقيام بهذه المهمة، ولاحظ أن التقسيم تم من خلال دمج طريقة إتباع الحدود الإدارية وفي نفس الوقت رسم دوائر انتخابية غير إدارية وهو مربك للعمليات الانتخابية، وأضاف أنه تم حذف التنفيل والتمييز الايجابي الذي كان موجودا في السابق ولاحظ أن حالات عدم المساواة في التمثيل داخل كل ولاية تتجاوز المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال. وفي حصيلة لهذه الدراسة أشار الخبير إلى أنه لا توجد مؤشرات متضافرة على ممارسة تلاعب تقني بعملية التقسيم لغايات انتخابية لكن الأمر يحتاج إلى مزيد الدراسة والتحليل.
النزاع الانتخابي
أما منير العربي مندوب دولة عام بالمحكمة الإدارية فتحدث عن جديد النزاع الانتخابي في المرسوم عدد 55 ولاحظ أنه تمت المحافظة على اختصاص القاضي العدلي في النظر في نزاع الترسيم وبالنسبة إلى قاضي محكمة المحاسبات فإنه لم يعد ينظر في مسالة التمويل العمومي لأنه تم إلغاء التمويل العمومي للحملة وبالتالي لم تعد هناك مشكلة لكن الإشكالية المطروحة على محكمة المحاسبات هي في علاقة بفقدان العضوية والحرمان من الترشح لانتخابات لاحقة لأنها هي التي تثبت من التمويل الأجنبي والتمويل مجهول المصدر للحملة.. وأضاف العربي أن المرسوم وسع مجال القاضي الانتخابي واستحدث صنفا جديدا من النزاعات الانتخابية وهي تتعلق بالطعن في قرارات هيئة الانتخابات بخصوص عريضة حسب الوكالة والطعن في نتائج التصويت على عريضة سحب الوكالة..
ولاحظ مندوب الدولة العام بالمحكمة الإدارية صعوبة في النظر في الطعون من جهة الشكل واستحالة البت فيها من حيث الأصل وأشار بالخصوص إلى تبعات التقليص في آجال الطعن، وتغيير القواعد العامة في احتساب الآجال، وذكر أنه في ما يتعلق بالعريضة، فقد تمت إضافة شرط إرفاق العريضة الورقية بنسخة الكترونية والمطلوب هو أن لا يتم تقديمها في شكل "بي دي اف" حتى يقع استعمالها فعلا.