في الوقت الذي انتظر فيه عموم القضاة انفراجا في علاقتهم بالسلطة التنفيذية والتقدم خطوة في اتجاه تجاوز تأخر حركة النقل، يدخل القضاة منعرجا جديدا بعد إجراء رفع الحصانة عن رئيس الجمعية أنس الحمادي.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن رفع مجلس القضاء العدلي المؤقت الحصانة القضائية عن الحمادي على خلفية تعطيل حرية العمل بالمحكمة الابتدائية بالمنستير خلال إضراب القضاة في شهر جوان 2022.
وقد اتُّخذ القرار استجابةً لطلب وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمنستير الذي تعهد بشكاية تقدّم بها محام ضد رئيس جمعية القضاة التونسيين حسب ما نقله موقع المفكرة القانونية.
ونُسب إلى الحمادي اقتحامه قاعة الدائرة الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير لمنع رئيسها من مواصلة انعقاد الجلسة والتي تزامنت مع نضالات القضاة أثناء الإضراب الذي دعت له جمعية القضاة خلال شهر جوان الماضي.
ولئن تبدو العقوبة تأديبية وذات طابع إداري، فان البعض يصفها بأنها عقوبة سياسية بالدرجة الأولى نتيجة تتبّعات تأديبية سابقا بوشرت في حقه بسعي من وزيرة العدل ليلى جفّال.
وقد تقاطع هذا الموقف مع بيان اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء التي حذرت منذ شهر جويلية الماضي من مغبة الاستهداف السياسي لحمادي على خلفية نشاطه النقابي.
وأوردت اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء في بيانها الأخير "انه وفي إطار متابعتها للإجراءات التي طالت رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي على خلفية دوره في تحركات القضاة الرافضة للقرارات الجائرة المتعلقة بإعفاء 57 قاضيا وقاضية تؤكد على أن الإجراءات المتخذة ضد رئيس الجمعية والتي هي على صلة بمباشرته لنشاطه النقابي تشكل استهدافا خطيرا لحق القضاة في الاجتماع والتعبير لحماية استقلالهم وهو الحق المكفول بالدستور وبالمعاهدات الدولية المصادق عليها من الدولة التونسية".
وعبرت اللجنة عن بالغ انشغالها مما أسمته "انحراف التفقدية العامة بوزارة العدل بالإجراءات برفض تمكين رئيس الجمعية ومحاميه في ثلاث مناسبات من نسخة من الملف بكل وثائقه للإطلاع عليه وإعداد وسائل الدفاع في الأجل المعقول في مخالفة للقانون ولما استقر عليه فقه القضاء الإداري من أن احترام حقوق الدفاع في المادة التأديبية يرتقي إلى مرتبة المبادئ العامة للقانون التي يتعين على الإدارة احترامها وهي وجوب تمكين المعني بالأمر من الإطلاع على الملف ومده بنسخة منه ومنحه أجلا معقولا للجواب".
وخلصت اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء أن ما يتعرض له الحمادي "استهداف سياسي غايته إخماد صوت ثابت في الدفاع عن استقلالية القضاء وعلى نية واضحة لإصدار قرارات خطيرة في شأنه خاصة في هذا الظرف الذي تتواصل فيه تحركات القضاة".
فرضية الاستهداف السياسي كشفتها مواقف المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، وكليمان نياليتوسي فول، المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات اللذين عبرا يوم 15سبتمبر الجاري بجنيف عن “قلقهما البالغ إزاء القيود المفرطة المفروضة على الحقّ في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات للقضاة” في تونس والتي تمّت ممارستها “بعد احتجاجهم السلمي على مراسيم” رئيس الجمهورية قيس سعيد وعن انشغالهما من المضايقات التي يتعرض لها رئيس جمعية القضاة التونسيين انس الحمادي على خلفية نشاطه النقابي.
وقد نجح القضاة في استعمال آليات حماية حقوق الإنسان الدولية في معركة الدفاع عن استقلالية المهنة بعد أن انتقدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالنيابة ندى النَّاشف استهداف القضاء عبر سياسة التخويف بالإعفاءات.
ويبدو أن مؤشرات الاستهداف السياسي لا تهدا في ملف الحمادي إذ وبعد أيام قليلة من بيان جمعية القضاة من تأخر مؤشرات البت في ملف النقل وتأخير إصدار الحركة القضائية يأتي مطلب رفع الحصانة عن الرجل الأول بالجمعية وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة داخل القطاع.
وحتى يتجاوز أزمة التعطيل أقرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن قيس سعيد أمضى على تسمية الملحقين القضائيين المتخرجين حديثا من المعهد الأعلى للقضاء دون أن تتحدث الصفحة عن موضوع الحركة القضائية.
هذا وقد حاولت "الصباح" الاتصال بعدد من أعضاء جمعية القضاة للاطلاع على موقفهم من قرار رفع الحصانة إلا أنهم خيروا التريث في انتظار بيان في الغرض.
ويذكر أن القضاة المجتمعون في شهر فيفري الماضي بالمجلس الوطني لجمعيّة القضاة التونسيين، عبروا عن رفضهم التعامل مع المجلس الأعلى المؤقت للقضاء والذي وصفوه بـ"المنصّب وغير الشرعي"، محمّلين أعضاءه "المسؤولية الكاملة، لقبولهم الانخراط في تركيز هذا الجهاز التابع للسلطة التنفيذية".
ودعا القضاة في اللائحة الصادرة عن هذا المجلس الوطني، المشرفين على المحاكم، من القضاء العدلي والإداري والمالي وعموم القضاة، إلى "التمسك بأداء وظائفهم القضائية باستقلالية ونزاهة وحياد وعدم الاحتكام في قضائهم إلاّ لضمائرهم وللقانون وألا يقبلوا أية تعليمات أو توجيهات، لا من المجلس المنصّب ولا من رئاسة الحكومة ولا من وزارة العدل ولا أي جهة أخرى".
كما أقرّوا "ممارسة الطعون القضائية اللازمة، بما في ذلك الطعن أمام القضاء الإداري، ضدّ كلّ الإجراءات التي آلت إلى إحداث المجلس المنصّب وتركيزه، كممارسة الطعون ضدّ القرارات غير الشرعية التي تنال من حقوق القضاة وضمانات استقلالهم"، حسب نص اللائحة.
خليل الحناشي
تونس-الصباح
في الوقت الذي انتظر فيه عموم القضاة انفراجا في علاقتهم بالسلطة التنفيذية والتقدم خطوة في اتجاه تجاوز تأخر حركة النقل، يدخل القضاة منعرجا جديدا بعد إجراء رفع الحصانة عن رئيس الجمعية أنس الحمادي.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن رفع مجلس القضاء العدلي المؤقت الحصانة القضائية عن الحمادي على خلفية تعطيل حرية العمل بالمحكمة الابتدائية بالمنستير خلال إضراب القضاة في شهر جوان 2022.
وقد اتُّخذ القرار استجابةً لطلب وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالمنستير الذي تعهد بشكاية تقدّم بها محام ضد رئيس جمعية القضاة التونسيين حسب ما نقله موقع المفكرة القانونية.
ونُسب إلى الحمادي اقتحامه قاعة الدائرة الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية بالمنستير لمنع رئيسها من مواصلة انعقاد الجلسة والتي تزامنت مع نضالات القضاة أثناء الإضراب الذي دعت له جمعية القضاة خلال شهر جوان الماضي.
ولئن تبدو العقوبة تأديبية وذات طابع إداري، فان البعض يصفها بأنها عقوبة سياسية بالدرجة الأولى نتيجة تتبّعات تأديبية سابقا بوشرت في حقه بسعي من وزيرة العدل ليلى جفّال.
وقد تقاطع هذا الموقف مع بيان اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء التي حذرت منذ شهر جويلية الماضي من مغبة الاستهداف السياسي لحمادي على خلفية نشاطه النقابي.
وأوردت اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء في بيانها الأخير "انه وفي إطار متابعتها للإجراءات التي طالت رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي على خلفية دوره في تحركات القضاة الرافضة للقرارات الجائرة المتعلقة بإعفاء 57 قاضيا وقاضية تؤكد على أن الإجراءات المتخذة ضد رئيس الجمعية والتي هي على صلة بمباشرته لنشاطه النقابي تشكل استهدافا خطيرا لحق القضاة في الاجتماع والتعبير لحماية استقلالهم وهو الحق المكفول بالدستور وبالمعاهدات الدولية المصادق عليها من الدولة التونسية".
وعبرت اللجنة عن بالغ انشغالها مما أسمته "انحراف التفقدية العامة بوزارة العدل بالإجراءات برفض تمكين رئيس الجمعية ومحاميه في ثلاث مناسبات من نسخة من الملف بكل وثائقه للإطلاع عليه وإعداد وسائل الدفاع في الأجل المعقول في مخالفة للقانون ولما استقر عليه فقه القضاء الإداري من أن احترام حقوق الدفاع في المادة التأديبية يرتقي إلى مرتبة المبادئ العامة للقانون التي يتعين على الإدارة احترامها وهي وجوب تمكين المعني بالأمر من الإطلاع على الملف ومده بنسخة منه ومنحه أجلا معقولا للجواب".
وخلصت اللجنة المدنية للدفاع على استقلال القضاء أن ما يتعرض له الحمادي "استهداف سياسي غايته إخماد صوت ثابت في الدفاع عن استقلالية القضاء وعلى نية واضحة لإصدار قرارات خطيرة في شأنه خاصة في هذا الظرف الذي تتواصل فيه تحركات القضاة".
فرضية الاستهداف السياسي كشفتها مواقف المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، وكليمان نياليتوسي فول، المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات اللذين عبرا يوم 15سبتمبر الجاري بجنيف عن “قلقهما البالغ إزاء القيود المفرطة المفروضة على الحقّ في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات للقضاة” في تونس والتي تمّت ممارستها “بعد احتجاجهم السلمي على مراسيم” رئيس الجمهورية قيس سعيد وعن انشغالهما من المضايقات التي يتعرض لها رئيس جمعية القضاة التونسيين انس الحمادي على خلفية نشاطه النقابي.
وقد نجح القضاة في استعمال آليات حماية حقوق الإنسان الدولية في معركة الدفاع عن استقلالية المهنة بعد أن انتقدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالنيابة ندى النَّاشف استهداف القضاء عبر سياسة التخويف بالإعفاءات.
ويبدو أن مؤشرات الاستهداف السياسي لا تهدا في ملف الحمادي إذ وبعد أيام قليلة من بيان جمعية القضاة من تأخر مؤشرات البت في ملف النقل وتأخير إصدار الحركة القضائية يأتي مطلب رفع الحصانة عن الرجل الأول بالجمعية وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة داخل القطاع.
وحتى يتجاوز أزمة التعطيل أقرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أن قيس سعيد أمضى على تسمية الملحقين القضائيين المتخرجين حديثا من المعهد الأعلى للقضاء دون أن تتحدث الصفحة عن موضوع الحركة القضائية.
هذا وقد حاولت "الصباح" الاتصال بعدد من أعضاء جمعية القضاة للاطلاع على موقفهم من قرار رفع الحصانة إلا أنهم خيروا التريث في انتظار بيان في الغرض.
ويذكر أن القضاة المجتمعون في شهر فيفري الماضي بالمجلس الوطني لجمعيّة القضاة التونسيين، عبروا عن رفضهم التعامل مع المجلس الأعلى المؤقت للقضاء والذي وصفوه بـ"المنصّب وغير الشرعي"، محمّلين أعضاءه "المسؤولية الكاملة، لقبولهم الانخراط في تركيز هذا الجهاز التابع للسلطة التنفيذية".
ودعا القضاة في اللائحة الصادرة عن هذا المجلس الوطني، المشرفين على المحاكم، من القضاء العدلي والإداري والمالي وعموم القضاة، إلى "التمسك بأداء وظائفهم القضائية باستقلالية ونزاهة وحياد وعدم الاحتكام في قضائهم إلاّ لضمائرهم وللقانون وألا يقبلوا أية تعليمات أو توجيهات، لا من المجلس المنصّب ولا من رئاسة الحكومة ولا من وزارة العدل ولا أي جهة أخرى".
كما أقرّوا "ممارسة الطعون القضائية اللازمة، بما في ذلك الطعن أمام القضاء الإداري، ضدّ كلّ الإجراءات التي آلت إلى إحداث المجلس المنصّب وتركيزه، كممارسة الطعون ضدّ القرارات غير الشرعية التي تنال من حقوق القضاة وضمانات استقلالهم"، حسب نص اللائحة.