إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد الاتفاق على الزيادة في الأجور: هذا كل ما قدر عليه الاتحاد ؟ !

بقلم: نوفل سلامة(*)

بعد لقاءات ماراطونية وصفها الإتحاد العام التونسي للشغل بأنها متعثرة وبعد الشد الكبير الذي لعبته الحكومة بقيادة السيدة نجلاء بودن في ترويض المنظمة الشغيلة وإخضاعها إلى بيت الطاعة وبعد الأخذ والرد وبعد محاولات الإتحاد رفع سقف المطالب عاليا في مقابل تمسك الحكومة بضرورة الخضوع للاكراهات وعدم الاستجابة لما يطلب منها إلا في الحد الأدنى المتاح لها وبعد مفاوضات وصفت من كل الأطراف بالعسيرة تمكنت في الأخير الحكومة والاتحاد من الإمضاء على اتفاق كان صندوق النقد الدولي ينتظره لغلق ملف المفاوضات مع الحكومة والقاضي بالزيادة في أجور الوظيفة العمومية والقطاع العام تقدر نسبتها في حدود 5 بالمائة من الأجر الخام وهي زيادة على أهميتها بالنسبة للحكومة واتحاد الشغل لتقديم الدليل على الدخول في مرحلة السلم الاجتماعي فإنها بالنسبة للأجراء وعموم الموظفين مخيبة للآمال ولا تستجيب لما تعرفه المقدرة الشرائية من تدهور وصعوبات وعجز عن مجاراة الارتفاعات الصاروخية والجنونية في أسعار المواد الغذائية حيث من المنتظر أن يحصل كل موظف على زيادة في الأجر لا تتجاوز 50 دينارا كمعدل زيادة مع اختلاف في الرتبة والدرجة بين موظف وآخر وهي زيادة محتشمة من قبيل ذر الرماد على العيون الحكومة في حاجة إليها لتقديم الدليل لصندوق النقد الدولي على وجود سلم اجتماعية والاتحاد في حاجة إليها للظهور أمام منظوريه في صورة المدافع عن مصالح الشغالين بما يعني أن كل المفاوضات العسيرة قد افضت في الأخير إلى زيادة هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع أمام نسبة التضخم المرتفعة جدا .

المهم الذي نخرج به بعد انهاء الصراع الذي دام طويلا بين الاتحاد والحكومة بخصوص المطالب المالية للشغالين والذي أفضى إلى ما أفضى إليه من تسوية مالية من قبيل المضحكات المبكيات إذ بمجرد الإعلان عن اتفاق الزيادة في الأجور حتى عمدت الحكومة إلى الترفيع في سعر بنزين السيارات وسعر قارورة الغاز المنزلي وفي انتظار زيادات أخرى مرتقبة في مواد غذائية أخرى ليجد المواطن نفسه أمام المثل الشعبي الشهير الذي يقول ما " أعطي باليد اليمنى أخذ منك باليد اليسرى " .

المهم فيما حصل أن لغة الاتحاد تجاه الحكومة قد تغيرت 180 درجة وعرفت تحولا لافتا في التعامل أثناء المفاوضات على المطالب الاجتماعية فبعد ذلك الخطاب القوي الذي استعمل مع كل الحكومات بعد الثورة ومفرداته التي كان فيها الكثير من التحدي ونبرة الاستعلاء حتى وصف نفسه بأنه " أكبر قوة في البلاد " وبأن لا شيء يمر من دون موافقته إلى درجة أن اشترط صندوق النقد الدولي قبل مجيء الرئيس قيس سعيد موافقة الاتحاد قبل الإمضاء على أي اتفاق مع الحكومة وبعد أن كان يحرج الحكومات السابقة حينما تطلب منه تأجيل الزيادات في الأجور أو رفع الدعم لأسباب مالية ولعدم قدرة الدولة على توفير السيولة اللازمة لتغطية كلفة الزيادات كان الاتحاد دوما يشكك في الأرقام الرسمية ويطالب الدولة بتجميع أموالها المهدورة في القطاع الموازي الذي لا يدفع أصحابه إلا معلوما تقديريا وعند رجال الأعمال وأصحاب المشاريع الكبرى الذين يتهربون حسب قوله من دفع ما عليهم من أداء تجاه الدولة وهذه الطريقة في الحديث مع الحكومات السابقة كانت محرجة لها وكانت تضع الشعب وجها لوجه أمام الحكومة وتسمح له بالخروج عليها والاحتجاج على أدائها وسلوكها من دون مراعاة للوضع الصعب التي مرت به البلاد .

هذا الخطاب التصعيدي والاستعراضي والذي كان فيه الاتحاد العام التونسي للشغل رقما صعبا في المعادلة السياسية ومعادلة الحكم قد تلاشى اليوم مع مجيء منظوم 25 جويلية التي وضعت الاتحاد في مكانه الطبيعي وأعادته إلى موقعه الاصلي منظمة تهتم بالمطالب الاجتماعية للشغالين ولا تتدخل في بالمسائل السياسية التي يراها الرئيس قيس سعيد أنه غير معنية بها لنجد أنفسنا أمام خطاب نقابي قد تخلى عن لغة الاستقراء والتحدي والتهديد وتحول إلى خطاب ناعم ومتفاهم للصعوبات التي تعترض الحكومة ومبررا لعدم قدرة الدولة على الاستجابة لمطالب النقابة . فخلال حضوره في برنامج على قناة التاسعة تحدث نور الدين الطبوبي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل عن مخرجات الاتفاق الذي أمضته المنظمة الشغيلة مع الحكومة معتبرا أنه لا يمكن ايقاف نزيف ارتفاع الأسعار في مقابل ما يطالب به صندوق النقد الدولي من تحرير الأسعار ورفع الدعم نظرا لكون تحديد الأسعار عملية تتحكم فيها عدة معطيات منها أسباب خارجية تتعلق باقتناء المواد الاولية الموردة والتي شهدت ارتفاعا كبيرا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية والأهم من ذلك والذي يحول دون توفير السلع في السوق هو عدم قدرة الدولة على توفير السيولة اللازمة حيث صرح الطبوبي بأنه حتى لو توفرت البضائع فإن الدولة لن تكون قادرة على اقتنائها لغياب السيولة لديها.

وفي موضوع أسباب ندرة السلع والمواد الغذائية من الأسواق ما خلفته من أزمة اجتماعية حادة وتوترا في صفوف الشعب بسبب ما تقوم به لوبيات متحكمة في مسالك التوزيع وقوى نافذة تتحكم في الانتاج ايقافا وتوزيعا ونتيجة الاحتكار الذي تقوم به جهات لا يعنيها إلا الربح المادي أرجع الطبوبي هذه الأزمة الى غياب ثقة المزودين في قدرة الدولة التونسية على السداد بعد أن تراجع تصنيفنا الائتماني ويضيف بكل وثوق أن وضعنا المالي اليوم حرج للغاية وأن الدولة غير قادرة على توفير السيولة المالية لشراء ما يحتاجه الشعب من سلع ومواد غذائية معتبرا سلوك الحكومة في هذا الظرف طبيعي وهو يلتمس العذر للحكومة خاصة وأن مسؤوليتها لا تسمح لها حسب ظنه بمصارحة الشعب وتوضيح كل الحقائق حول وضعنا المالي لتداعياته الخطيرة وينهي حديثه بأنه مطلع على كل الحالة المالية للدولة  ولكن واجب التحفظ يمنعه من الافصاح عنها مراعاة للأمن العام والأمن القومي للدولة والبلاد . مضيفا أنه لو كان مكان الرئيس قيس سعيد في مثل هذا الوضع لفعل مثل ما فعل ولتوخى نفس سلوكه وقراره. 

ما أردنا قوله من خلال هذه المراوحة بين موقف الاتحاد من الحكومات السابقة وحكومة السيدة نجلاء بودن هو أن لغة الاتحاد قد تغيرت كليا وأن الاعذار التي كانت تطالب بها الحكومات السابقة أصبحت اليوم مع الحكومة الحالية مقبولة ومرحب بها من طرف الاتحاد .. ما أردنا قوله هو أنه بعد كل تلك الهالة التي كانت للمنظمة الشغيلة وبعد كل ذلك التسويق للصورة الذي اشتغلت عليها فإن كل ما قدر عليه الاتحاد هذه المرة في مفاوضاته مع حكومة يقول عنها الجميع بأنها من أضعف الحكومات زيادة في أجور الموظفين لا تغني ولا تسمن من جوع وهي من قبيل ذر الرماد على العيون لا غير. فهل هذا كل ما قدرت أقوى قوة في البلاد ؟ أم أن للموضوع قصة أخرى ؟  

  • حقوقي وناشط في المجتمع المدني
بعد الاتفاق على الزيادة في الأجور: هذا كل ما قدر عليه الاتحاد ؟ !

بقلم: نوفل سلامة(*)

بعد لقاءات ماراطونية وصفها الإتحاد العام التونسي للشغل بأنها متعثرة وبعد الشد الكبير الذي لعبته الحكومة بقيادة السيدة نجلاء بودن في ترويض المنظمة الشغيلة وإخضاعها إلى بيت الطاعة وبعد الأخذ والرد وبعد محاولات الإتحاد رفع سقف المطالب عاليا في مقابل تمسك الحكومة بضرورة الخضوع للاكراهات وعدم الاستجابة لما يطلب منها إلا في الحد الأدنى المتاح لها وبعد مفاوضات وصفت من كل الأطراف بالعسيرة تمكنت في الأخير الحكومة والاتحاد من الإمضاء على اتفاق كان صندوق النقد الدولي ينتظره لغلق ملف المفاوضات مع الحكومة والقاضي بالزيادة في أجور الوظيفة العمومية والقطاع العام تقدر نسبتها في حدود 5 بالمائة من الأجر الخام وهي زيادة على أهميتها بالنسبة للحكومة واتحاد الشغل لتقديم الدليل على الدخول في مرحلة السلم الاجتماعي فإنها بالنسبة للأجراء وعموم الموظفين مخيبة للآمال ولا تستجيب لما تعرفه المقدرة الشرائية من تدهور وصعوبات وعجز عن مجاراة الارتفاعات الصاروخية والجنونية في أسعار المواد الغذائية حيث من المنتظر أن يحصل كل موظف على زيادة في الأجر لا تتجاوز 50 دينارا كمعدل زيادة مع اختلاف في الرتبة والدرجة بين موظف وآخر وهي زيادة محتشمة من قبيل ذر الرماد على العيون الحكومة في حاجة إليها لتقديم الدليل لصندوق النقد الدولي على وجود سلم اجتماعية والاتحاد في حاجة إليها للظهور أمام منظوريه في صورة المدافع عن مصالح الشغالين بما يعني أن كل المفاوضات العسيرة قد افضت في الأخير إلى زيادة هزيلة لا تغني ولا تسمن من جوع أمام نسبة التضخم المرتفعة جدا .

المهم الذي نخرج به بعد انهاء الصراع الذي دام طويلا بين الاتحاد والحكومة بخصوص المطالب المالية للشغالين والذي أفضى إلى ما أفضى إليه من تسوية مالية من قبيل المضحكات المبكيات إذ بمجرد الإعلان عن اتفاق الزيادة في الأجور حتى عمدت الحكومة إلى الترفيع في سعر بنزين السيارات وسعر قارورة الغاز المنزلي وفي انتظار زيادات أخرى مرتقبة في مواد غذائية أخرى ليجد المواطن نفسه أمام المثل الشعبي الشهير الذي يقول ما " أعطي باليد اليمنى أخذ منك باليد اليسرى " .

المهم فيما حصل أن لغة الاتحاد تجاه الحكومة قد تغيرت 180 درجة وعرفت تحولا لافتا في التعامل أثناء المفاوضات على المطالب الاجتماعية فبعد ذلك الخطاب القوي الذي استعمل مع كل الحكومات بعد الثورة ومفرداته التي كان فيها الكثير من التحدي ونبرة الاستعلاء حتى وصف نفسه بأنه " أكبر قوة في البلاد " وبأن لا شيء يمر من دون موافقته إلى درجة أن اشترط صندوق النقد الدولي قبل مجيء الرئيس قيس سعيد موافقة الاتحاد قبل الإمضاء على أي اتفاق مع الحكومة وبعد أن كان يحرج الحكومات السابقة حينما تطلب منه تأجيل الزيادات في الأجور أو رفع الدعم لأسباب مالية ولعدم قدرة الدولة على توفير السيولة اللازمة لتغطية كلفة الزيادات كان الاتحاد دوما يشكك في الأرقام الرسمية ويطالب الدولة بتجميع أموالها المهدورة في القطاع الموازي الذي لا يدفع أصحابه إلا معلوما تقديريا وعند رجال الأعمال وأصحاب المشاريع الكبرى الذين يتهربون حسب قوله من دفع ما عليهم من أداء تجاه الدولة وهذه الطريقة في الحديث مع الحكومات السابقة كانت محرجة لها وكانت تضع الشعب وجها لوجه أمام الحكومة وتسمح له بالخروج عليها والاحتجاج على أدائها وسلوكها من دون مراعاة للوضع الصعب التي مرت به البلاد .

هذا الخطاب التصعيدي والاستعراضي والذي كان فيه الاتحاد العام التونسي للشغل رقما صعبا في المعادلة السياسية ومعادلة الحكم قد تلاشى اليوم مع مجيء منظوم 25 جويلية التي وضعت الاتحاد في مكانه الطبيعي وأعادته إلى موقعه الاصلي منظمة تهتم بالمطالب الاجتماعية للشغالين ولا تتدخل في بالمسائل السياسية التي يراها الرئيس قيس سعيد أنه غير معنية بها لنجد أنفسنا أمام خطاب نقابي قد تخلى عن لغة الاستقراء والتحدي والتهديد وتحول إلى خطاب ناعم ومتفاهم للصعوبات التي تعترض الحكومة ومبررا لعدم قدرة الدولة على الاستجابة لمطالب النقابة . فخلال حضوره في برنامج على قناة التاسعة تحدث نور الدين الطبوبي الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل عن مخرجات الاتفاق الذي أمضته المنظمة الشغيلة مع الحكومة معتبرا أنه لا يمكن ايقاف نزيف ارتفاع الأسعار في مقابل ما يطالب به صندوق النقد الدولي من تحرير الأسعار ورفع الدعم نظرا لكون تحديد الأسعار عملية تتحكم فيها عدة معطيات منها أسباب خارجية تتعلق باقتناء المواد الاولية الموردة والتي شهدت ارتفاعا كبيرا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية والأهم من ذلك والذي يحول دون توفير السلع في السوق هو عدم قدرة الدولة على توفير السيولة اللازمة حيث صرح الطبوبي بأنه حتى لو توفرت البضائع فإن الدولة لن تكون قادرة على اقتنائها لغياب السيولة لديها.

وفي موضوع أسباب ندرة السلع والمواد الغذائية من الأسواق ما خلفته من أزمة اجتماعية حادة وتوترا في صفوف الشعب بسبب ما تقوم به لوبيات متحكمة في مسالك التوزيع وقوى نافذة تتحكم في الانتاج ايقافا وتوزيعا ونتيجة الاحتكار الذي تقوم به جهات لا يعنيها إلا الربح المادي أرجع الطبوبي هذه الأزمة الى غياب ثقة المزودين في قدرة الدولة التونسية على السداد بعد أن تراجع تصنيفنا الائتماني ويضيف بكل وثوق أن وضعنا المالي اليوم حرج للغاية وأن الدولة غير قادرة على توفير السيولة المالية لشراء ما يحتاجه الشعب من سلع ومواد غذائية معتبرا سلوك الحكومة في هذا الظرف طبيعي وهو يلتمس العذر للحكومة خاصة وأن مسؤوليتها لا تسمح لها حسب ظنه بمصارحة الشعب وتوضيح كل الحقائق حول وضعنا المالي لتداعياته الخطيرة وينهي حديثه بأنه مطلع على كل الحالة المالية للدولة  ولكن واجب التحفظ يمنعه من الافصاح عنها مراعاة للأمن العام والأمن القومي للدولة والبلاد . مضيفا أنه لو كان مكان الرئيس قيس سعيد في مثل هذا الوضع لفعل مثل ما فعل ولتوخى نفس سلوكه وقراره. 

ما أردنا قوله من خلال هذه المراوحة بين موقف الاتحاد من الحكومات السابقة وحكومة السيدة نجلاء بودن هو أن لغة الاتحاد قد تغيرت كليا وأن الاعذار التي كانت تطالب بها الحكومات السابقة أصبحت اليوم مع الحكومة الحالية مقبولة ومرحب بها من طرف الاتحاد .. ما أردنا قوله هو أنه بعد كل تلك الهالة التي كانت للمنظمة الشغيلة وبعد كل ذلك التسويق للصورة الذي اشتغلت عليها فإن كل ما قدر عليه الاتحاد هذه المرة في مفاوضاته مع حكومة يقول عنها الجميع بأنها من أضعف الحكومات زيادة في أجور الموظفين لا تغني ولا تسمن من جوع وهي من قبيل ذر الرماد على العيون لا غير. فهل هذا كل ما قدرت أقوى قوة في البلاد ؟ أم أن للموضوع قصة أخرى ؟  

  • حقوقي وناشط في المجتمع المدني